تركيا تتطلع للحصة الأكبر في إعمار سوريا وتأمل بوجود تمويل خليجي

انطلاقاً من دمشق.. أردوغان يتوخى دعم ترمب لتعزيز دوره الإقليمي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب أرودغان في البيت الأبيض في 2019 - بلومبرغ
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب أرودغان في البيت الأبيض في 2019 - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في ظل تهديد دونالد ترمب بقلب السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب مرة أخرى، يهدف أحد معارفه القدامى إلى الإفادة من حقبة جديدة للصفقات الأميركية في الشرق الأوسط.

يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استغلال زوال نظام الأسد في سوريا المجاورة ووقف إطلاق النار في غزة. إذا سارت الأمور كما ينبغي، يمكن أن تكون هناك مئات المليارات من الدولارات من عقود إعادة الإعمار والتجارة الجديدة بالإضافة إلى النفوذ الجيوسياسي.

لكن الخلاف بين تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة يشكل اختباراً للخطط الهادفة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وفقاً لمسؤولين ومستشارين أتراك مطلعين على الأمر. يريد أردوغان حل تلك المجموعات، لكن المحادثات الأخيرة مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن لم تسفر عن نتيجة. وقال الأشخاص إنه من المتوقع أن يزور وفد تركي واشنطن لإجراء مناقشات قريباً.

كانت الولايات المتحدة دوماً داعماً للأكراد في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. رفضت واشنطن التخلي عنهم لصالح تركيا لأنها اعتبرتهم عنصراً حيوياً لمنع المسلحين المتشددين من استغلال الفوضى في سوريا.

مصالح تجارية لأنقرة

تخوض تركيا حرباً ضد المسلحين الأكراد الانفصاليين منذ عقود، وهي ترى الآن فرصة لتحييد التهديد. تنظر أنقرة للمقاتلين الأكراد في سوريا باعتبارهم إرهابيين ومتحالفين مع حزب العمال الكردستاني، المعروف بـ"بي كيه كيه" (PKK).

اقرأ أيضاً: مساهمة تركيا بإعادة إحياء قطاع الطاقة في سوريا بين الفرص والتحديات

وهناك أيضاً مصالح تجارية، وفقاً لأشخاص مقربين من الحكومة التركية. فمع مرور مئات الشاحنات التركية، التي تحمل الغذاء والأدوية ومواد البناء، على الحدود يومياً، يأمل أردوغان في الاضطلاع بدور أكبر في إعادة إعمار سوريا.

ومع الحاجة إلى بناء مدن كاملة، ومستشفيات، ومدارس، وبنية تحتية متداعية، تعقد السلطات التركية اجتماعات متتالية لتنسيق جهود إعادة الإعمار، وفقاً لأشخاص في أنقرة وإسطنبول مطلعين على الأمر.

بفضل ذلك، ارتفعت أسهم شركات إنتاج الأسمنت والصلب التركية منذ الإطاحة ببشار الأسد، في حين استؤنفت رحلات الخطوط الجوية التركية إلى دمشق يوم الخميس بعد انقطاع دام 13 عاماً.

"تتطلع تركيا إلى الاستحواذ على حصة الأسد في إعادة إعمار سوريا" وفقاً لما قاله أويتون أورهان، المتخصص في الشؤون السورية في مركز دراسات الشرق الأوسط في أنقرة. وأضاف "عندما سيطرت المعارضة السورية على دمشق، حصلت تركيا على الفرصة للاستفادة من سنوات دعمها المباشر وغير المباشر لها".

أعمال إعادة الإعمار في موقع مقصوف في دمشق
أعمال إعادة الإعمار في موقع مقصوف في دمشق

تعتقد تركيا أن تطلعاتها إلى لعب دور أكبر في مستقبل سوريا تحظى بموافقة ضمنية من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشرط ألا تستهدف القوات الكردية السورية، وأن تخفف انتقاداتها لسياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية، كما قال المسؤولون والمستشارون الأتراك الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

المحادثات الأميركية-التركية

خلال المحادثات مع المسؤولين الأميركيين في أنقرة هذا الشهر، أصرت تركيا على حل قوات "حماية الشعب الكردية" المدعومة من الولايات المتحدة والتي تعمل تحت لواء "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد، وفقاً للأشخاص.

وكان أحد المطالب الأخرى هو أن يغادر أعضاء حزب العمال الكردستاني، المنضوين تحت قوات سوريا الديمقراطية، سوريا وسط توقعات متزايدة داخل الحكومة التركية بأن زعيم الجماعة المسجون، عبد الله أوجلان، سيحث مقاتليه قريباً على إلقاء السلاح.

اقرأ أيضاً: تركيا تسعى للعب دور أكبر بإعادة تطوير صناعة النفط والغاز في سوريا 

وقال أردوغان أمام البرلمان في أنقرة في وقت سابق من هذا الشهر: "إذا لم تقم منظمة وحدات حماية الشعب الإرهابية، التي استولت على الموارد الطبيعية لسوريا، بحل نفسها وإلقاء سلاحها، فلن تتمكن من الهروب من النهاية المريرة القادمة".

تمول تركيا وتقدم المشورة للجيش الوطني السوري، الذي ساعد في الإطاحة بالأسد ويحاول السيطرة على المزيد من الأراضي من القوات الكردية في شمال البلاد.

حتى الآن، عارضت الولايات المتحدة المطالب التركية بحل قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي وحدات حماية الشعب لأنها ترى الأكراد حليفاً مهماً في كبح تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وفقاً لأشخاص مطلعين على تفكير تركيا. ولم ترد وزارة الخارجية على طلب التعليق.

هناك أيضاً حوالي 2000 جندي أميركي في سوريا، وهو أكثر من ضعف العدد الذي كان يُعتقد بوجوده سابقاً، وفقاً لوزارة الدفاع.

أردوغان وترمب وعلاقة متشابكة

هدد بعض أعضاء مجلس الشيوخ بفرض عقوبات على تركيا الشهر الماضي ما لم يوقف الجيش الوطني السوري حملته. لكن المزاج في واشنطن تغير. أشاد ترمب، الذي وصف أردوغان بأنه "صديق" و"شيطان" على حد سواء، بالرئيس التركي وقال إن البلاد ستكون لاعباً رئيسياً في تشكيل مستقبل سوريا.

في الوقت نفسه، يأمل أردوغان في إقناع ترمب بأن ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي في موقف أفضل لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية. وتريد تركيا أيضاً من القوات الكردية تسليم السيطرة على حقول النفط، والتي يمكن أن تكون مصدراً أساسياً للإيرادات لإعادة إعمار سوريا، إلى الحكومة في دمشق. قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، كانت سوريا تنتج قرابة 400 ألف برميل يومياً، ما يزيد عما تضخه بعض الدول الأعضاء في أوبك اليوم.

مبان مدمرة خلال الحرب قرب برج للكهرباء في حرستا، على مشارف دمشق
مبان مدمرة خلال الحرب قرب برج للكهرباء في حرستا، على مشارف دمشق - بلومبرغ

"تركيا لديها القدرة على إصلاح مطارات سوريا وشبكة الكهرباء وشبكة الاتصالات بسرعة بينما تعيد بناء الوحدات السكنية والبنية التحتية" بحسب مراد يشيلتاس، مدير السياسة الأمنية لدى مؤسسة سيتا (SETA) البحثية التي تتخذ من أنقرة مقرا لها. وأضاف: "يمكنها حتى إعادة تأهيل حقول الغاز الطبيعي والنفط في سوريا في المستقبل".

هناك الكثير على المحك بالنسبة لأردوغان شخصياً. بعد فوزه بإعادة انتخابه في عام 2023، يسعى الرئيس التركي إلى تمديد حكمه وترسيخ إرثه من خلال إحياء خطة لتحقيق السلام مع الأقلية الكردية. يمكن أن يعزز ذلك صورته السياسية بعد دخول الاقتصاد في حالة ركود، حيث تحاول البلاد خفض أحد أعلى معدلات التضخم في العالم.

العرض المقدم للأكراد هو المال. ويشير المسؤولون الأتراك أيضاً إلى العلاقات التجارية القوية مع الأكراد في العراق كمثال على ما قد تجلبه العلاقة الودية للأكراد في سوريا في المستقبل. فقد قامت الشركات التركية ببناء المستشفيات والمطارات ومراكز التسوق والفنادق الفاخرة في العراق.

ولزيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي على سوريا، عرضت تركيا بالفعل على قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع المساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة فضلاً عن المساعدات العسكرية ودعم المعارضين السوريين المدعومين من تركيا.

سوريون يصطفون للحصول على مساعدات مقدمة من هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في حلب في 16 ديسمبر 2024
سوريون يصطفون للحصول على مساعدات مقدمة من هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في حلب في 16 ديسمبر 2024

دور دول الخليج 

ناشدت تركيا دول الخليج أيضاً المساعدة في تمويل المشاريع التي تُقدر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات. وقال الأشخاص إن بعض شركات البناء التركية في مدينة حلب الواقعة شمال البلاد، التي تعرض نصفها للتدمير، تقوم بالفعل بتقييم مشاريع البناء، مضيفين أن البلاد تحتاج أيضاً إلى المساعدة في إصلاح شبكة الكهرباء وبناء سدود جديدة.

ثم هناك التجارة. ويُتوقع أن تستخدم تركيا سوريا مرة أخرى كممر رئيسي للصادرات عن طريق البر إلى الخليج بمجرد تحسن الوضع الأمني، بدلاً من طريق الشحن الأكثر تكلفة عبر مصر.

اقرأ أيضاً: أسهم شركات البناء تصعد في تركيا رهاناً على مشاركتها بإعادة إعمار سوريا

قال الأشخاص المطلعون على الوضع إن أنقرة تنتظر لمعرفة ما إذا كان وقف إطلاق النار في غزة سيصمد قبل أن تقرر ما إذا كانت ستستأنف العلاقات مع إسرائيل. أوقفت تركيا كامل التجارة مع إسرائيل في مايو 2024 احتجاجاً على حملتها العسكرية ضد غزة.

قال إردال إيرين، رئيس جمعية المقاولين الأتراك: "المرحلة التالية من الحرب لا تزال مستمرة في سوريا، ومن الضروري أن نرى ما ستخطط له حكومتنا بشأن التطورات.. نحن ننتظر المشاركة في إصلاح وإعادة إعمار البلدان التي دُمرت على يد الآخرين وتضررت من جانبهم".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك