تسعى الصين لتحسين الأوضاع المالية في المناطق المحلية التي تعاني من ضائقة مالية، وهو ما يعني أن لديها أموالاً أقل لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، إذ يتم لأول مرة استخدام الأموال الناتجة عن بيع السندات الجديدة الخاصة بالحكومات المحلية لسداد القروض السابقة.
في مارس، قالت بكين إن الحكومات المحلية يمكن أن تصدر ما قيمته 3.9 تريليون يوان (539 مليار دولار) من السندات الجديدة هذا العام، وهي الأموال التي كانت تُستخدم في الماضي حصرياً لتمويل الأشغال العامة. ولكن في وقت سابق من نوفمبر، قرر المشرعون أنه اعتباراً من هذا العام، يمكن للحكومات المحلية استخدام 800 مليار يوان قيمة مبيعات السندات لسداد الديون الخفية القديمة كل سنة حتى عام 2028.
من شأن الإجراء أن يُحسن الأداء المالي العام للمقاطعات والمدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد، إلا أن الأموال لن تكون متاحة لتمويل تكاليف إنشاء الطرق ومحطات القطارات وغيرها من المباني، في حين تسعى الحكومة لإنعاش الاقتصاد حتى تتمكن من تحقيق هدف النمو السنوي البالغ حوالي 5%.
مخاطر اقتصادية تهدد الصين
تبرز خطوة لتحويل مسار إنفاق الأموال قلق بكين بشأن الأوضاع المالية للحكومات المحلية، ووصف الزعيم الصيني شي جين بينغ ديون الحكومات المحلية بأنها واحدة من ثلاثة "مخاطر اقتصادية ومالية رئيسية" تواجه بلاده.
معظم هذه الديون التي تواجهها الحكومات المحلية في الصين مرتبطة بكيانات تُعرف باسم "آليات تمويل الحكومات المحلية"، والتي تقترض نيابة عن المقاطعات والمدن لتمويل الاستثمارات في مجال البنية الأساسية.
في السنوات السابقة، كان حجم السندات الجديدة الخاصة بالحكومات المحلية بمثابة مؤشر على مقدار التحفيز الإضافي الذي تضيفه الحكومة. وخلال عام 2020، كان الارتفاع الكبير في حجم هذه السندات بمثابة استجابة من الحكومة لدعم الاقتصاد المتأثر بشدة من جائحة كورونا.
هذا العام، تواجه الحكومات المحلية ضغوطاً لحل مشكلة الديون الخفية وتحتاج بشكل عاجل إلى الأموال للقيام بذلك. وفي 8 نوفمبر، كشف المسؤولون في بكين عن تفاصيل برنامج لإعادة تمويل الديون المحلية الخفية ونقلها إلى الميزانية العامة للحكومة بعد موافقة الهيئة التشريعية العليا في الصين.
علاوة على ذلك، أصبحت المشاريع الاستثمارية الجيدة نادرة بعد سنوات من البناء السريع وتباطؤ الاقتصاد واستخدام العديد من الأموال التي تم جمعها عبر السندات الخاصة التي تصدرها الحكومات المحلية بشكل غير فعال.
قال دينغ شوانغ، كبير خبراء الاقتصاد في قسم منطقة الصين الكبرى وشمال آسيا لدى "ستاندرد تشارترد": " قد تكون الموارد الداعمة للنمو هذا العام أصغر فعلاً" مقارنة بالعام الماضي، بعد التحول في استخدام الأموال لسداد الديون الخفية بدلاً من تمويل مشاريع جديدة.
الإنفاق الحكومي الصيني
تُظهر بيانات المالية الحكومية مدى ضعف الإنفاق الرسمي في الوقت الحالي. وارتفع إجمالي الإنفاق من قبل الحكومات المركزية والمحلية إلى 29.2 تريليون يوان في أول 10 أشهر من عام 2024، حسب بيانات وزارة المالية الصادرة يوم الاثنين.
الزيادة في الإنفاق الحكومي كانت بنسبة 1% على أساس سنوي، وجاءت أقل بكثير من الزيادة المستهدفة في الإنفاق لعام 2024. كان الانخفاض ناتجاً عن تراجع بنسبة 5% في الإنفاق من جانب صناديق الحكومات المحلية، التي تُمول عادة مشاريع تطوير الأراضي.
انخفضت إيرادات الحكومات المحلية الإجمالية بنسبة 21% هذا العام، وحدث معظم التراجع بسبب انهيار مبيعات الأراضي، حيث هبطت إيرادات مبيعات الأراضي بنسبة 23% على أساس سنوي، وقلّت أكثر من النصف من مستوى الذروة الذي سجلته في عام 2021.
تقلص الطلب على الأراضي بسبب انهيار العقارات، وبدوره ألحق ضرراً بالوضع المالي لدى العديد من شركات التطوير العقاري التي تملكها الحكومات المحلية، رغم أنها ليست مدرجة ضمن الميزانيات الحكومية الرسمية.
سيتم توجيه الأموال الناتجة عن تبادل الديون لسداد ديون تلك الشركات، التي تُسمى "آليات تمويل الحكومات المحلية"، مما يوفر للحكومات المحلية مئات المليارات من اليوان سنوياً من تكاليف سداد الأعباء المالية.
قال لي شيا، كبير خبراء الاقتصاد الآسيوي لدى "بي بي في إيه" (BBVA)، الذي يرى أن التقشف المالي هذا العام هو الأشد قسوة منذ عام 2015: "يؤثر نقص الموارد المالية بشكل كبير على نمو اقتصاد الصين هذا العام". ويتوقع شيا زيادة حجم السندات الخاصة التي يمكن للحكومات المحلية إصدارها إلى 5 تريليونات يوان في عام 2025.