يشير اسم مجموعة "بريكس" لدول الأسواق الناشئة إلى اختصار الأحرف الأولى من أسماء: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، أو باللغة الإنجليزية (BRICS)، وتحولت المجموعة من شعار ابتُكر في بنك استثمار قبل عقدين إلى نادٍ عالمي حقيقي الآن يسيطر على بنك متعدد الأطراف. وفي بداية 2024، تضاعف عدد أعضائها تقريباً، ليجمع بين بعض أكبر منتجي الطاقة في الكوكب، وأكبر المستهلكين ضمن الدول النامية، ويقدم فرصة لتعزيز ثقل المجموعة الاقتصادي في عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
ومع اجتماع أعضاء المجموعة المقرر اليوم في روسيا، نستعرض كل ما يجب معرفته عن "بريكس" في السطور الآتية، كالتالي:
1) من الأعضاء الجدد في "بريكس"؟
في مستهل العام الجاري توسعت "بريكس" لتشمل إيران والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا ومصر، كما جرى الإعلان عن انضمام السعودية، إلا أن المملكة لم تقرر بشكل نهائي موقفها من الانضمام. فيما رفض الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي -الذي تولى المنصب في ديسمبر 2023- الانضمام للمجموعة، وأشار خلال حملته الانتخابية إلى أنه سيحول دفة السياسة الخارجية للبلاد بعيداً عن الصين والبرازيل، ولفت أن بلاده تصطف جيوسياسياً مع الولايات المتحدة.
وهناك بعض الدول التي لا تزال تسعى للانضمام إلى "بريكس" ومنها ماليزيا وتايلندا وتركيا. ومن المتوقع أن يتم مناقشة هذا التوسع الإضافي خلال قمة قازان في روسيا، والتي تمتد من 22 إلى 24 أكتوبر الجاري.
2) ما الدوافع وراء توسع "بريكس"؟
قادت الصين جهود التوسع في الأغلب بعدما تحولت إلى قوة صناعية كبرى في العالم، حيث تسعى لتعزيز نفوذها العالمي من خلال استمالة دول كانت متحالفة فيما مضى مع الولايات المتحدة. ودعمت جنوب أفريقيا وروسيا هذا التوسع. بينما كانت الهند في البداية مترددة بسبب مخاوفها من أن يؤدي توسيع مجموعة بريكس إلى تحويلها إلى منصة تخدم مصالح الصين، وكانت البرازيل قلقة من أن تؤدي هذه الخطوة إلى إبعادها عن الغرب. ومع ذلك، وافقت الحكومتان في نهاية المطاف على التوسع. وبالنسبة للأعضاء الجدد، تقدم مجموعة بريكس إمكانية الوصول بشكل أسهل إلى التمويل من أعضائها الأغنى، ومنصة سياسية مستقلة عن تأثير واشنطن.
3) ما تأثير زيادة أعضاء "بريكس" على العالم؟
يمكن أن تمنح الدول الرئيسية المنتجة للوقود الأحفوري المجموعة قدرة أكبر على تحدي هيمنة الدولار في تجارة النفط والغاز من خلال التحول إلى عملات أخرى، وهو مفهوم يُعرف باسم "التخلي عن الدولار". ومع ذلك، فإن التوسع "يركز بشكل أكبر على السياسة، ويدور بصورة أقل حول الاقتصاد"، وفق محللي "بلومبرغ إيكونوميكس".
وتحاول بكين بناء نظام عالمي بديل من خلال جذب دول نصف الكرة الجنوبي إلى مدارها الاقتصادي، في تحدٍ لهيمنة الولايات المتحدة. وقد يصبح التحالف الموسع قوة موازنة أقوى لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تشمل: الولايات المتحدة، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، والمملكة المتحدة.
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عُزل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بسبب حربه في أوكرانيا، يسعى أيضاً إلى إضعاف النفوذ العالمي لواشنطن. وتشمل التكتلات الأخرى التي تروج بالفعل لتحول نحو عالم "متعدد الأقطاب" والابتعاد عن هيمنة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، منظمة "أوبك"، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والسوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور)، والاتحاد الأفريقي.
4) ماذا تفعل "بريكس"؟
أكبر الإنجازات التي حققتها المجموعة حتى الآن كانت مالية؛ إذ اتفقت الدول على جمع احتياطيات بالعملات الأجنبية قيمتها 100 مليار دولار، حيث يمكن للأعضاء إقراض بعضهم بعضاً خلال حالات الطوارئ.
بدأ تشغيل مسار السيولة هذا في 2016، وأسس الأعضاء بنك التنمية الجديد (New Development Bank)، والذي يعد مؤسسة مالية على غرار البنك الدولي، ووافق على قروض بنحو 33 مليار دولار وُجهت بشكل أساسي إلى مشروعات المياه، والنقل والمواصلات، ومشروعات البنية التحتية الأخرى منذ بدء نشاطه في 2015. يُذكر أن جنوب أفريقيا اقترضت مليار دولار في 2020 للتصدي لجائحة كورونا، مقارنة بتخصيص البنك الدولي 70.8 مليار دولار للدول المشاركة خلال العام المالي 2022.
5) كيف تغيرت العلاقات التجارية؟
زاد حجم التجارة بين أول 5 أعضاء في التكتل بنسبة 56% لتبلغ 422 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2017 و2022. أما من الناحية الاقتصادية، فإن المصادر الطبيعية والمحاصيل الزراعية للبرازيل وروسيا جعلتهما شريكين طبيعيين في الطلب الصيني. فيما تتسم العلاقات التجارية بين الهند والصين بالضعف، ويُعزى ذلك بدرجة ما إلى التنافس الجيوسياسي والصراع الحدودي المحتدم بينهما.
6) كيف بدأت "بريكس"؟
سك المحلل الاقتصادي جيم أونيل مصطلح "بريكس" في 2001، وكان يعمل حينها لدى "غولدمان ساكس"، للفت الانتباه إلى معدلات النمو الاقتصادي القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين.
كان الغرض من المصطلح هو وضع سيناريو متفائل للمستثمرين في ظل التشاؤم الذي ساد السوق بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة. تقبلت الدول الأربع المفهوم وطورته، وأشار نموها السريع ذلك الوقت إلى وجود مصالح وتحديات مشتركة، وأن توحيد أصواتها قد يعزز نفوذها.
نظمت روسيا أول اجتماع لوزراء خارجية "بريكس" على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2006، وعقدت المجموعة أول اجتماع لرؤساء الدول الأعضاء في 2009. وُجهت دعوة الانضمام إلى جنوب أفريقيا في 2010، لتضم المجموعة قارة أخرى وتضيف حرف (S).
7) من المسؤول عن "بريكس"؟
في معظم الوقت منذ تأسيس "بريكس"، كان حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين يعادل مثلي الدول الأربع الأخرى معاً. من الناحية النظرية كان يُفترض أن يمنح ذلك بكين النفوذ الأكبر، أما من الناحية العملية، فقد مثلت الهند التي تجاوزت الصين في الآونة الأخيرة من حيث عدد السكان، ثقلاً موازناً.
لم تدعم "بريكس" رسمياً الجهود الكبيرة التي تبذلها الصين لإنشاء بنية تحتية في الخارج، فيما يطلق عليها مبادرة الحزام والطريق. ومن ضمن الأسباب اعتراض الهند على تنفيذ تلك المشروعات في الإقليم الذي تتنازع عليه مع باكستان، جارتها وألد أعدائها.
لا يوجد في بنك التنمية الجديد مساهم مسيطر؛ إذ وافقت بكين على اقتراح نيودلهي بأن يملك الأعضاء حصصاً متساوية. ويقع مقر البنك في شنغهاي، غير أن إدارته يتولاها هندي وبرازيليان، كان آخرهما ديلما روسيف، الرئيسة السابقة.
8) هل أثر غزو روسيا لأوكرانيا على المجموعة؟
تبنت دول "بريكس" الأخرى موقفاً محايداً بشكل كبير تجاه الحرب، وتنظر إليها على أنها قضية إقليمية أكثر من كونها أزمة عالمية. رغم ذلك، غيرت الحرب علاقات روسيا مع مؤسسات "بريكس". فسرعان ما جمّد بنك التنمية الجديد المشروعات الروسية، ولم تتمكن موسكو من الحصول على الدولار عبر نظام العملات الأجنبية المشترك لدول "بريكس".
من الناحية الجوهرية، وفي ظل تكثيف العقوبات الأميركية، فضلت دول "بريكس" الأخرى استمرار قدرة الوصول إلى النظام المالي المعتمد على الدولار على مساعدة روسيا.
9) هل لا يزال المستثمرون مهتمين بـ"بريكس"؟
لا يزال هناك اهتمام شديد بالأسواق الناشئة، لكن "بريكس" لا تحظى بأهمية كبيرة كوجهة استثمارية في الفترة الحالية نتيجة التغيرات الجيوسياسة والمسارات الاقتصادية المتباينة للأعضاء.
سجلت دول "بريكس"، عدا الهند، أداءً أسوأ من نظيراتها من الأسواق الناشئة على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".
أبعدت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة معظم المستثمرين الأجانب عن روسيا، كما فُرضت عقوبات على بعض القطاعات في الصين- بالأخص شركات التكنولوجيا- أو التي تواجه حظر استثمار محتمل.
تعد الصين أيضاً اقتصاداً في طور النضج، ويتزايد تباعدها عن الأسواق الناشئة الأخرى، وتواجه تباطؤاً هيكلياً. كما تباطأ اقتصاد البرازيل بشكل ملحوظ بعد نهاية انتعاش السلع العالمية قبل عقد تقريباً.
تعرضت جنوب أفريقيا إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متناوب، نظراً لعجز شركات المرافق الحكومية عن توليد قدر كاف من الكهرباء لتلبية الطلب، فضلاً عن العقبات اللوجستية.
لا تزال الهند تمثل قصة نمو تقارنها بنوك الاستثمار بالصين قبل 10 أعوام أو 15 عاماً، رغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كان بمقدورها اتباع نموذج الصين المعتمد على التصنيع.