تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقديم دعم مالي لأفريقيا بقيمة 50 مليار دولار على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة، إلى جانب تعزيز التعاون العسكري، في إطار سعيه لتعميق علاقات دولته مع القارة التي تُعد مفتاحاً لطموحاته الجيوسياسية.
في كلمته خلال افتتاح منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين اليوم الخميس، بحضور قادة نحو 50 دولة أفريقية، عرض شي رؤيته لتوثيق العلاقات بين الجانبين. وتعهد بتعزيز العلاقات الدبلوماسية، وتقديم حزمة من الحوافز الاقتصادية للقارة، بالرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي للصين الذي حد من قدرتها على الإقراض.
في هذا السياق، قال إريك أولاندر، المؤسس المشارك لمشروع الصين والعالم الجنوبي، إن "هذا التعهد لا يهدف لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة واسعة النطاق كما حدث في الماضي، لكنه يكفي للحفاظ على التزام الصين تجاه أفريقيا كما كانت في السابق".
وأوضح شي أن الدعم الصيني يشمل خط ائتمان بقيمة 30 مليار دولار، و11 مليار دولار ضمن فئة "المساعدات المتنوعة" التي صيغت بشكل غامض، بالإضافة إلى استثمارات لا تقل عن 10 مليارات دولار من الشركات الصينية.
إعفاء جمركي
كما أعلن عن إعفاء الواردات القادمة من 33 دولة أفريقية التي تُعد من الاقتصادات الأقل نمواً، من الرسوم الجمركية، فضلاً عن توسيع الوصول إلى سوق الصين، التي تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وفي سياق منفصل، أعلنت الصين أنها ستقدم مساعدات عسكرية لأفريقيا بقيمة مليار يوان لتدريب 6000 عسكري و1000 ضابط شرطة ومسؤول أمني في أفريقيا.
وفي خطاب وجهه إلى قادة أفارقة، بمن فيهم الرئيس النيجيري بولا تينوبو، ورئيس زامبيا هاكايندي هيشيليما، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، قال شي إن "السعي المشترك بين الصين وأفريقيا لتحقيق التنمية سيدفع موجة من التحديث في جنوب العالم".
جاءت هذه التصريحات عقب مأدبة عشاء فاخرة أقامها شي للساسة الأفارقة، مما يوضح المعاملة الفاخرة التي تلقاها هؤلاء القادة في الصين. وقبل المنتدى، التقى شي مع ما لا يقل عن 26 من قادة أفريقيا، وتعهد بتعزيز العلاقات التجارية والسياسية والأمنية.
وأوضح الرئيس الصيني أن الإعفاء الجمركي سيشمل كافة الدول الأقل نمواً التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع الصين، مما يعني استفادة دول مثل أفغانستان وبنغلاديش وكمبوديا من هذه الخطوة، بينما لن تستفيد دول مثل توفالو وهايتي من الإعفاء لأنها تعترف بتايبيه بدلاً من الصين. وكانت الصين قد منحت في السابق إعفاءً من الرسوم الجمركية لست دول أفريقية منخفضة الدخل على الأقل، ووعدت بتوسيع نطاق هذه المعاملة.
تعاون حكومي وتخفيف الديون
كما وعد شي بتعزيز التعاون الحكومي، من خلال دعوة 1000 عضو من الأحزاب السياسية الأفريقية إلى الصين "لتبادل الخبرات في إدارة الدولة والحزب".
يأتي هذا المنتدى الذي يستمر ثلاثة أيام ضمن استراتيجية بكين المستمرة لتعزيز مكانتها كقائدة للعالم الجنوبي، إذ يسعى شي إلى تحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويُذكر أن الرئيس الصيني زار القارة السمراء خمس مرات منذ توليه السلطة، بينما لم يقم الرئيس الأميركي جو بايدن وسلفه دونالد ترمب، الذي انتقد علناً الدول الأفريقية، بزيارتها خلال فترة ولايتيهما.
على مدى العقد الماضي، أسهمت القروض الصينية في ازدهار مشاريع البنية التحتية في أفريقيا كجزء من مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها شي، لكن هذا التمويل تباطأ أثناء جائحة كورونا قبل أن ينتعش مجدداً العام الماضي. وبالرغم من أن المنتدى يوفر منصة للدول الأفريقية للمطالبة بتخفيف ديونها، أظهرت بكين استعداداً ضئيلاً لإلغاء المدفوعات المستحقة، مفضلة تقديم خيارات إعادة التمويل.
ودعت دول مثل زامبيا وإثيوبيا وغانا إلى تخفيف أعباء ديونها من الصين بعد أن تضررت اقتصاداتها بسبب الجائحة. ويُحتمل أن تؤدي أزمة العقارات المستمرة في الدولة الآسيوية إلى تقييد قدرة بكين على الاستجابة لتلك المطالب، ولم يذكر شي أي تفاصيل حول سداد القروض في خطابه.
أسواق جديدة
مع تزايد الحواجز التجارية في الدول الغربية بسبب مزاعم أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يُصدر فائضه الإنتاجي، أصبحت الصين بحاجة ماسة إلى شركاء جدد لفتح أسواق جديدة أمام شحناتها. ومع ذلك، أعرب بعض القادة الأفارقة عن مخاوفهم من اختلالات التوازن التجاري.
وقال الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا لشي يوم الإثنين: "نرغب كجنوب أفريقيا في تقليص العجز التجاري ومعالجة هيكل تجارتنا. كما أننا نحث على مزيد من عمليات التصنيع المستدامة والاستثمارات التي توفر فرص عمل".
في تغريدة على منصة "إكس" (X)، ذكر مراسل "بلومبرغ" الذي يغطي شؤون الحكومة الصينية كولوم مورفي: "في أروقة قاعة الشعب الكبرى، قبيل خطاب شي جين بينغ في منتدى التعاون الصيني الأفريقي، يتضح من حديث المندوبين الأفارقة أنهم يتطلعون إلى شكل مختلف من التعاون المربح للجميع الذي يسهم بشكل حقيقي في بناء اقتصادات دولهم".
ارتفع الفائض التجاري للصين مع أفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 64 مليار دولار العام الماضي، حيث بلغت الصادرات مستوى جديداً قدره 173 مليار دولار، فيما تراجعت الواردات منذ عام 2022.
وقال بول نانتوليا، باحث في مركز أفريقيا الدراسات الاستراتيجية الذي تموله الحكومة الأميركية بواشنطن: "إذا كانت الدول الأفريقية تصدر فقط مواد خام وتستورد المزيد من السلع المصنعة من الصين، فإن هذا لا يختلف كثيراً عن العلاقات الاقتصادية التي كانت قائمة مع القوى الاستعمارية السابقة. هناك حاجة إلى تغيير".
شراكة في الطاقة والتنمية
في الوقت ذاته، قدمت الصين نفسها كشريك في التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة في أفريقيا، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. كانت أفريقيا، التي تواجه تحديات في تأمين الطاقة بشكل موثوق، المنطقة الأسرع نمواً في استيراد الألواح الشمسية الصينية العام الماضي.
وفي خطابه، أكد شي أن الصين ستساعد أفريقيا في بناء "محركات النمو الأخضر" وتعزيز التحول العالمي نحو التنمية الخضراء.
يعزز التوسع الدبلوماسي الصيني في أفريقيا من نفوذها المتنامي في قارة يُتوقع أن تشكل أكثر من ربع سكان العالم بحلول عام 2050. ووفقاً لمؤشر الدبلوماسية العالمية لمعهد لوي في سيدني، كان لدى الصين 60 بعثة دبلوماسية في أفريقيا العام الماضي، مما يفوق عدد البعثات الأميركية بأربع بعثات.
إلى جانب ذلك، استفادت الدول الأفريقية من نفوذها الدبلوماسي لدعم مواقف بكين في قضايا مثل التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ في الأمم المتحدة.