متى يبدأون، وما مدى السرعة التي سيعملون بها، وإلى أين سينتهي بهم المطاف؟. يتفق مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى حد كبير على أن الوقت قد حان تقريباً لخفض أسعار الفائدة. ويتفق المستثمرون أيضاً مع ذلك، حيث تعكس الأسواق بالكامل تخفيضاً بمقدار ربع نقطة مئوية عندما تجتمع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الشهر المقبل.
لكن الكثير من التوتر قد تشهده الأشهر المقبلة، حيث تقترب السياسة النقدية الأميركية من نقطة تحول حرجة. يتولى رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه الآن مهمة التوجيه بين مجموعتين متعارضتين من المخاطر. ففي حين يسعون للقضاء على التهديد الناجم عن التضخم، سيحتاجون إلى خفض تكاليف الاقتراض في الوقت المناسب وبالسرعة المناسبة لمنع حدوث تدهور سريع في سوق العمل.
قال ديريك تانغ، وهو اقتصادي في "إل إتش ماير مونتاري بوليسي أناليتكس" (LH Meyer/Monetary Policy Analytics): "إنهم لا يفكرون في أول تخفيضين لأسعار الفائدة فحسب، بل في الاستراتيجية الكاملة خلال الأشهر الستة إلى التسعة القادمة". وأضاف: "إنهم يتساءلون: أين نريد أن نكون إذا واجهتنا صدمات؟".
استراتيجية إدارة المخاطر
يشير ذلك إلى استراتيجية إدارة المخاطر، وهو نهج تلجأ إليه البنوك المركزية في كثير من الأحيان خلال فترات عدم اليقين الشديد. بمعنى آخر، ينظرون إلى هدفهم ويسألون: أين يكمن الخطر الأكبر؟ ثم يتخذون موقفاً ضد ذلك الخطر مع مراقبة الوضع الآخر بعناية.
لم تكن تلك الاستراتيجية سهلة على الإطلاق. ومع انخفاض التضخم، أدى ذلك إلى دفع أسعار الفائدة الحقيقية إلى الارتفاع حتى مع إبقاء الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة القياسي ثابتاً في نطاق يتراوح بين 5.25% إلى 5.5% لأكثر من عام. لقد تباطأ خلق فرص العمل، وهدأ التضخم، ولدى "باول" لجنة منقسمة حول النقطة التي يرون عندها أكبر قدر من المخاطر.
كان محافظ بنك الاحتياطي ميشيل بومان ورئيس الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك في معسكر المتسائلين حول جدوى الاستعجال في خفض الفائدة، إذ أنهم يريدون رؤية المزيد من الأدلة على أن استقرار الأسعار أصبح واقعاً، وما زالوا يكتشفون علامات المرونة في سوق العمل. كذلك فإنهم يشيرون إلى أن بعض الارتفاع في معدلات البطالة يرجع إلى بقاء الباحثين عن عمل على الهامش. علاوة على ذلك، ففي حين أبطأت الشركات معدلات التوظيف، فإنها لم تكثف عمليات تسريح العمال.
بالنسبة لهذه المجموعة، يستطيع باول أن يشير إلى تقرير تضخم أسعار المستهلك لشهر يوليو ليوضح أن التخفيض بمقدار ربع نقطة مئوية في سبتمبر من غير المرجح أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وباستثناء المواد الغذائية والطاقة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.2% في الشهر، وارتفع الرقم السنوي لثلاثة أشهر، وهو إشارة إلى اتجاه التضخم على المدى القريب، بنسبة 1.6%، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2021.
مخاطر كبيرة
هناك أيضاً مجموعة من المسؤولين الذين وضعوا خطاً أحمرَ بشأن معدل البطالة الحالي البالغ 4.3%.
قالت ماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، في 5 أغسطس: "لقد تأكدنا الآن أن سوق العمل تتباطأ، ومن المهم للغاية ألا نسمح لها بالتباطؤ لدرجة حدوث ركود".
تعد المخاطر كبيرة جداً، فقد شهد الاقتصاد الأميركي فوائد واضحة من سوق العمل المتوترة في السنوات الأخيرة، حيث تم جذب العديد من الأشخاص إلى القوى العاملة ورفع الأجور، مما ساعد في حماية الأجور ضد التضخم.
لكن يمكن أن يتغير ذلك بسرعة، حيث إن الزيادة في معدل البطالة من 3.7% في يناير إلى 4.3% في يوليو تشير إلى ما قد يحدث إذا تباطأ الاقتصاد بشكل كبير. فقد تباطأ نمو الأجور، وارتفعت معدلات البطالة بين السود واللاتينيين منذ نهاية العام الماضي. وينطبق ذلك أيضاً على أولئك الذين ليس لديهم تعليم جامعي.
وقال ديفيد ويلكوكس، كبير المتنبئين السابق في الاحتياطي الفيدرالي، والذي يشغل الآن منصب مدير الأبحاث الاقتصادية الأميركية في "بلومبرغ إيكونوميكس": "لقد عمدت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية إلى إبطاء وتيرة النمو لتخفيف الضغط الزائد في الاقتصاد". وأضاف: "في هذا الظرف من النمو البطيء، تظهر هذه الهشاشة على السطح".
تأمين الهبوط السلس
يمثل تأمين الهبوط السلس أولوية قصوى بالنسبة لـ"باول"، وهي مسألة يمكن أن تحدد إرثه الشخصي. واعترف الرجل، الشهر الماضي، بأن هذا الأمر هو ما يبقيه مستيقظاً في الليل.
تلعب مصداقية البنك المركزي الأميركي دوراً أيضاً. فقد تأخر "باول" وزملاؤه في الاستجابة لارتفاع التضخم بعد أن وصفوه في البداية بأنه مؤقت. من المؤكد أن دفع الاقتصاد إلى الركود من خلال إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة للغاية لفترة أطول مما ينبغي، وهو ما لا يحدث في الواقع، من شأنه أن يثير غضب كلا الحزبين في الكونغرس ويشعل مشاعر الرأي العام.
يأتي هذا الضرر في الوقت الذي يشعر فيه الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس بأن الوقت مناسب لفتح نقاش حول دور الاحتياطي الفيدرالي. وقال كلاهما إن السياسيين يجب أن يكون لهم رأي أكبر في السياسة النقدية.
وألمح "باول" بالفعل إلى أنه سيتبع نهج إدارة المخاطر لمساعدته في قراراته خلال الأشهر المقبلة. وعند النظر في العواقب المترتبة على الخطأ في أي من الاتجاهين، يُظهِر التاريخ أن السيناريو الأكثر قتامة يكمن على الأرجح في جانب تشغيل العمالة. وباستثناء الوباء، كان لحالات الركود الأخيرة تأثيرات عميقة وطويلة الأمد على سوق العمل، وخاصة بالنسبة للعمال ذوي الدخل المنخفض، مع تسرب الأشخاص من القوى العاملة، وخروج بعضهم بشكل دائم.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فقد لا يقوم الاحتياطي الفيدرالي فقط بإقرار مسار عودة أسعار الفائدة إلى مستوى ما من التوازن أو الحياد بالنسبة للاقتصاد، بل قد يسعى أيضاً إلى تعويض تلك المخاطر ذات التكلفة الأعلى. وتتحوط الأسواق بالفعل ضد هذا الاحتمال، حيث تم تسعير التخفيضات بما يقرب من نقطة مئوية كاملة بحلول نهاية العام.
وقال "ويلكوكس": "إن الخطر السائد في هذه المرحلة هو أن التباطؤ في سوق العمل يكتسب زخماً، وأن الاقتصاد يميل إلى الركود غير الضروري وغير المرغوب فيه". وأضاف: "يجب أن يكون التخفيض بمقدار 50 نقطة أساس هو الأساس لخطوتهم الأولى. سوق العمل ليست بحاجة إلى التراجع بعد الآن".