سيناريوهات التجارة والاستثمار وإعادة الإعمار تلقي بظلالها على تقارب البلدين

3 ملفات اقتصادية تحكم عودة العلاقات التركية السورية

شاحنات تحمل مساعدات أممية خلال عبورها معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا، بتاريخ 8 يوليو 2022 - AFP
شاحنات تحمل مساعدات أممية خلال عبورها معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا، بتاريخ 8 يوليو 2022 - AFP
دبي - عبير ديبة / إسطنبول - اسماعيل درويش
المصدر:

الشرق

تكررت مؤخراً تصريحات لمسؤولين أتراك بخصوص عودة العلاقات مع سوريا، حيث أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة أنه لا مانع لديه من لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وأنه قد يوجه له دعوة لزيارة أنقرة أو يذهب هو إلى دمشق، تلاه تصريح للرئيس السوري، على هامش الانتخابات النيابية في 15 حزيران، أكد فيه أن لا مانع من لقاء نظيره التركي "إذا كان سيؤدي إلى نتائج تحقق مصلحة البلد". 

ملف التقارب بين أنقرة ودمشق مثقل بالتعقيدات السياسية، لكنه يحمل في طياته أيضاً ملفات اقتصادية دسمة، وفي مقدمتها: التجارة، والاستثمار، وإعادة الإعمار.

بالعودة إلى مسار العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودمشق، حققت التجارة البينية قفزة كبيرة خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، قبل اندلاع الأزمة في سوريا، حيث تُشير آخر البيانات الرسمية المتوفرة إلى ارتفاع حجم الصادرات التركية إلى الأسواق السورية من 281 مليون دولار عام 2000 إلى 1.84 مليار في 2010، بينما ارتفعت الواردات للفترة عينها من 423 مليون دولار إلى 629 مليوناً. في حين كان المستهدف وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 5 مليارات دولار.

ترتيبات مؤقتة

ترى وزيرة الاقتصاد السورية السابقة لمياء عاصي، بحديث لـ"الشرق"، أنه "في حال عودة العلاقات الاقتصادية مع تركيا الى الوضع الطبيعي، فمن المرتقب أن يعود التبادل التجاري بين الجانبين للارتفاع تدريجياً، خصوصاً أن السوق السورية تعاني حالياً من نقص حاد في السلع والمواد الأولية".

بينما يوضح رجل الأعمال التركي جنكير يلماز أنه "في حال تمّ التوصل لاتفاق سياسي، فمن الممكن بدايةً استخدام ترتيبات مؤقتة لتسهيل التجارة، قد تشمل قواعد مبسطة لتيسير تدفق البضائع ريثما يتم التوصل إلى اتفاقيات جديدة". 

كما تلعب حركة الترانزيت دوراً محورياً في العلاقة التجارية بين البلدين، ليس فقط بما تدرّه من رسوم للجمارك السورية، وإنما لاختصارها الوقت والكلفة بالنسبة للبضائع التركية المصدّرة إلى دول الخليج العربي والأردن، حيث كان وصل عدد الشاحنات التركية العابرة للحدود السورية سنوياً إلى 150 ألفاً. وتتوقع عاصي أن "تشهد حركة الترانزيت انتعاشاً، وستكون أولى الأنشطة المتأثرة إيجاباً بعودة العلاقات، وهذا ما لمسناه بعد فتح معبر أبو الزندين" في ريف حلب أواخر شهر يونيو الماضي.

إنعاش اتفاقية التجارة الحرة

لعبت اتفاقية التجارة الحرّة بين البلدين، والتي دخلت حيّز التنفيذ عام 2007، دوراً كبيراً بتعزيز التبادل التجاري. وبعد بدء الأزمة السورية في عام 2011 جرى وقف العمل بها بشكلٍ كامل. 

لكن قبل ذلك، كان الكثير من الاقتصاديين ورجال الأعمال السوريين، لاسيما الصناعيين، يشكون من هذه الاتفاقية باعتبارها "مجحفة"، إذ أدّت إلى إغراق سوقهم المحلّية بالبضائع التركية. وفي حين كانت البضائع السورية تتحمل رسوماً إضافية عند دخولها تركيا تبلغ 28%، تحت بند "رسوم الأسر الفقيرة"، كانت البضائع التركية بالمقابل تدخل بدون أي رسوم جمركية. ووسط عدم قدرة الصناعة السورية على منافسة التركية من ناحية الجودة والسعر.

 عن احتمالية عودة العمل بهذه الاتفاقية، تعتقد عاصي أنه "يجب إعادة دراستها والتفاوض مجدداً حول كثير من الملاحظات على بنود ومواد الاتفاقية، وتدارك كل العيوب والشوائب في الاتفاقية القديمة".

 

 من جهته، يَعتبر يلماز في حديث لـ"الشرق" أن عودة حركة التجارة بين تركيا وسوريا "قد يتم وفقاً لعدّة سيناريوهات، تتعلق بالاتفاقيات التجارية القديمة أو بترتيبات جديدة، حيث يمكن تحديث اتفاقية التجارة الحرة لتناسب الظروف الحالية، وتلبية الاحتياجات المستجدة لدى البلدين". مضيفاً: "من السيناريوهات المرشحة التفاوض على جملة اتفاقيات جديدة، لا تقتصر على تحسين شروط التجارة، بل تعزيز التعاون الاقتصادي بمجالات جديدة".

مصير الاستثمارات السورية في تركيا

في الوقت الذي توقف نشاط الاستثمارات التركية التي كانت تعمل في سوريا فور بدء الأزمة، بعد أن وصل عدد هذه الشركات إلى 41 مستثمرة بشكلٍ أساسي في الصناعة والإسمنت، شهدت الاستثمارات السورية في تركيا نمواً صاحب حركة نزوح رجال الأعمال ورؤوس الأموال. 

وفقاً لغرفة التجارة والصناعة التركية، أسس السوريون أكثر من 10 آلاف شركة في تركيا. ووفرت هذه الشركات فرص عمل لأكثر من نصف مليون شخص، بحسب جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب في تركيا. ويُقدّر حجم الاستثمارات السورية في تركيا بـحوالي 10 مليارات دولار تشمل بشكلٍ أساسي صناعة المنسوجات والملابس والتجارة والبناء.

عن مصير هذه المشاريع عند تطبيع العلاقات، يجيب النائب في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا محمد آغا أوغلو "الشرق": "بالتأكيد نحن منفتحون على كافة أشكال التعاون، بما في ذلك الجانب الاستثماري. وتركيا لن تجبر أي ضيف سوري، سواء كان مستثمراً أو عاملاً أو لاجئاً، على العودة القسرية".

 بدوره، يؤكد رجل الأعمال السوري موسى الأحمد، المستثمر في إسطنبول، لـ"الشرق" أنه "حتى لو تحسنت العلاقات بين البلدين، فهناك آلاف السوريين في تركيا لن يعودوا، فقد أسسوا حياة جيدة هنا، والآلاف منهم حصلوا على الجنسية". مُفصحاً أنه "توجد في تركيا استثمارات سورية ضخمة، بما في ذلك مشاريع عقارية كبرى، ونشاط ملفت في صناعة الألبسة والتصدير".

اقرأ أيضاً

وزير المالية السوري: نقوم بإجراءات إصلاحية لمناخ الاستثمار

قال كنان ياغي وزير المالية السوري إن الحكومة تقوم بإجراءات إصلاحية كبيرة لمناخ الأعمال في سوريا، وهناك إعادة نظر للتشريعات الاقتصادية والمالية والنقدية

 

في المقابل، يتوقّع أحد المستثمرين السوريين في تركيا لـ"الشرق"، مفضلاً عدم الإفصاح عن هويته، أنه: "في حال عودة العلاقات إلى طبيعتها، فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة تركيا لنسبة من الاستثمارات السورية، بما سينعكس انخفاضاً بمعدل الاستثمار الأجنبي المباشر". لكن التأثير الأكبر، برأيه، سيطال "القطاعات الاقتصادية المعتمدة بشكل كبير على رأس المال الفعلي والبشري السوري، كالزراعة والبناء والخدمات. حيث سينتج عن نقص العمالة، لاسيما الفنية، في حال عودتها للبلاد، زيادة بالأجور، وبالتالي سترتفع تكاليف الإنتاج وأسعار السلع، سواء بالأسواق المحلية أو كصادرات".

ملف إعادة الإعمار

الملف الأكثر أهمية وتعقيداً في آن يتمثل بإعادة إعمار سوريا، والذي يُرتقب أت تتضح معالمه مع نضوج التفاهمات السياسية الكبرى، ورفع العقوبات. لكن وفق مختلف السيناريوهات، يبقى الدور التركي محورياً لأسباب جغرافية وسياسية واقتصادية.  

يصرح الباحث التركي أحمد توبراك لـ"الشرق" أن "عودة العلاقات قد تؤدي إلى فرص كبيرة للشركات التركية للمشاركة في إعادة تطوير البنية التحتية السورية، سواء عبر توقيع اتفاقيات تعاون ثنائية، أو من خلال التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة المعنية بإعادة الإعمار والتنمية لضمان تنفيذ المشاريع بما يتماشى مع المعايير الدولية. كذلك، يمكن السعي للحصول على دعم من المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتمويل مشاريع إعادة الإعمار التي تشارك فيها الشركات التركية".

توبراك أشار أيضاً إلى التسهيلات التي يحتمل أن تقدمها الحكومة التركية للشركات المهتمة بالمشاركة والاستثمار بعملية الإعمار في سوريا، ومن ضمنها "تقديم دعم مالي وضريبي لتلك الشركات، كالقروض الميسرة والتخفيضات الضريبية، إلى جانب توفير ضمانات للاستثمارات التركية في سوريا لحمايتها من المخاطر السياسية والاقتصادية. ويجب أن تكون هناك أيضاً شراكة مع الشركات السورية المحلية".

 

من جهتها تصف لمياء عاصي إعادة إعمار سوريا بـ"الورقة الواعدة للاقتصاد التركي المثقل بقضايا أثرت على عملته الوطنية وجعلتها تنخفض الى مستويات غير مسبوقة". وبالتالي، فإن السلطات التركية "طامحة لاستغلال الفرص الاستثمارية الكبيرة التي تحملها مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، يساعد على ذلك التطور الذي وصلت إليه الشركات التركية من حيث القدرة على تنفيذ مشاريع عملاقة ومعقدة".

وحول الموقف الروسي تحديداً من مشاركة تركيا في إعادة إعمار سوريا، قال الباحث التركي أنس نزيبلي أوغلو لـ"لشرق": "أعتقد أن روسيا ستشجع ذلك، وأن يكون هناك تعاون اقتصادي بين البلدين. والجميع يعلم أن روسيا ليست إيران، صحيح أن البلدين حليفان للحكومة السورية، لكن موسكو تشجع الحوار بين أنقرة ودمشق، بخلاف طهران".

تصنيفات

قصص قد تهمك