استيقظ المصريون في عطلتهم بمناسبة ذكرى ثورة 1952 على ثاني زيادة في أسعار الوقود هذا العام. الزيادة التي أعلنت عنها الحكومة أمس الخميس طالت أغلب أنواع الوقود، وكان أكبر ارتفاع في الأسعار من نصيب السولار الأكثر تأثيراً واستخداماً بالقطاعات الإنتاجية.
الارتفاع البالغ 15% في أسعار السولار يعني أننا أمام مزيد من الارتفاعات بأسعار المنتجات والسلع بواحدة من أكبر البلدان العربية سكاناً خلال الفترة المقبلة، وهو ما اتفق عليه خبراء استطلعت "الشرق" أراءهم، لكنهم اختلفوا حول مدى تأثيره.
رفعت مصر أسعار الوقود للمرة الثانية هذا العام، إذ أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية أمس زيادة أسعار جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي بدءاً من الخميس، بنسب تراوحت بين 10% و15%. وتتوقع الحكومة أن تؤدي هذه الزيادة إلى توفير 36 مليار جنيه (745 مليون دولار) في ميزانية الدولة خلال العام المالي 2024-2025.
استمرار هبوط التضخم في مصر
محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في "إي إف جي القابضة"، يقول إن الزيادة كانت متوقعة و"متضمنة في تقديراتنا وبالتالي لا تغيير في توقعاتنا لمعدلات الارتفاع في أسعار المستهلكين رغم تلك الزيادات".
وتوقع أبو باشا وصول مستوى التضخم بين 23 و24% في ديسمبر المقبل، وأن يتراجع إلى 15% في فبراير. وأضاف: "الزيادات من المتوقع أن تعزز من فرص بقاء أسعار الفائدة دون تغيير في المدى القريب، ولا نرى فرصاً للخفض قبل ديسمبر أو مطلع العام القادم".
يبلغ عائد الإيداع والإقراض في مصر لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب.
وواصلت وتيرة التضخم في مدن مصر التباطؤ في يونيو، للشهر الرابع على التوالي، ليتراجع إلى 27.5% على أساس سنوي، مقارنةً بـ28.1% في مايو، وعلى أساس شهري، ارتفعت أسعار المستهلكين بـ1.6% في يونيو، مقابل انكماشها بـ0.7% في مايو، والذي كان أول تراجع للأسعار منذ يونيو 2022، وأكبر وتيرة انكماش منذ منتصف عام 2019.
اتفقت منى بدير محللة الاقتصاد الكلي مع أبوباشا، وتوقعت استمرار المسار الهبوطي لمعدلات التضخم لتصل إلى 26.8% في شهر أغسطس المقبل، مرجعة ذلك إلى استقرار العملة وتوافر السلع وتأثير سنة الأساس.
وقالت إن التضخم الشهري من المتوقع أن يتأثر بارتفاع الوقود والذي سيؤثر بشكل مباشر على أسعار الغذاء، فضلاً عن زيادة متوقعة لبعض أسعار الأدوية خلال الفترة المقبلة. وتابعت: "الحكومة أعلنت عن رفع أسعار السلع والخدمات بشكل تدريجي وهو ما سيساهم في إعطاء مساحة لامتصاصها في معدلات التضخم ليستمر في مساره الهبوطي".
فيتش سوليوشنز: التضخم دون 20% بدءاً من فبراير
كانت توقعات "فيتش سوليوشنز" متوافقة مع الآراء السابقة. وقالت رامونا مبارك رئيسة الخدمات المصرفية والمالية لـ"الشرق" إن التضخم سيظل عند حوالي 27% في النصف الثاني من عام 2024، وسيكون تباطؤ نمو الأسعار محدوداً بسبب الزيادات في الأسعار التي تحددها الحكومة مثل الوقود والكهرباء، كما أن هناك تعديلاً موسمياً مرتقب لأسعار خدمات التعليم في أكتوبر وربما أسعار الاتصالات.
نقطة التحول ستكون في فبراير المقبل، وفق مبارك. وقالت: "في فبراير 2025، سيدفع تأثير فترة المقارنة التضخم إلى أقل من 20% لأول مرة منذ نوفمبر 2022 ولكن الزيادات المستمرة في الأسعار التي تقررها الحكومة ستمنع التضخم من الوصول إلى النطاق الذي يستهدفه البنك المركزي المصري العام المقبل".
"غولدمان ساكس" كانت رؤيته متسقة مع الطرح السابق، وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في المصرف الأميركي لـ"الشرق": "نتوقع أن يواصل التضخم المسار الهبوطي حتى نهاية عام 2025. ومن المتوقع أن ينخفض بشكل أكثر حدة في فبراير من العام المقبل. ويحدث ذلك في حال استقرار سعر الصرف، وتخفيف قيود العرض، إلى جانب تأثير فترات المقارنة".
زيادة الأسعار تحد من تباطؤ التضخم
رفع أسعار الوقود يأتي ضمن الإجراءات المتفق بشأنها في برنامج صندوق النقد الدولي المعدل لمواجهة زيادة الدعم والإنفاق الاجتماعي، ولن يكون الأخير، إذ أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها إعادة تسعير بعض الخدمات الحكومية وربما منها تعريفة الكهرباء قريباً، بحسب دينا عناب محللة المخاطر السيادية في "كابيتال انتليجنس".
تتوقع عناب أن يرتفع التضخم الشهري بنسبة تتراوح بين 1.5% و 3% بسبب التأثير المباشر وغير المباشر لأسعار الوقود على البنود الرئيسية في سلة مؤشر أسعار المستهلك. ويبلغ وزن الوقود والكهرباء بشكل مباشر حوالي 4% من سلة مؤشر أسعار المستهلك. وتقدر أيضاً أن يرتفع التضخم الشهري في سبتمبر بمستويات مماثلة بسبب عدة عوامل تشمل التغيرات الموسمية، والسياسات الحكومية، واتجاهات السوق العالمية، والتغيرات في العرض والطلب والزيادة المحتملة في تعريفة الكهرباء.
وأكدت على أن "هذه الزيادات لن تعكس مسار الاتجاه العام لتباطؤ التضخم السنوي، على الرغم من أنها قد تقلل معدل التباطؤ. وبناءً على ذلك، نتوقع أن يتراوح التضخم بين 20% و24% على أساس سنوي بحلول ديسمبر 2024.
مخاوف من موجة تضخمية
هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في "كايرو كابيتال" كانت تقديراته أكثر تشدداً. فبينما يتوقع أيضاً زيادة معدلات التضخم بحوالي 2% خلال شهر أغسطس، يقدّر أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى دورة تضخمية جديدة قد تستغرق حوالي ثلاثة أشهر لتعود بالزيادة في أسعار المستهلكين لمستوى الـ 30% مرة أخرى.
مستشار في البنك الدولي طلب عدم ذكر اسمه، توقع أيضاً بلوغ التضخم في مصر 32% وهو ما يتوافق مع تقديرات صندوق النقد الدولي.
وتوقع أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، حسن الصادي في حديث مع "الشرق" ارتفاع التضخم بنسبة 5% إضافية نتيجة لزيادة أسعار المحروقات. ويتخوف أن تكون نتائج زيادة الوقود عكسية، إذ يرى أن "ارتفاع أسعار المحروقات سيزيد من عجز الموازنة ولم يحقق وفراً للحكومة في موازنة العام المالي الجاري. والحكومة ستضطر لاحقاً لزيادة الرواتب والمعاشات والحد الأدنى للأجور مجدداً لإعانة الناس على المعيشة التي ستزداد غلاءً".