سيكشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن رؤيته طويلة الأجل للاقتصاد الصيني، مع اقتراب نهاية الاجتماع السياسي الخاص بخطة الإصلاح في البلاد، والذي يُعقد مرتين كل 10 أعوام، وذلك بعد أيام من صدور أرقام ضعيفة للنمو بشكل مفاجئ، مما أدى إلى زيادة الضغوط على بكين حتى تتخذ إجراءً عاجلاً لتنشيط الطلب المحلي.
يستعد الحزب الشيوعي الحاكم لإصدار وثيقة اليوم الخميس، والتي عادة ما تكتب بلغة غامضة وعامة، وتعرض لمحة أولية عما ناقشه نحو 400 مسؤول خلف الأبواب المغلقة أثناء الاجتماع الهام الذي يستمر 4 أيام في بكين. وعادة يستكمل ما جاء بهذا البيان بإصدار تقرير أكثر تفصيلاً بعدها بأيام.
تتمحور السياسات التي ناقشها الاجتماع على الأرجح حول رغبتين متلازمتين للزعيم الصيني، وهما: تحقيق "نمو اقتصادي مرتفع الجودة" بقيادة قطاع التكنولوجيا و"محاولات الصين للتحديث" –وهي شعارات مبهمة تشير إلى رغبة شي في بناء مجتمع يحقق درجة أعلى من المساواة ويقوده قطاع صناعي متقدم يضمن لبكين مرونة وقوة في مواجهة القيود التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة.
في نشرة لمجموعة من أقوال الزعيم الصيني أصدرتها مجلة الحزب "تشيوشي" هذا الأسبوع، قال شي: "إن تقدم عملية التحديث الصينية يتطلب أن تظل البلاد مستقلة ومعتمدة على الذات. ويجب علينا تنمية بلادنا وأمتنا بالاعتماد على قوتنا الذاتية وأن نحافظ على سيطرتنا القوية على مستقبل التنمية والتقدم في الصين".
أول انعقاد للجلسة منذ 2013
تعد الجلسة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني أول انعقاد لهذا الاجتماع الذي يركز على الإصلاح منذ عام 2013، حيث تجنب شي عقد هذا الاجتماع لاتخاذ إجراءات سياسية كبرى في 2018.
كما تأتي هذه القمة وسط معركة الصين ضد أزمة القطاع العقاري المستمرة منذ أعوام، والتي ترتب عليها أطول سلسلة من الانكماش الاقتصادي منذ عام 1999، ووسط صراع المسؤولين مع تلقص عدد السكان.
ومن بين النتائج التي يُتوقع أن يسفر عنها الاجتماع: إصلاح ضريبة الاستهلاك في الصين لزيادة دخل السلطات المحلية عبر تحصيل الضرائب على سلع الرفاهية، وإصلاح نظام تسجيل السكان المحلي المعروف باسم "هوكو"، وزيادة دعم الذكاء الاصطناعي. لكن جدول الأعمال التفصيلي لهذا الحدث لم يزل محجوباً عن الجهات الخارجية، مثله كمثل معظم الجوانب المتعلقة بنظام بكين الذي يتسم بالسرية.
ربما يلمح بيان الجلسة إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى تحسين الأوضاع المالية للحكومات المحلية، بحسب تصريحات حصلت عليها "بلومبرغ" من ديفيد لي داوكوي، الأستاذ بجامعة تسينغهوا في بكين والمستشار السياسي للحكومة. وأشار داوكوي إلى أن سلطات الحكومة المركزية قد تعزز مبيعات السندات السيادية.
أضاف داوكوي أن المنشور الرسمي قد يحتوي على تصريحات جديدة تتعلق بأهمية مؤسسات القطاع الخاص في الاقتصاد، بالإضافة إلى "عبارات قوية" حول زيادة الاستهلاك التي قد تنعكس في إصلاحات ضريبية.
السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء
ستحظى أي إجراءات تهدف إلى تنشيط قطاع السيارات الكهربائية في بكين وقطاع الطاقة الخضراء بمراقبة وثيقة في الداخل والخارج، حيث يشكو شركاء البلاد التجاريون من طوفان الصادرات الرخيصة الذي يهدد الوظائف.
ويفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية على صادرات السيارات الكهربائية القادمة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فيما تعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بفرض ضرائب بنسبة 60% على السلع المستوردة من الصين إذا أُعيد انتخابه رئيساً في نوفمبر.
ذكر الاقتصاديون أزمة القطاع العقاري، والاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا، والأزمات المالية لدى الحكومات المحلية، باعتبارها أهم ثلاث قضايا اقتصادية ينبغي على قادة الصين التصدي لها على المديين المتوسط والطويل.
ومن المستبعد إجراء الاجتماع الحالي لتحول سياسي كبير، مثلما شهدنا في الماضي حينما مهد الزعيم البارز دينغ شياو بينغ الطريق أمام فتح الاقتصاد الصيني في عام 1978.
وفي اجتماع عام 2013، عرض شي إصلاحات طموحة شملت تخفيفاً أكثر في سياسة الطفل الواحد وتشجيع الاستثمار الخاص في الشركات التابعة للدولة. ومنذ ذلك الوقت، تسببت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في تغيير أولويات أبرز القادة في الصين، الذين يركزون اهتمامهم بدرجة أكبر على الأمن القومي.
الرهان على المصانع والاستثمار
يراهن زعماء الصين على قطاع التصنيع بوصفه قاطرة النمو الاقتصادي في عصر ما بعد الجائحة، رافضين دعوات الاقتصاديين واسعة الانتشار لإعادة التوازن الاقتصادي عبر زيادة الإنفاق المحلي.
فيما تبين أن عملية تشجيع المستهلكين صعبة حتى الآن، ذلك لأن أزمة العقارات تضرب مخزن الثروة الأساسي عند المواطن الصيني، مما يجعل التركيز على استثمارات الشركات حلاً أيسر عند صناع السياسات.
وعلى هذا المنوال تم الترحيب بحزمة إنقاذ للقطاع العقاري بقيمة 41 مليار دولار حتى تقوم السلطات المحلية بشراء الوحدات الجديدة القائمة وتحويلها إلى وحدات سكنية في متناول المستهلكين، باعتبار أن ذلك يشكل خطوة نحو وضع السوق العقارية على أرض ثابتة.
لكن إنهاء هذه الأزمة سيتطلب على الأرجح ضخ سيولة نقدية أكبر من ذلك بكثير، وهو أمر قد يتسبب في صعود أسواق المال إذا لمَّحت إليه الجلسة بشكل مفاجئ.
وقد تصدر السياسات الأكثر أهمية وبروزاً في يوليو الجاري، بحيث تعتمد الجلسة الثالثة فيها على نتائج اجتماع المكتب السياسي الصيني المكون من 24 عضواً، ويركز عادةً على مناقشة القضايا الاقتصادية لبقية العام.
كتب خبراء الاقتصاد في مجموعة "أستراليا أند نيوزيلندا بانكينغ غروب" (Australia & New Zealand Banking Group)، ومن بينهم ريموند يونغ، في مذكرة صدرت الأسبوع الماضي: "تتطلب الإصلاحات الشاملة توجهاً متماسكاً في المجالات السياسية التي تمتد من المالية إلى الإسكان إلى قطاع التمويل وحتى التنمية الصناعية. وتمثل الجلسة الكاملة الثالثة فرصة لتجنب الحلول غير الجذرية".