هبط رصيد اقتراض الحكومة المصرية المباشر من البنك المركزي بنهاية مارس الماضي 24% على أساس شهري إلى 1.697 تريليون جنيه، بحسب بيانات "المركزي" التي اطلعت عليها "الشرق".
الاقتراض المباشر للحكومات من البنوك المركزية، أو ما يُعرف بـ"التمويل التضخمي" لأنه يتطلب طباعة نقود أمام ما تقترضه الحكومة، يُعتبر الطريق الأسهل للحكومات لتكلفته الأقل، كما أنه يكون بسعر فائدة متفق عليه بين الطرفين وقد يكون بتكلفة صفرية، بعكس أدوات الدين الحكومية التي تصدر بعوائد مرتفعة وتزيد العجز الكلي لميزانيات الدول.
ذكر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي في مارس، أن السلطات المصرية تعهدت بالكف عن تجاوز وزارة المالية اقتراض مليارات الدولارات مباشرة من البنك المركزي.
ويقول خبراء إن مثل هذا الاقتراض يهدد بتقويض الاقتصاد من خلال زيادة المعروض النقدي والتضخم، والتسبب في ضعف سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية.
أبرز النقاط التي أوردها صندوق النقد في المراجعتين الأولى والثانية لمصر
توافر السيولة
دينا عناب محللة المخاطر السيادية في "كابيتال إنتليجنس"، قالت لـ"الشرق" إن تراجع حجم الاقتراض من البنك المركزي جاء لعدة عوامل أبرزها هو توافر السيولة الأجنبية لدى الحكومة بعد اتفاقية رأس الحكمة وصرف الدفعة الأولى من البرنامج المعدل مع صندوق النقد الدولي مما يقلل حاجة الحكومة للاقتراض".
وفي نهاية مارس، اعتمد مجلس صندوق النقد الدولي المراجعتين الأولى والثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، مما يسمح للدولة بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.
جهاد أزعور لـ"الشرق": هذه أهداف المرحلة المقبلة بالنسبة إلى مصر
ضعف الجنيه
من جهته، أوضح هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في "كايرو كابيتال: "اقتراض الحكومة من المركزي مباشرة عادة ما يقابله طباعة نقود يتم إيداعها بحساب الحكومة الموحد لديه، والمخصص للإنفاق على أي مشروعات أو أوجه دون وجود غطاء دولاري، وهو ما قد يعمل على إضعاف قيمة عملة الدولة مستقبلاً".
وأضاف: "صندوق النقد يحرص على وضع شرطين في أغلب اتفاقاته مع الدول، أحدهما يحدد سقفاً لاقتراض الحكومة المباشر من المركزي، والآخر يضع حداً أدنى لاحتياطي المركزي من الدولار، إذ يهدف الصندوق إلى التأكد من أن ميزانية المركزي متسقة مع سعر الصرف والتضخم، وحتى لا تتدخل البنوك المركزية بالسوق لتثبيت أسعار صرف عملاتها أمام الدولار عند مستوى محدد".
ارتفع صافي احتياطيات النقد الأجنبي لمصر إلى أعلى مستوى له منذ فبراير 2022، بعد صفقة استثمارية تاريخية مع الإمارات، ليصل إلى 40.4 مليار دولار بنهاية مارس الماضي من 35.3 مليار دولار في الشهر السابق.
احتياطي النقد الأجنبي في مصر عند أعلى مستوى في عامين
يسلط الارتفاع الكبير الضوء على التحول في ثروات الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بعد أزمة اقتصادية طاحنة، ونقص مزمن في النقد الأجنبي. لكن كل ذلك تغيّر في أواخر فبراير عندما وقّعت الإمارات صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع مصر، وهو أكبر استثمار وارد إلى البلاد في تاريخها.
المساهمة بضبط التضخم
فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "غولدمان ساكس" قال لـ"الشرق" إنه مع عودة "تدفق الأموال إلى سوق الدين المحلية، فضلت الحكومة زيادة الاقتراض من أجل سداد السحب على المكشوف الذي أصبح الآن أقل من الحد القانوني، وهو ما ينبغي أن ينتج عنه مزيد من الانخفاض في البيانات هذا الشهر، على أن يستقر بعد ذلك، ومن شأن هذا أن يساعد على ضبط نمو النقد وأن يسهم في دعم الجهود المبذولة لخفض التضخم".
عودة "مورغان ستانلي" و"سيتي" و"غولدمان" للاستثمار بأدوات الدين المصرية
لكن علياء مبيض، كبيرة الاقتصاديين في الشرق الأوسط في "جيفريز إنترناشيونال"، ترى أن زيادة التمويل المباشر من البنك المركزي إلى الحكومة والمؤسسات العامة يؤجج التضخم، لذا رجحت تخفيضه إلى الحدود الدنيا، ما اعتبرته ضرورياً لتحجيم التضخم والحد من آثاره السلبية على سعر الصرف والنمو الاقتصادي.
عاود التضخم في مدن مصر تراجعه مجدداً في مارس، ليتباطأ إلى 33.3% على أساس سنوي مقارنة بـ35.7% في فبراير، وهو دون توقعات المحللين الذين توقعوا تسارعه بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
التضخم في مدن مصر يعاود التباطؤ رغم ارتفاع أسعار الوقود
أمّا على أساس شهري، فكانت وتيرة التباطؤ أكبر بعد أن بلغت 1% الشهر الماضي من 11.4% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
أما بيتر دو بريز، الخبير الاقتصادي الأول في "أكسفورد إكونوميكس أفريكا"، قال إن تخفيض الحكومة الاقتراض سيؤدي في النهاية إلى تراجع المعروض النقدي في الاقتصاد. ومن شأن هذا أن يخفض التضخم بسرعة أكبر قليلاً من المتوقع لذا رجح وصول أرقام التضخم العام إلى نحو 27% على أساس سنوي بنهاية 2024.