كشف تقرير يرصد أداء "رؤية 2030" أن الخطة الهادفة لإحداث نقلة نوعية في اقتصاد السعودية تمكنت في "منتصف عمرها" من تحقيق تقدم بمعظم مؤشراتها المحددة للعام المنصرم، بينما واجهت مستهدفات رئيسية أخرى رياحاً معاكسة.
التقرير الصادر تزامناً مع ذكرى إطلاق الرؤية في 25 أبريل 2016، أشار إلى أن الحكومة عملت على تطوير عدد من المؤشرات لتوجيهها نحو "المسار الصحيح"، على غرار مؤشر احتساب الاستثمارات الأجنبية، وكان من أولى تأثيراتها إجراء تعديل بالخفض على إجمالي رصيد الاستثمار المباشر بنحو 225 مليار ريال، بينما تضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للعام الماضي بأكثر من 4 مرات من 8 إلى 33 مليار دولار.
ووفق التقرير، تمكن 176 مؤشراً من أصل 243 من تخطي توقعات 2023، وكان 105 منها قد تجاوز مستهدفات العامين الحالي والمقبل. أما الطموحات "للمرحلة الثانية" من الرؤية، بحسب التقرير الصادر اليوم الخميس، فتتمثل بتطوير القطاعات الواعدة والجديدة، ودعم المحتوى المحلي، وإشراك القطاع الخاص، وزيادة فاعلية التنفيذ، وتسهيل بيئة الأعمال وجذب الاستثمار.
نقاط مضيئة
أبرز النجاحات التي استطاعت السعودية تحقيقها في إطار المؤشرات تتمثل في بلوغ مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي 45%، مواكبة المستهدف للعام، في حين تتطلع المملكة أن تصل هذه النسبة إلى 65% مع نهاية فترة الرؤية.
ومن العلامات الفارقة أيضاً سوق العمل. فمن أصل 6 مؤشرات، تمكنت المملكة من تحقيق تقديرات 2023 في 3 منها، في حين حققت مستهدفات الرؤية قبل أوانها في ما يتعلق بمستويات البطالة بين السعوديين، ومشاركة المرأة في سوق العمل.
وكان لافتاً ما طرأ على نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل خلال العام الفائت، فقد فاقت بكثير هدف الحكومة (النسبة المستهدفة 30%) لتبلغ 34%.
كما سجلت السعودية أدنى مستوى من البطالة بين السعوديين على الإطلاق، لتصل إلى 7.7%.
إضافة إلى سوق العمل، تمكنت المملكة أيضاً من تحقيق مستهدفات 2023 في العديد من المؤشرات على غرار الإيرادات الحكومية غير النفطية، ونسبة الأسر التي تمتلك وحدة سكنية، ومؤشر الفعالية الحكومية، ونسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي الجامعات خلال 6 أشهر من تاريخ التخرج، إضافة إلى نسبة التجمعات السكانية المغطاة بالخدمات الصحية، وغيرها من المؤشرات.
تباطؤ بعض المؤشرات
على الجانب الآخر، تأخرت بعض المؤشرات في تحقيق مستهدفات 2023، في وقت أشار التقرير إلى أنها "تخضع لإجراءات تصحيحية للنهوض بها نحو تحقيق مستهدفاتها".
عام 2016، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030 الهادفة لتنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط.
منذ ذلك الحين، شهد العالم الكثير من التغييرات الجوهرية على غرار الحرب التجارية الأميركية الصينية، وغزو روسيا لأوكرانيا وتبعاته على اقتصاد العالم ودول المنطقة.
لكن الحدث الأبرز كان جائحة كورونا التي أوقفت ساعة العالم الاقتصادية لنحو سنة كاملة، وأوصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية منخفضة، وما زلنا نشهد تبعات الجائحة حتى يومنا هذا بفعل أسعار الفائدة المرتفعة في غالبية الدول.
اقرأ أيضاً: السعودية ترفع مستهدف الاستدانة هذه السنة 60% لتعزيز الإنفاق
كما شهدت الفترة تخفيضات إنتاج النفط من قبل تحالف "أوبك+" والتي ما تزال سارية بهدف الحفاظ على استقرار السوق. ونظراً لأن المملكة تقود هذه التخفيضات، فقد أثر ذلك بطبيعة الحال على ميزانيتها والأموال التي تحصل عليها لتنفيذ الكثير من مشاريع الرؤية.
إضافة إلى هذه الأحداث الخارجية -التي لم يقتصر أثرها على مالية الدولة بل امتدت إلى نشاط القطاع الخاص ومصادر تمويلاته- فإن المملكة تحمل عبء عدم استغلال الفرص خلال العقود الماضية، وتحاول التعويض عن ذلك في سنوات.
هذا الأمر أكد عليه ولي العهد السعودي في سبتمبر 2023 خلال مقابلة مع "فوكس نيوز" كشف فيها أن المملكة تتجهز للإعلان عن رؤية 2040. ولفت إلى أنه "خلال السنوات الماضية كان هنالك الكثير من الفرص التي لم نستغلها، ونحن نحاول تعويض ذلك والمضي قدماً"، مضيفاً: "لو كانت السعودية على المسار المثالي خلال كل تلك المدة لكنا ضمن أعلى 7 اقتصادات في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وأنا أحاول إعادة المملكة إلى المسار الصحيح".
تنويع الاقتصاد
تقرير الرؤية أشار إلى أنه من أصل 10 مؤشرات تندرج تحت تنمية وتنويع الاقتصاد، حققت 5 منها مستهدفات 2023.
تمكنت المملكة من تحقيق مستهدفاتها في ما يرتبط بحصة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز، وإجمالي قيمة الصادرات التراكمية للصناعات المرتبطة بالنفط والغاز، وحصة المحتوى المحلي من نفقات القطاعات غير النفطية، ونسبة توطين الصناعات العسكرية، فضلاً عن إجمالي الأصول المدارة من قِبل صندوق الاستثمارات العامة.
مؤشرات تفوقت عام 2023
المؤشر | القيمة الفعلية | مستهدف 2023 | مستهدف 2030 |
حصة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز | %63 | %59 | %75 |
قيمة الصادرات التراكمية للصناعات المرتبطة بالنفط والغاز | 605.43 مليار ريال | 495.4 مليار ريال | 2114 مليار ريال |
مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي | %45 | %45 | %65 |
نسبة توطين الصناعات العسكرية | %10.4 | %9 | %50 |
إجمالي الأصول المدارة من قبل صندوق الاستثمارات | 2.81 تريليون ريال | 2.7 تريليون ريال | 10 تريليون ريال |
أهداف تأخرت
شهد العام الفائت تأخر عدد من مؤشرات قياس تنمية وتنويع الاقتصاد، لكنها كادت أن تحقق مستهدفاتها، وأبرزها: "التصنيف العالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي" الذي سجل 2959 مليار ريال مقابل 3032 ملياراً كانت مستهدفة لذلك العام، إضافة إلى "الناتج المحلي غير النفطي"، والذي سجل 1889 مليار ريال، في حين كان مستهدفه 1934 مليار ريال.
اقرأ أيضاً: "النقد الدولي" يرجح بدء "أوبك+" زيادة إنتاج النفط في يوليو في دفعة للاقتصاد السعودي
كما تخلّف مؤشر حصة الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي عن مستهدف 2023 الذي كان عند 36%، مسجلاً 24.5%، في حين ترغب المملكة أن يساهم بنحو النصف بحلول عام 2030.
إضافة لما سبق، وصلت نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من قروض البنوك إلى 8.3%، مقتربة بشكل كبير من تحقيق المستهدف عند 8.6%، ولكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق مستهدفات 2030 عند 20%.