يسعى "بنك الشعب الصيني" في ظل القيود التي تحيط به من كل جانب إلى استخلاص قيمة أكبر من إجراءات السياسة النقدية التي يتخذها، عبر مفاجأة الأسواق بالتيسير النقدي بهدف دعم الاقتصاد المتعثر ومنعه من التدهور.
مثّل الخفض القياسي لسعر فائدة مهم على الإقراض أحدث خطوة مفاجئة يعلنها البنك المركزي الصيني منذ تولي محافظه بان غونغشنغ المنصب في الصيف الماضي، والذي فاجأ الجميع بخفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي في البنوك، خلال مؤتمر صحفي أُقيم في الشهر الماضي.
قرارات مفاجئة لجذب الاهتمام
تعكس الإجراءات جهود "بنك الشعب الصيني" الرامية إلى زيادة الدعم دون التخلي عن نهج التحفيز المحدود للاقتصاد. فنطاق إجراءات البنك المركزي ما يزال مقيداً بخطر أن يؤدي تطبيق نهج أكثر جرأة إلى ضعف العملة، وتراكم الديون مرة أخرى، وتقليص حيز المناورة في السياسة النقدية الذي سيحتاج إليه البنك المركزي لاحقاً في حال تفاقم أطول سلسلة انكماش اقتصادي منذ التسعينيات، والركود العقاري الممتد.
اقرأ أيضاً: المركزي الصيني يضخ أكبر سيولة منذ 2016 لدعم الاقتصاد
وقال دنكان ريغلي، كبير محللي اقتصاد الصين في شركة "بانثيون ماكروإيكونوميكس": "يُرجح أن يكون الهدف من نهج قرارات السياسة النقدية المفاجئة الذي يتبعه بنك الشعب الصيني هو جذب مزيد من الاهتمام وتغيير الاتجاه السائد. وبذلك، يحقق أقصى فائدة ممكنة. نتوقع زيادة فرص سعي البنك إلى مفاجأة الأسواق مرة أخرى".
إلا أن هذه الاستراتيجية لم يكن لها أثر مستمر على الأسواق حتى الآن.
تراجع عائدات السندات الحكومية
ارتفع مؤشر شنغهاي شنزن (سي إس آي 300) في بر الصين الرئيسي، الذي يُعد معياراً لسوق الأسهم، 0.2% فقط في اليوم الذي شهد خفض الفائدة على الإقراض، بينما تلاشت المكاسب الأولية التي حققها المؤشر بعد تخفيض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي خلال الأيام القليلة التالية، في ضوء استمرار قلق المستثمرين من المخاطر الاقتصادية. ولا يزال سعر صرف اليوان مستقراً في نطاق 7.1 و7.2 يوان مقابل الدولار الأميركي في هذا العام. غير أن عائدات السندات الحكومية تراجعت بضغط من الرهانات على إجراء مزيد من التيسير النقدي في الصين.
وقالت سونيا لي، المحللة لدى شركة "إم آي بي سكيوريتيز هونغ كونغ" (MIB Securities Hong Kong): "قد تظل هناك حاجة إلى إجراءات أشد حزماً في السياسة النقدية لدعم الاقتصاد الأساسي بهدف رفع التفاؤل الكلي".
في إشارة إلى تزايد التشاؤم إزاء آفاق النمو بين متداولي السندات، تراجع الفرق بين عائدي السندات الحكومية لأجل عامين ولأجل 30 عاماً إلى أدنى مستوياتهما في أكثر من عقد.
[object Promise]تصميم على تعزيز الثقة
أحدث الإجراءات والجهود المبذولة للوصول إلى تدعيم سوق الأسهم البالغة قيمتها السوقية 7 تريليونات دولار، تمثل تصميماً أكبر من "بان" وقادة الحكومة الآخرين على تعزيز الثقة في السوق. رغم ذلك، أشار بعض المستثمرين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات أشد حزماً في السياسة النقدية بهدف التصدي لتحديات نمو الاقتصاد ليصبح لتلك الإجراءات تأثير مستمر.
اقرأ أيضاً: الصين تتعهد بالاستجابة للانتقادات لتعويض خسائر سوق الأسهم
وقال آدم ولف، المحلل الاقتصادي للأسواق الناشئة لدى "أبسوليوت ستراتيجي ريسيرش": "يبدو أن (بان) يرغب في اتخاذ خطوات أكبر قليلاً عند تغيير مسار السياسة النقدية الذي انتهجه سلفه. لكن بنك الشعب الصيني يظل مؤسسة متحفظة". وأضاف أنه لا يتوقع أي تغييرات كبيرة في السياسة النقدية خلال العام الجاري.
خطر تراجع الشفافية
يتبع "بنك الشعب الصيني" مجلس الدولة -مجلس الوزراء الصيني- وهو ليس بنكاً مركزياً مستقلاً مثل أغلب نظرائه في العالم. ويمثل ذلك قيداً آخراً على حيز المناورة أمام "بان" والبنك المركزي.
هناك خطر يتمثل في أن يؤدي الاعتماد على القرارات المفاجئة لدعم تأثير السياسة النقدية إلى تراجع الشفافية، ما يهدد بتقويض الجهود التي بذلها يي غانغ، سلف "بان"، لوضع إطار أوضح للسياسة النقدية وبناء تواصل دائم مع السوق.
اقرأ أيضاً: الصين تشير إلى زيادة التحفيز المُوجّه في الفترة المقبلة
وقالت شن منغ، المديرة في "تشانسون آند كو" (Chanson & Co.)، وهو بنك استثمار مقره في بكين، إن "كلما مثلت تلك الإجراءات مفاجأة أكبر، قلّت مدة استمرارها".
"خفض سعر فائدة الإقراض التفضيلي لأجل 5 سنوات بمعدل قياسي يبلغ 25 نقطة أساس كانت خطوة طال انتظارها، فهي تبعث إشارة طمأنينة إلى أن الحكومة ستواصل إجراء مزيد من التحفيز. مع ذلك، فدون اتخاذ إجراءات أشد حزماً لإنعاش الثقة الهشة، فإن يُغيّر خفض الفائدة بحد ذاته وضع سوق العقارات المتدهورة، ويدعم اقتصاد الصين المتعثر، هو احتمال مستبعد"، تشانغ شو وديفيد كيو، المحللان الاقتصاديان.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس":
عدم تلبية توقعات السوق
أشار "هي واي"، محلل الاقتصاد الصيني في "غافكال دراغونوميكس" إلى خطر آخر يكمن في الموعد الذي لن يلبي فيه "بنك الشعب الصيني" توقعات السوق، فقد ينزعج المستثمرون بشكل أكبر من المفاجآت السلبية. وأضاف أن قرار "بنك الشعب الصيني" مخالف التوقعات وعدم خفض أسعار الفائدة في يناير، على سبيل المثال، أضر ثقة المستثمرين بشدة.
وقال "هي": "تسعد الأسواق عندما تتجاوز إجراءات السياسة النقدية التوقعات. المشكلة أنه عندما تتخذ إجراءات مخيبة دون أسباب حقيقية، عادةً ما يتوقع المستثمرون حدوث الأسوأ".