تحولت مجموعة "بريكس" التي تتألف من دول الأسواق الناشئة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) من مجرد شعار ابتكره مصرفي في بنك استثماري قبل عقدين من الزمن، إلى نادٍ فعلي يسيطر على مصرف متعدد الأطراف. وهي الآن تشهد توسعاً من شأنه أن يربط بعضاً من أكبر منتجي الطاقة على هذا الكوكب مع بعض أكبر المستهلكين بين الدول النامية، مما قد يعزز النفوذ الاقتصادي للمجموعة في عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
1 - كيف بدأت "بريكس"؟
سكّ الخبير الاقتصادي جيم أونيل مصطلح "بريك" في 2001، حين كان يعمل في "غولدمان ساكس"، للفت الانتباه إلى معدلات النمو الاقتصادي القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين.
وكان يقصد من هذا المصطلح أن يكون مدعاة تفاؤل للمستثمرين وسط تشاؤم السوق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. تلقفت الدول الأربع هذا المفهوم وتعاملت معه. كان نموها السريع في ذلك الوقت يعني أن لديها مصالح وتحديات مشتركة، ويمكن أن يعزز توحيد أصواتها من نفوذها.
نظمت روسيا الاجتماع الأول لوزراء خارجية "بريك" على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2006. وعقدت المجموعة أول قمة لقادتها في 2009. ودُعيت جنوب أفريقيا للانضمام في 2010، مضيفة قارة أخرى والحرف "س". وفي أغسطس، وجهت المجموعة دعوات للسعودية وإيران والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا ومصر للانضمام في 2024.
اقرأ أيضاً: "بريكس": دعوة 6 دول للانضمام بينها السعودية والإمارات ومصر
2 - ماذا تفعل مجموعة "بريكس"؟
أكبر إنجازات المجموعة كانت مالية. إذ اتفقت الدول على تجميع 100 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية، والتي يمكنها إقراضها لبعضها البعض خلال حالات الطوارئ. وبدأ تشغيل مرفق السيولة هذا في 2016.
كما أسست المجموعة بنك التنمية الجديد، وهو مؤسسة مستوحاة من البنك الدولي، وافقت على قروض تقارب 33 مليار دولار بالأساس للمياه والنقل وغيرها من مشروعات البنية التحتية، منذ أن بدأ عملياته في 2015. (جنوب أفريقيا اقترضت مليار دولار في 2020 لمكافحة جائحة كورونا).
وبالمقارنة، تعهد البنك الدولي بمبلغ 70.8 مليار دولار للبلدان الشريكة في السنة المالية 2022. ولم تكتسب الاقتراحات الداعية إلى اعتماد بلدان "بريكس" عملةً مشتركةً قوةً دافعةً. لكن توسعها ليشمل كبار منتجي النفط يمنحها مجالاً أكبر لتحدي هيمنة الدولار في تجارة النفط والغاز، من خلال التحول إلى عملات أخرى، وهو مفهوم يُشار إليه بالتخلي عن الدولار. وقد جعلت المصالح المتباينة من الصعب عليها الاتفاق على كيفية معالجة بعض القضايا العالمية الملحة الأخرى، مثل تغيّر المناخ.
3- كيف تغيرت العلاقات التجارية؟
ارتفعت التجارة بين الأعضاء الخمسة الحاليين في الكتلة 56% إلى 422 مليار دولار بين 2017 و2022. ومن الناحية الاقتصادية، تجعل الموارد الطبيعية والمنتجات الزراعية في البرازيل وروسيا، البلدين شريكين طبيعيين للطلب الصيني. أما الهند والصين فلديهما علاقات تجارية أضعف مع إحداهما الأخرى، لأسباب من بينها التنافس الجيوسياسي والنزاع الحدودي الشديد.
4- من قائد المجموعة؟
منذ نشأة "بريكس"، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين في معظم الأوقات ضعف حجم الأعضاء الأربعة الحاليين مجتمعين. ونظرياً، ينبغي أن يمنحها ذلك التأثير الأكبر. لكن عملياً، كانت الهند، التي تجاوزت الصين من حيث عدد السكان في الآونة الأخيرة، ثقلاً موازناً. ولم تؤيد "بريكس" رسمياً حملة الصين الكبيرة لتشييد البنية التحتية في الخارج، والتي تُسمى "مبادرة الحزام والطريق"، ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن الهند تعترض على مثل هذه المشروعات في الأراضي المتنازع عليها التي تسيطر عليها باكستان، جارتها ومنافستها اللدود.
ولا يوجد في بنك التنمية الجديد مساهم مهيمن، إذ وافقت بكين على الحيازات المتساوية لكل عضو، وهو ما دعت إليه نيودلهي. يقع المقر الرئيسي للبنك في شنغهاي، ولكن يرأسه هندي وبرازيليان، كان آخرهما الرئيسة السابقة ديلما روسيف.
اقرأ أيضاً: دول "بريكس".. كتلة أسواق ناشئة تحاول تغيير نظام عالمي
5- هل لا تزال روسيا عضواً رغم غزوها أوكرانيا؟
نعم. تبنت دول "بريكس" الأخرى موقفاً محايداً على نطاق واسع تجاه الحرب، إذ اعتبرتها قضية إقليمية أكثر من كونها أزمةً عالميةً.
ومع ذلك، غيرت الحرب علاقات روسيا مع مؤسسات "بريكس". فسرعان ما جمّد بنك التنمية الجديد المشروعات الروسية، ولم تتمكن موسكو من الوصول إلى الدولارات عبر نظام العملات الأجنبية المشترك لدول "بريكس".
وفي الأساس، ومع تراكم العقوبات الأميركية، أعطت دول "بريكس" الأخرى الأولوية للوصول المستمر إلى النظام المالي القائم على الدولار على مساعدة روسيا. وشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة جوهانسبرغ في أغسطس من خلال مؤتمر عبر الفيديو، مما جنب حكومة جنوب أفريقيا الاضطرار إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستنفذ مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب مزعومة.
6- كيف تختلف "بريكس" عن المجموعات متعددة الأطراف الأخرى؟
إنها تشبه تكتلات مثل مجموعة العشرين للاقتصادات الصناعية والناشئة الكبرى، وهادفة إلى الترويج للتحرك نحو عالم "متعدد الأقطاب"، بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، والتي مارستها واشنطن من خلال تكتلات أكثر تماسكاً مثل مجموعة الدول السبع وصندوق النقد الدولي.
ويمكن القول إن التجمعات الأخرى تكتسب نفوذاً في إطار هذا الاتجاه القائم على التوسع، ومنها منظمة "أوبك"، و"منظمة شنغهاي للتعاون"، والسوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور)، والاتحاد الأفريقي.
وعلى نحو مماثل، أصبح الجنوب العالمي (مصطلح يرمز إلى دول جنوب الكرة الأرضية) مصطلحاً يزداد شيوعاً للإشارة إلى الاقتصادات النامية أو الناشئة، على الرغم من أنه ليس نادياً فعلياً. وهو يتناقض عادة مع الشمال العالمي الذي يتكون من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول الغنية في آسيا والمحيط الهادئ.
لكن العلاقات ليست واضحة. فعلى سبيل المثال، يمكن للاتحاد الأوروبي، الذي يُعد جزءاً قوياً من الشمال العالمي، أن يكتسب المزيد من النفوذ في عالم متعدد الأقطاب. ولا تزال الصين تعتبر نفسها دولةً ناميةً، الأمر الذي يجلب لها بعض الفوائد التجارية، على الرغم من أن وضعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم مع وجود طبقة متوسطة كبيرة يجعل هذا التصنيف غير مناسب. ودعت مجموعة السبع البرازيل والهند وإندونيسيا لحضور قمة قادتها في عام 2023، في ما وصفه المسؤولون بأنه محاولة للتواصل مع الجنوب العالمي.
اقرأ أيضاً: إس أند بي غلوبال: توسعة "بريكس" لن تكون مفيدة كثيراً للدول الأعضاء
7. ما هو الدافع للتوسع؟
كانت الصين الدافع وراء هذه الحملة إلى حد بعيد، سعياً إلى زيادة نفوذ التكتل عالمياً، لكنها حظيت بدعم روسيا وجنوب أفريقيا.
غير أن الهند تشعر بالقلق من أن اتساع نطاق "بريكس" قد يحول المجموعة إلى ناطق بلسان الصين، في حين كانت البرازيل قلقة من تنفير الغرب.
وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، الذي استضاف قمة أغسطس، إنه تسنى التوصل إلى توافق في الآراء بشأن التوسع، وستتبعه المزيد من المراحل، لكنه لم يخض في التفاصيل. ولم يتضح حتى أواخر أكتوبر ما إذا كان جميع المدعوين الستة سينضمون بالفعل في الأول من يناير.
تقول "بلومبرغ إيكونوميكس" إن توسيع "بريكس" سيعني أيضاً زيادة نفوذها في الشؤون العالمية، وقد يؤدي إلى نوع مختلف من الاقتصاد العالمي. وذلك لأنه بالمقارنة مع مجموعة السبع، فإن "بريكس" أقل توجهاً نحو السوق.
"كان لدى أعضاء مجموعة بريك الأصليين أمران مشتركان: الاقتصادات الضخمة، ومعدلات النمو المحتملة المرتفعة. أما مجموعة بريكس الموسعة فهي أقل تماسكاً، فبعضها يمر بأزمات، والبعض الآخر يزدهر. وهذا يمكن أن يشير إلى توسيع جدول الأعمال إلى ما هو أبعد من الاقتصاد. — زياد داود، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة
"بلومبرغ إيكونوميكس":
8- هل ماتت "بريكس" كاستراتيجية استثمارية؟
لا يزال هناك اهتمام كبير بالأسواق الناشئة بين المستثمرين. ورغم أن "بريكس" كانت فكرة رائعة قبل عقدين من الزمن، فقد أصبحت غير مجدية إلى حد بعيد كمفهوم استثماري اليوم بسبب التغيرات الجيوسياسية والمسارات الاقتصادية المختلفة لأعضائها.
وباستثناء الهند، كان أداء مجموعة "بريكس" أقل من أداء نظيراتها في الأسواق الناشئة على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".
وصرفت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، معظم المستثمرين الأجانب عن روسيا، كما تواجه بعض القطاعات في الصين، وخاصة شركات التكنولوجيا، عقوبات أو تواجه حظراً محتملاً على الاستثمار.
والصين أيضاً اقتصاد ناضج، وتنفصل على نحو متزايد عن الأسواق الناشئة الأخرى، وتواجه تباطؤاً هيكليلاً.
وتباطأ اقتصاد البرازيل بشكل ملحوظ في أعقاب نهاية طفرة السلع العالمية قبل نحو عقد من الزمن، في حين تتعرض جنوب أفريقيا لانقطاع التيار الكهربائي منذ سنوات، لأن المرافق العامة غير قادرة على إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب.
ولا تزال الهند تمثل قصة نمو تقارنها البنوك الاستثمارية الآن بالصين قبل 10 أو 15 عاماً، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان يمكنها اتباع النموذج الصيني الذي يقوده التصنيع.