عجز الميزانية الأميركية يتضاعف إلى 2 تريليون دولار

مبنى وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
مبنى وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن العاصمة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في العام الذي تجاوز فيه الاقتصاد الأميركي الكثير من التوقعات، ارتفع عجز الميزانية الفيدرالية الأساسية إلى الضعف تقريباًَ، وهو ما يسلط الضوء على المسار المالي الصعب الذي من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم المعارك الحزبية في واشنطن بشأن الموازنة.

حققت الحكومة عجزاً بلغ 2.02 تريليون دولار للسنة المالية حتى سبتمبر، بعد تعديلات لإزالة تأثير برنامج الرئيس جو بايدن المتعلق بالإعفاء من القروض الطلابية، والذي أبطلته المحكمة العليا. واتسعت الفجوة بمقدار 1.02 تريليون دولار عن العام السابق.

يُعد تضاعف العجز هذا مثالاً قوياً على المسار المالي الذي حذّر منه اقتصاديون وسياسيون ووكالات التصنيف الائتماني، كما أنه قد يساعد في تفسير السبب وراء ارتفاع عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل إلى مستويات غير مسبوقة لفترة تمتد لما قبل الأزمة المالية العالمية، مع حاجة الحكومة إلى إصدار المزيد من الديون لتغطية النقص في الإيرادات نسبةً إلى الإنفاق. وتجاوزت عوائد سندات العشر سنوات 5% يوم الإثنين.

اللوم على بايدن

ألقى المشرعون الجمهوريون باللوم على الرئيس الأميركي جو بايدن في الإنفاق بطريقة خرجت عن السيطرة، رغم وجود خلافات شديدة بينهم حتى أنهم كافحوا ليصلوا إلى توافق على رئيس جديد لمجلس النواب.

وفي الوقت نفسه، تستمر احتياجات الإنفاق في الارتفاع، حيث دعا البيت الأبيض إلى توفير 106 مليارات دولار من التمويل الطارئ لإسرائيل وأوكرانيا، ولتأمين الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

ورغم كل هذا الجدل السياسي حول الإنفاق، فإن السبب الرئيسي لاتساع العجز في عام 2023 يرجع في الواقع إلى جانب الإيرادات، وفي جزء آخر منه إلى التأثيرات غير المباشرة للتضخم المرتفع، وهي ديناميكية تخضع أيضاً لنقاش حزبي مرير.

وبقياس العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، يمثل الاتساع المعدل في العجز لهذه السنة واحداً من أسوأ ثلاث سنوات منذ عام 1950، وفقاً لبنك "جيه بي مورغان تشيس" وشركاه. فيما كان العامان الآخران في أوقات الأزمات خلال عامي 2009 و2020. رغم أن السنة المالية 2023 شهدت نمواً اقتصادياً قوياً، مع إضافة أكثر من 3 ملايين شخص إلى جداول الرواتب الأميركية.

في ما يلي الأسباب الرئيسية لتوسع العجز:

التعديلات المحاسبية

تستثني الأرقام المذكورة أعلاه تأثير برنامج الإعفاء من القروض الطلابية التابع لإدارة بايدن. وقد أدى تأثيره في عام 2022 إلى زيادة العجز بمقدار 379 مليار دولار، ولكن بعد أن أبطلت المحكمة العليا هذه الخطوة، اضطرت وزارة الخزانة إلى عكس معظم الحسابات عن طريق خفض العجز للعام الحالي بمقدار 320 مليار دولار.

قام المراقبون الماليون بإخراج أرقام ديون الطلاب من ميزانية عامي 2022 و2023 للحصول على نظرة أوضح للميزانية الفيدرالية.

ضرائب الأفراد

انخفضت إيرادات ضريبة الدخل للأفراد بمقدار 456 مليار دولار، وهو أكبر تحول في التدفقات على مدى العامين. ويرجع جزء من ذلك إلى الانعكاس الكبير في الأسواق المالية من عام 2021 إلى عام 2022. وفي عام 2021، ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للأسهم الأميركية بنحو 27%، في حين ارتفعت قيمة السندات والأصول الأخرى أيضاً، وهو ما أدى إلى زيادة الضرائب على المكاسب المحققة.

على العكس من ذلك، انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 19% في 2022، كما انخفضت السندات أيضاً، ما أدى إلى تفاوت الإيرادات من مكاسب رأس المال وأرباح الاستثمار الأخرى المستحقة لهذا العام.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

إضافةً إلى ذلك، تلقت إيرادات الضرائب ضربة أخرى مع منح الأسر والشركات في المناطق المتضررة من الكوارث تمديداً لتقديم إقراراتهم الضريبية، وشمل ذلك بشكل خاص ولاية كاليفورنيا بأكملها تقريباً، ما أدى إلى ترحيل إيرادات الولاية الذهبية، والتي يقدرها مركز سياسات الحزبيين بنحو 100 مليار دولار، من العام المالي 2023 إلى 2024.

حزم بايدن الاقتصادية

كان التأثير هنا هامشياً، ففاتورة الإغاثة من فيروس كورونا لعام 2021، والمعروفة باسم خطة الإنقاذ الأميركية، والبالغ قيمتها 1.9 تريليون دولار، انتهت إلى حد كبير. أما التشريعات الثلاثة الأخرى، المتمثلة في قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، والذي يحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، والذي يدعم صناعة أشباه الموصلات، وقانون الحد من التضخم، فلم تصل تأثيراتها بعد إلى الميزانية بشكل واضح.

التضخم والاستحقاقات

ارتفعت المزايا الفيدرالية المدفوعة في عام 2023 لتعديل تكلفة المعيشة بنسبة 8.7%، ما يعكس ارتفاع التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022. وقد ساهمت فاتورة الضمان الاجتماعي البالغة 134 مليار دولار والرعاية الصحية بقيمة 92 مليار دولار في زيادة عجز الميزانية.

التضخم والاحتياطي الفيدرالي

اعتاد بنك الاحتياطي الفيدرالي تمرير مبلغ كبير إلى الخزانة من الفوائد التي كان يحصل عليها من محفظة السندات الضخمة، لكن هذا الأمر انتهى بعد أن دفع الاحتياطي الفيدرالي الكثير من الفوائد على الأموال النقدية التي تحتفظ بها البنوك التجارية معه. كان سعر الفائدة على الودائع قريباً من الصفر، لكنه يزيد حالياً عن 5%، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط المدفوعات على ​​السندات في محفظة الاحتياطي الفيدرالي.

وقد ساهمت هذه الديناميكية في زيادة العجز الحكومي الفيدرالي بمبلغ 106 مليارات دولار.

التضخم والسندات

وبطبيعة الحال، أدت زيادات أسعار الفائدة التي أقرها الاحتياطي الفيدرالي إلى ارتفاع العوائد على الديون الفيدرالية التي تصدرها وزارة الخزانة. وارتفع متوسط ​​سعر الفائدة الذي تدفعه وزارة الخزانة على الأوراق المالية القابلة للتسويق إلى أكثر من 3%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2009. وبشكل إجمالي، أضاف صافي تكاليف الفائدة على الديون 184 مليار دولار إلى العجز هذا العام، حسبما صرح مسؤول في وزارة الخزانة للصحافيين الأسبوع الماضي.

جوانب إنفاق أخرى

جوانب أخرى ساهمت في ارتفاع العجز، منها الإنفاق الدفاعي، والمدفوعات من شركة التأمين على الودائع الفيدرالية لإنقاذ عملاء البنوك المفلسة، وانخفاض الإيرادات من مزاد تراخيص استخدام الطيف الكهرومغناطيسي.

توقعات العام المالي الجديد

من المرجح أن يتقلص العجز في السنة المالية التي بدأت في الأول من أكتوبر الجاري، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الأداء الإيجابي للأسواق المالية في السنة التقويمية 2023، وهو ما من شأنه أن يعزز إيرادات الضرائب في عام 2024. كما سيساعد تحصيل إيرادات ضرائب كاليفورنيا المتأخرة أيضاً.

رغم ذلك فبنك الاحتياطي الفيدرالي من غير المرجح أن يدفع للخزانة، كما أن الخزانة ستضطر إلى دفع فوائد أعلى من ديونها لبعض الوقت. وهو ما قد يؤدي إلى حلقة مفرغة، حيث إن ارتفاع تكاليف الفائدة لا يؤدي إلا إلى زيادة العجز، ما يتطلب بيع المزيد من الديون.

قال مارك جولدوين، كبير مديري السياسات في لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي هيئة رقابية مالية: "ما نراه حقاً هو أن 2 تريليون دولار يُعد الوضع الطبيعي الجديد للعجز".

قد يشعل الوضع معركة سياسية عندما تنتهي العناصر الرئيسية لحزمة التخفيضات الضريبية للرئيس السابق دونالد ترمب بنهاية عام 2025. وقد بدأت إدارة بايدن بالفعل في طرح رواية مفادها أن هذه التخفيضات هي جزء من سبب اتساع العجز.

ويدعو مرشحو الرئاسة الجمهوريون إلى مزيد من التخفيضات الضريبية لرفع معدلات النمو، معللين بأن ذلك سيعزز الإيرادات في الوقت المناسب.

وفي الوقت نفسه، ترقبوا عجزاً أوسع نطاقاً في التوقعات المحدثة طويلة الأجل لمكتب الميزانية بالكونغرس ومكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض في الربيع القادم، لمراعاة الديناميكية الجديدة المتمثلة في ارتفاع تكاليف الاقتراض.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك