الرئيس شي جين بينغ يحاول منذ سنوات تحويل مشروع دلتا نهر اليانغتسي إلى قوة اقتصادية

تباطؤ اقتصاد الصين يلقي بظلاله على "وادي سيليكون الشرق"

صورة لمصنع تسلا للسيارات الكهربائية في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
صورة لمصنع تسلا للسيارات الكهربائية في شنغهاي، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تُعد دلتا نهر اليانغتسي منذ فترة طويلة واحدة من أغنى مناطق الصين، حيث تتمتع بمصائد أسماك غنية وحقول أرز تفسح المجال أمام تطوير منطقة ضخمة مترامية الأطراف تضم شنغهاي. الرئيس شي جين بينغ يحاول منذ سنوات تحويل المنطقة إلى قوة اقتصادية أكبر، على أمل إنشاء "وادي سيليكون الشرق".

بدأ التباطؤ الاقتصادي في الصين، والذي يرجع في جانب منه إلى التوتر مع الولايات المتحدة وتراجع سوق العقارات، يؤثر على المشروع حالياً. وتشمل الخطط توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة وقرية قنوات مائية صناعية كلفتها 2.6 مليار دولار تهدف لأن تكون رمزاً لطموحاتها البيئية. وفي حين أن قليلين ربما يجادلون بأن المنطقة تظل قاطرةً اقتصاديةً رئيسيةً، لم يسلم هدف شي إنشاء كتلة اقتصادية تدار بكفاءة أكثر ومنطقة عالية التقنية من المشككين.

قال آندي شيه، الاقتصادي المستقل المقيم في شنغهاي: "بينما ينقسم العالم إلى كتل، لا نعرف إلى أي مدى ستتقلص التجارة. التجارة الدولية تقود الثروة هنا".

مساع لجذب الشركات العالمية

تتجلى التأثيرات السلبية لتباطؤ الاقتصاد في لينغانغ، وهي منطقة تجارة حرة في الطرف الجنوبي الشرقي من شنغهاي وجزء رئيسي من مشروع دلتا اليانغتسي. وعرضت الحكومة ضرائب منخفضة وخففت القيود على التجارة عبر الحدود في محاولة لتحويل المنطقة إلى مركز للتصنيع والتكنولوجيا المتطورة يضم مراكز بحث وتطوير ومقار إقليمية للشركات المتعددة الجنسيات. واليوم، تجد صعوبة في جذب رأس المال والمواهب الأجنبية.

وكان من المأمول أن تكون شركة "تسلا"، التي افتتحت مصنعها الجديد للسيارات الكهربائية هناك في 2019، الأولى من بين العديد من الشركات الصناعية الكبرى في ليغانغ. لكن لم يتبعها سوى القليل، ليصبح أكبر المستثمرين هناك اليوم في الغالب أسماء محلية مثل شركة "سيميكونداكتور مانيوفاكتشرينغ إنترناشيونال" (Semiconductor Manufacturing International)، التي تسيطر عليها الدولة، و"كونتمبوراري أمبيريكس تكنولوجي" (Contemporary Amperex Technology) لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية. وإذا ما تبين أن شركة السيارات الكهربائية الأميركية العملاقة، التي تستهدفها تحقيقات مكافحة الدعم التي يجريها الاتحاد الأوروبي، أنها استفادت من الدعم الصيني، فإن الإجراءات المضادة يمكن أن توجه ضربة للشركة وطموحات لينغانغ.

عمدت الشركات الأميركية التي تتطلع إلى تنويع سلاسل التوريد منذ تفشي جائحة كورونا، إلى تسريع تحولها خارج الصين بعد أن اتخذت واشنطن خطوات للحد من وصول العملاق الآسيوي إلى التكنولوجيا المتطورة. وشركة أبل، التي يملك نصف كبار مورديها منشآت في دلتا اليانغتسى، هي واحدة من العديد من الشركات التي تحاول تقليل تعرضها للصين. كما نقلت "فوكسكون تكنولوجي غروب" ( Foxconn Technology Group) وموردون رئيسيون آخرون بعض سلاسلهم الصناعية.

تراجع الاستثمارات الأجنبية في الصين

انخفض أحد مقاييس الاستثمار الأجنبي الجديد في الصين، وهو التزامات الاستثمار المباشر، إلى 4.9 مليار دولار في الربع من إبريل إلى يونيو، بانخفاض 87% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 1998.

ذكر تشانغ تشونغ وي، نائب رئيس لجنة التنمية والإصلاح ببلدية شانغهاي، أن تأثير ما يُسمى بفك الارتباط أصبح محسوساً بالفعل.

تشانغ تشونغ وي يتولى أيضاً منصب نائب مدير اللجنة التنفيذية للمنطقة التجريبية لمشروع التكامل في نهر اليانغتسي، والتي تبعد نحو 60 كيلومتراً إلى الغرب من وسط مدينة شنغهاي، وقال لبلومبرغ في مقابلة أجريت معه في أغسطس لمناقشة تقدم المشروع والتحديات التي يواجهها "لقد كان الشعور واضحاً بالتأكيد. ومن المرجح أن تفكر بعض الشركات في حزم أمتعتها والمغادرة لمخاوف من العقوبات الأميركية المحتملة، وإن كان على مضض".

شي يحذر من فصل العلاقة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة

أظهر استطلاع حديث أجرته غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي أن الشركات الأميركية في الصين تشعر بأنها أكثر تشاؤماً منذ عقود فيما يتعلق بممارسة الأعمال التجارية، إذ يفكر نحو خُمس المشاركين في نقل بعض عملياتهم إلى مكان آخر على مدى السنوات القليلة المقبلة. وبينما يقترب المسؤولون من ترتيب اجتماع بين الرئيس جو بايدن وشي الشهر المقبل لتحقيق الاستقرار في العلاقات، تقول المصادر إنه لم يتحدد أي شيء بعد فيما تواصل الدولتان تبادل الانتقادات بخصوص قضايا مثل ضوابط التصدير وتايوان.

وفي إشارة إلى الافتقار لثقة المستثمرين في مستقبل صناعة التكنولوجيا في الصين، يحوم مؤشر يتتبع أكبر 50 شركة مدرجة في بورصة شنغهاي على غرار بورصة ناسداك قرب أدنى مستوياته القياسية. والمؤشر جزء مهم من استراتيجية شي لدفع الابتكار المحلي وجذب رأس المال الخاص إلى قطاع التكنولوجيا.

التنافس وليس التعاون

هناك جزء رئيسي آخر من مشروع دلتا نهر اليانغتسى يكتسي طابعاً معنوياً أكبر ولكنه ربما أكثر أهمية: تحسين التعاون والتكامل بين أقاليم المنطقة: جيانغسو، وتشجيانغ، وآنهوي، فضلاً عن شنغهاي. وتخوض الأقاليم منافسة شرسة منذ سنوات، إذ تسعى إلى التفوق على بعضها بعضاً في الناتج المحلي الإجمالي من خلال تشجيع الأعمال التجارية داخل حدودها. ويقول مسؤولون وخبراء اقتصاد إن هذا أدى إلى إنفاق غير فعال، وهو ضمن أسباب دورات الازدهار والكساد المتكررة في صناعات مثل تصنيع الألواح الشمسية.

تهدف الخطة، التي كشف عنها شي في 2018، إلى تكامل التنمية الاقتصادية للأقاليم، التي تمثل مجتمعة ربع اقتصاد الصين البالغ حجمه 16 تريليون دولار.

اقرأ أيضاً: طفرة الديون السيادية عقبة جديدة أمام إنقاذ اقتصاد الصين

تأمل الحكومة أن يؤدي الاستثمار الأكثر كفاءة والتجارة الحرة بين الأقاليم إلى تعزيز اقتصاد المنطقة. كما أنها تريد من الأقاليم أن تتوقف عن تفضيل الموردين المحليين في المشتريات والمشروعات الحكومية، وأن تختار بدلاً من ذلك ما هو الأفضل للكتلة الأوسع. وعلى المدى الطويل، يريد شي تكرار هذا التكامل في أجزاء أخرى من البلاد.

ومع ذلك، فإن الحكومات المحلية ليس لديها عقلية تعاونية، إذ يوجه انخفاض مبيعات الأراضي والنشاط التجاري ضربةً لمواردها المالية. وبدلاً من تعزيز التنسيق، يبذل كثير منها جهوداً مضنيةً لاجتذاب شركات من أقاليم مجاورة بوسائل مثل التخفيضات الضريبية والعقارات الرخيصة، وفق تقارير بحثية رسمية ووسائل إعلام حكومية.

"مشروعات التفاخر" الصينية

نشرت صحيفة "إيكونوميك ديلي"، التي يشرف عليها مجلس الوزراء الصيني، تقريراً على صفحتها الأولى في أغسطس يحذر البيروقراطيين من ملاحقة ذلك النوع من "مشروعات التفاخر" التي أثقلت الاقتصادات المحلية في السابق بالديون الثقيلة. وأشار التقرير إلى المناطق الصناعية التي تبنيها السلطات في محاولة لجذب الصناعات والمشروعات الناشئة.

تحاول الحكومات المحلية أن تأخذ زمام المبادرة في قطاع أشباه الموصلات على وجه الخصوص، وفقا لتقرير بحثي حديث صادر عن مركز دلتا نهر اليانغتسى و"إيكونوميك بيلت ريسيرش" (Economic Belt Research) ، وهو مركز أبحاث رسمي تابع لأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية.

وقال المركز "كل إقليم أو مدينة أو حتى منطقة ومقاطعة تقاتل بمفردها.

هناك نقص في التنسيق وقد أهدروا كميات كبيرة من الموارد القيمة من خلال البناء المكرر".

قال تشانغ، مسؤول البلدية، إن المسؤولين عن مشروع التكامل استعانوا في الآونة الأخيرة بـ"بوسطن كونسالتينغ غروب" (Boston Consulting Group) لإيجاد طرق لتشجيع الأقاليم على التعاون، مضيفاً أن هناك بعض التغيير الإيجابي، بما في ذلك ما يتعلق بحماية البيئة.

ضغط التمويل

تواجه الحكومات المحلية أيضاً ضغوطاً تمويلية بعد الإنفاق الضخم على جهود السيطرة على الجائحة. وقد أثار هذا مخاوف بشأن محور آخر لمشروع نهر اليانغتسي: توسيع شبكة النقل في المنطقة بما في ذلك الطرق السريعة والسكك الحديدية فائقة السرعة والمطارات. ويتوقع المسؤولون أن تتطلب مثل هذه البنية التحتية، إلى جانب خطوط أنابيب الطاقة وشبكاتها، استثمارات تبلغ إجمالاً عشرات، إن لم يكن مئات المليارات من الدولارات. وتشجع الصين الحكومات المحلية على إنشاء صناديق مشتركة لهذا الغرض.

وكان جيانغسو وتشجيانغ من بين أكبر الأقاليم المنفقة على مكافحة كوفيد عام 2022، إذ أنفقا مجتمعين 85.8 مليار يوان (11.7 مليار دولار). وعلى الرغم من أنهما لا يزالان من أغنى الأقاليم في الصين وتمكنا من إعادة تمويل الديون، فهناك علامات على استمرار تعرضهما للضغط. فإقليم جيانغسو لديه عدد كبير للغاية من أدوات التمويل الحكومية المحلية -الكيانات التي أُنشئت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 لبناء كل شيء من الطرق إلى مرافق الصرف الصحي- التي تتخلف عن المواعيد النهائية لسداد الفواتير التجارية.

ومع ذلك، تجاهل تشانغ المخاوف من أن يؤدي هذا إلى إبطاء جهود البنية التحتية في دلتا اليانغتسي، بما في ذلك مشروع السكك الحديدية فائق السرعة البالغ طوله 170 كيلومتراً وكلفته 13 مليار دولار، والهادف لاختصار زمن التنقل، ومن المقرر الانتهاء منه عام 2028.

ويقول إن مشروع دلتا نهر اليانغتسى لا يزال يحرز تقدماً، وإن هدفه لا يقتصر فقط على تعزيز الإنتاج في المنطقة. ويتمثل الهدف الرئيسي في تقديم مخطط تفصيلي للاقتصاد الصيني الأوسع في الوقت الذي يحاول فيه التحول بعيداً عن نموذج النمو المعتمد على رأس المال والطاقة إلى نموذج أكثر استدامةً.

الارتقاء بالقيمة الصناعية

ويعني هذا في جانب منه الارتقاء بسلسلة القيمة الصناعية إلى ما هو أبعد من ميزة التكلفة المنخفضة لتجنب ما يسمى فخ الدخل المتوسط. ومن خلال دلتا اليانغتسي، يريد شي أن يظهر أن الصين قادرة على احتضان ما يسميه "التنمية العالية الجودة" التي لا تتعلق فقط بالنمو الصناعي- ولهذا السبب تعتبر قرية القنوات الصناعية في غاية الأهمية.

ستضم المدينة التي تبلغ مساحتها 35.8 كيلومتر مربع مجموعات من المباني المنخفضة الارتفاع ذات الأفنية مع بلاط أسود وجدران من الجبس الأبيض، وهو نمط معماري كان شائعاً في المنطقة وما زال باقياً في بعض مدن القنوات القديمة المنتشرة في هناك. وسيمتد المشروع على حدود جيانغسو وتشجيانغ وشانغهاي، ومن المقرر أن تموله تلك الأقاليم إلى جانب العوائد التي تُجمع من سوق رأس المال.

ومن المتوقع أن تضم مباني القرية، قيد الإنشاء حالياً، مكاتب وفنادق وأماكن مؤتمرات ومساحات للبيع بالتجزئة، وستكون محاطة بممرات مائية متعرجة وأراض رطبة، وفقاً لنموذج مصغر معروض في المنطقة التجريبية.

وقال تشانغ إن السلطات تأمل أن تكون القرية، واسمها الرسمي "ووتر تاون بارلور" (Water Town Parlor) ومن المقرر أن تكتمل بحلول 2035، نموذجاً للتنمية المستقبلية في الصين حيث يمكن أن يتعايش النمو مع الحفاظ على الثقافة والبيئة. وأضاف: "مثل سنترال بارك في مانهاتن".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك