سيعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تولي محمد شيمشك حقيبة وزارة الخزانة والمالية في حكومته الجديدة، وفق ما كشفه أشخاص على دراية مباشرة بالأمر، ليعيد بذلك أحد أنصار الاقتصاد التقليدي لتعزيز ثقة السوق بعد فوزه في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية.
من المتوقَّع أن يعمل شيمشك، البالغ من العمر 56 عاماً، على عودة السياسات الاقتصادية التركية إلى المسار الطبيعي بعد عام من التحركات غير المألوفة التي قادت البلاد إلى تضخم جامح، وهبطت بالليرة إلى مستويات قياسية متدنية، وفقاً لأشخاص طلبوا عدم نشر أسمائهم.
عُرف أردوغان بتدخله المكثف في السياسة النقدية وإقالة المسؤولين الذين لا يلتزمون بنهجه. وسيحتاج إلى منح شيمشك استقلالية كافية لإقناع المراقبين بأنَّ هذا التحوّل حقيقي بعد فوزه بجولة الإعادة يوم الأحد ضد كمال كيليجدار أوغلو ليمدد حكمه لأكثر من عقدين.
قفزت الأسهم التركية على وقع تلك الأنباء، ليفتتح مؤشر البنوك التعاملات مرتفعاً 6.6% في بورصة إسطنبول، وانخفضت تكلفة التأمين ضد تخلف الدولة عن سداد الديون السيادية، كما تقهقر العائد على السندات الدولارية التركية لأجل 10 أعوام إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أسابيع عند 9.3%.
من جهة أخرى، تقهقرت العملة التركية قليلاً لتصل إلى 20.88 ليرة للدولار، إذ يدرس المتداولون مدى إمكانية وضع نهاية لتدخلات الدولة في سوق العملات.
رفض مكتب أردوغان والمتحدث باسم شيمشك التعليق. ومن المنتظر أن يعلن الرئيس حكومته الجديدة يوم غد السبت.
وسيطر التوتر على المستثمرين منذ فوز أردوغان بجولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، وكان الرئيس قد تعهد بعد الاقتراع بتكوين "فريق مالي يتمتع بمصداقية دولية".
استقلالية السياسات الاقتصادية
شيمشك هو استراتيجي سابق في "ميريل لينش"، ويحظى باحترام المستثمرين لدفاعه عن التوجهات الاقتصادية التقليدية. كما يُعتبر مألوفاً للرئيس التركي، إذ شغل منصبي وزير المالية ونائب رئيس مجلس الوزراء في حكومات أردوغان السابقة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ شيمشك تنحى في 2018 أثناء انتقال تركيا إلى نظام رئاسي تنفيذي يمنح أردوغان سلطات واسعة.
وفي وقت سابق من هذا العام، رفض شيمشك مبادرات أردوغان، وقال إنَّه لن يشارك في السياسة بنشاط. لكنَّه التقى الرئيس مجدداً يوم الأحد بعد فوزه بالانتخابات، واشترط شيمشك استقلالية السياسة النقدية لقبول انضمامه إلى مجلس الوزراء، وفق ما كشفه أشخاص مطّلعون على الأمر.
وقال الأشخاص إنَّ دولت بهجلي، رئيس حزب قومي تركي يمثل جزءاً رئيسياً من الائتلاف الحاكم بزعامة أردوغان، قد ضغط من أجل انضمام شيمشك (لمجلس الوزراء).
شكوك متواصلة
حتى لو حصل شيمشك على الاستقلالية التي يحتاجها لإصلاح الشؤون المالية للبلاد؛ فإنَّ الشكوك حول صبر أردوغان ما تزال قائمة.
وقال هنريك غولبيرغ، خبير الاقتصاد الكلي لدى "كويكس بارتنرز" (Coex Partners): "الأمر يبدو لي وكأنَّه تحرُّك رمزي لمحاولة كسب الأسواق بعد الانتخابات.. سيتعرض (شيمشك) لضغوط قوية جداً لتنفيذ ما يريده الرئيس، خاصةً إذا كان النمو ضعيفاً للغاية في نظر الحكومة".
يصر الرئيس على أنَّ خفض أسعار الفائدة يحد من التضخم، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع كيفية إدارة معظم البنوك المركزية للسياسات النقدية. وأُقيل ناجي إقبال، آخر محافظ بنك مركزي مناصر للاقتصاد التقليدي خدم في عهد أردوغان، بعد أربعة أشهر فقط من توليه منصبه في 2021 بسبب رفعه أسعار الفائدة بشكل كبير.
وتُقدِّم طريقة إقالة إقبال والعودة إلى أسعار فائدة منخفضة للغاية في عهد خلفه، شهاب قاوجي أوغلو، تذكيراً للمشككين الذين يتساءلون عن المدة التي قد يصمد بها أي تحوّل تحت قيادة شيمشك.
الأزمة في "الآلية"
يرى إريك مايرسون، كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في "إس إي بي إيه بي" (SEB AB)، ومقرها ستوكهولم، أنَّ "القضية ليست السيد شيمشك نفسه.. إذ إنَّه لا توجد آلية تمنع تكرار ما فعله الرئيس أردوغان مع السيد إقبال".
وصف أردوغان نفسه بأنَّه "عدو" لأسعار الفائدة، ولم يقدم أي إشارة إلى أنَّه مستعد للتراجع عن السياسة النقدية المتساهلة للغاية.
وقال أردوغان لشبكة "سي إن إن" قبل جولة إعادة الانتخابات الرئاسية إنَّ "معجل التضخم سينخفض جنباً إلى جنب مع أسعار الفائدة، حتى نصل إلى نقطة يشعر فيها الشعب بالارتياح.. أقول هذا وأنا أتحدث باعتباري خبير اقتصاد، وهذا ليس وهماً".
شيمشك
- وُلد شيمشك عام 1967 بمقاطعة مأهولة بالسكان الأكراد تسمى "بطمان".
- حصل على درجة الماجستير في التمويل من جامعة إكستر في المملكة المتحدة، وفق صفحته على موقع "لينكد إن".
- عمل كخبير اقتصادي أول لدى السفارة الأميركية في أنقرة لمدة أربع سنوات.
- لعب أيضاً عدة أدوار في عدد من البنوك الاستثمارية، بما في ذلك "ميريل لينش".
- شغل عدّة أدوار في إدارة أردوغان بين عامي 2007 و2018، بما في ذلك منصب وزير المالية ونائب رئيس مجلس الوزراء.
تحجيم التضخم والحفاظ على النمو
تجدر الإشارة إلى أنَّه حتى على الرغم من تولي شيمشك دفة القيادة قبل 2018؛ لم تكن تركيا تسعى بقوة إلى تحقيق هدف التضخم الرسمي البالغ 5%، إذ كان نمو التضخم السنوي أقل بقليل من 12% بنهاية 2017.
ومع ذلك؛ تمكّنت إدارة شيمشك من الحفاظ على نمو اقتصاد الدولة العضو بمجموعة العشرين بوتيرة من شأنها إرضاء أردوغان، دون إذكاء التضخم الجامح.
لكنْ منذ رحيل شيمشك، خرجت أسعار المستهلكين عن السيطرة بعد أزمات العملة المتتالية، ليتخطى معدل التضخم 85% العام الماضي، قبل أن يتباطأ بسبب التأثير الإحصائي لفترات المقارنة، لكنَّه ما يزال أعلى من 40%.
وفي مهمته الوزارية الأخيرة، عقد شيمشك زيارات متكررة إلى لندن مع محافظ البنك المركزي آنذاك مراد تشيتينكايا سعياً لتهدئة مخاوف المستثمرين بشأن طموحات أردوغان للسيطرة بشكل أكبر على السياسة الاقتصادية التي تسببت في انخفاض الليرة التركية.
من المنتظر أن يحل شيمشك محل نور الدين النبطي، الذي كان وزيراً للمالية منذ أواخر 2021. وكان يُنظر إلى النبطي، الذي كان نائباً لوزير المالية سابقاً، على أنَّه قريب من قيصر الاقتصاد السابق بيرات البيرق، صهر أردوغان.
وقال إريك مايرسون، كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في "إس إي بي إيه بي" (SEB AB): "من المحتمل أن يكون هناك شد وجذب غير مرئي في كل مرة يلزم فيها اتخاذ قرار حاسم.. وفي نهاية المطاف، ستضمن المؤسسات السياسية التي يقودها الرئيس أردوغان تفوّق الآراء التعسفية غير التقليدية على إدارة أكثر كفاءة للاقتصاد".