يعني الإغلاق الذي فرضته الصين بسبب فيروس كورونا أن نموها الاقتصادي قد يقل عن الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عام 1976، في تبادل أدوار وأصداء سياسية محتملة داخل كل من بكين وواشنطن.
ذكرت "بلومبرغ إيكونوميكس"، في تقرير يوم الخميس، أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سينمو بنسبة 2% فقط هذا العام. وبالمقارنة، فإن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيرتفع بنسبة 2.8% هذا العام، حسب توقعات "بلومبرغ".
في الوقت الذي تطبق فيه بكين تدابير تحفيزية مالية ونقدية وتنظيمية، تتسبب سياسة "صفر كوفيد" التي وضعها الرئيس شي جين بينغ في تقليل أثر هذه التدابير، حيث إنها تتطلب قيوداً صارمة على النشاط عند تفشي الفيروس. وبينما تكافح الولايات المتحدة للتعامل مع التضخم المرتفع، لكن اقتصادها لا يزال مدفوعاً بالتوظيف القوي والإنفاق الاستهلاكي.
اقرأ أيضا: صراع على ثروات القمر.. أمريكا والصين تُشعلان حرب سيطرة على الموارد خارج الكوكب
تأتي توقعات "بلومبرغ إيكونوميكس" عند النقطة الأدنى للنمو المتوقع، حيث لا يزال متوسط توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2022 أكثر من 4%. وإن صدقت التوقعات، فسيشهد هذا العام المرة الأولى لتأخر وتيرة النمو الصيني للعام بأكمله عن منافسه منذ عام 1976، الذي شهد خروج الصين من العقد المضطرب للثورة الثقافية، حسب بيانات البنك الدولي.
منذ حملة "الإصلاح والانفتاح" التي بدأت في أواخر السبعينيات، تمتعت الصين بمعدلات توسع أسرع، لكن لا يزال هناك مجالاً كبيراً لتضييق الفجوة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي
من المؤكد أن الرئيس جو بايدن، الذي يحث المشرعين في الكونغرس على تمرير حزمة تشريعات تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة ضد الصين، سينتهز فرصة هذا النمو النسبي، حيث صاغ أجندته الاقتصادية جزئياً حول إظهار ما إذا كانت الديمقراطيات قادرة على مواجهة نموذج "شي" الاستبدادي.
تبدو المخاطر أكبر بالنسبة إلى "شي"، الذي تسود توقعات واسعة ببقائه لفترة ولاية ثالثة كرئيس للحزب الشيوعي في وقت لاحق من هذا العام، في خطوة غير مسبوقة. يعد معدل النمو بنسبة 2% أقل بكثير من هدف النمو الرسمي للحكومة المحدد عند 5.5% هذا العام. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الشهر الماضي، أن "شي" أبلغ المسؤولين بضرورة التأكد من أن يفوق نمو الصين الولايات المتحدة هذا العام.
اقرأ أيضا: "غولدمان ساكس" تخفض توقعات نمو اقتصاد الصين إلى 4%
ستكون هذه هي المرة الأولى التي لا تصل فيها الدولة بشكل ملحوظ إلى هدفها السنوي منذ اعتماد ممارسة تحديد الأهداف في أواخر التسعينيات. لم تنشر الحكومة أهدافاً في عام 2020، عندما ضرب الوباء.
حدد القادة الصينيون هدف هذا العام المتمثل بـ"حوالي 5.5%"، وهو أدنى مستوى على الإطلاق، قبل موجة الإغلاق الأخيرة في المدن الكبرى بما في ذلك شنغهاي، والتي أثرت بشدة على الإنفاق المحلي. يقدر بعض الاقتصاديين الآن أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني انكمش هذا الربع، وسط انخفاضات مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي في أبريل.
[object Promise]ستكون الزيادة بنسبة 2% هي الأضعف بالنسبة للصين منذ عام 1976، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً حتى في عام 2020 عندما أدى الوباء إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.2%. في الماضي، وفي أعقاب حملة القمع في ميدان تيانانمن، توسع الاقتصاد الصيني الأصغر بكثير بنسبة 3.9% في عام 1990.
ربما لعبت السياسة دوراً ما في تحديد هدف بدا طموحاً بالفعل قبل الإجراءات الأخيرة المتعلقة بالوباء، وفقاً لستيفن جين، الذي يدير صندوق التحوط وشركة الاستشارات "يوريزون إس إل جيه كابيتال" (Eurizon SLJ Capital). حيث ورد في تحليله أنه من المحتمل حدوث انقسامات حول حجم التحركات التنظيمية ضد الصناعات بما في ذلك العقارات والتكنولوجيا.
اقرأ أيضا: "اليوان الرقمي".. مواجهة جديدة بين أمريكا والصين
كتب "جين" وزميلته جوانا فريري في مذكرة في وقت سابق من هذا الشهر: "نعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء هدف النمو القوي الواضح، فقد وضعه المعسكر "المؤيد للنمو" عمداً في بكين للحد من المزيد من "الإجراءات الصارمة" واستعادة بيئة أفضل لازدهار القطاع الخاص".
أعلن صانعو السياسات مراراً وتكراراً عن تعهدات لاتخاذ المزيد من الإجراءات الصديقة للنمو. وألمح نائب رئيس مجلس الدولة ليو هي، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى أن بكين قد تكون مستعدة للتخلي عن الصرامة ضد شركات التكنولوجيا.
لكن هذه الإعلانات لم ترق إلى مستوى أي حزمة مالية محددة واسعة النطاق، أو تيسير نقدي حاسم شامل، ما ترك الاقتصاديين والمستثمرين غير مهتمين.
ذكر الاقتصاديان شيانع رونغ يو وشياون جين في "سيتي غروب" (Citigroup) في مذكرة هذا الأسبوع أنه: "لا يزال لدى الصين خيارات سياسية. عند هذا المنعطف، يُعد طرح إجراءات التحفيز الحقيقية في الوقت المناسب وبشكل حاسم أمراً بالغ الأهمية لإعادة النمو إلى مساره الصحيح".
وفي إشارة على التنافس بين البلدين في الناتج المحلي الإجمالي، ادعى بايدن بالفعل التفوق على الصين، وقال في بيان حول بيانات الناتج المحلي الإجمالي في يناير: "لأول مرة منذ 20 عاماً، نما اقتصادنا بوتيرة أسرع من اقتصاد الصين".
اقرأ أيضاً: أكثر من نصف الشركات الأمريكية في الصين تتوقع تضرر الإيرادات من عمليات الإغلاق
عند مقارنة الربع الأخير من العام الماضي بالفترة نفسها من عام 2020، نجد أن اقتصاد الولايات المتحدة توسع بنسبة 5.5% مقابل 4% في الصين. وتعزز النمو الأمريكي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي من خلال قفزة في المخزونات، ويبقى أن نرى ما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة التفوق على الصين على متوسط الأساس السنوي.