أفريقيا تتحوّل إلى "ضرر جانبي" لحرب أوكرانيا

جرار يعمل بالقرب من آلية عسكرية روسية مدمرة بالقرب من كييف، 15 أبريل 2022. أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
جرار يعمل بالقرب من آلية عسكرية روسية مدمرة بالقرب من كييف، 15 أبريل 2022. أوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في بدايات غزو روسيا لأوكرانيا، أتت إحدى أقوى الإدانات للنزعة المغامرة لدى فلاديمير بوتين من قِبل رجل أفريقي.

خلال كلمة سرعان ما انتشرت في جميع أنحاء العالم؛ استخدم مارتين كيماني، سفير كينيا لدى منظمة الأمم المتحدة، التجربة الاستعمارية في أفريقيا، لإدانة النزعة الانتقامية الإمبريالية لدى الزعيم الروسي. وقال: "الدول الأفريقية رفضت سياسة احتلال الأراضي والنزعات التوسعية على أي أساس؛ سواء كان عنصرياً أو عرقياً أو دينياً أو ثقافياً. ونحن نجدد رفضنا لها اليوم".

غير أنَّ نقد أفريقيا لروسيا بات خافتاً منذ تلك الكلمة. وذلك بشكل خاص في الأمم المتحدة، إذ تستطيع القارة بعدد أصواتها الذي يبلغ 54 صوتاً التأثير على القرارات. وفي 2 مارس الماضي، لم يتجاوز عدد الدول الأفريقية التي صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو، نصف عدد الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة؛ في حين امتنعت 17 دولة منها عن التصويت، وقررت ثماني دول عدم المشاركة على الإطلاق في عملية التصويت. فيما صوّتت أريتريا – إلى جانب بيلاروسيا وكوريا الشمالية وسوريا وروسيا نفسها – ضد القرار.

حياد سياسي

برغم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها لحشد آراء الدول الأفريقية ضد روسيا؛ فإنَّ مزيداً من هذه الدول تقف على الحياد حالياً. إذ إنَّ 33 دولة إما امتنعت عن التصويت، أو لم تشارك على الإطلاق في قرار 7 أبريل الماضي الخاص بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

البنك الدولي: الحرب الروسية تزيد مخاطر ديون أفريقيا

تتراوح أسباب التردد في عزل روسيا بين أسباب تاريخية وأخرى براغماتية (عملية). ويشير الماضي الاستعماري الذي استشهد به كيماني إلى حساسية واسعة الانتشار عند تعامل أفريقيا مع النصائح والتوجيهات من الغرب. علاوة على الدور الذي تلعبه ذكريات الدعم السوفييتي للدول الأفريقية حديثة الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، في تشجيع التعاطف مع موسكو إلى حد معيّن.

من جهة أخرى، يلعب تعمّق العلاقات الاقتصادية في السنوات الأخيرة دوراً أيضاً. فبالرغم من أنَّ روسيا لم تعد مساهماً كبيراً في مساعدات التنمية لأفريقيا، ولا تعدو كونها مصدراً ثانوياً للاستثمار المباشر في دول القارة؛ إلا أنَّها أصبحت موردّاً رئيسياً للغذاء ومصدراً مهماً للمساعدات العسكرية بالنسبة لها، خاصة في السنوات القليلة الماضية.

علاقات اقتصادية

هذه الروابط تضع أفريقيا أمام التزام في الوقت الحالي. إذ إنَّ رفض اتخاذ أي موقف من جانبها لا يمثل مشكلة أخلاقية فقط؛ وإنما يحرمها أيضاً من الحماية من تبعات الحرب. وبالفعل؛ تعاني البلدان الأفريقية اقتصادياً كنتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا؛ وبالتأكيد ستلحق بها معاناة سياسية أيضاً.

تسبّبت الحرب بقطع مصدرين مهمين للحبوب عن أفريقيا، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)؛ إذ تعتمد 14 دولة أفريقية على روسيا وأوكرانيا لتوفير نصف احتياجاتها من القمح، وعلى رأس القائمة تأتي أريتريا (اعتماد بنسبة 100%)، والصومال (أكثر من 90%) ومصر (نحو 75%).

ووفقاً لبيانات "بنك التنمية الأفريقي"؛ تشكّل واردات القمح بالمجمل 90% من تجارة أفريقيا مع روسيا التي تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار، ونحو 50% من تجارتها مع أوكرانيا البالغة 4.5 مليار دولار.

وفي مقابلة مع "الجزيرة"؛ حذّر رئيس البنك، أكينومي أديسينا، من تفاقم أزمة غذائية قد "تهدد الاستقرار في القارة".

إنفوغراف.. القمح الروسي والأوكراني يشكلان 30% من واردات أفريقيا

بالإضافة إلى تقليص معروض القمح؛ تسبّبت الحرب في زيادة أسعار مجموعة واسعة من السلع الأساسية، ودفعت معدلات التضخم إلى التحليق عالياً، في وقت تحاول فيه الدول الأفريقية التعافي من أزمة اقتصادية استمرت مدة عامين بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا.

يمثّل ذلك خطراً على الحكومات في مختلف أنحاء العالم النامي، وبشكل خاص في أفريقيا، التي تشهد بالفعل تراجعاً في الديمقراطية وعودة إلى الانقلابات العسكرية.

كذلك، جعلت الحرب القائمة تركيز العالم المتقدّم ينصب على أوكرانيا، مما يجعل حصول الأمم الأفريقية على المساعدات الإضافية التي تحتاج إليها بشدة أمراً مستحيلاً. وليس من المستغرب توقُّع الاقتصاديين الذين يغطون أفريقيا في البنك الدولي، بمزيد من الاضطرابات المدنية مستقبلاً.

اعتماد عسكري

من أغرب المفارقات في هذا الأمر، هو احتمال أن تؤدي الاضطرابات المدنية، التي هي نفسها نتيجة لأفعال روسيا في منطقة مختلفة من العالم، إلى رفع طلب الأفارقة على خدمات روسية من نوع مختلف. إذ إنَّ حكومات عدة ستحتاج بشدة إلى الذخيرة والمقاتلين الذين تقدّمهم موسكو لقمع المعارضة السياسية وهزيمة السكّان المتمردين.

أشد هذه الأسلحة فتكاً هم المرتزقة من مقاتلي "مجموعة فاغنر"، التي تُمثّل جيش الكرملين الخاص سيئ السمعة والمتاح لمن يريد أن يستأجره. فبعد أول ظهور له في عام 2014 لمساعدة الجيش الروسي في احتلال جزيرة القرم؛ تحوّل هذا التنظيم إلى أداة من أدوات بوتين الخارجية لدعم الطغاة والمستبدين في مختلف أنحاء أفريقيا. ويدير مجموعة "فاغنر" الآن يفغيني بريغوجين، وهو رجل أعمال تربطه علاقة وثيقة مع بوتين.

وعلى مدى أعوام كثيرة؛ قاتل المرتزقة الروس، ومعظمهم من محاربي الجيش القدامى، لصالح الجنرال المتمرد خليفة حفتر في ليبيا، ودعموا الحكومة في جمهورية أفريقيا الوسطى. وفي الآونة الأخيرة، ظهر مقاتلو مجموعة "فاغنر" في موزمبيق، والسودان ومدغشقر ومالي. (وتعمل المجموعة بنشاط في سوريا أيضاً).

بعد الشيشان وجورجيا وسوريا.. خطة بوتين ربما تنتهي بتدمير أوكرانيا

في الوقت ذاته، أعطى انسحاب القوات الفرنسية من المعركة ضد الجماعات الجهادية في إقليم الساحل الأفريقي - حزام الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى - فرصة أكبر لرئيس المجموعة بريغوجين، خاصة أنَّ كثيراً من هذه الدول تديرها مجالس عسكرية حالياً.

مقاتلو "فاغنر"

مع ذلك؛ لم ينجح دائماً مقاتلو "فاغنر" في مواجهة الإرهابيين، ففي موزمبيق مثلاً هرب مرتزقة روسيا بعد مواجهة مستمرة من الميليشيات الإسلامية هناك. غير أنَّ استعداد مقاتلي "فاغنر" لممارسة أقصى درجات العنف وعدم اكتراثهم بقواعد وقوانين الحرب - ناهيك عن الأمور الكمالية بالنسبة لهم مثل حقوق الإنسان - يجعلها مجموعة جاذبة بالنسبة للأنظمة الساعية لقمع المقاومة السياسية. في المقابل؛ يقبل بريغوجين أن يتقاضى ثمناً مقابل هذه الخدمات، وتتمثل بمنحه حقوق استغلال الثروة المعدنية في هذه الدول، مثل مناجم الذهب في السودان.

حرب بوتين تُمثّل بالنسبة إلى "مجموعة فاغنر" تحدياً على المدى القصير، وفرصة على المدى الطويل. فقد اضطرت المجموعة إلى إرسال مقاتلين إلى أوكرانيا من أفريقيا، وهي ستعاني من التعامل مع أي زيادة في الطلب من قبل الدول الأفريقية. لكنَّ بريغوجين سيكون قادراً أيضاً على تعيين مقاتلين من صفوف الجنود الروس الذين صقلتهم خبرة المعارك في أوكرانيا.

أخيراً؛ مع أنَّ الدول الأفريقية قد تتخذ موقف الحياد من الحرب في أوكرانيا؛ لكنَّها ستصبح من ضحاياها على مدى السنوات القادمة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة