الفكرة تعتمد على استنساخ الثقة بالعملة الورقية بطرق جديدة والجهات التنظيمية تخشى مزيداً من الانهيارات

ما العملات الرقمية المستقرة ولماذا تثير قلق الجهات التنظيمية؟

أحد الحضور أمام شعارات لعدد من العملات المشفرة خلال قمة "كريبتوكومبير ديجيتال أسيت"، التي عُقدت في مدينة بيلينغزغيت" مارس الماضي، في لندن، المملكة المتحدة. - المصدر: بلومبرغ
أحد الحضور أمام شعارات لعدد من العملات المشفرة خلال قمة "كريبتوكومبير ديجيتال أسيت"، التي عُقدت في مدينة بيلينغزغيت" مارس الماضي، في لندن، المملكة المتحدة. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

إذا وضعت دولاراً واحداً تحت فراشك، تعلم أنك ستجد ورقة نقدية عندما تبحث عنها، وأن قيمة العملة الورقية ستظل دولاراً واحداً. ظهر نوع من العملات المشفرة، يطلق عليه "العملات المستقرة"، اعتماداً على فكرة أنه يمكن استنساخ تلك الموثوقية بطرق جديدة. أصبح دور العملات المستقرة جوهرياً لعمل أسواق العملات المشفرة، حيث بلغ حجم التداول نحو 125 مليار دولار في مطلع أغسطس. كما أنها جذبت تدقيقاً متزايداً من الجهات التنظيمية، فانهارت محاولة "ميتا بلاتفورمز" البارزة بعد رد فعل عنيف. وكشف طرح "باي بال هولدينغز" (PayPal Holdings) عملة مستقرة عن أول جهود تبذلها شركة مالية كبيرة في هذا المجال.

1) ما العملات المستقرة؟

هي أصول رقمية مصممة لتحتفظ بقيمة ثابتة، على النقيض من تذبذب الأسعار الذي نراه في بتكوين والرموز الأخرى. ما يجعل العملات المستقرة نافعة لمستثمري العملات المشفرة الذين يحتاجون إلى استثمار أرباحهم في مجال آمن، لكنهم لا يرغبون في تحويلها إلى أموال حقيقية مرة أخرى، أو يريدون الاستثمار أو التخارج من أصول رقمية أو منصات تداول مختلفة. يمكن تداول عملة "تيذر" (Tether) المستقرة، الأوسع انتشاراً، مقابل آلاف العملات المشفرة الأخرى. وتوجد عشرات العملات المستقرة قيد الاستخدام حالياً.

2) كيف تحتفظ العملات المستقرة بقيمتها؟

يقول العديد من جهات إصدار العملات المستقرة إنها تحتفظ بسيولة أو أصول أخرى تعادل قيمة العملة المستقرة المتداولة. لذا؛ فعندما يدفع مستخدم دولاراً بعملة "تيذر" مقابل رمز، يُفترض أن يُحتفظ بالمال في أصول آمنة نسبياً.

يوجد منها نوع آخر يعرف باسم "العملات المستقرة الخوارزمية"، ويستخدم العمليات الآلية بهدف الحفاظ على قيمتها. يحقق البعض ذلك عبر تعديل معروضهم، فيوّلدون مزيداً من العملات عند تداولها بسعر يتجاوز قيمتها المدعومة لينخفض هذا السعر، وإزالة بعضها من التداول عندما يتدنى سعرها لأقل من السعر المدعوم ليرتفع السعر. لكن جاذبية العملات المستقرة الخوارزمية تلاشت بعد انهيار أكبرها، "تيرا يو إس دي" (TerraUSD)، ورمزها المميز "لونا" (Luna)، في مايو 2022ـ لتفقدا معاً 60 مليار دولار من قيمتهما السوقية خلال أيام.

3) ما تأثير إصدار "باي بال" عملة مستقرة؟

من ناحية، تعد "باي بال" طريقة رائجة ومقبولة لنقل الأموال بين الأفراد والشركات، فلديها 431 مليون حساب نشط في أنحاء العالم. يُذكر أيضاً أن "باي بال"، التي انسحبت سابقاً من اتحاد عملة "ديم" (Diem) المشفرة الذي أنشأته شركة "فيسبوك" نتيجة لانعدام الوضوح التنظيمي، قالت إنها أجرت محادثات موسعة مع الجهات التنظيمية وصانعي السياسات في الولايات المتحدة قبل الإعلان عن خططها في 7 أغسطس لإصدار عملتها المستقرة. قال خوزيه فرنانديز دا بونتى، رئيس فريق البلوكتشين والعملات الرقمية في "باي بال": "البيئة التنظيمية كانت تتجه نحو تقديم مزيد من الوضوح". وقالت الشركة إن عملتها المستقرة ستكون مدعومة بشكل كامل بالودائع بالدولار الأميركي وسندات الخزانة قصيرة الأجل والمكافأت النقدية المشابهة.

4) لماذا تخشى الجهات التنظيمية العملات المستقرة؟

طالبت الهيئات المالية الأميركية بتشريع يعامل شركات العملات المستقرة معاملة البنوك، وألزمت الجهة التنظيمية في ولاية نيويورك شركة مُصدرة لعملة مستقرة أساسية بوقف إصدارها في فبراير. تخشى الجهات التنظيمية خطر انهيار مزيد من العملات المستقرة، ما قد يفضي إلى مبيعات اضطرارية للأصول الأخرى، فيما يحاول داعموها الحفاظ على سعر الصرف. بل إن السيناريو المعاكس أكثر إزعاجاً، وفيه تثبت العملات المستقرة كفاءتها، ويتزايد رواجها بشكل كبير، وتسمح بتداول مبالغ كبيرة دون التعامل مع النظام المصرفي الرسمي، لتقوض الاحتكار النقدي الذي تمارسه البنوك المركزية، وتُمكِّن المجرمين من الاشتراك في غسل أموال طائلة.

5) هل تعتزم الجهات التنظيمية اتخاذ إجراءات؟

يرغب بنك "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" في الحصول على سلطة مراقبة الشركات المُصدرة للعملات المستقرة بالطريقة ذاتها التي يراقب بها البنوك، مع متطلبات رأس مال صارمة وإشراف مستمر لضمان استقرار هذه الشركات.

قدمت لجنة أساسية في مجلس النواب تشريعاً لسن قواعد للقطاع، لكن فرص إقراره في مجلس الشيوخ قد تكون ضئيلة. تخطط بعض المؤسسات المالية التقليدية والبنوك المركزية لإصدار رموزها الرقمية التي ستجعل المعاملات أكثر سرعة وأقل تكلفة عن النقد العادي، لكنها أكثر أماناً من العملات المشفرة الخاصة. فسيكون "فيد ناو" (FedNow)، نظام المدفوعات الفورية الجديد الذي أصدره "الاحتياطي الفيدرالي" في يوليو، طريقة أسرع لنقل الأموال.

6) ما المشكلة المتعلقة بـ"بينانس يو إس دي"؟

"بينانس يو إس دي" (BUSD) هي عملة مستقرة أصدرتها شركة "باكسوس ترست" (Paxos Trust) بالشراكة مع "بينانس هولدينغز" (Binance Holdings)، أكبر منصة لتداول العملات المشفرة في العالم من حيث الحجم.

في فبراير 2023، قالت "باكسوس"، ومقرها في نيويورك، إنها ستوقف إصدار العملة المستقرة التي تحمل علامة "بينانس" التجارية، وفقاً لتوجيهات هيئة الخدمات المالية بولاية نيويورك (NYDFS). وزعمت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" أن "بينانس يو إس دي" هي ورقة مالية، وبالتبعية، وَجب على "باكسوس" تسجيل طرح العملة المستقرة لدى الهيئة بموجب القوانين الفيدرالية للأوراق المالية. وقالت الشركة إنها تعارض بيان "هيئة الأوراق المالية والبورصات" جملةً وتفصيلاً. تصدر "باكسوس" حالياً عملة "باي بال" المستقرة.

7) ماذا حدث لعملة "تيرا يو إس دي"؟

كانت "تيرا يو إس دي" عملة مستقرة خوارزمية استخدمت عملة "لونا" ذات سعر الصرف المرن الموازي لدعم سعر صرفها الثابت بالدولار. وقدمت للمستخدمين معدلات فائدة مرتفعة على الودائع تبلغ 20%. لكن عندما تراجعت قيمتها بعد سلسلة من عمليات السحب الضخمة، انهارت قيمة "تيرا يو إس دي" و"لونا" إلى قرب الصفر. بالنسبة للمنتقدين، كان الشيء الوحيد الذي يدعم "تيرا يو إس دي" هو المال المتدفق من المستثمرين المقتنعين بأن قيمتها ستواصل الارتفاع. وعندما تلاشى التفاؤل، لم يتبقّ شيء يدعمها. أثار انهيار "تيرا يو إس دي" موجة واسعة من البيع الكثيف، ومحا 200 مليار دولار من القيمة السوقية لكل الأصول الرقمية في يوم واحد، وخفض سعر صرف "تيذر" لفترة وجيزة، لتتجدد الشكوك المحيطة بدرجة دعم أصولها بصورة كافية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك