تشكل أسعار الفائدة المرتفعة في مصر، التي وصلت للاقتراض على الجنيه إلى 30% سنوياً، عائقاً أمام ضخ رجال الأعمال استثمارات جديدة، في وقت تسابق القاهرة الزمن لتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه لقيادة التنمية، في محاولة لتجنب تكرار أزمة شُح الدولار التي عانت منها البلاد آخر سنتين قبل أن يجري حلها منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي.
يبلغ عائد الإيداع 27.25%، وسعر الإقراض 28.25% لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي المصري 27.75%. ومن المنتظر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي اجتماعها التالي، والأخير لهذا العام، في 26 ديسمبر 2024.
تآكل القطاع الخاص
الملياردير المصري نجيب ساويرس استنكر استمرار إبقاء بلاده على أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها التاريخية في أعقاب خفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بنقطة مئوية كاملة على الدولار، قائلاً: "لا يصح أن نبقي على سعر الفائدة على الجنيه قرب 30%، هذا يتسبب في تآكل النمو الذي يحققه القطاع الخاص، لا يوجد مشروع استثماري سيكسب أكثر من هذه الفائدة الكبيرة".
ساويرس يرى أن ارتفاع الفائدة يضر بالاستثمارات إذ "يفضل الكثير إيداع أموالهم في البنوك للاستفادة من العوائد المرتفعة دون أي مجهود او استثمار حقيقي على الأرض"، موضحاً: "أنا كمستثمر عندما اقترض بفائدة تصل لنحو 30% ومع انخفاض قيمة الجنيه أجد نفسي بنهاية العام خاسراً رغم تحقيقي أرباحاً دفترية بالعملة المحلية".
قال ساويرس: "لا تؤثر الفائدة المرتفعة على تراجع الاستثمارات فحسب، بل قد تساهم في ارتفاع أسعار المنتجات"، مضيفاً: "المستثمر قد يضطر إلى تسعير منتجه بربح يناهز 50% ليتخطى سعر الفائدة الحالي".
الملياردير المصري شدد في الوقت ذاته على صعوبة خفض البنك المركزي أسعار الفائدة في ظل ارتفاع التضخم، مشيراً إلى أن المستفيد من الأوضاع الحالية في مصر "من يدشن مشروعاً بعوائد دولارية مثل السياحة أو القطاعات المصدرة"، حسبما قال.
تباطأت وتيرة التضخم في مدن مصر لتسجل أدنى مستوى لها منذ نهاية 2022 في نوفمبر عند 25.5% على أساس سنوي، مقارنةً مع 26.5% في أكتوبر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة يوم الثلاثاء.
يأتي تباطؤ التضخم بينما يتواصل ارتفاع أسعار الخدمات، إذ زادت شركات الاتصالات الأربعة في مصر الأسعار بنحو 31% للإنترنت المنزلي و32% لكروت الشحن، منذ يوم الجمعة الماضي.
ساويرس رهن "تشجيع الاستثمار" بخفض الفائدة على الجنيه مع الحفاظ على مرونة سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
شركات تتجه لخفض استثماراتها
هاني برزي رئيس شركة "إيديتا للصناعات الغذائية" التي قررت تخفيض استثماراتها في 2025، يقول إن سعر الفائدة الحالي في بلاده بات "يشكل عبئاً على التوسعات وضخ الاستثمارات الجديدة".
برزي أوضح أن "متوسط تكلفة خط الإنتاج الواحد يكلف شركتنا ما بين 8 إلى 10 ملايين يورو بخلاف تكاليف أخرى فرعية، لذا فإن الحصول على قروض لتمويل أي توسعات في ظل أسعار الفائدة المرتفعة هذه أصبح صعباً للغاية".
اتفق مع برزي محمد الدماطي نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة دومتي للصناعات الغذائية على أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤثر على أعمال الشركات في البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان، وقال: "لن يدخل لنا استثمار خاصة في القطاع الصناعي في ظل معدلات تصل إلى 30%".
الدماطي طالب حكومة بلاده بطرح مبادرات للشركات الصناعية للاقتراض بأحجام كبيرة بأسعار فائدة أقل من السوق، في إشارة إلى سداد الحكومة فارق سعر الفائدة.
أعلنت وزارة المالية مطلع أبريل الماضي، أنه سيجرى إتاحة 120 مليار جنيه تمويلات ميسرة لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي بفائدة لا تزيد على 15% فى مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية، لكن لم يتم تفعيلها حتى الآن. فيما طلب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، من وزارة المالية والبنك المركزي في أغسطس، تجديد المبادرة.
الاتجاه للأسواق العربية
تداعيات التضخم المرتفع دفعت الدماطي للكشف في تصريحات لـ"الشرق" عن دراسة شركته التوسع المباشر في أحد الأسواق العربية بإنشاء مصنع للمرة الأولى خارج البلاد، معزياً تلك الخطوة لـ"البحث عن زيادة المواد الدولارية، وتوقعات ظهور أثر انخفاض القوة الشرائية لمواطني بلاده في الفترة المقبلة".
عبير لهيطة العضو المنتدب للشركة المصرية لخدمات النقل "إيجترانس"، قالت إنه حان الوقت ليتجه البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، مضيفةً: "وأتوقع خفضها خلال الربع الأول أو الثاني من العام المقبل".
أسعار فائدة مرتفعة لأسباب اضطرارية
يرى الرئيس التنفيذي لمجموعة "إي إف جي القابضة"، كريم عوض أن سعر الفائدة الحالي في مصر "مشكلة تواجه الاستثمار سواء المباشر أو غير المباشر"، لكنه يرى في الوقت ذاته أنه ليس أمام البنك المركزي المصري سوى تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم المرتفع.
الرئيس التنفيذي لأكبر بنك استثمار في مصر توقع انخفاض الفائدة في بلاده خلال الربع الأول من 2025 وهو "ما سيحرك القطاع الخاص ويزيد استثماراته مع عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد بشكل أفضل".