يُعدُّ اقتصاد الظل في المغرب من أبرز التحديات التي تواجهها المملكة، نظراً لحجمه الذي يُقدّر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 143 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية.
تسعى الحكومة للتخفيف من حصة هذا "الاقتصاد" عبر خطوات عدّة؛ منها مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، وتوفير التغطية الصحية، والتقاعد للعاملين في أنشطته، أسوةً بالموظفين في القطاعين العام والخاص.
نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، كشفت في تصريح لـ"اقتصاد الشرق"، على هامش مشاركتها في القمة العالمية للحكومات في دبي خلال شهر فبراير، أنَّ الحكومة تعتزم تنفيذ تدابير متنوّعة لخفض حصة اقتصاد الظل، منها: وضع إطار ضريبي خاص، وتوفير تمويلات مُيسرة، وخلق مناطق اقتصادية خاصة.
يتعلّق "اقتصاد الظل" بالأنشطة الاقتصادية للأفراد والمؤسسات التي لا تُسجل بشكل رسمي، وبالتالي؛ لا تعرف السلطات حجمها، فتبقى بمنأى عن الضرائب والرسوم، ولا تدخل بحسابات الناتج المحلي الإجمالي. ويُسمّى أيضاً بالاقتصاد "الخفي" أو "الموازي" أو "البديل"، حتى أنَّ بعضهم يطلق عليه صفة "الاقتصاد الأسود".
وفقاً لدراسة أصدرها بنك المغرب المركزي عام 2021، يُقدّر حجم اقتصاد الظل في المغرب بـ30% من الناتج المحلي الإجمالي، مُقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المتقدمة، حيث يسجل متوسط 17.2%، فيما يناهز في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 25% كمعدل.
استخدام المغاربة لـ"الكاش" يبلغ مستويات قياسية
وزيرة الاقتصاد المغربية أشارت إلى أنَّ أهم تدبير سيُمكّن من تخفيف وتيرة اقتصاد الظل هو تعميم الحماية الاجتماعية، الذي سيتم بموجبه تسجيل العاملين بهذا القطاع في "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، ودفعهم لاشتراكات شهرية مناسبة لمدخولهم، وهو ما سيوفر للحكومة معطيات لاستخدامها في السياسات الموجهة لهذا القطاع.
4 عوامل وراء الظاهرة
بحسب رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، تتسبب 4 عوامل باستفحال ظاهرة اقتصاد الظل في المغرب، هي: القوانين المعقدة لإنشاء الشركات، والنظام الجبائي الذي يفرض ضرائب مرتفعة على المشاريع الصغيرة، بالإضافة إلى ضعف جودة تكوين وتعليم رأس المال البشري، فضلاً عن السياسات الاقتصادية للدولة التي لم تنجح في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع ومستدام يخلق فرص شغل كافية في القطاع المنظم.
في يناير الماضي، أشار رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال جلسة بالبرلمان، إلى أنَّ حدّة أزمة كورونا كانت كبيرة على المغرب مقارنةً بدول العالم بسبب عدّة نقاط ضعف، من بينها بشكلٍ أساسي انتشار اقتصاد الظل، إلى جانب عدم تعميم الحماية الاجتماعية، وضعف مستوى تأهيل القطاع الصحي.
في تحليل نشره المركز المغربي للظرفية الاقتصادية (مركز أبحاث خاص)؛ فإنَّ عدداً من الشركات المغربية تجد صعوبةً في الامتثال بشكل كامل للمقتضيات القانونية والضريبية، مما يضطرها للعمل في اقتصاد الظل كلياً أو جزئياً، وتوفر بذلك فرص عمل للأشخاص غير المؤهلين من ناحية التكوين والتعليم للعمل في القطاع المنظم.
بدءاً بالجمارك والضرائب.. السعودية تضيّق الخناق على اقتصاد الظل
وفقاً لمعطيات بنك المغرب المركزي؛ عرف اقتصاد الظل في المملكة 3 مراحل تطور، الأولى استمرت من 1988 إلى 1998 حيث كان يمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وما بين 1999 و2008 تراجعت النسبة إلى 34%، لتستقر عند 30% ما بين 2009 و2018.
مركز الأبحاث أكد أنَّ اقتصاد الظل من أكبر تحديات الحكومة، ومواجهته تتطلب توفير تحفيزات ضريبية تشجع الانتقال نحو الاقتصاد المنظم لتجنّب كل الآثار السلبية لهذا النشاط، خصوصاً المنافسة غير الشريفة للشركات المنظمة التي تفضل أمام هذا الوضع الحد من خطط استثمارها.
ما هي الحلول المقترحة؟
برغم أنَّ اقتصاد الظل ظاهرة معروفة في العالم بأكمله، لكنَّ خصوصية المغرب تكمن في الحجم الكبير لهذا "الاقتصاد"، مما يستدعي حلولاً عملية، تتمثل برأي رشيد أوراز بتطوير مناخ الأعمال، ورفع القيود التي تعوق الاستثمار، وتكوين الموارد البشرية لتكون قادرة على بناء وتسيير شركات، بالإضافة إلى توفير تمويلات مناسبة وميسرة لأصحاب المشاريع خصوصاً الشباب والنساء. لكنَّه يؤكد أنَّ النمو الاقتصادي المرتفع والمستدام هو السبيل الأمثل لتطوير النشاط الاقتصادي والخروج من المأزق الحالي للاقتصاد غير المنظم.
3 أسباب تدفع إفلاس الشركات في المغرب لمستوى قياسي
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية استشارية) سبق أن تطرق لهذا الموضوع ورفع توصيات إلى الحكومة، عام 2021، لمراجعة النصوص القانونية المعقدة التي تحول دون الاندماج في القطاع المنظم، ووضع برنامج لمواكبة تنظيم الحرف والمهن، بالإضافة إلى إحداث مناطق أنشطة اقتصادية تضم أماكن للإنتاج ملائمة لحاجيات الوحدات الاقتصادية الصغيرة.
ويرى المجلس الاقتصادي أنَّ صندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي يمكن أن يلعب دوراً في هذا الصدد، من خلال اقتراح عروض تمويلية بشروط تفضيلية لفائدة الشباب والنساء الراغبين في الانتقال إلى القطاع المنظم.
يراهن المغرب على هذا الصندوق لجمع 14 مليار دولار للمساهمة في رفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث حالياً إلى الثلثين بحلول عام 2035، إذ تم اعتماد ميثاق جديد للاستثمار يمنح تحفيزات مالية وضريبية للمستثمرين الخواص.
مقترح آخر طرحه المجلس يتمثل بتشجيع الشركات الصغيرة على تقديم عروض مشتركة للمناقصات العمومية عبر تخصيص حصة خاصة بها، بالإضافة إلى تعزيز المراقبة والتفتيش لردع المخالفين.