الرسوم الجمركية ليست السلاح الوحيد في أي حرب تجارية، إذ تستخدم الدول أيضاً الإدراج في القوائم السوداء لتقييد الأنشطة الاقتصادية لبعض الشركات الأجنبية. ورغم أن مثل هذه التدابير توصف في كثير من الأحيان على أنها ضرورية للحفاظ على الأمن القومي، إلا أنها تطبّق بشكل متزايد كأدوات سياسية لحماية المؤسسات المحلية، أو لتحقيق مكاسب في المفاوضات التجارية.
1- من يستخدم القوائم السوداء؟
تأتي الولايات المتحدة في الصدارة. ففي أكتوبر 2022، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن النقاب عن مجموعة كبيرة من القيود المفروضة على الصين لتعطيل قدرتها على شراء أشباه الموصلات ومعدات صناعة الرقائق. ثم بدأ مسؤولو الإدارة الأميركية بحث خطة لإضافة أكثر من 30 شركة صينية أخرى إلى "قائمة الكيانات" التابعة لوزراة التجارة الأميركية، وهو تصنيف يحدّ من قدرة الشركات على شراء البرامج الأميركية وأشباه الموصلات وغيرها من التقنيات الاستراتيجية. وتكون الشركات المدرجة في "قائمة الكيانات"، ممنوعة من شراء التكنولوجيا من الموردين الأميركيين ما لم يحصل هؤلاء على ترخيص خاص للتصدير من وزارة التجارة.
تستند قوائم بايدن السوداء إلى جهود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي استخدم "قائمة الكيانات" لحظر مكوّنات وبرامج حساسة على شركة "هواوي" للاتصالات، ذات الوضع المميز في الصين.
رداً على ذلك، وضعت الحكومة الصينية قائمة سوداء خاصة بها، تستهدف شركات أجنبية ومنظمات وأشخاصاً، ممن تسميهم "كيانات غير موثوقة". كما فرضت اليابان وكوريا الجنوبية -وهما من دول التصدير الرئيسية في العالم- قيوداً تجارية فيما بينهما، الأمر الذي يشكل فصلاً جديداً في عداوتهما طويلة الأمد، والتي تعود إلى استعمار اليابان لشبه الجزيرة الكورية أوائل القرن العشرين.
2- من على القائمة الأميركية؟
تعد "هواوي" من أبرز الشركات الصينية المدرجة على القائمة السوداء من قبل حكومة الولايات المتحدة. وتحتل عملاقة الاتصالات مكانة متقدمة في تكنولوجيا الجيل الخامس للهواتف المحمولة (5G). كما أن هناك شركات أخرى تشمل "يانغتزي ميموري تكنولوجيز" (Yangtze Memory Technologies)، التي تنتج شرائح ذاكرة تدمج في هواتف ذكية وأجهزة حوسبة أخرى، وهي منافسة لشركات مثل "سامسونغ".
أدرجت إدارة ترمب 28 شركة صينية أخرى في القائمة السوداء بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان ضد مسلمي الإيغور في مقاطعة شينجيانغ أقصى غربي الصين. وتشمل هذه الشركات اثنتين من أكبر مصنعي منتجات المراقبة عبر الفيديو في العالم، وهما "هيكفيجن ديجيتال تكنولوجي"، و"داهوا تكنولوجي".
3- ماذا يعني أن تضع الولايات المتحدة أحداً على قائمتها السوداء؟
يحظر على من تضعهم الولايات المتحدة على قائمتها للكيانات، إبرام اتفاقات تجارية مع الشركات الأميركية دون الحصول أولاً على ترخيص من حكومة واشنطن. تم تأسيس القائمة في 1997، كوسيلة لمعاقبة الشركات التي ساعدت في صناعة أسلحة دمار شامل. ومنذ ذلك الحين، تم توسيعها لتشمل الأنشطة التي تعتبر "تهديداً للأمن القومي، أو تعرقل مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
ويمكن للكيان المستهدف أن يكون من "الشركات، أو المؤسسات البحثية، أو المؤسسات العامة أو الحكومية، وحتى الأفراد أو أنواع أخرى من الشخصيات الاعتبارية"، ذلك وفقاً لمكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة، والذي يدير القائمة كجزء من قوانين التصدير الأميركية.
4- كيف ترد الصين؟
يقول صانعو السياسة في بكين إنهم يطوّرون قائمة تشمل "الكيانات غير الموثوقة"، والتي تُعرّف بأنها دول أو شركات أو أشخاص "أضروا بشدة بالمصالح المشروعة" للشركات الصينية، من خلال عدم الامتثال لقواعد السوق، أو انتهاك العقود، أو أنهم حظروا أو قطعوا الإمدادات لأسباب غير تجارية. قد يتعرض المدرجون في القائمة لعقوبات، مثل: القيود التجارية، وحظر الاستثمار، أو تقييد التأشيرات، أو غرامات. ويمكنهم التقدم بطلب لإزالتهم من القائمة. وقد تحصل الكيانات المستهدف إدراجها في القائمة، فترة سماح لتصحيح تجاوزاتها المزعومة.
5- من على قائمة الصين؟
لم تسمِّ الصين أحداً حتى الآن، إلا أن هناك الكثير من المستهدفين المحتملين، من بينهم بنك "إتش إس بي سي هولدينغز" الذي يمكن أن يدخل القائمة بسبب مشاركته في تحقيق الولايات المتحدة بشأن "هواوي". كذلك، خضعت "فيديكس" للرقابة سابقاً بعدما اتهمتها الصين بإساءة توجيه بعض الطرود التي أرسلتها "هواوي".
كما أثارت وسائل الإعلام الحكومية الصينية ردود فعل عنيفة ضد شركات أميركية، بما فيها "جنرال ديناميكس" و"هني ويل إنترناشيونال"، على خلفية مقترح لبيع أسلحة أميركية إلى تايوان بقيمة 2 مليار دولار. وقد تعهدت الصين أيضاً بالانتقام من ضلوع شركات أميركية في مقترح "لوكهيد مارتن" لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 بقيمة 8 مليارات دولار إلى تايوان. كل ذلك، تضاف إليه وعود صينية بالانتقام من عقوبات ترمب المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
6- ما أسباب تزايد استخدام القوائم السوداء؟
إنها جزء مما يرى القائمون على التجارة في الصين والولايات المتحدة، أنه صراع أجيال في سبيل تحقيق التفوّق التكنولوجي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين.
استفادت الإدارة الصينية من مواردها الحكومية الضخمة لدعم السياسات الصناعية مثل "صنع في الصين 2025"، واستراتيجية التنمية لعام 2017 التي تهدف إلى جعل الصين مركز الابتكار الرئيسي للذكاء الاصطناعي في العالم بحلول 2030.
أما حكومة الولايات المتحدة، فتنظر إلى الأمر على أنه تهديد لأمنها الاقتصادي والوطني، فيما سعت على الدوام إلى كبح جماح الطموحات التكنولوجية للصين.