اعتادت الصين تقسيم طلبياتها لشراء طائرات بالتساوي بين شركتي "إيرباص" و"بوينغ". لكن على الرغم من ذلك، ظهر مؤخراً تحوّل ضد النصف الأميركي من الاحتكار الثنائي لصناعة الطائرات حول العالم.
خسرت "بوينغ" صفقة شراء 40 طائرة في سبتمبر، بعد الضربة الأكبر التي تلقتها في يوليو، عندما طلبت الصين ما يقرب من 300 طائرة "إيرباص" بقيمة تناهز 37 مليار دولار حسب الأسعار المعلنة.
تظهر هذه الخسائر كيف أن التوترات السياسية المتفاقمة بين الولايات المتحدة والصين، تواصل تعقيد مشهد إبرام الصفقات بالنسبة إلى "بوينغ"، التي لا تزال تنتظر أيضاً إعادة السماح لطائرتها من طراز "737 ماكس" بالطيران في الصين.
"تقييد الصادرات"
اتخذت "بوينغ"، التي لم توقّع صفقة طائرات كبيرة مع الصين منذ 2017، خطوة غير عادية بإصدار بيان بعد الإعلان عن طلبية "إيرباص" في يوليو.
قالت الشركة: "بصفتنا أحد أكبر المصدّرين الأميركيين، ونتمتع بعلاقة مدتها 50 عاماً مع قطاع الطيران في الصين، من المخيب للآمال أن تستمر الاختلافات الجيوسياسية في تقييد صادرات الطائرات الأميركية. نواصل الحث على إجراء حوار مثمر بين الحكومات، بالنظر إلى الفوائد الاقتصادية المتبادلة لصناعة الطيران المزدهرة".
صفقات صينية تدعم ضربة جديدة من "إيرباص" لـ"بوينغ"
كان الاتفاق مع "إيرباص" لشراء 292 طائرة لصالح أكبر 3 شركات طيران مملوكة للدولة في الصين، كما أنها من أكبر الطلبيات التي أجرتها البلاد على الإطلاق. كانت الصفقة اللاحقة البالغة قيمتها 4.8 مليار دولار في سبتمبر لتزويد 40 طائرة نفاثة لشركة "شيامن إيرلاينز" (Xiamen Airlines) ، وهي وحدة تابعة لشركة "تشاينا ساوثرن ايرلاينز كو" التي كانت تستخدم سابقاً طائرات "بوينغ" فقط.
تأثيرات سياسية
أبرمت "بوينغ" طلبية شراء ما يصل إلى 24 طائرة من طراز "787" مع شركة الخطوط الجوية الصينية التي تملكها تايوان خلال الصيف، لكن هذا قد يؤدي إلى إعاقة الصفقات مع شركات النقل الجوي في البر الرئيسي، بسبب الطبيعة المشحونة سياسياً للأمور المتعلقة بتايوان، التي تزعم الصين أنها جزء من أراضيها.
جاءت هذه الطلبية بعد وقت قصير من زيارة مثيرة للجدل إلى تايوان، قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي، كما زار أكثر من 24 عضو كونغرس الجزيرة الديمقراطية ذات الحكم الذاتي هذا العام، وهو أكبر وفد أميركي إلى تايوان منذ 2013 على الأقل.
زيارة بيلوسي لتايوان تقرع طبول الصدام بين أكبر اقتصادين في العالم
قال أشخاص مطلعون على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن المفاوضات كانت سرية، إن "إيرباص" كانت المرشحة الأولى للفوز بطلبية الخطوط الجوية الصينية حتى اللحظة الأخيرة.
استبعاد متزايد
كتب جورج فيرغسون وخوان تشامورو، المحللان في "بلومبرغ إنتليجنس"، في مذكرة بتاريخ 28 سبتمبر الماضي: "استبعاد (بوينغ) من السوق الصينية قد يتفاقم، وسط تدهور العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، ما يطيل الفترة الزمنية المطلوبة لتعافي الشركة، ويخيّم سلباً على توقعاتها".
أضافا: "أدت الزيارات الأخيرة التي قام بها سياسيون أميركيون إلى تايوان، إلى مزيد من التوتر في العلاقات، التي تدهورت بالفعل في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وسط نقاش حول الممارسات التنافسية والملكية الفكرية. واستهدفت الصفقة التجارية لإدارة ترمب معادلة بعض الاختلالات، لكنها تعرضت للعرقلة بسبب تفشي وباء كوفيد، كما لم ينفذها الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن".
يهدد طول أمد الصدع بين البلدين أكثر من ذلك، بتراجع "بوينغ" بفارق كبير عن "إيرباص"، حيث انخفضت عمليات التسليم بالفعل إلى "مستوى ضئيل" منذ 2020، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس"، التي حذّرت من أن نقص المبيعات في الصين سيحدّ من معدلات التصنيع، ويؤدي إلى اضطراب سلسلة إمدادات الشركة المصنعة الأميركية.
"إيرباص" و"بوينغ" تتنافسان على طلبات شراء بـ21 مليار دولار
لا تزال "بوينغ" تواجه مشكلات مع طراز "737 ماكس" في الصين، التي تمنع طيران الطائرة الأساسية والأكثر مبيعاً لدى الشركة، رغم السماح بإعادة استخدامها في معظم الأسواق الكبرى الأخرى. كانت الصين أول من أوقف الطائرة "ماكس" عن الطيران، بعد حوادث التصادم المميتة للطراز في إندونيسيا وإثيوبيا في 2018 و2019. وبينما سمحت الجهة المنظمة من الناحية الفنية باستئناف عمل الطائرة تجارياً، إلا أن خطوط الطيران الصينية لا تستعجل إعادة التحليق بها.
قال ديف كالهون، الرئيس التنفيذي لـ"بوينغ" الشهر الماضي، إن هناك محاولات لتسويق عدد صغير من الطائرات المخصصة للصين في دول أخرى، مع توقف عمليات التسليم. ولم تتسلم شركات الخطوط الجوية الصينية أي طائرة من طراز "ماكس 737" منذ أوائل 2019.
وفق حسابات شركة تزويد بيانات الطيران "سيريوم" (Cirium)، فإن الخطوط الجوية الصينية لديها 229 طائرة طراز "ماكس" تحت الطلب، بما في ذلك أكثر من 100 طائرة جرى تصنيعها مؤخراً تقبع في مصانع "بوينغ".
منافسة "كوماك"
تحاول إحدى شركات تصنيع الطائرات الصينية الآن أيضاً دخول المعركة، حيث اعتُمد رسمياً طراز "سي 919" ضيق البدن التابع لشركة "كوميرشال إيركرافت كورب أوف تشاينا" (Commercial Aircraft Corp of China) خلال حفل في بكين حضره الرئيس الصيني شي جين بينغ أواخر سبتمبر الماضي. يجب أن يمهّد ذلك الطريق أمام الشركة، المعروفة اختصاراً باسم "كوماك"، لبدء التسليم.
الصين تكشف عن طائرة محلية منافسة لـ"بوينغ وإيرباص"
على الرغم من أنه ما زال هناك طريق طويل لتقطعه "سي 919" قبل أن تهدد طائرات "إيرباص" و"بوينغ" ذات الممر الواحد، فمن المرجح أن تدعم شركات الطيران الصينية المبيعات المتوقعة للطائرة.
قال هيرمان تسي، كبير المحللين في فريق "أسيند" (Ascend) التابع لـ"سيريوم": "ستدعم شركات الطيران المحلية بالتأكيد الطائرات التي تصنعها الصين وتزيد من حصتها السوقية داخل البلاد تدريجياً. كما أن التوترات السياسية والحرب التجارية الأميركية الصينية لطالما شكّلت خطراً على أعمال (بوينغ)".
على المدى الطويل، ستبحث الصين و"كوماك" إمكانية استبدال جميع الطائرات الغربية في الأساطيل الصينية، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس".
العمليات المحلية في الصين
تقدمت "إيرباص" خطوة على منافستها "بوينغ" في 2006، عندما اختارت تيانجين -وهي بلدة تقع شرق بكين- كموقع لخط التجميع النهائي. ساعد ذلك الشركة الأوروبية على ترسيخ مكانتها في الصين، حيث تنتج من المنشأة نحو 6 طائرات ضيقة البدن شهرياً، وهو ما يمثّل 10% تقريباً من إجمالي إنتاجها لهذا النوع من الطائرات. وبعد عقد على هذا التاريخ، أعلنت "بوينغ" عن خطط لإنشاء مركز استكمال طائرات (مركز إنجاز)، والذي تُركّب فيه التصميمات الداخلية لطراز "ماكس 737" مع طلاء الطائرات، في زهوشان، بالقرب من شنغهاي.
اقرأ أيضاً: "إيرباص" تفوز بصفقة طائرات للصين قيمتها 4.8 مليار دولار
على الرغم من أن شركتي صناعة الطائرات بمقدورهما العثور على فرص لتسليم طلبيات جديدة لكبار العملاء، إلا أن طائرات "إيرباص" نفدت فعلياً على مستوى العالم حتى 2026، وتزيد الأعمال المؤجلة لديها بنسبة 50% مقارنة بـ"بوينغ".
قال إحسان منير، رئيس قسم المبيعات في "بوينغ" للصحفيين خلال معرض "فارنبرة" الجوي في يوليو: "آخر صفقة كبيرة أبرمها الصينيون هي طلبية الخطوط الجوية الصينية وكانت مع (بوينغ). وبما أنهم فعلوا ذلك في ظل المنافسة؛ يمكن القول إن دورة العمل ستستمر".
جرى تسليم ما يصل إلى 1743 طائرة "بوينغ" إلى شركات الطيران الصينية على مرّ السنين، ومن الضروري الحفاظ على علاقة قوية مع الشركة لإجراء عمليات الصيانة لها.
توقعت "بوينغ" في 2021 أن تحتاج خطوط الطيران الصينية إلى 8700 طائرة جديدة بحلول عام 2040، بقيمة تناهز 1.5 تريليون دولار. من المتوقع أن ينمو حجم أسطول الدولة بشكل أسرع بكثير من المتوسط العالمي، مع تخصيص 20% تقريباً من الطلب العالمي الجديد لخطوط الطيران الصينية، وفقاً للشركة.
سلطات الطيران الأميركية ترجئ اعتماد طائرة بوينغ "737 ماكس 10"حتى 2023
لكن الاقتصاد الصيني يتعثر الآن، والنهج المتشدد الذي تتبعه البلاد في التعامل مع "كوفيد"، يثقل كاهل الإنفاق.
قال منير خلال معرض "فارنبرة"، إن الاضطرابات في الصين، كانت جزءاً من "رحلة طويلة". وأضاف: "ستبقى الصين سوقاً مهمة للغاية بالنسبة إلينا، ونحن نعوّل عليها. كما أن علاقتنا مع عملائنا من خطوط الطيران قوية للغاية، ونعزز تعاملاتنا معهم".