تتعارض آمال شركات الطيران الأوروبية في تمديد موسم العطلات، مع بداية العام الدراسي الذي يؤثر على الحجوزات العائلية، في حين أدى انتشار سلالة "دلتا" إلى فرض قيود جديدة على السفر.
تحافظ شركات الطيران بما في ذلك "رايان إير" على الأسعار منخفضة لإطالة الطلب على سفر الاستجمام حتى أكتوبر. تعمل شركة الطيران أيضاً على تعزيز جداول مواعيد الشتاء في رهان على أن التوق لقضاء إجازة سيحافظ على المبيعات حتى في الفترة التي تكون عادةً أهدأ فترة للسفر في أوروبا. أكدت شركة تنظيم الرحلات "توي إيه جي" (TUI AG) استعدادها لإضافة سِعات في منتجعات البحر الأبيض المتوسط إذا أتيحت الفرصة.
في الوقت نفسه، يهدد الارتفاع المفاجئ في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، الذي أدى إلى تجدد عمليات الإغلاق في آسيا وإلى سوق سفر أكثر هدوءا في الولايات المتحدة، بخنق انتعاش السياحة الأوروبية التي شهدت تحسناً في السِعات بالمنطقة إلى ثلثي مستويات عام 2019. أبقت المملكة المتحدة تركيا الأسبوع الماضي على قائمتها الحمراء، محطمة الآمال في إعادة فتحها، وخفضت تصنيف تايلاند، وهي وجهة شهيرة فاخرة خلال الأشهر الباردة. بينما تحرك الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين لتشديد قيود السفر مرة أخرى على الوافدين الأمريكيين.
غموض الرؤية
قال نيك كننغهام، المحلل في "ايجنسي بارتنرز" (Agency Partners) التي تتخذ من لندن مقراً لها: "هناك خطر من أن تكون حركة المرور الجيدة جداً التي رأيناها في أواخر الصيف وهمية بعض الشيء". ويضيف شارحاً: "مع عودة الأطفال إلى المدارس، واحتمال تصاعد عدد حالات كوفيد، يبدو الشتاء أكثر غموضاً بالنسبة لشركات الطيران".
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت اللقاحات ستحافظ على انخفاض عدد الحالات خلال الشتاء، عندما تزداد العدوى الفيروسية بشكل عام، من المرجح أن تؤدي أي حالات تفشي كبيرة إلى إجراءات صارمة وتثبيط السفر لدى كبار السن، وأولئك الذين ليس لديهم أطفال ولديهم القدرة على السفر على مدار السنة.
في الوقت الحالي على الأقل، تتبنى شركات الطيران الأوروبية وجهة نظر متفائلة وتستحوذ على ما تستطيع.
كشفت "رايان إير"، وهي أكبر شركة طيران في المنطقة وتتخذ من دبلن مقراً لها، في 17 أغسطس أنها ستشغل 250 مساراً جديداً عبر شبكتها هذا الشتاء، في محاولة منها للاستفادة من الطلب ممن فاتتهم عطلة الصيف في الخارج. بينما استعادت شركة "ويز للطيران" (Wizz Air Holdings) المنافِسة 100% من عدد المقاعد التي كانت لديها قبل تفشي الوباء، لتصبح واحدة من عدد قليل من المشغلين الرئيسيين في جميع أنحاء العالم الذين استطاعوا القيام بذلك.
من جانبه، قال جون غرانت، كبير المحللين في شركة "دليل الطيران الرسمي" (OAG) التي تزود البيانات عن الطيران، إن المنافسة على الحصة السوقية وعائدات السفر انعكست في شكل الأسعار المنخفضة جداً، وبالتالي قدمت أرباحاً ضئيلة.
تحركات مرنة
يقول غرانت: "كانت شركات الطيران تأمل في إعادة بناء الاحتياطيات النقدية هذا الصيف لتغطية موسم الشتاء، لكنها اضطرت تقريباً إلى شراء حركة مرور بأسعار منخفضة. وتكون الحجوزات الآجلة في كثير من الحالات أولية، بالإضافة إلى ذلك، تحطمت ثقة المستهلك بسبب عمليات التوقف، وبدء قيود السفر".
توقعت أكبر شركة في العالم للرحلات السياحية "توي إيه جي"، شتاءً وفيراً في جزر الكناري، الوجهة الأوروبية المفضلة للاستمتاع بأشعة الشمس على مدار العام. وفكرت الشركة في تمديد الموسم في بلدان مثل اليونان وتركيا، حيث تنتهي الرحلات الترفيهية عادةً مع حلول فصل الخريف.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم "توي إيه جي" البريطانية، ليز إدواردز: "نظراً لأننا نمتلك طائرات وفنادق ولدينا فرق في الخارج على الأرض، فيمكننا أن نكون مرنين للغاية ونركز على أماكن وجود الطلب".
شركات الطيران تضغط لتسريع عودة السفر عبر المحيط الأطلسي
في الوقت نفسه، هناك القليل من الوضوح حول المبيعات الآجلة، كما تقول إدواردز، ويصاحب ذلك عدم قدرة الفنادق على رؤية ما بعد فترات الأسابيع الثلاثة التي تحدد فيها حكومة المملكة المتحدة سياسة السفر. لا تزال تركيا، وهي وجهة شهيرة لدى كل من البريطانيين والألمان، لكنها تصنف على أنها عالية الخطورة في كلا البلدين.
على الصعيد العالمي، تبلغ سعة شركات الطيران الآن 69% من مستويات ما قبل الجائحة، وفقاً للأرقام الصادرة عن "دليل الطيران الرسمي". ظلت الصين، التي تجاوزت الولايات المتحدة في مرحلة ما خلال الوباء كأكبر سوق طيران في العالم، منخفضة 13% عن مستويات عام 2019، مع اقتصار السفر إلى حد كبير على الرحلات الداخلية التي لا تفعل شيئاً لدعم الاقتصاد السياحي الأوسع في آسيا. تظهر بيانات "دليل الطيران الرسمي" أن الولايات المتحدة لا تزال أقل من مستويات عام 2019 بنحو 13%.
تعثر تعافي السفر الجوي في الصين مع عودة شركات الطيران لإلغاء الرحلات
قال "الاتحاد الدولي للنقل الجوي" يوم الجمعة إن الصناعة تكبدت خسارة صافية جماعية قدرها 6.9 مليار دولار في الربع الثاني، أي أقل من نصف العجز البالغ 14.4 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى. ومع ذلك، فإن شركات الطيران في أمريكا الشمالية هي الوحيدة التي سجلت أرباحاً، بينما لم تتغير خسارة أوروبا البالغة 4.6 مليار دولار تقريباً.
نقطة البحر الكاريبي المضيئة
مع قرب موسم الشتاء في أوروبا، تحتاج شركات السفر هناك أيضاً إلى رحلات سياحية لمسافات بعيدة كمنطقة الكاريبي، وأمريكا الشمالية، والمحيط الهندي، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا لجلب الإيرادات. لكن الحقيقة هي أن خيارات السفر عبر القارات لا تزال محدودة، ويمكن حتى أن تتقلص أكثر.
وبينما نقلت المملكة المتحدة كندا إلى قائمتها الخضراء، مما يعني أنه يمكن للوافدين تخطي الحجر الصحي بغض النظر عن حالة التطعيم الخاصة بهم، فإن إدراج تايلاند في الفئة الحمراء يحرم شركات السفر من وجهة مشمسة شتوية مربحة.
تقرير: صناعة الطيران تُكافح لتحقيق أرباح في 2021
لا تزال منطقة الكاريبي بقعة مضيئة للرحلات بعيدة المدى. تقول شركة "خطوط فيرجن أتلانتيك الجوية" إن حجوزات باربادوس وأنتيغوا وغرينادا ارتفعت 300% عندما أُضيفت الجزر إلى القائمة الخضراء للمملكة المتحدة. وتعد الأولى واحدة من أكثر الوجهات ازدحاماً بالنسبة لشركة الطيران، إذ هناك 11 رحلة أسبوعية من هيثرو بلندن ومانشستر، كما من المقرر إطلاق خدمة جديدة من إدنبرة في 5 ديسمبر.
قالت المتحدثة باسم الشركة لورا براندير إن حوالي 70% من الحجوزات مخصصة للسفر قبل نهاية سبتمبر، مما يشير إلى وجود طلب كبير مكبوت، بينما يدفع العديد من الركاب رسوماً إضافية للسفر في مقصورة الدرجة الأولى للشركة.
تضيف براندير: "تحقق الشركة أرباحاً كبيرة، فالناس يدللون أنفسهم بعد حرمانهم من السفر الترفيهي لفترة طويلة".
شتاء مظلم
تقول إدواردز إن الحجوزات في شركة "توي إيه جي" من المملكة المتحدة إلى سانت لوسيا كانت أيضاً "جيدة جداً"، وتقوم الشركة بتشغيل المزيد من الرحلات الجوية إلى جامايكا مقارنة بما كانت عليه قبل الوباء، مما يساعد على تعويض إغلاق وجهات مثل المكسيك.
طرحت شركة "طيران الإمارات" التي تتخذ من دبي مقراً لها، وهي أكبر شركة طيران للرحلات الطويلة في العالم، الأسبوع الماضي خططاً لتعزيز عملياتها إلى أكثر من 10 مواقع في أوروبا، على الرغم من أن الطلب قد يكون محدوداً لكون العديد من وجهات آسيا والمحيط الهادئ التي تربطها مغلقة فعلياً.
طيران الإمارات تزيد رحلاتها لاستعادة تاج المسافات البعيدة
يعتبر غموض التوقعات لشبكة خطوط الطيران الأوروبية استمرارا لحالة عدم اليقين بشأن عودة السفر عبر المحيط الأطلسي. انتعشت خطوط الطيران بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى ما يقرب من 50% من مستويات ما قبل الوباء بعد أن اختار الاتحاد الأوروبي السماح بدخول الأمريكيين المطعمين بالكامل في يونيو. يبدو الآن أن هذه النافذة ستغلق مرة أخرى بعد أن صوتت دول الاتحاد الأوروبي لإخضاع الولايات المتحدة لقيود جديدة على السفر غير الضروري.
لا يزال السفر إلى الغرب أيضاً في حالة ركود؛ حيث تواصل الإدارة الأمريكية إغلاق أبواب البلاد أمام غير الأمريكيين. وهذا بدوره قد يؤدي إلى أزمة نقدية جديدة بالنسبة لشركات الطيران التي لم يكن أمامها سوى بضعة أسابيع لزيادة الأرباح بعد أكثر من عام من ضعف الطلب. وقد يؤدي ذلك إلى جولات جديدة من جمع الأموال، مما يضع الحكومات تحت ضغط لتمديد عمليات الإنقاذ التي يبلغ مجموعها بالفعل حوالي 40 مليار يورو (47 مليار دولار).
إلى أين يمكنك الطيران؟ فكرة التعايش مع "كوفيد" تنعش سوق السفر الآسيوي
قال غرانت من شركة "دليل الطيران الرسمي": "تواجه الخطوط الجوية شتاءً طويلاً مظلماً، وما لم تكن هناك اختراقات كبيرة في تخفيف القيود، فلن يكون التنبؤ بالسفر الدولي في الربع الأول من العام المقبل أفضل حالاً". ويضيف قائلاً: "سيبحث الكثير عن المزيد من النقود، وهذا قد يجبر البعض على النظر في عمليات الاستحواذ من شركات الطيران القليلة التي تتمتع بموارد أفضل".