ثمَّة رسالة بسيطة تتعلَّق بالصحة العامة، وتستحق أن نرددها مراراً وتكراراً في الوقت الراهن، لا سيَّما في ظلِّ ارتفاع معدلات الإصابات بشكل غير مسبوق، وهي: "احصل على اللقاح، فهو يجدي نفعاً".
توفِّر اللقاحات المضادة لكوفيد-19 حماية للغالبية العظمى ممن يتلقون اللقاح من وباء فيروس كورونا، وحتى من نسخته المتحوِّرة "دلتا" شديدة العدوى، برغم أنَّ بعض الأشخاص ممن يتلقون اللقاح، يمكن أن يحملوا الفيروس، وينقلوا العدوى إلى الآخرين. بالنسبة إلى آباء الأطفال الصغار بشكل خاص؛ فإنَّ هذا الأمر يعقِّد ما يمكن أن تبدو عليه العودة إلى شيء يشبه الحياة الطبيعية، لكنَّه يعتبر السبب الأكبر الذي يدفع الأشخاص إلى الصمود بسبب عدم اليقين، أو الخوف، أو التعنت في التشمير عن سواعدهم وأخذ اللقاح، وعلى الأرجح تحويل رحلة مستقبلية إلى المستشفى إلى مجرد نزلة برد مزعجة.
مع ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد، وحالات دخول المستشفيات والوفيات في الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى أعلى مستوى لها منذ كابوس فصل الشتاء في البلاد، لم تُبلِ الحكومة والعديد من وسائل الإعلام بلاء حسناً في شرح ما يجري حقاً. لقد عادت متطلَّبات ارتداء القناع الطبي مرَّة أخرى في المدن الكبرى، في حين أرجأت سلسلة من الشركات الرائدة فكرة العودة إلى المكاتب، وغالباً ما سيكون ذلك إلى أجل غير مسمى.
كذلك، آثار المشككون موجة جديدة من الشكوك حول ما إذا كان الأمريكيون يتجهون مرَّة أخرى إلى فرض عمليات الإغلاق، وما إذا كان بإمكان المدارس إعادة فتح أبوابها، وما إذا كان العلم قد خذلنا.
الفرصة الضائعة
هؤلاء مسكونون بالشك، لكن في الوقت ذاته، لم تقدِّم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أي خدمة تذكر، بل إنَّ جذر المشكلة الحالية، هو أنَّ الولايات المتحدة والعالم أضاعا الفرصة في تطهير المصابين بكوفيد في الأيام الأولى من عمليات الإغلاق، ثم مرة أخرى عندما دخلت اللقاحات في مرحلة الإنتاج الضخم.
يعتقد عدد متزايد من علماء الأوبئة أنَّ البشر سوف يستمرون في نقل المرض حتى نهاية الحضارة. والآن، يحتاج مركز السيطرة على الأمراض وأقرانه إلى التحوُّل من التوجيه الغامض، إلى التواصل الواضح بشأن أساسيات الطفرة الأخيرة وأصولها وسبل المضي قدماً، لكن حالة الارتباك الحالية تزيد الأمور سوءاً فقط.
لذا دعنا نكون واضحين، ونقول، إنَّ لقاحات كوفيد تنقذ الكثير من الأرواح. وعلى المنوال نفسه؛ فإنَّها لا تشكِّل مجالات القوة.
إنَّ الأمريكيين الذين أمضوا الصيف في الحفلات كما كانوا يفعلون في عام 2019، صادفوا الكثير من جراثيم متحوِّل "دلتا"، وهذا يشمل اللقاحات. فقد أظهرت دراسة عن تفشي الوباء في يوليو في بروفينستاون بولاية ماساتشوستس، بعد مجموعة من الحفلات الكبيرة على مستوى المدينة، أنَّ الأشخاص الملقَّحين يمثِّلون 346 من 469 حالة جديدة بين المقيمين في ماساتشوستس، لكن من بين هؤلاء الـ346 شخصاً، هناك أربعة فقط ذهبوا إلى المستشفى، في حين لم يمت أحد. هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعمل بها اللقاح.
تعليقاً على ذلك، يقول بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات في مستشفى الأطفال في بنسلفانيا: "اللقاح لعب دوره، وأصبح الآن الوباء وباءً بالنسبة إلى غير الملقحين عمداً".
أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين اعتادوا على التأثيرات التحصينية لمعظم اللقاحات في مرحلة الطفولة -فعلى سبيل المثال؛ إذا حصلت على لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، فلن تُصاب بفيروس الحصبة- فإنَّ هذا التحذير المتعلِّق بجرعات لقاح كوفيد قد يبدو مضللاً، إذ تهاجم الفيروسات العامة، مثل الحصبة الجسم بأكمله، ولذلك يتعلَّم جهازك المناعي كيفية مواجهتها للأبد، في حين أنَّ فيروسات الجهاز التنفسي مثل كوفيد تهاجم نظاماً جسدياً واحداً فقط، الذي يعتقد العلماء أنَّه قد يكون السبب في أنَّ اللقاحات لا تُعلِّم هذا النظام المواجهة الأبدية.
تزايد الإصابات
مما لا شكَّ فيه أنَّ الأرقام في الولايات المتحدة تزداد سوءاً، لكنَّ نظام الرعاية الصحية ليس سيئاً للغاية كما كان في ربيع عام 2020، أو الشتاء الماضي مرة أخرى، إذ يظهر الاختلاف بشكل خاص في المناطق التي ترتفع فيها معدلات التطعيم. ويدور التحذير المهم هناك حول عدم تعقُّب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، مثل هذه العدوى الخارقة ما لم يتم نقل المرضى إلى المستشفى، وحتى بعد ذلك يتمُّ التكتم في الغالب على التفاصيل.
يقول إريك توبول، الذي يدير "معهد سكريبس لأبحاث الترجمة" (Scripps Research Translational Institute)، ويركِّز على الطب الشخصي: "أين هي البيانات التي تخبرنا المزيد من التفاصيل عن 70 ألف مريض في المستشفى؟ كم قد تلقّى منهم اللقاح؟ متى كان موعد لقاحاتهم؟ كم تبلغ أعمارهم؟ ما هي ظروفهم المرضية المزمنة؟".
اضطر الباحثون في مجال الصحة العامة إلى الاعتماد على البيانات التي جمعتها الولايات الأمريكية، التي لا يقدِّم الكثير منها الأرقام علناً، وهذا يعني أنَّ الأخبار السيئة، التي تأتي غالباً من الخارج، تصدَّرت العناوين الرئيسية بشكل أسهل.
وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو دراسة إسرائيلية أشارت إلى أنَّ لقاح "فايزر" كان فعَّالاً بنسبة 39% فقط أثناء انتشار متحوِّل "دلتا"، بعد أن سجَّل فعالية نسبتها 95% في دراسة أولية أجريت قبل بضعة أشهر. (لاحظ الباحثون بالفعل أنَّ الدراسة الأكثر قتامة استخدمت مجموعة أصغر حجماً من البيانات). ومع ذلك، وجد مؤلفو هذه الدراسة أنَّ اللقاح فعَّال بنسبة 91% ضد الأعراض التي تضطر إلى نقل صاحبها إلى المستشفى.
وكلما زاد عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، زادت حالات العدوى الخارقة التي سنسمع عنها، بحسب ما قاله بوب واتشتر، رئيس قسم الطب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، الذي أضاف: "هذه الحالات غير شائعة، لكنَّها ليست نادرة".
ربما تكون أعداد الحالات أيضاً غير متوازنة إلى حدٍّ ما حالياً، لأنَّ الأشخاص الملقَّحين قد يكونون أيضاً أكثر عرضة للخضوع للاختبار، وفقاً لدفير أران، أستاذ علم الأحياء في معهد "تخنيون - إسرائيل للتكنولوجيا".
الحاجة إلى جرعات معززة
قد يكون الوقت قد حان لأوائل من تلقوا اللقاح للحصول على جرعات معززة، كما اقترح صانعو اللقاح. (الجدير بالذكر أنَّ جمع البيانات يمكن أن يساعد بشكل أفضل على هذه الجبهة أيضاً). ومع ذلك، ما تزال هناك حاجة أكبر بكثير للقاح بين غير المحصَّنين في الوقت الراهن.
و برغم أنَّ هذا الأمر يعدُّ صحيحاً بشكل خاص في دول يمكن أن يمنح فيها انخفاض الإمدادات كوفيد الكثير من الفرص لتحوُّر الفيروس، إلا أنَّه ينطبق أيضاً على الولايات المتحدة. ويقول أوفيت، إنَّ معدل دخول المستشفى يجب أن يعادل نحو تسعة أضعاف ما رآه في بروفينستاون للبدء في تحويل الإمدادات نحو جرعات ثالثة.
لقد حان الوقت للمترددين في ما يتعلق باللقاح لإنهاء العبث، ولابدَّ أن تشعر الشركات بالثقة في أنَّ تفويضات اللقاح تصب في مصلحة موظفيها كافة. كذلك، يحتاج المسؤولون إلى تجميع بياناتهم ومشاركتها علناً وتوثيق قصصهم.
لقد دفع انتشار متغيّر الدلتا والمتغيرات الأخرى العلماء إلى زيادة تقديراتهم لمدى الحاجة إلى تلقيح نسبة كبيرة من السكان لاكتساب مناعة القطيع، وبالتالي التصدي لكوفيد بشكل فعَّال. فعندما أطلقت جرعات اللقاح للمرة الأولى، بدا أنَّ معدلات التطعيم بنسبة 70% ستكون كافية، لكن الآن يمكن أن يعادل الرقم الكافي نسبة 90% أو أعلى، وبالتالي ليس علينا الانتظار إلى الأبد.
يقول جيريمي كاميل، أستاذ علم المناعة في جامعة ولاية لويزيانا في شريفبورت: "أنا شبه متأكِّد من أنَّ لدينا المزيد من المتغيّرات القادمة، وقد تكون أسوأ من متغيّر "دلتا". ولهذا السبب، من المهم جداً الحصول على اللقاح".