كل سيارة تخرج من خط تجميع شركة "فولفو كونستراكشن إكويبمنت" في وسط بنسلفانيا هي بمثابة اختبار للطرق السريعة وخطوط السكة الحديدية والموانئ في أمريكا. وفي أغلب الأحوال، تخذل هذه المرافق الشركة وتخيب آمالها – بسبب بطء تدفق الإمدادات الخارجية لتغذية منشأة الإنتاج الرئيسية لها في الولايات المتحدة، التي تنتج معدات التحميل المتحركة (اللوادر)، ومعدات ضغط وتسوية التربة، والمركبات الصناعية الأخرى.
تسببت أعطال المرور على طريق "I-81" السريع، خلال زيادة ضغط العمل في شهري أبريل ومايو، في تأخر وصول صفائح الصلب من جورجيا في ثلاث مناسبات. تدفع هذه الحوادث مراقب الإنتاج مايك ميدوغ إلى استخدام جهاز الكمبيوتر الخاص به في اختبار جداول زمنية أخرى بديلة لتجميع المنتج، في ضوء المكونات التي لدى المصنع بالفعل والتسليمات الأخرى التي يمكن الإسراع بزمن وصولها.
إعادة ترتيب
يقول ميدوغ: "إن ذلك يشبه اللغز إلى حد كبير، وأنت أمامك كل هذه القطع". وعندما ينجح في تعديل حركة الإنتاج، فإنه يرى تأثير ذلك من شرفته التي تطل على أرضية المصنع. تتحرك معدات الجر الميكانيكية - وهي نوع من العربات العاملة بالكهرباء –هنا وهناك وتسحب هياكل السيارات من على خطوط التجميع بعد إعادة ترتيب عملية الإنتاج.
كل ذلك يستغرق وقتاً ويرفع التكاليف، إذا كان تدفق الأجزاء يسمح بإجراء التعديل.
أحياناً يكتشف ميدوغ أن الحل الوحيد هو وقف الإنتاج بعد قضاء ساعات من الفحص الدقيق للجداول واختبار سيناريوهات بديلة متعددة. بالنسبة لمؤسسة تعتمد على التسليم الفوري لمكونات الإنتاج والخامات، في بعض الأوقات تسبب التأخير في وقف الإنتاج بمصنع فولفو لمدة نصف يوم أو يوم كامل، وفق ما أعلنت عنه الشركة التابعة لمجموعة "فولفو".
يقول جوستافو كازاغراندي، مدير عام عمليات شيبنسبرغ في "فولفو"، إن مصنع "فولفو" في أرفيكا بالسويد، الذي ينتج معدات التحميل المتحركة (اللوادر) أيضاً، يضع عادةً الجدول الزمني لتسليم المحركات التي تصنع في ألمانيا على فترة زمنية لا تتجاوز الساعة الواحدة قبل الاحتياج إلى أول محرك من الشحنة القادمة.
يضيف كازاغراندي: "لم نستطع أن نفعل ذلك هنا أبداً، وإلا كنا سنضطر إلى وقف خط الإنتاج بشكل متواصل وتعطيل 250 شخصاً عن العمل".
الحاجة للاستثمار في البنية التحتية
تكشف هذه الاضطرابات بصورة واضحة لماذا يأمل قادة الشركات والمسئولون المحليون في مختلف أنحاء البلاد أن يستطيع الرئيس جو بايدن والكونغرس إقرار حزمة استثمار كبيرة في مجال البنية الأساسية خلال الأشهر المقبلة، بعد سنوات من اللغط السياسي في واشنطن الذي أخمد محاولات سابقة.
يقول ستيفن روي، رئيس شركة فولفو لمعدات البناء في منطقة أمريكا الشمالية، عن ضعف البنية الأساسية، "إنها تتسبب في ضعف الإنتاجية ربما بنسبة ما بين 5% و10%، فنحن نغلق المصنع ونعطل قوة العمل".
أعطى بايدن، الذي يلقب بـ"أمتراك جو" الذي اعتاد التنقل يومياً مستخدماً القطار لفترة طويلة من ويلمينغتون إلى واشنطن، أعطى أولوية لتحسين حالة البنية الأساسية على المستوى القومي، مشيراً إلى الأضرار التي تعرضت لها تنافسية الاقتصاد الأمريكي بسبب عقود من نقص الاستثمار فيها. فتأثير ذلك على الإنتاجية وأرباح الشركات كان واضحاً:
- يحتاج ربع عدد الجسور في الولايات المتحدة إلى إصلاحات كبيرة، أو أنها لا يمكن ان تتحمل الحركة المرورية الحالية، وفق تقرير لوزارة النقل في 2018.
- ارتفع معدل النقل بين الولايات باستخدام الشاحنات والمقطورات بنسبة 31% خلال الفترة من 2000 إلى 2019 قياساً على عدد الأميال في كل حارة على الطرق السريعة، وذلك وفقاً لمنظمة "تريب" (TRIP)، وهي منظمة غير ربحية لأبحاث النقل والمواصلات مدعومة من شركات التأمين وأخرى تعمل في مجال تحسين وإصلاح نظم النقل والمواصلات.
- تأخر عمليات النقل بالشاحنات زاد بنسبة 77% خلال الفترة من 2000 إلى 2019 في المناطق الحضرية بالبلاد التي يبلغ عددها 494 منطقة، وفقا لمعهد النقل والموصلات بتكساس (Texas A&M Transportation Institute).
- يتحمل قطاع النقل بالشاحنات تكاليف سنوية مباشرة تبلغ 74.5 مليار دولار نتيجة الأعطال على الشبكة القومية للطرق السريعة، كما يوضح تقرير صدر عام 2018 عن المعهد الأمريكي لأبحاث النقل والمواصلات، الذي يموله القطاع.
-يقول 54% من قيادات الشركات متوسطة الحجم إن ضعف البنية الأساسية وعيوبها تضر بأعمالهم ضرراً مباشراً، وذلك وفقاً لمسح أٌجري في أبريل الماضي لصالح الغرفة التجارية الأمريكية.
قصة طريق
يقع مصنع شيبنسبرج التابع لفولفو بالقرب من طريق "I-81 "، وهو شريان حيوي لحركة الشحن يمتد من ولاية تينيسي إلى كندا، على امتداد الفاصل القاري الشرقي. وقد أنشئ هذا الطريق السريع في خمسينات وستينات القرن الماضي في إطار برنامج إدارة آيزنهاور التاريخي لبناء الطرق السريعة. يتعطل ويزدحم الطريق في أغلب الأحوال بسبب أن معظم أجزائه لا يوجد بها إلا حارتين في كل اتجاه، كما تساهم الانحدارات القصيرة والخطيرة في مداخل ومخارج الطريق في وقوع حوادث الاصطدام بشكل متكرر. وقد يتعطل المرور نتيجة لذلك على مدى أربع ساعات أو يزيد، وفقا لشركة "فولفو".
وقع طريق "I-81" ضحية لنجاحه بشكل جزئي. فالطريق قريب جداً من المناطق المكتظة بالسكان على الساحل الشرقي بالقدر الذي جعله موقعاً جذاباً لمراكز التوزيع. وأنشأت مقاطعة فرانكلين، التي تضم جزءاً من شيبنسبرغ، مراكز توزيع إضافية بلغت مساحتها 10 ملايين قدم مربعة في الأعوام الأخيرة، علاوة على مخزنين كل منهما بمساحة مليوني قدم مربعة مقرر افتتاحها بنهاية العام الحالي، كما صرح مايك روس، رئيس هيئة التنمية الاقتصادية المحلية. وكل منهما يصبح مركزاً لحركة الشاحنات.
يقول روس عن طريق "I-81": "إنه شريان الحياة بالنسبة لنا، ولكنه من زاوية أخرى عقبة أمامنا. إنه طريق خطير، وتقع عليه حوادث شديدة الخطورة بشكل يومي. نتيجة لهذه الحوادث تتراكم السيارات على الطريق، ويؤثر الزحام على حركة نقل المكونات التي تحتاجها شركات مثل فولفو". ويضيف روس أنه قضى ساعتين عالقاً في الطريق بعد حادثة من هذا النوع في عطلة عيد الأم العام الحالي.
يمر جزء من طريق "I-81" في بنسلفانيا ويبلغ طوله 233 ميلاً، وبلغ متوسط الحوادث عليه في عام 2019 نحو 11 حادثاً في الأسبوع أدى إلى إغلاق إحدى الحارات في الطريق، وحادثة واحدة أسبوعياً تؤدي إلى إغلاق إحدى حارات الطريق لأكثر من 4 ساعات، وفقاً لوزارة النقل والمواصلات في الولاية. تزداد الأوضاع سوءاً في ولاية فيرجينيا، حيث يقع أطول أجزاء الطريق السريع. ويمتد هذا الجزء من الطريق 325 ميلاً، وبلغ متوسط عدد الحوادث التي تؤدي إلى إغلاق إحدى حاراته أسبوعياً نحو 33 حادثاً، حسب بيانات وزارة النقل والمواصلات في الولاية.
عصر جديد
يتوقع السيناتور الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا مارك ورنر، وهو أحد المفاوضين بشأن برنامج تطوير البنية الأساسية في 5 سنوات بتكلفة 550 مليار دولار والمدعوم من بايدن، يتوقع أن يوجه جزء من نصيب ولايته في هذا التمويل إلى تطوير طريق "I-81" في الولاية، كما صرحت راشل كوهين، المتحدثة باسم ورنر. كما اتفقت في القول أيضاً أليكسي كامبل، المتحدثة الإعلامية عن وزارة النقل والمواصلات في بنسلفانيا، مؤكدة نفس الشيء بالنسبة للولاية.
سوف تدفع هذه الحزمة الإنفاق الفيدرالي على البنية الأساسية إلى أعلى مستوى كنسبة من إجمالي الناتج المحلي منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما اكتمل بناء نظام الطرق السريعة بين الولايات، وكانت برامج المنح الفيدرالية لأنظمة المياه المحلية تتجه تدريجياً نحو اكتمالها، كما يقول آدي تومر، الباحث لدى معهد بروكينجنز، الذي أضاف: "إنه حقاً إنفاق تاريخي من حيث الحجم، إننا نقترب من بلوغ مستوى استثمارات عصر برامج الإنفاق في عهد روزفلت المعروفة باسم "الصفقة الجديدة" (New Deal era)على المستوى الفيدرالي".
غير أنه لا توجد ضمانة لتمرير مشروع القانون من قبل غرفتي الكونغرس. فالديمقراطيون يربطون تمرير المشروع بفرص إقرار تشريع منفصل أكبر منه بزيادة الإنفاق الاجتماعي، ونتيجة ذلك غير مؤكدة.
التجميع
إن تجميع معدة تحميل متحركة (لودر) من طراز "فولفو L90 " -المنتج الرئيسي لمصنع شينسبرغ" يحتاج إلى 1574 قطعة. تأتي المحركات من ألمانيا، وأجهزة نقل الحركة من السويد، وتأتي أثقال التوازن التي تضمن الاستقرار وكفاءة الرفع للمعدة من الصين. وتصنع ضفائر أسلاك الشاسيه الرئيسية في ولاية أريزونا، أما المحركات والطلبمات الهيدروليكية فتصنع في ولاية آيوا. ثم تأتي من روما صفائح الصلب المعالجة، التي يستخدمها اللحامون في المصنع في تشكيل هيكل المعدة.
يتبع كل جزء من المكونات التي تأتي من 226 مورداً طريقاً خاصا به من طرق الإمداد. تأتي ألف قطعة من هذه المكونات من 17 بلدا، منقولة في حاويات إلى موانئ من بينها بالتيمور وتشارلستون ولوس أنجلوس، ثم تنقل براً بعد ذلك إلى موقع المصنع. وما يقرب من نصف الأجزاء التي يتم توريدها محلياً تسافر أكثر من 250 ميلاً حتى تبلغ الموقع.
تم تصميم شبكة الإمدادات اللوجستية على أساس التوريد للتصنيع الفوري بهدف تخفيض الفاقد وسرعة الإنتاج في المصنع بما يؤدي إلى تخفيض التكاليف.
تريليون دولار الفجوة بين البيت الأبيض والجمهوريين بخطة تطوير البنية التحتية الأمريكية
توجد في منطقة التوريدات، التي تبلغ مساحتها 100 قدم مربعة بالمصنع، صفوف عملاقة من الأرفف ترتفع إلى طابقين ولوحة كبيرة بها مصابيح ذات ألوان – تومض ومضات متقطعة أو تضيء بشكل متواصل – كاشفة عن الوضع في كل نقطة على خط التجميع. ويقوم عاملون بتحريك عربات تحمل مكونات إلى نقاط التجميع التي تحتاجها، وتكون هذه الأجزاء سابقة التجهيز من أجل تخفيض الوقت الضائع إلى الحدود الدنيا.
يهتم المهندسون بكل التفاصيل الصغيرة من أجل إزالة أي مصدر لنقص الكفاءة. فتعتمد ملايين الدولارات على الحفاظ على تخزين المكونات، خاصة المكونات عالية القيمة، لأقصر مدة زمنية ممكنة حتى يتم تركيبها، وفي نفس الوقت تجنب تعطيل الإنتاج.
الموانئ
بالنسبة لميدوغ، مراقب الإنتاج، لا تنتهي مصادر الإزعاج عند طريق "I-81". ففي يونيو الماضي، وصلت شحنة من واقي الصدمات إلى ميناء بالتيمور متأخرة خمسة أيام بسبب زحام شديد واجه إحدى السفن في طريق الساحل الشرقي. كما وصلت شحنة أخرى من الأغطية الأمامية متأخرة أربعة أيام لنفس الأسباب.
تقول وزارة النقل والمواصلات الأمريكية إن أكبر 50 ميناء بالولايات المتحدة تداولت شحنات بزيادة 11% من حيث الوزن بحلول 2019 مقارنة بعقد مضى. لكن يرى الخبراء أن الاستثمار في هذه الموانئ ليس كافياً. فقنوات الشحن تحتاج إلى تعميق وتوسعة، والموانئ تحتاج إلى زيادة عدد المراسي للسفن، وإضافة أوناش كبيرة للتعامل مع السفن الحديثة، ومساحات جديدة لتخزين الشحنات، وتحسين ربط الموانئ بالطرق والسكك الحديدية لإسراع نقل الشحنات، حسب كاري ديفيز، مدير العلاقات الحكومية والمستشار العام للجمعية الأمريكية لهيئات الموانئ.
يقول ديفيز إن حزمة الاستثمارات في البنية الأساسية التي يدعمها الحزبان "سوف تعوض جيلاً كاملاً من الاستثمارات المؤجلة في البنية الأساسية اللازمة للتجارة. لم يكن أداء الولايات المتحدة جيداً في مواكبة حركة النمو في نقل البضائع سواء كان الاستيراد أو التصدير".
يلجأ مصنع "فولفو" إلى زيادة المخزون – بالأحرى بسبب الأعطال الإضافية في سلسلة الإمداد نتيجة الجائحة، التي ضربت الاقتصاد على نطاق واسع. ففي مصنع شيبنسبرغ، أٌزيلت منطقة لراحة العاملين في ساحة المصنع باستخدام الروافع الشوكية مؤخراً بهدف إنشاء "منطقة عزل" إضافية، وهي منطقة لتخزين المعدات غير مكتملة التصنيع مؤقتاً عند تعطل الإنتاج بسبب عدم توافر الأجزاء والمكونات في الوقت المناسب.
إنه آخر مصنع يقوم بهذه الإجراءات التي قامت بها مصانع أخرى. ففي أواخر عام 2018، أضافت "فولفو" ثلاثة أيام إلى وقت الإعداد للمواد الخام التي تصل في ميناء بالتيمور بسبب زيادة الزحام في موانئ الساحل الشرقي. في 2019 قامت الشركة بمضاعفة مخزونها من صفائح الصلب إلى يومين بسبب زيادة زمن التأخر على الطرق السريعة.
يمكن أن تكون الانتكاسات أسوأ بمراحل كثيرة على طريق "I-81" والطرق السريعة الأخرى العابرة للولايات، والتي تعتمد عليها سلسلة الإمدادات الخاصة بفولفو. فتضع قواعد السلامة الفيدرالية قيوداً على حركة سائقي الشاحنات بمعدل 14 ساعة فقط. بالإضافة إلى 11 ساعة من القيادة يعقبها 10 ساعات راحة إجبارية. مما يزيد من تأثير التأخير غير المتوقع في حركة النقل.
يقول مايك توماس، رئيس سلسلة الإمدادات اللوجستية لمصنع فولفو لمعدات البناء: "تصلني كل أسبوع رسالتان أو ثلاثة بالبريد الإلكتروني يقول فيها السائق إن ساعات العمل على الطريق انتهت وعليه أن ينتظر حتى انقضاء فترة الراحة الإجبارية".