ينتقد إعلان سياسي دونالد ترمب لأنه وعد بخفض الضرائب المترتبة على أصدقائه من أصحاب الثروات الضخمة. ثمّ يظهر فيه رجل بسيط من العامة اسمه بادي يقول فيما يملأ خزان سيارته بالوقود: "أنا لست صاحب ثروة عظيمة.. أنا من يحتاج للمساعدة، أمّا تلك الفئة التي تشكل 1% من الناس فلا تهتم إلا بمصالحها".
ثم تظهر صورة رجل ترتسم على وجهه ابتسامة توحي بأنه مراوغ ويرتدي بزة احتفالات رسمية ويقدمه الإعلان كمثال على المليارديرات الجشعين الذين يقول بادي إنهم "لا يدفعون نسبة عادلة" من الضرائب. ذاك الرجل ليس ترمب بل إيلون ماسك.
أنتجت هذا الإعلان لجنة العمل السياسي "فيوتشر فوروارد يو إس إيه أكشن" (Future Forward USA Action) الليبرالية التي انضمت إلى جهات كثيرة تهاجم قطب التقنية المثير للجدل الذي يدعم ترمب. لقد أصبح ماسك، الذي عُرف عنه أنه صوّت لصالح باراك أوباما قبل أن يميل تدريجياً نحو اليمين، أصبح في مقدمة من يعتبرهم الديموقراطيون أشراراً. وبات يظهر تكراراً في إعلانات المرشحين الديمقراطيين والمجموعات المتحالفة معهم، سواء تلك التي تعرض على التلفزيون أو عبر الإنترنت على امتداد البلاد، ومنها إعلانات كامالا هاريس.
تركز معظم الانتقادات على موضوع واحد. فإعلانات هاريس تصوّر ماسك على أنه "بليونير يميني متطرف" يحاول "إمالة الكفة" لصالح ترمب، فيما قال المرشح لعضوية الكونغرس عن نيويورك موندير جونز في إعلان عبر الإنترنت إن ما سماه "الملياردير المبالغ" من حركة لنعد لأميركا عظمتها "يدفع الملايين ليهزمني".
كما أصدر ويل رولينز، المرشح لعضوية مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي في كاليفورنيا، إعلانات تحذر من أن "إيلون ماسك مؤيد ترمب والملياردير صاحب نظريات المؤامرة" يموّل منافسه. وقد استخدم عدد من هذه الإعلانات صوراً لماسك في حفل "ميت غالا" في نيويورك عام 2022 وهو يرتدي بزة احتفالات رسمية ويبتسم ابتسامة ماكرة مع تعبير وجه يجعله يبدو كأحد أشرار أفلام جيمس بوند.
يقول استراتيجيون ديمقراطيون إن ثروة ماسك وشهرته وسلوكه المستفز، كلّها عوامل تسبغ عليه مواصفات الأشرار كما لو أنه مختار بعناية ليمثل هذا الدور، وهي صورة يعززها دعمه العلني لترمب وإنفاق مجموعة عمله السياسي "أميركا بي إيه سي" عشرات ملايين الدولارات لهزيمة هاريس وعدد من المرشحين الديمقراطيين للكونغرس. وقد أظهرت كشوفات قُدمت إلى هيئات اتحادية حديثاً أن ماسك خصص مالا يقل عن 75 مليون دولار للجنة، ما جعله أحد أكبر المتبرعين في هذه الدورة الانتخابية.
وقال مارك لونغاباو، منتج الإعلانات المخضرم الذي سبق أن أنتج إعلانات لصالح بيرني ساندرز ومرشحين ديمقراطيين آخرين: "نبحث دائماً في الإعلانات السياسية عن صورة أو شخصية يمكن أن يتعرف عليها الجمهور ويتفاعل معها نفسياً... يمثل إيلون بقوة صورة الثري المغرور ونموذج للملياردير الشرير المؤيد لحركة لنعد لأميركا عظمتها. إنه مناسب لحد مثالي".
أثر الانتقادات على صورة ماسك بين الديمقراطيين
حتى قبل أن يطلّ ماسك برفقة ترمب في تجمع انتخابي في 5 أكتوبر في مدينة باتلر في ولاية بنسلفانيا، حين راح يثب على المسرح معتمراً قبعة سوداء تحمل شعار "لنعد لأميركا عظمتها"، كان استحواذه على "تويتر" وتحوله إلى مدافع عن التيار اليميني قد أفسد صورته في نظر الناخبين الديمقراطيين الذين كانوا يوماً يوقّرونه لدعمه قطاع الطاقة النظيفة ولإنشائه شركات مثل "سبيس إكس" و"تسلا".
لقد أظهر استطلاع من بلومبرغ بالتعاون مع "مورنينغ كونسلت" (Morning Consult) في الولايات المتأرجحة في الفترة بين 19 و25 سبتمبر أن 18% فقط من الديمقراطيين ينظرون إلى ماسك إيجابياً، بالمقارنة مع 69% ينظرون إليه سلبياً، فيما تحدث أكثر من نصف الديمقراطيين عن نظرة "سلبية" جداً تجاهه.
وقد أعرب من يصفون أنفسهم بـ"الليبراليين الديمقراطيين"، وهم من أكثر المتطوعين والمتبرعين التزاماً، عن المشاعر الأشد سلبيةً تجاه ماسك، إذ وصلت نسبة من يحملون آراء سلبية عنه بينهم إلى 79%.
ماسك، الذي لم يستجب لطلب للتعليق، لا يبدو مندهشاً أو قلقاً من العداء المستجد تجاهه في أوساط الديمقراطيين. وقال في مقابلة حديثة مع المذيع السابق في قناة "فوكس نيوز" تاكر كارلسون وهو يضحك "إنني أهاجم كامالا دون توقف".
انخرط ماسك في سياسات حركة "لنعد لأميركا عظمتها" وتبنى نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة وحوّل "تويتر" (إكس حالياً) إلى منصة تروّج لهجوم ترمب على هاريس وعلى غيرها من الديمقراطيين، فنال نوعاً جديداً من الشهرة، أو بالأحرى سوء السمعة، من خلال تصويره في الدعاية الانتخابية الديمقراطية.
قال ترافيس ريدوت، المدير الشريك في برنامج "ويسليان ميديا بروجكت" (Wesleyan Media Project) والمختص في العلوم السياسية في جامعة واشنطن ستيت الذي يدرس الدعاية الانتخابية: "هناك دائماً ثري شرير في سياسة الديمقراطيين... كان هذا الدور مناطاً في الماضي بالأخوين كوك، ولكننا ما عدنا نراهما كثيراً في الآونة الأخيرة. يبدو أن إيلون أصبح اليوم الشرير الجديد الذي سيغضب الديمقراطيين ويخيفهم بما يكفي لدفعهم إلى الإدلاء بأصواتهم والتبرع بالمال".
استقبل ترمب دعم ناسك بحفاوة، وأشار في تجمعاته الانتخابية مراراً إلى تأييد رجل الأعمال له، مستخدماً ذلك لتحفيز صغار المتبرعين. وقد حملت رسالة عبر البريد الإلكتروني من حملة ترمب عنوان "إيلون! إيلون! إيلون!" وحثت المؤيدين على شراء قبعة سوداء كالتي اعتمرها ماسك في محفل في بنسلفانيا وهي تحمل شعار حملة لنعد لأميركا عظمتها. ثم تلتها رسالة بريد إلكتروني أخرى تعرض شراء قبعتين بسعر واحدة.
غضب النقابات
حرص الديمقراطيون على تسليط الضوء على هذه العلاقة. وقد صرّح تيم والز، مرشح الديمقراطيين لمنصب نائب الرئيس، خلال تجمع انتخابي قرب ديترويت في 11 أكتوبر أن ترمب وشريكه في السباق الرئاسي جي دي فانس "لا يكترثان لعمال ميشيغان، فلا يهمهما إلا أصدقاؤهما أصحاب المليارات مثل إيلون ماسك".
برغم أن ماسك لم يبرز في السياسة الوطنية إلا في الآونة الأخيرة، فإن له كل الصفات التي تسهّل على الديمقراطيين تقديمه بصورة الشرير. وكانت بعض فصائل الحزب الديمقراطي تنظر إليه بسلبية حتى قبل انحيازه إلى ترمب.
أثارت معارضته الشديدة للنقابات غضب الاتحادات العمالية. واعتبر المجلس الوطني لعلاقات العمل في 2021 أن تغريدة نشرها ماسك انتهكت قوانين العمل الأميركية لأنه ألمح فيها إلى أن موظفي "تسلا" قد يخسرون ميزة الاستثمار الاختياري في أسهم الشركة إن انتظموا نقابياً. وقد أمر المجلس ماسك، استجابةً لشكوى من اتحاد عمال السيارات، بحذف التغريدة وألزمه بأن يعرض على عامل صُرف من وظيفته لعلاقته بأنشطة نقابية أن يعود للعمل.
لا عجب إذاً أن تكون النقابات أول من تناول ماسك في الإعلانات السياسية. في العام الماضي، بدأ الاتحاد الدولي لموظفي الخدمات الذي يعدّ من أكبر الاتحادات العمالية وأكثرها نفوذاً في الولايات المتحدة، يعرض إعلانات تنتقد ماسك بسبب تعليقه تسليم سيارات "تسلا" إلى السويد، ورفضه الانضمام إلى اتفاقية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.
وقد تضمنت هذه الإعلانات اللقطة الشهيرة لماسك في حفل "ميت غالا". ثمّ خلال الأسابيع الماضية، عرضت لجنة العمل السياسي الكبرى "سائقي الشاحنات ضد ترمب" إعلانات سلطت الضوء على ازدراء ماسك للنقابات. وقالت أبريل فيريت، رئيسة الاتحاد الدولي لموظفي الخدمات إن ماسك "يمثل جشع الشركات المستشري، كما أن حبه للظهور في الأخبار يسهّل أن نروي حكاية الشرير الذي يحارب النقابات".
انقلاب على سياسات الديمقراطيين
حظي ماسك حتى الأمس القريب بتقدير كبير في أوساط بعض الفصائل الديمقراطية. فالرجل الذي أنشأ شركة "تسلا" وجعلها صانعة السيارات الأعلى قيمة، وأسهم في انتشار المركبات الكهربائية كان بطلاً في نظر مناصري البيئة.
في 2017، بعد تولي ترمب الرئاسة، انضم ماسك، وهو مهاجر من جنوب أفريقيا، إلى معارضي حملة ترمب الصارمة ضد الهجرة، وانتقد علناً قراره التنفيذي الذي حظر دخول المهاجرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة. قال حينذاك: "كثير ممن تضرروا من هذه السياسة يؤيدون الولايات المتحدة بعزم... هؤلاء الناس في جانب الحق ولم يرتكبوا أي سوء، ولا يستحقون التعرض للرفض".
كما أن مجتمع أصحاب الميول المختلفة كان يقر بالتزام ماسك تجاه المساواة، فقد كانت "تسلا" تحقق على الدوام علامة 100 كاملة على مؤشر المساواة التابع لـ"حملة حقوق الإنسان" الذي يصنّف مدى شمولية أماكن العمل لأصحاب تلك الميول. وقد غرّد ماسك في 2018، قائلاً: "يجب أن يكون الناس أحراراً ليعيشوا وفق ما تمليه قلوبهم"، محتفلاً بتصنيف "تسلا" المثالي، وأرفق التغريدة بمجموعة قلوب على شكل قوس قزح.
لكن انقلاب ماسك على كثير من القضايا الأساسية التي يدعمها الديمقراطيون أوقد في نفوسهم مشاعر العداوة التي يكنّونها عادة إلى من يعتبرونه خائناً لمبادئهم. فقد روّج ماسك في الآونة الأخيرة لخطاب ترمب المحرض ضد الهجرة غير الشرعية، وأسهم في انتشار نظرية المؤامرة التي لا أساس لها حول أكل مهاجرين من هايتي الحيوانات الأليفة، وأغضب المجموعات المناصرة لذوي الميول المختلفة بعدما قال في مقابلة إن ابنته المتحولة التي قاطعها "قتلها فيروس عقلية اليقظة". وهذا العام، انخفضت علامة "تسلا" على مؤشر المساواة لدى "حملة حقوق الإنسان" إلى الدرجة 55.
صراحة ماسك في التعبير عن آرائه وامتلاكه لمنصة تواصل اجتماعي جعلته هدفاً لعداوة الديمقراطيين. قال ريدوت متحدثاً عن ماسك: "في السابق، كان ذلك الرجل غريب الأطوار صانع السيارات الكهربائية التي يحبها الليبراليون... لكن على مدى السنوات الماضية تعمق ارتباطه باليمين السياسي، والأموال التي أنفقها على لجان العمل السياسي الداعمة لترمب رسخت هذا الرابط".
تأثير على انتخابات الكونغرس
استهدفت لجنة "أميركا بي إيه سي" بعض حملات الديمقراطيين لعضوية الكونغرس، ما وضع ماسك نفسه في قلب الحملات الانتخابية على امتداد البلاد. في حين أن ماسك يتبرع للجمهوريين، فإن دوره السياسي الاستقطابي يساعد الديمقراطيين أيضاً على تحصيل التبرعات، إذ يصوّب المرشحون الديمقراطيون سهامهم نحو ماسك ودوره السياسي، ليحفزوا مؤيديهم على التبرع لصالحهم.
وقد أظهرت الكشوفات الاتحادية أن لجنة العمل السياسي التابعة لماسك أنفقت نحو مليون دولار على حملة مناهضة لجونز، المرشح الديمقراطي ضد النائب الحالي عن الدائرة 17 في نيويورك، الجمهوري مايك لولر. في المقابل، بذلت حملة جونز كلّ ما بوسعها لنشر الخبر بأن ماسك يدعم منافسه.
وقالت شانون جيسون، مديرة حملة جونز: "فوجئنا بكوننا الهدف الأول لإيلون ماسك... لقد تطرقنا له في الإعلانات لأننا أردنا أن يعرف الناس أن المليارديرات اليمينيين المغالين، مثل ماسك هم الفئة التي يُتوقع منها أن تدعم مايك لولر. بما أن إيلون شخصية معروفة، فإن الإشارة إليه تساعدنا على جذب اهتمام مؤيدينا، خاصة الآن بعد أن أصبح وثيق الصلة مع دونالد ترمب".
كثير من إعلانات الديمقراطيين التي تستخدم ماسك، بما فيها تلك الخاصة بجونز، تعرض عبر الإنترنت. لا عجب إذاً أن يقول الاستراتيجيون إن من يمضون وقتاً أطول على الإنترنت هم الأعلم بنشاط ماسك السياسي، وأكثرهم معارضة له. فحضور ماسك الصاخب على الإنترنت حوّله سريعاً إلى العدو اللدود الجديد للديمقراطيين في هذه الدورة الانتخابية.
في الماضي، كان الديمقراطيون يميلون إلى شيطنة أصحاب المليارديرات الانعزاليين الذين يعملون في مجال الوقود الأحفوري، مثل تشارلز وديفيد كوك، أو كبار القادة الجمهوريين المتجهمين مثل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، فيعرضون ملامحهم الغاضبة بالأبيض والأسود في إعلانات تهدف لتخويف الناخبين الديمقراطيين من الخصم وإيقاد حماستهم.
لكن أولئك ما عادوا يؤثرون بالجمهور، فقد توفي ديفيد كوك في 2019 ويعتزم ماكونيل الذي بلغ 83 عاماً من عمره التنحي عن منصبه في نوفمبر. أمّا ماسك فهو مؤهل تماماً من أجل الهيمنة على هذه الحقبة من السياسة التي تجتاح الإنترنت.
نجم الإعلانات الانتخابية
رغبة أغنى رجل في العالم في أن يصبح محور الاهتمام الوطني وشخصية رئيسة في انتخابات عام 2024، جعلت منه هدفاً ثميناً لمعارضيه السياسيين. وقال كايل ثارب، كاتب نشرة (FWIW) حول السياسات الرقمية: "يركز التسويق عبر البريد الإلكتروني والإعلانات الهادفة لجمع التبرعات والأنشطة العضوية لوسائل التواصل الاجتماعي على نوعين: متنفذي الإعلام اليميني الممقوتين والمليارديرات أصحاب الأموال المظلمة... وإيلون يمثّلهما معاً".
مع انخراط ماسك بشكل بارز في حملة ترمب، بدأ يظهر أيضاً في إعلانات الجمهوريين، ولكن بصورة إيجابية طبعاً. ومن يدرك عشق ماسك للأضواء، لن يتعجب أن لجنة العمل السياسي التابعة له بدأت هي الأخرى تعرض إعلانات سياسية من بطولة ماسك.
في أحد هذه الإعلانات، تظهر لقطات لماسك لا تشمل ترمب خلال تجمعه الأخير الانتخابي في بنسلفانيا في 5 أكتوبر وهو يحمّس الحشود قائلاً: "قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا، صوتوا، صوتوا، صوتوا". يقدم هذا مثالاً جديداً على اقتحام ماسك المفاجئ للحياة السياسية الأميركية، وما نتج عن ذلك من إعلانات سياسية تتمحور حول شخصه ستستمر بلا شك حتى يوم الانتخابات.
ترى فيريت، رئيسة الاتحاد الدولي لموظفي الخدمات، أنه لا مفاجأة في ذلك لأن ماسك "لا يكلّ عن إطلاق التصريحات. وهي أشبه بمحتوى إنترنت ينتظر مناسبةً لاستخدامه".
باختصار
يتناول المقال الهجوم الذي يشنه الديمقراطيون على إيلون ماسك في إعلانات سياسية، حيث يتم تصويره على أنه "ملياردير شرير" يدعم دونالد ترمب ويعارض السياسات الديمقراطية. هذه الإعلانات تركز على تصوير ماسك كرمز للجشع واليمين المتطرف، خاصة بعد أن أصبح داعماً علنياً لترمب. الديمقراطيون يستغلون ثروة ماسك وسلوكه المثير للجدل في حملاتهم الانتخابية، ويشيرون إلى دوره في تمويل الجهود المناهضة لهم.
المقال يوضح كيف أصبح ماسك هدفاً للدعاية السلبية في سياق الانتخابات، بعدما كان يُعتبر سابقاً داعماً لقضايا بيئية وليبرالية.