مقاربة للكسب من قطاع الموسيقى اعتماداً على إرث فنانين لإقامة مطاعم وحفلات افتراضية

الملياردير يونسون يستلهم من فرقة "آبا" لإنعاش قطاع الموسيقى

كوني يونسون في بولاندو مارينا في فارمدو، السويد، في 2 يوليو 2024 - المصدر: بلومبرغ
كوني يونسون في بولاندو مارينا في فارمدو، السويد، في 2 يوليو 2024 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سعى بعض كبار المستثمرين حول العالم لجعل ملكية حقوق المؤلفات الموسيقية مصدر ربح خلال السنوات الماضية، وعلّق معظمهم الآمال على عوائد البثّ وإيرادات ترخيص استخدام الأغاني في الإعلانات.

إلا أن الملياردير كوني يونسون، مؤسس "إي كيو تي" (EQT)، ثالث أكبر شركة ملكية خاصة في العالم عمد إلى رهان أكثر جرأة، فهو يؤمن أن الجمهور على استعداد لإنفاق مئات الدولارات للتفاعل مع صور الفنانين وقصصهم. وهو يعتقد بشكل خاص أن عشاق فرقة "آبا" (ABBA) حول العالم لن يترددوا في دفع ثمن تذكرة قد يصل إلى 270 دولاراً ليستمتعوا بأربع ساعات من أغانيها فيما يتناولون طبق لحم الضأن ستيفادو في حانةٍ يونانية الأجواء. 

تحولات قطاع الموسيقى

اشترت مجموعة "بوبهاوس إنترتينمنت" (Pophouse Entertainment Group) الاستثمارية، التي شارك يونسون في تأسيسها قبل عشر سنوات كمشروع جانبي، حق ترخيص إقامة مطاعم تحييها موسيقى "آبا" من بيورن أولفايوس، أحد أعضاء الفرقة المؤسسين مقابل مبلغ غير معلن.

ابتكر أولفايوس، وهو أيضاً من مؤسسي "بوبهاوس"، مفهوم مطعم ومسرح "ماما ميا ذا بارتي" (Mamma Mia! The Party) في ستوكهولم قبل ثماني سنوات. وفي ظلّ الخطط الحالية لتوسيع العروض نحو أستراليا والولايات المتحدة واليابان، تطمح "بوبهاوس" لتكرار نجاح تجربة "آبا فوياج" (ABBA Voyage)، وهو حفل افتراضي مدته 90 دقيقة استثمرت فيه الشركة وحقق مبيعات تجاوزت مليوني تذكرة منذ عام 2022.

يمرّ قطاع الموسيقى اليوم بمنعطف حاد، إذ تواجه كبرى شركات التسجيلات صعوبة في تحقيق مكاسب في عصر البثّ، في حين تمتلك شركات ملكية خاصة مثل "بلاك روك" (BlackRock) و"كيه كيه آر" (KKR) حقوق مؤلفات موسيقية اشترتها بمليارات الدولارات إبان الجائحة. 

ضخت شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" في يوليو 700 مليون دولار في مجموعة "سوني ميوزيك" (Sony Music Group) التي تتفاوض حالياً على شراء حقوق المؤلفات الموسيقية لفرقة "كوين" (Queen) في صفقة قد يبلغ حجمها مليار دولار، حسب تقرير من بلومبرغ نيوز في مايو.

 أما في مجال العروض الموسيقية المباشرة، فقد تفوقت "كيه كيه آر" قبل فترة على "بلاكستون (Blackstone)، إذ نجحت في الاستحواذ على شركة "سوبرستركت" (Superstruct) الأوروبية المنظمة للحفلات لقاء 1.7 مليار دولار، بينما استحوذت "بلاكستون" على حصة في مجموعة "أمباسادور ثياتر" (Ambassador Theatre).

إخفاقات سابقة

أمّا التحدي فيكمن بالاستفادة من حقوق الملكية لجني مكاسب. يراهن المستثمرون التقليديون على أن الطلب على الأغاني القديمة سيحقق لهم مكاسب على المدى البعيد، وأن "نموّ خدمات البث سيعوّضهم ويدرّ عليهم عوائد جيدة، أشبه بتلك التي تدرّها المرافق العامة مثلاً"، حسبما أوضح يونسون في مقابلة قرب منزله الصيفي في ستوكهولم.

 

يونسون، وهو رئيس مجلس إدارة شركة "إي كيو تي" التي تدير أصولاً بقيمة 273 مليار دولار، على دراية بإخفاقات محاولات سابقة لتحويل صناعة الموسيقى إلى مجال استثماري مربح. 

وما تجربة غاي هاندز، مؤسس شركة "تيرا فيرما كابيتال بارتنرز" (Terra Firma Capital Partners) إلا عبرة على ذلك. فقد اشترى شركة التسجيلات الموسيقية "إي إم آي" (EMI) عام 2007 مقابل 5.8 مليار دولار، لكن ما لبث استثماره أن انهار إبان الأزمة المالية، مكبداً هاندز خسارة شخصية بلغت 227 مليون دولار. ثمّ اضطر في 2011 لترك الشركة تؤول إلى بنك "سيتي غروب" (Citigroup)، الذي كان قد أقرضه 3.2 مليار دولار لإتمام الصفقة. في العام التالي، باع البنك قسم التسجيلات الموسيقية التابع له إلى شركة "يونيفرسال ميوزيك غروب" (Universal Music Group).

التحق صندوق "هيبغنوسيس سونغز" (Hipgnosis Songs Fund) المدرج في بورصة لندن بقائمة الشركات المتعثرة في القطاع. وقد تأسس الصندوق في 2018 على يد مدير الفرق الموسيقية السابق ميرك ميركوريديس، وبنى شهرته عبر استحواذه على خقوق مؤلفات موسيقية لفنانين من أمثال شاكيرا ونيل يونغ. لكن ارتفاع أسعار الفائدة وضع حداً لسلسلة استحواذاته. وبعد صراعات علنية مع المساهمين والفنانين، استحوذت "بلاكستون" على الصندوق مقابل 1.6 مليار دولار.

مكاسب الموسيقى العتيقة

مع ذلك، يُعتبر صندوق "هيبغنوسيس" رائداً في فئة جديدة من المؤسسات الاستثمارية المتخصصة بالموسيقى، حيث تركز استراتيجيته على كسب أقصى قدر ممكن من عوائد حقوق مؤلفات موسيقية قديمة كانت تعود لفنانين أيقونيين، مستفيداً من صفقات حقوق النشر المعقدة. وهذا ما تسعى "بوبهاوس" لتحقيقه أيضاً، ومعها شركات أخرى، مثل "كونكورد ميوزيك" (Concord Music) و"برايماري ويف ميوزيك بابليشينغ" (Primary Wave Music Publishing).

إلى جانب حقوق مؤلفات فرقة "آبا"، أبرمت الشركة التي تتخذ في ستوكهولم مقراً لها صفقات مع ورثة المنسق الموسيقي الراحل أفيسي، وفرقة الروك (KISS)، وأيقونة الثمانينيات سيندي لوبر، التي صرّحت في مقابلة مع بلومبرغ بأنها انجذبت إلى طاقة وأفكار "بوبهاوس".

يستفيد يونسون من علاقات أولفايوس وخبرته الواسعة في قطاع الموسيقى لبناء محفظة تضم نحو 10 فنانين عالميين يمكنها تكرار النجاح الذي حققه مع موسيقى "آبا". وقد تشمل هذه الاستراتيجية إنتاج وثائقيات عن حياتهم، أو تنظيم حفلات عشاء تتمحور حول موسيقاهم، أو أفكاراً أخرى جديدة بالكامل.

إلى جانب أرباح هذه التجارب التي تركز على الفنانين، يأمل يونسون أيضاً أن تسهم في زيادة قيمة حقوق المؤلفات الموسيقية القديمة. قال: "لقد بدأ الناس يرون الإمكانيات التي يمكن تحقيقها من خلال الملكية الفكرية إذا كنت تمتلك الحقوق المناسبة."


كوني يونسون خلال مقابلة في فارمدو، السويد - بلومبرغ
كوني يونسون خلال مقابلة في فارمدو، السويد - بلومبرغ

 

لا مكان لشركات الملكية الخاصة التقليدية

تستند ثقة يونسون، 64 عاماً، إلى خبرة على مدى عقود في مجال التمويل. بالإضافة إلى دوره في شركة "إي كيو تي" (EQT) التي أسسها قبل ثلاثين عاماً بدعم من عائلة والنبيرغ الثرية في السويد، كما استثمر في قطاعات الترفيه والعقارات والضيافة والطاقة الخضراء من خلال مكتبه العائلي "كارلبو" (Qarlbo).

تنبع ثقة يونسون أيضاً من اعتقاده بأن شركات الملكية الخاصة التقليدية تفتقر إلى فهم عميق لقطاع الموسيقى. وقال: "إن كنت مادياً جداً أو كان حجمك كبيراً جداً وكنت صاخباً وشرساً، فلا أعتقد أن ذلك سينجح".

إن مسألة الحقوق الموسيقية شديدة التعقيد، إذ يمكن أن تشمل أطرافاً عديدة يستطيع أي منهم أن يعطل صفقة ما. لذا يتطلب الاستثمار الذكي في هذا القطاع "نوعاً مختلفاً تماماً من العناية النافية للجهالة" عن تلك المعتمدة في عقود الدمج والاستحواذ التقليدية، كما أوضح يونسون، الذي يرى أنه مع غياب الشفافية بشأن كيفية دفع مقابل للحقوق، يستحيل "تحديد ما الذي اشتريته فعلاً".

بما أن "لكل كتالوغ عقد خاص به"، فإن فك تشابكات قضايا الملكية يتطلب وقتاً واهتماماً كبيرين. ذكر يونسون صفقة فرقة (KISS) مع "بوبهاوس" كمثال، وفيها استغرق تحديد الحقوق التي تمتلكها الفرقة حوالي شهرين. وفي نهاية المطاف، اشترت الشركة حقوق مؤلفات الفرقة إلى جانب "اسمها وصورها وبضائعها، وكل شيء"، واصفاً الاتفاق بأنه "فريد من نوعه" في السوق.

أولا سارز، المؤسس الشريك لـ"بييتس ميوزيك" (Beats Music) الذي يرأس حالياً شركته الخاصة "ساوندتراك تكنولوجيز" (Soundtrack Technologies) يبدي تشاؤماً هو الآخر بشأن قدرة شركات الملكية الخاصة على تخطي مثل هذه العقبات في القطاع. ويتوقع أن تدفع تداعيات "هيبغنوسيس" وارتفاع أسعار الفائدة بأولئك المستثمرين للانسحاب من السوق.

وقال في مقابلة: "فرضيتي هي أن شركات الملكية الخاصة التقليدية ستنسحب. هناك الكثير من المنافسة، وهي تفضل الاستثمار في الصناديق بدل شراء حقوق المؤلفات الموسيقية مباشرة".

سيندي لوبر في ستوكهولم في فبراير. باعت أيقونة الثمانينيات كتالوغها الموسيقي لشركة
سيندي لوبر في ستوكهولم في فبراير - بلومبرغ

شركات التسجيلات تتعلم من المنافسة

إن حدث ذلك، فقد يفتح آفاق نموّ جديدة لشركة "بوبهاوس". فقد أفادت بلومبرغ نيوز في 2022 أن الشركة تخطط لجمع 750 مليون يورو (834 مليون دولار) لإنشاء صندوق استثماري جديد متخصص في مجال الموسيقى. ويُتوقع أن يكتمل جمع التمويل بنهاية العام، وفقاً لشخص مطلع على الموضوع طلب عدم كشف هويته لأنه غير مخوّل بالحديث عن الأمر، فيما رفض يونسون التعليق على هذه الآلية الاستثمارية الجديدة أو على جهود جمع التمويل.

كما قد يكون لهذا الأمر تبعات أخرى، إذ يمكن أن تصبح شركات التسجيلات والنشر الموسيقي التي لم تنخرط بعد بشكل فعّال في التحولات التي طرأت على القطاع الموسيقي أشرس في محاولة الاستفادة من الأصول التي تمتلكها. وهذا أمر منطقي بالنسبة ليونسون وسارز، لإن هذه الشركات هي الأقدر على شراء الحقوق ودفع ما يصفه يونسون بـ"السعر المناسب" مقابلها.

ربما بدأ هذا التحول بالفعل، إذ لاحظ يونسون أن الشركات الكبرى، التي كانت تركز سابقاً على "اكتشاف فنانين ونجوم جدد"، بدأت تدرك الآن قيمة حقوق المؤلفات الموسيقية القديمة لديها. بمعنى آخر، إنها تتعلم من منافساتها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك