مكتب الميزانية في الكونغرس اقتحم قضية شائكة حين اكتشف أن التأثير الاقتصادي الإيجابي للمهاجرين كان أكبر مما كان متصوراً

ما علاقة الهجرة بحل لغز مخالفة الاقتصاد الأميركي للتوقعات؟

عمال بناء في بروكلين، نيويورك - المصدر: بلومبرغ
عمال بناء في بروكلين، نيويورك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان منسوبو هيئة حكومية مغمورة في واشنطن منكبين على دراسة أرقام رسمية ليرسموا صورةً أوضح عن ارتفاع أعداد المهاجرين في الولايات المتحدة، دون أن يدركوا أن ذلك سيسهم بحل لغز استمرار أكبر اقتصادات العالم بمخالفة التوقعات باتجاهه إلى تحول نزولي خلال السنوات الأخيرة.

أظهرت استنتاجات مكتب الميزانية في الكونغرس، الذي يعمل فيه 270 شخصاً وهو معروف باهتمامه المفرط بالتعمق في دراساته، أن التأثير الاقتصادي للهجرة كان أكبر بكثير مما كان متصوراً.

في مجموعة توقعات متعلقة بالمؤشرات السكانية على مدى العقد المقبل نُشرت في فبراير، أشار مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن زيادة عدد السكان بفعل الهجرة سيدفع النمو بما يصل إلى سبعة تريليونات دولار حتى 2033 وسيرفع الإيرادات الحكومية بنحو تريليون دولار، فيما يسدّ العاملون الجدد النقص ويعززون الطلب.

جاء ذلك الاكتشاف حين دمج مكتب الميزانية مزيداً من المعلومات الآنية من وزارة الأمن الداخلي الأميركية، وهي المسؤولة عن حراسة الحدود، مع بيانات مكتب الإحصاءات، التي كان منسوبو المكتب يعتمدون عليها منذ فترة طويلة.

بالاستناد إلى بيانات وزارة الأمن الداخلي، أشارت تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن قرابة 860 ألف شخص دخلوا الولايات المتحدة ولم يُقبض عليهم أو يمنعوا من الدخول في العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر. كما قدّر أن أكثر من 400 ألف شخص ممن دخلوا البلاد بصفة قانونية تجاوزوا مدة الإقامة المصرح بها، وتلك فئة أخرى يصعب حصرها.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

أهمية التحليل

قال فيليب سواغل، مدير مكتب الميزانية في الكونغرس: "الجميع قالوا في آن معاً: إن هذا حقاً أمر هام. هنالك ملايين العاملين الإضافيين، وذلك يؤثر على الاقتصاد. أدرك فريق الاقتصاد الكلي فوراً أن هذا يحل كثيراً من المشاكل".

أعاد التحليل، الذي نشره مكتب يعمل فيه عدد محدود من الموظفين مقارنة مع منسوبي الاحتياطي الفيدرالي أو وزارة العدل، رسم خطوط النقاش الاقتصادي، كما سارع اقتصاديو وول ستريت بالإشارة إلى تقبله.

عند سؤاله عن تقرير مكتب الميزانية في الكونغرس خلال إدلائه بشهادة أمام الكونغرس في مارس، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إنه في حين أن المصرف المركزي يتجنب التعليق على سياسات الهجرة، "إلا أنه ينقل الحقائق ليوضح أن كلاً من الهجرة ومشاركة القوى العاملة ساهما في نمو الناتج الاقتصادي القوي جداً الذي رأيناه العام الماضي".

كان "جيه بي مورغان" و"بي إن بي باريبا" من بين المصارف التي عدّلت توقعاتها بعد صدور التقرير. قالت ويندي إيدلبرغ، المحللة الاقتصادية السابقة في الاحتياطي الفيدرالي ومكتب الميزانية في الكونغرس التي ترأس الآن "مشروع هامليتون" التابع لـ"معهد بروكينغز"، إن ذلك لا "يُغيّر فحسب بشكل جذري" فهمنا لسوق العمل في أعقاب الجائحة، بل "ينبغي بالقدر ذاته من الأهمية أن يُغيّر طريقة تفسيرنا لبيانات التوظيف التي ستظهر خلال العام".

إن المكتب الذي لا ينتمي لأي من الحزبين، ويقع في أحد مباني المكاتب القريبة من الكونغرس، يقدم للكونغرس تحليلات من اقتصاديين ومحامين ومن سواهم من الخبراء عن قضايا مثل الضرائب وسياسات الصحة والطاقة والمناخ. عُيّن سواغل، الذي عمل في مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض، كما عمل مساعداً للوزير بوزارة الخزانة خلال إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، لأول مرة في 2019 ثم أُعيد تعيينه مجدداً في 2023 لفترة ثانية مدتها أربع سنوات.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

لم تكن ردود الفعل للتقرير كلها إيجابية. حاجج بعض الساسة من نيويورك وإلينوي وكولورادو بأن الأعداد الكبيرة للمهاجرين الجدد تخلق تحديات في الميزانية، ما يتطلب من الحكومات المحلية أن تعيد التفكير في أولوياتها المالية في خضم ارتفاع الطلب على الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمأوى.

قال سواغل: "طلب بعض صنّاع السياسات منّا أن نتذكر التداعيات المالية على حكومات الولايات والحكومات المحلية".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

قضية مثيرة للجدل

قال آخرون إن الآفاق الاقتصادية المتفائلة قد تتغير فجأة إذا شددت السلطات الرقابة على الحدود. ثمّة معلومات تشير إلى أن عمليات عبور الحدود على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد قد تباطأت هذا العام. تراجع عدد المرات التي عثرت فيها سلطات الهجرة على مهاجرين إلى نحو 190 ألفاً شهرياً خلال فبراير ومارس، أي أقل بكثير من الرقم القياسي الذي فاق 300 ألف في ديسمبر، وفقاً لبيانات حكومية.

لكن في الوقت الحالي، تسلط توقعات مكتب الميزانية في الكونغرس الضوء على ما تُعتبر قضية مثيرة للشقاق إلى حد كبير. بدأت الجهود الاستقصائية في مطلع 2023 فيما كان مكتب الميزانية يجري تحليلاً لمشروع قانون عن الهجرة يدرسه الكونغرس، مما دفع موظفو المكتب للتركيز على بيانات وزارة الأمن الداخلي.

قال ريتشارد ديكاسر، مدير تحليلات الاقتصاد الكلي في مكتب الميزانية: "حين أوضح الموظفون نطاق تأثير الهجرة، كان التفاعل فورياً، وكان رد فعلنا الانبهار. بالنسبة لنا على مستوى المكتب، بدأ ذلك فوراً يجيب على تساؤلات حول أسباب أداء الاقتصاد الجيد في 2023".

تتناقض تلك النبرة الإيجابية بين الاقتصاديين مع النقاش السياسي الذي شابته خلافات حادة عن الهجرة داخل قاعات الكونغرس وفي الحملات الانتخابية.

تسلط استطلاعات الرأي الضوء على قضية الهجرة باعتبارها من بين مخاوف الناخبين الرئيسية قبيل الانتخابات التي ستُعقد في نوفمبر. ذكرت "بلومبرغ نيوز" أن الرئيس جو بايدن يعتزم التوقيع على أمر تنفيذي من شأنه أن يحدّ من أعداد الأشخاص المسموح لهم أن يطلبوا اللجوء، كما تعهد الرئيس السابق دونالد ترمب بتطبيق مزيد من الإجراءات المتشددة، بما فيها عمليات الترحيل الجماعي، إذا أُعيد انتخابه.

نقلة نوعية

رغم أن صنّاع السياسات يستشهدون عادةً بجهود مكتب الميزانية سواء لصالح مقترحات السياسات في الكونغرس أم ضدها، فقد أحدث التحليل الذي أجراه المكتب نقلة نوعية في ذلك الوضع.

قالت جولي توبوليسكي، مديرة وحدة العمل وتأمين الدخل والتحليلات طويلة الأجل في مكتب الميزانية، وهي المجموعة المسؤولة عن دراسة قضية الهجرة: "إن مكتب الميزانية في الكونغرس لا يُعرف بدور حاسم في الأمور. كان الأمر مزعجاً قليلاً، كما أنه دفع الناس للتفكير".

قال كيث هول، الذي يعمل في جامعة جورج مايسون وكان يرأس مكتب الميزانية سابقاً، إن قدرة المكتب على إبداء رأي في مثل هذه القضية المثيرة للجدل تشير إلى عدم تحيزه لأي من الحزبين. واضاف هول أنه لو أحجم المكتب عن نشر النتائج التي توصل إليها، كان ذلك سيعني أنه قد أخفق في مهمته الأساسية، مضيفاً: "عليهم أن يكونوا مستعدين لأن لا يذعنوا لأي ضغط".

في مكتب يزدان بتذكارات تعود للفترة التي قضاها في وزارة الخزانة، بما فيها مجموعة من الدولارات عليها توقيع هانك بولسون، وزير الخزانة الأسبق، وموضوعة في إطار، قال سواغل إن مكتب الميزانية في الكونغرس يأخذ كل الملاحظات التي تصله في الاعتبار.

أضاف: "إن كان لدى الناس انتقادات جوهرية، يمكننا أن نتفاعل معهم وندرس الأمر. إذا تساءل شخص ما: هل ينبغي أن نغلق الحدود أم لا؟ سأقول إن هذا خارج اختصاصي. لديكم تحليلي، ولن أقدم لكم رأيي. لكني سأعبر عن ذلك بطريقة أكثر تهذيباً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك