لقد كان موسم "ليجندري إنترتينمنت" (Legendary Entertainment) حافلاً هذا الربيع، فقد أطلقت شركة إنتاج الأفلام التي تدعمها "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management) في 1 مارس الجزء الثاني من فيلم (Dune) وحقق إيرادات عالمية تداني 700 مليون دولار.
ثم جاء العرض الأول لفيلم (Godzilla x Kong: The New Empire) في 29 مارس ليحصد قرابة 500 مليون دولار أخرى.
موّلت "ليجندري" معظم ميزانية الفيلمين الضخمين المتتاليين، فجعلاها أنجح شركة إنتاج فني في ما مضى من العام، وهي تتفاوض لتصوير أجزاء جديدة من كليهما.
تتربص "أبولو" بغنيمة أكبر، فيما كانت تستمتع بنجاح "ليجندري"، فهي تسعى للاستحواذ على شركة "باراماونت غلوبال" (Paramount Global)، منتجة أفلام (Top Gun) ومسلسل (Yellowstone). كما سلط هذا ضوءاً على مستقبل "ليجندري".
مفاوضات وتفضيلات
عرضت "أبولو" 11 مليار دولار لشراء شركة الإنتاج الفني السينمائي والتليفزيوني "باراماونت بيكتشرز" هذا العام، ثم أتبعته بعرض لشراء مالكتها "باراماونت غلوبال" مقابل 26 مليار دولار. لقيت مبادرات شركة إدارة الأصول دعم اثنين من مساهمي "باراماونت"، وهما مجموعة "بارينغتون كابيتال" (Barington Capital Group) و"ماتريكس أسيت أدفايزرز" (Matrix Asset Advisors).
كما بحثت "أبولو" مع شركة "سوني" التعاون في شراء "باراماونت غلوبال"، برغم أن مثل هذه الصفقة قد تواجه عقبات تنظيمية لأن "سوني" يملكها أجانب. رفض ممثلو "باراماونت غلوبال" و"أبولو" التعليق على الأمر.
لكن شاري ريدستون، المساهمة المسيطرة في "باراماونت غلوبال"، تفضل استحواذاً من شركة "سكاي دانس ميديا" (Skydance Media)، وهو ما قال بعض المستثمرين إنه سيكسبها علاوة إضافية نظير حصتها التي تصاحبها حقوق تصويت ذات أغلبية طاغية على حساب المساهمين العاديين، وهو أمر يرونه مجحفاً.
وافق مجلس إدارة "باراماونت غلوبال" في أبريل على التفاوض الحصري مع "سكاي دانس ميديا"، التي يسيطر عليها ديفيد إليسون، نجل الملياردير لاري إليسون المؤسس المشارك في شركة "أوراكل"، وذلك حتى مطلع مايو على الأقل.
كانت "أبولو"، التي تدير أصولاً حجمها 650 مليار دولار، تخطط لدمج "باراماونت" و"ليجندري" في كيان جديد وأن تستثمر في توسيعه، وهي قد تعود بعرض جديد لشراء "بارامونت غلوبال" عند انقضاء فترة محادثاتها الحصرية مع "سكاي دانس ميديا".
مسار واضح
لكن راهناً، يرسم جوش غرود، رئيس "ليجندري" التنفيذي، مساراً منفصلاً للشركة قد يتضمن صفقات أخرى تمولها "أبولو"، بعدما صار احتمال الاندماج مع "باراموانت غلوبال" معلقاً.
تتمتع "ليجندري" بوضع مالي جيد نسبياً، على عكس نظيراتها الأكبر التي انكشفت على مديونيات كبيرة بعدما خسرت مليارات الدولارات في خدمات البث المباشر ومنها "باراماونت" و"وارنر برذرز ديسكفري"، إذ تملك "ليجندري" 500 مليون دولار نقداً في ميزانيتها العمومية التي تخلو من الديون.
اقرأ أيضاً: هوليوود تعلق آمالاً على (Dune 2) لإحياء الأفلام الجماهيرية
بيّن غرود، الذي انضم إلى الشركة في 2018، أنه يسعى لجمع زخم امتيازات أفلامها وقدرات "أبولو" المالية الكبيرة للاستحواذ على شركات ترفيه أميركية وأوروبية تركز على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والألعاب والذكاء الاصطناعي، في صفقات قد تصل قيمتها مجتمعة إلى عشرات مليارات الدولارات.
قال غرود: "تفهم (أبولو) نشاطنا، فهي تدرك طبيعة مجال الوسائط المتعددة، ولديها رأسمال ترغب باستثماره"، مضيفاً أن كل هذه العوامل رجحت قرار "ليجندري" بجذب شركة إدارة الأصول كمساهمة، دوناً عن منافساتها. تابع: "أردت شركة كبيرة بما يكفي لتمنحنا المصداقية في أي فرصة اندماج واستحواذ".
استحوذت "أبولو" في 2022 على حصة أقلية في "ليجندري" من مجموعة "داليان واندا" (Dalian Wanda Group) مقابل 760 مليون دولار.
عوامل النجاح
على المدى القريب، يركز غرود، الذي ليس لديه سلطة تُذكر في ما يخص عرض "أبولو" لشراء "باراماونت غلوبال" أو مصير الصفقة، على توسيع "ليجندري" فيما تتعافى بعد سنوات معاناة.
حققت الشركة، التي أسسها رجل الأعمال توماس تول عام 2000، نجاحات من تمويل أفلام مثل سلسلة (Batman) للمخرج كريستوفر نولان، وثلاثية (The Hangover)، قبل أن تشتريها مجموعة "داليان واندا" الصينية في 2016.
كانت "ليجندري" قد كافحت لتحقيق الأرباح بعد خسارة إيرادات أفلام رصدت لها ميزانيات ضخمة مثل (The Great Wall)، وهو إنتاج أميركي-صيني مشترك من بطولة مات ديمون، بالإضافة إلى الإخفاق الموجع لفيلم الخيال العلمي (Pacific Rim: Uprising).
عندما أوكلت "داليان واندا" وظيفة الرئيس التنفيذي إلى غرود، المحامي المتخصص بالاندماج والاستحواذ في قطاع الترفيه الذي مثلها في صفقة الاستحواذ على "ليجندري"، كانت الأخيرة تخسر أكثر من 300 مليون دولار سنوياً.
جاء بلوغ "ليجندري" مقدمة الإيرادات في هوليوود هذا العام نتيجة لظرفين، أولهما أن إنتاج منافسيها للأفلام فيما مضى من العام كان ضئيلاً، ولم يكن في معظمه ناجحاً بقدر (Dune) و(Kong)، اللذين وزعتهما "وارنر برذرز".
كان السبب الثاني هو نتائج الاستراتيجية التي تبناها غرود ورئيسة قطاع الإنتاج ماري بارِنت، لترقية "ليجندري" من مجرد ممولة للأفلام والبرامج التلفزيونية إلى شركة إنتاج فني متكاملة تدير عملية صناعة الأفلام بجميع مراحلها بدءاً من السيناريو وحتى عرضها على شاشات السينما. يتيح ذلك لصانعة الأفلام التحكم بما ستنتجه وتنبؤاً أدق بالعائد على الاستثمار. قال غرود: "أصبح لدينا قدر أكبر من التنسيق بين أهداف الجانبين الإبداعي والتجاري للشركة".
خطط الإنتاج
خفض غرود ميزانيات أفلام مثل (Enola Holmes) من "نتفلكس"، وأعاد تركيز إنفاق "ليجندري" على شراء حقوق إنتاج روايات من شأنها تعزيز إيرادات محتلف الأقسام التي لم تكن تعمل دائماً بتناغم.
كانت أفلام (Dune)، المقتبسة من روايات فرانك هربرت، أبرز مثال على ذلك. كما قررت "ليجندري"، بخلاف الأفلام، أن تطرح مسلسلاً بعنوان (Dune: Prophecy) هذا العام على شبكة "ماكس" (Max) للبث عبر الإنترنت، التي تملكها "وارنر برذرز"، وترخيص ألعاب الفيديو القائمة على شخصيات أفلامها لمطورة الألعاب "فَنكوم أوسلو" (Funcom Oslo)، فيما ينشر قسم القصص المصورة التابع للشركة روايات مرتبطة بالأفلام.
كما يشهد عالم "مونستر يونيفرس" (MonsterVerse) السينمائي المشترك، والذي يضم شخصيات "غودزيلا" و"كونغ" لترتيبات مشابهة، عبر خطة لعرض مسلسل تلفزيوني عبر خدمة البث المباشر "أبل تي في+" (+Apple TV) وطرح لعبة إلكترونية للهواتف الذكية هذا العام.
اقرأ أيضاً: "وارنر برذرز" تجري محادثات للاندماج مع "باراماونت غلوبال"
كما أنتجت "ليجندري" فيلماً مستوحى من لعبة الفيديو "ماين كرافت" (Minecraft) تعزم إطلاقه في 2025، بالإضافة إلى جزء جديد من فيلمها (Pokémon: Detective Pikachu)، الذي عُرض في 2019 وزادت إيراداته عن 400 مليون دولار عالمياً.
ستتعاون الشركة أيضاً مع مخرج سلسلة (The Revenant)، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، في فيلم من بطولة توم كروز. كما تخطط لإنتاج جزء ثالث من (Dune)، ولتعاود التعاون مع مخرج تلك الثلاثية، دينيس فيلنوف، لتقديم فيلم مقتبس من الرواية الأكثر مبيعاً للكاتبة آني جاكوبسن (Nuclear War: A Scenario).
على صعيد الإنتاج التلفزيوني، تعتزم "ليجندري" إنتاج مسلسل (Tomb Raider: The Legend of Lara Croft) لصالح منصة "نتفليكس"، ومسلسل (Lazarus) المقتبس من سلسلة كتب مصورة تحمل نفس الاسم لصالح "أمازون برايم فيديو" (Amazon Prime Video).
دور الموزعين
يعتمد نجاح الشركة على قدرة غرود على استدامة تمويل الأفلام الضخمة من جهة، وهو أمر يزداد صعوبة في عصر البث عبر الإنترنت، والإبقاء على علاقات الشركة الجيدة مع الموزعين من جهةٍ أخرى. عندما قررت "وارنر برذرز" في 2021 طرح الأفلام التي تقوم على توزيعها بالتزامن عبر دور العرض وخدمة البث لديها، ومنها إنتاجات "ليجندري"، هددها غرود بإجراءات قانونية. بعد عام، اتفقت "ليجندري" مع "سوني بيكتشرز" (Sony Pictures) لتوزيع معظم أفلامها المقبلة لعدة سنوات.
مع ذلك، يبقى احتمال توتر العلاقات بين داعمي الفيلم وموزعيه مثار قلق. على سبيل المثال، اتجهت شركة "تي إس جي إنترتينمنت" (TSG Entertainment)، ممولة فيلم "أفاتار" (Avatar) وغيره من الأفلام الضخمة، لتسوية قضية مع "والت ديزني" بعدما قاضتها لتحصيل أموال قالت إنها مستحقة من مبيعات خدمات البث عبر الإنترنت والاشتراكات التلفزيونية المدفوعة.
على المقلب الآخر، قد يكون الحفاظ على العلاقات القوية مثمراً، حيث يتمتع إليسون من "سكاي دانس" بعلاقة وثيقة إلى حد ما مع ريدستون بسبب اتفاقيتي تمويل وإنتاج مشترك بين شركتيهما يرجع تاريخهما إلى 2009.
كما مولت "سكاي دانس" جزءاً من ميزانية فيلم (Top Gun: Maverick)، الذي يُعد ثاني أكبر أفلام "باراماونت غلوبال" تاريخياً من حيث الإيرادات بعد (Titanic)، إلى جانب المساعدة في تمويل أفلام (Transformers) الناجحة.
قد يكون لهذا التاريخ دور في إتمام صفقة "سكاي دانس". مع ذلك، لم يدفع هذا الاحتمال غرود للانهزام، فإن لم تحدث صفقة "باراماونت"، سيستغل أموال "أبولو" في استحواذات توازيها طموحاً، لأن "ليجندري" تسعى لترك أكبر بصمة في تاريخ هوليوود.
قال غرود: "توجب علي أن أصلح عمل كل شيء داخل الشركة، لكننا الآن بلغنا موقعاً يمكّننا من مباشرة البحث... يمكنني إبرام قدر لا بأس به من الصفقات عبر ميزانيتي العمومية. لكن ما لا يمكنني فعله عبرها هو الصفقات الضخمة، لذا كان جلب (أبولو) قراراً متعمداً جداً".