توفر الاختبارات الصحية المنزلية مكّن المهووسين بالأمراض من الاطمئنان على صحتهم بسهولة

تنوّع الاختبارات الصحية المنزلية يحوّل الجميع إلى أطباء

أدوات لجمع عينة من اللعاب (البصاق) لأغراض الاختبارات الطبية أو الجينية. - المصدر: بلومبرغ
أدوات لجمع عينة من اللعاب (البصاق) لأغراض الاختبارات الطبية أو الجينية. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Britt Smith

تبدو طاولة مطبخي أشبه بنضد المختبرات الطبية من أن تكون مكاناً لتناول الطعام، إذ تتناثر عليها بطاقات لطخات تحليل الدم وإبر الثقب وأنابيب العينات وأعواد المسحات وأوراق جمع العيّنات التي تصاحب كل رزم الفحوص الطبية المنزلية التي أستعد لأرسالها عبر البريد، لأتأكد من أنني بخير. إننا نعبر بوابة عصر العناية الصحية المنزلية.

أحدثت السنوات الخمس الماضية ثورة في مجال الاختبارات المنزلية، مدفوعةً بهوسنا المستجد بالصحة بعد جائحة كورونا، وبراحة البال التي اكتشفناها في إجراء الاختبارات بأنفسنا.

بيّن استطلاع من شركة "بي آر دونيلي آند صنز" (RR Donnelley & Sons)، إحدى شركات "فورتشن 500" المتخصصة في حلول سلاسل الإمداد، أن الناس باتوا يفضّلون اليوم السهولة والخصوصية التي تجلبها الاختبارات التشخيصية المنزلية. ويُتوقع أن تتجاوز قيمة سوق الاختبارات الطبية الذاتية ملياري دولار بحلول 2025، حسب شركة "كويست دياغنوستيك" (Quest Diagnostics).

أنا امرأة تهتم باللياقة البدنية والمؤشرات الصحية، لكن رغم ذلك فقد أبهرني الطيف الواسع من الاختبارات المتوفرة التي تتيح المراقبة الذاتية والتشخيص، لذا قررت تجربتها جميعاً.

الطرق المستخدمة متباينة ومتنوعة، فمنها أدوات تشبه السجائر الإلكترونية شكلاً، وهي تقيس معدل الأيض، وأجهزة لاستشعار مستوى السكر في الدم تُلصق على ظاهر الذراع.

على سبيل المثال، تحتوي الرزمة الكاملة من شركة "بيس" (Base) مجموعة من اختبارات الدم القادرة على كشف ما يؤثّر على جودة النوم والطاقة والرغبة الجنسية. ابتعت أيضاً اختبار الجهد من شركة "ثورن" (Thorne) الذي يستخدم اللعاب لقياس مدى قدرة الجسد على التعامل مع الشدة.

برغم إمكانية إجراء هذه الاختبارات براحة من داخل مطبخي، إلا أنها تتطلب بعض الجهد. فربما أضطر لقضاء الجزء الأكبر من صباحي وأنا أضغط على أصابعي وأخزها، لكثرة الفحوصات التي أجريها. لذا حين وصلت اختبارات مجموعة (Ultimate) من "إنسايد تراكر" (InsideTracker) شعرت بارتياح لكونها تتطلب خبيراً ليسحب ما يكفي من الدم لملء أنبوبي اختبار، كما يتعين علي الخضوع للفحص مرتين في السنة من أجل تحليل ما يصل إلى 48 مؤشراً حيوياً. وستبيّن النتيجة ما إذا كان عمل قلبي والتوازن الهرموني في جسمي ليس طبيعياً فحسب، بل "ممتازاً".

اقرأ أيضاً: وداعاً زمن الخصوصية.. هكذا يتم استغلال بياناتنا الوراثية تجارياً

تعليقاً على ذلك، قال جيل بلاندر، الطبيب المعروف ببحوثه حول دراسات الشيخوخة: "أصبح المستهلكون اليوم أكثر اطلاعاً وأقدر على التحكم بصحتهم بأنفسهم". أسس بلاندر شركة "إنسايد تراكر" ويشغل منصب رئيس علمائها، وكان قد طرح رزمة تجمع بين (Ultimate) وفحوصات الحمض النووي والعمر الداخلي مقابل 1047 دولاراً، وهي تقيس 261 مؤشراً وراثياً يؤثّر على قدرات الإنسان الرياضية.

استخدام الذكاء الاصطناعي

تقول الشركة المنتجة إن الاختبار يدقّق في 17 مؤشراً محدداً لدى الرجال و13 مؤشراً لدى نساء لاحتساب العمر البيولوجي الحقيقي. تدمج الشركة بياناتك مع المعارف المكتسبة من البحوث العلمية، وتجري تحليلاً للمعلومات الحيوية حتى تقدّم نصائح عن أسلوب الحياة معدةً خصيصاً لك، وهي تتمحور حول التغذية واللياقة البدنية.

قال بلاندر: "يدرك المستثمرون أن المستهلكين يعتبرون الصحة بمثابة الثروة الجديدة، وأن الجائحة حوّلت المنزل إلى مختبر... نرى تهافتاً من المستثمرين نحو التقاطع بين الرعاية الصحية والتقنية الاستهلاكية".

لا تهدف هذه الظاهرة لاكتشاف المرض بقدر ما تسعى إلى تحسين الصحة الجيدة. فاختبارات شركات مثل "إنسايد تراكر" ملائمة لهواة الرياضة وكذلك للرياضيين المحترفين. في عام 2021، تعاونت العداءة الفائزة بالميدالية الأولمبية الفضية شالاين فلاناغان مع "إنسايد تراكر" حين عادت عن تقاعدها لتشارك في أكبر ستة ماراثونات في العالم في غضون سبعة أسابيع، بعد إعادة جدولة السباقات بعد الوباء لتُقام خلال موسم واحد، وقد حققت نتيجة خارقة، حيث بلغ متوسط وقتها 2:38:30.

اقرأ أيضاً: "أسترازينيكا" تدمج الذكاء الاصطناعي في قطاع الأدوية

يتطلب كثير من الاختبارات عدة قطرات دم، إن لم يكن أنبوباً كاملاً، تُرسل إلى المختبر. تقيّم بعدها خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما يجري في جسمك، وتبلغك الشركة المصنّعة للاختبار بالنتيجة، متجنبة استخدام المصطلحات الطبية، حيث تشرح لك النتيجة بمصطلحات مبسطة ومفهومة، وغالباً ما تستخدم تطبيقات حديثة ومواقع إلكترونية.

لا شكّ أن المبالغة في موجة التشخيص الذاتي أمر وارد، فيكفي النظر إلى الهوس بالصور الشعاعية لكامل الجسم خلال العام الماضي للتوصل إلى هذه الخلاصة. في حين أشاد مشاهير ومؤثرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل كيم كاردشيان وزاك بوسن، بفوائد هذه الممارسة، بما أنها تساعد على الكشف المبكر عن الأمراض، ندّد بعض الخبراء والأطباء، ومنهم الجمعية الأميركية لطب الأشعة، بمساوئها لما تحمله من تكاليف، فيما لا تساعد على كشف أمراض محددة، وتتطلب إجراءات ومتابعات غير ضرورية.

أدلة غير حاسمة

قال إليفثيريوس ديامانديس، مدير قسم الكيمياء الحيوية السريرية في مستشفى "ماونت سيناي" في نيويورك وعضو المجلس الاستشاري لشركة "أيماوير" (Imaware)، التي تقدّم اختبارات صحية منزلية دققها أطباء، إن هذه الظاهرة بدأت مع شركة "23 آند مي" (23andMe). فالشركة التي تأسست عام 2006 تجري تحليلات موروثات عبر اللعاب لإعداد تقارير عامة حول مدى احتمال أن يكون الشخص عرضة للإصابة ببعض الأمراض، أما نشاطها العادي فهو تحديد صلات القرابة بين الناس.

في غضون ذلك، تدفع بعض شركات التقنية الحيوية بهذه العلوم نحو مجالات مريبة. تقدم شركة "فيوم لايف ساينس" (Viome Life Sciences) التي جمعت أكثر من 175 مليون دولار، وأبرمت صفقة توسع في مجال البيع بالتجزئة مع شركة "سي في إس" (CVS)، اختباراً استطلاعياً لكامل الجسم يزعم أنه يقيس النبيت الجرثومي الفموي والمعوي من أجل تحديد طيف واسع من الأمراض، بينها التهاب المفاصل والسرطان. (يتطلب اختبار السرطان إرسال عينات عن الدم واللعاب والبراز). إلا أن تيموثي كولفيلد، مسؤول قسم البحوث الكندية في القوانين والسياسات الصحية في "جامعة ألبرتا"، قال في مقابلة مع "بلومبرغ بزنيس ويك" في أكتوبر "قليلة جداً الأدلة التي تدعم استخدام هذه الاختبارات".

اقرأ أيضاً: ينفق مليوني دولار سنوياً على النضارة.. والآن يأخذ من دم ابنه

اختبارات بلا دماء

مع ذلك، بالنسبة للمقتنعين بالاختبارات والراغبين بمواصلة تحسين أدائهم الشخصي، فإن بعض هذه الفحوصات لا تتطلب حتى أي عينات دم.

"ليفيلز" (Levels) مثلاً هو جهاز استشعار يراقب مستوى الغلوكوز، وهو يأتي مع إبرة تُدخل خيط جهاز الاستشعار تحت الجلد، ويبقي الغطاء اللاصق المصاحب للخيط مكانه، من دون أن يتمزق أو يتعرض للبلل. مع الوقت، يمكن للبيانات التي يجمعها أن تقدم لك إرشادات حول طريقة تكييف نظامك الغذائي وعادات نومك حتى تتمتع بمزيد من الطاقة، ويتحسن أداؤك الرياضي ويصبح خصرك أنحل.

هناك اختبار آخر يحمل اسم "لومين" (Lumen)، استخدامه أسهل من ذلك. فبدل اختبار تشخيصي تخضع له مرة واحدة، يقدم هذا الاختبار أداة يومية تساعد على تقييم مدى فعالية عملية الأيض في جسمك. يستخدم دون سالادينو، الذي يدرب مشاهير من أمثال ريان رينولدز وبلايك لايفلي وسيباستيان ستان، هذه الأداة للاطلاع على كيفية إنتاج جسمه للطاقة يومياً، ببساطة من خلال النفخ في هذه الأداة.

قال سالادينو: " يقيس (الاختبار) مستوى ثاني أكسيد الكربون في الزفير، ويبدي ذكاءً إضافياً إذ يبين ما إذا كان ينبغي لك أن تحرق مزيداً من الكربوهيدرات أو الدهون... على المدى الطويل، سيساعد الجسم على إنتاج الطاقة وحرق الدهون والشعور بالشبع".

كما بيّن ديامانديس إن معظم السوق حالياً "مدفوعة بأشخاص يشعرون بالفضول حيال وضعهم الصحي وبالقلقين حيال صحتهم، ممن ينتمون نوعاً ما إلى المهووسين بالأمراض".

[object Promise]
اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك