حين توجب على ديبي ميتنليتر أن تستبدل سيارتها القديمة من "هيونداي" بعدما قطعت أزيد من 300 ألف كيلومتر، قررت أن تنضم إلى مُلاك السيارات الكهربائية. كانت ترى الأضواء مسلطةً على سيارات "تسلا" أينما ذهبت في موطنها سان دييغو، كما كانت ابنتها تملك واحدة منها. شجعها ذلك فحجزت سيارة "تسلا موديل واي" ودفعت 250 دولاراً كدفعة أولى.
ثم بدأت تتحدث مع أصدقائها عن تجاربهم مع السيارات الكهربائية وما واجهوه من صعوبات في العثور على محطات شحن موثوقة. كما أنها لم تستسهل الدخول لتجلس إلى جانب حفيدها في المقعد الخلفي لسيارة ابنتها، وهي "تسلا" من طراز "موديل واي"، إذ قالت ميتنليتر، وهي مساعدة تنفيذية متقاعدة بلغ عمرها 67 عاماً: "كان رأسي يرتطم بالسقف في كل مرة".
لذلك، طالبت باسترداد الدفعة الأولى لشراء سيارة "تسلا"، واتجهت لشراء سيارة دفع رباعي "هيونداي كونا" (Hyundai Kona SUV) من طراز عام 2022، وبها محرك احتراق داخلي تقليدي.
انخفاض الطلب
كانت السيارات الكهربائية تستقطب الاهتمام في عالم السيارات العام الماضي، فبدا أن مستقبلاً كهربائياً بالكامل بات وشيكاً. غير أن شراة السيارات يعيدون النظر اليوم في اقتنائها، ما تسبب بتباطؤ نمو المبيعات وتكدس معظم تلك المركبات لدى الوكلاء. لذا، خفضت شركات صناعة السيارات، التي تستثمر أكثر من 100 مليار دولار على تطوير السيارات الكهربائية خلال هذا العقد، الأسعار ومعدلات الإنتاج وتوقعات الأرباح للمركبات الخضراء الجديدة.
كما ازداد مخزون طرازات السيارات التي تعمل بالبطاريات بأكثر من الضعف لدى كثير من الوكلاء خلال العام الماضي، فبلغ مستوى قياسياً هو واردات 114 يوماً في بداية ديسمبر مقارنةً مع واردات 71 يوماً لصناعة السيارات بأسرها، وفقاً لشركة "كوكس أوتوموتيف" (Cox Automotive) لأبحاث سوق السيارات.
ساءت الأوضاع بشدة لدرجة دفعت مجموعة من وكلاء السيارات تضم نحو 4000 وكيل على مستوى البلاد تطلق على نفسها اسم "صوت عملاء السيارات الكهربائية"، لمخاطبة الرئيس جو بايدن في نوفمبر مطالبةً بكبح الإلزامات الحكومية غير الواقعية بشأن السيارات الكهربائية، إذ إن إدارته ترغب بأن أن تشكل أكثر من نصف إجمالي مبيعات السيارات في الولايات المتحدة بحلول 2030 ارتفاعاً من 7% تقريباً في 2023.
بدلا من ذلك، يتحول شراة السيارات نحو الهجينة منها، التي تعمل بالبنزين والكهرباء والتي ظهرت قبل ربع قرن، ما يجعل الوكلاء يواجهون صعوبة في تعزيز مخزوناتهم منها. لذا، تعمل شركتا "تويوتا" و"فورد موتور" وغيرهما على زيادة إنتاج السيارات الهجينة تلبيةً للطلب المتزايد. في غضون ذلك، تواصل مبيعات السيارات التقليدية، التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، انتعاشها لتبلغ أزيد من 80% من مبيعات السيارات في الولايات المتحدة.
مخاوف المتسوقين
تخلفت الولايات المتحدة عن أوروبا والصين في تبني السيارات الكهربائية، وكان المسؤولون التنفيذيون والسياسيون في مجال صناعة السيارات حريصين على اللحاق بالركب حتى لا تخسر أميركا سباق تقنية النقل. مع ذلك، لا يبدي معظم المستهلكين الأميركيين أي رغبة في تحمل تكاليف تلك الغاية، فالسيارات الكهربائية ما تزال باهظة الثمن بمتوسط سعر بلغ 60544 دولاراً، أي ما يزيد عن ثمن نظيراتها التي تعمل بالبنزين بنحو 13 ألف دولار، وفقاً لموقع "إدموندز" (Edmunds.com) المتخصص في أبحاث سوق السيارات.
كما تفاقمت وطأة هذه الزيادة مع ارتفاع أسعار الفائدة على قروض السيارات. لكن بعيداً عن التكلفة، يرى كثير من المستهلكين أيضاً أن استخدام السيارات الكهربائية به مخاطرة كبيرة عند نفاد الطاقة دون وجود محطة شحن قريبة، وهو تخوف يُعرف في أوساط صناعة السيارات الكهربائية باسم "مخاوف المدى".
خفض إيلون ماسك أسعار سيارات "تسلا" تكراراً في 2023، وأدى ذلك إلى ما وصفه جيم فارلي، الرئيس التنفيذي لشركة "فورد"، بأنه "حرب أسعار" السيارات الكهربائية، التي دفعت شركته وكذلك شركات أخرى إلى تقليص أسعارها. كانت خطوات ماسك قد أبطأت تراجع الحصة السوقية التي أثرت على هوامش الأرباح، لكنها لم توقفه.
قال ميكي أندرسون، وهو موزع سيارات شهد تبدد قوائم انتظار طويلة لشراء السيارات الكهربائية فيما تكدست الطرازات التي تعمل بالبطاريات لدى وكلائه في ولايات أوكلاهوما وكانساس وكولورادو: "لقد تبدلت الأحوال بسرعة كبيرة".
غياب الموثوقية
يعتقد المسؤولون التنفيذيون والمحللون في الصناعة أن المتهافتين على شراء السيارات الكهربائية في البدايه كانوا من الأثرياء الذين يشترون سيارة إضافية لأسرهم بغية امتلاك أحدث التقنيات. قال أندرسون إنه بعد إشباع المستهلكين الأوائل لتلك الرغبات، يرى الشراة الرئيسيون، الذين يعتمدون على سياراتهم كوسيلة تنقل يومي، أن السيارات الكهربائية "أغلى وأقل نفعاً".
أضاف: "يجب أن يكون لدينا شبكة شحن أكثر موثوقية"، مشيراً إلى وجود محطة شحن واحدة على طريق بطول 320 كيلومتر يسلكه أسبوعياً متنقلاً بين مكاتبه في أوماها وكنساس سيتي. لفت أندرسون إلى أنه: "ينبغي أن يثق الناس بأنهم سيتمكنون من اصطحاب أطفالهم إلى الأطباء ومن الذهاب إلى العمل في الوقت المحدد ومن استخدام هذه السيارة خلال العطلات".
ليست شبكة الشحن فقط هي التي لا يمكن الاعتماد عليها، بل إن مشكلات السيارات الكهربائية كانت أكثر بنسبة 80% من نظيراتها ذات محركات الاحتراق الداخلي التقليدية، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته مجلة "كونسيومر ريبورتس" (Consumer Reports). لقد أبلغ مُلاك السيارات الكهربائية عن مشكلات معظمها يتعلق ببطاريات سياراتهم واستجابتها للشحن.
قال جيك فيشر، كبير مديري اختبارات السيارات لدى "كونسيومر ريبورتس": "لا علاقة للأمر بشبكة الشحن المتواجدة على الطريق، ولكن المشكلة تتعلق تحديداً بالسيارات الكهربائية حين لا تقبل الشحن. يبدو الأمر كما لو أنه لا يمكنك ضخ البنزين إلى خزان السيارة، وهذه مشكلة، بل مشكلة كبيرة".
فلسفة الشراء
يساعد هذا في فهم أن أكثر من نصف شراة السيارات الأميركيين باتوا يقولون إنهم لا يرغبون بشراء سيارات كهربائية، مقارنة مع نسبة 42% كانوا قد استبعدوا الطرازات التي تعمل بالبطارية من خياراتهم في 2022، وفقاً لاستبيان من شركة "ستراتيجيك فيجن" (Strategic Vision) لأبحاث السوق شمل ربع مليون من شراة السيارات الأميركيين.
قال ألكسندر إدواردز، رئيس "ستراتيجيك فيجن": "كان هنالك رفض قوي في الأشهر الأخيرة، إذ أكد عدد أكبر من الشراة عدم رغبتهم بشراء سيارة كهربائية على الإطلاق". كما حاجج إدواردز على أنه ما من "طلب حقيقي" على المركبات الكهربائية بسبب ارتفاع أسعارها ومحدوديات شحنها، مبيناً أن "قلة قليلة من الناس قد يرغبون بإنفاق 55 ألف دولار ليتملكهم القلق بعد ذلك".
لكي نكون واضحين، لا يعني ذلك أن الناس سيحجمون تماماً عن شراء السيارات الكهربائية. بل ستواصل مبيعات السيارات التي تعمل بالبطاريات نموها بمعدل أسرع من سوق السيارات بأسره خلال هذا العام، حسبما يتوقع صانعو السيارات والمحللون المستقلون.
مع ذلك، يتعارض مع التفاؤل الشديد بشأن وجود سيارة كهربائية في مرآب كل منزل مع الفلسفة العملية للشراة العاديين، الذين سيتمسكون برحلاتهم التقليدية ومحطات الوقود المألوفة إلى أن يلمسوا انخفاضاً في الأسعار وازدياداً في محطات الشحن على امتداد الطرق التي يسلكونها يومياً، وهما مشكلتان تكرس صناعة السيارات والحكومة الأميركية مليارات الدولارات لحلهما.
قالت ميتنليتر التي اشترت سيارة "هيونداي كونا": "أعلم أن هناك محطة وقود كل بضعة كيلومترات، وأن تموينها بالوقود لن يكون مشكلة أبداً".
انقسام حزبي
كما انتهى الأمر بالسيارات الكهربائية في مرمى احتراب العقائد الثقافية، وهي عقبة أخرى تعيق الطلب. إن السيارات الكهربائية عنصر أساسي في خطط بايدن لمكافحة تغير المناخ، حيث يقدم تشريع خفض التضخم الذي تبناه حزمة من إعفاءات ضريبية للمستهلكين وحوافز للتصنيع بمليارات الدولارات لشحذ الطلب على السيارات الصديقة للبيئة. وقد اقترحت وكالة حماية البيئة الأميركية تحت إدارة بايدن فرض قيود لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي ستتطلب أن يكون ثلثا سيارات الركاب الجديدة كهربائية بالكامل بحلول 2032.
لكن الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يشق لنفسه درباً ليعود إلى البيت الأبيض، وصف خطة بايدن للتحول إلى سيارات كهربائية بالكامل بأنها "خدعة سخيفة"، محذراً من أن السيارات الكهربائية ستقضي على وظائف وتتسبب بتعطيل شركات صناعة السيارات الأميركية.
قال بيل فورد، الرئيس التنفيذي لشركة "فورد" وابن حفيد مؤسسها هنري فورد، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في أكتوبر: "تقول الولايات الزرقاء (الديمقراطية) إن السيارات الكهربائية رائعة ونحن بحاجة إلى اعتمادها في أقرب وقت ممكن لأسباب تتعلق بتغير المناخ. بينما تعتقد بعض الولايات الحمراء (الجمهورية) إن هذا الأمر يشبه مسألة لقاح فيروس كورونا تماماً، وإن الحكومة تحاول إجبارنا على تقبله رغم رفضنا. لم أعتقد مطلقاً أنني سأشهد يوماً تُسيس فيه منتجاتنا إلى هذا الحد، لكن هذا حصل".