ملايين الأميركيين ممن يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يواجهون مشاكل في العثور على أدويتهم

شح عقار لاضطراب فرط الحركة يتفاقم بسبب تقييد إنتاجه

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بدأت متاعب مارك بوشارد في يونيو، فحتى ذلك الوقت، لم يكن أستاذ القانون في جامعة شيكاغو يواجه أي مشاكل في الحصول على "فيفانس" (Vyvanse)، وهو عقار يسيطر على اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. في ذلك الشهر، اتصل بوشارد بثلاثة صيدليات قبل أن يعثر على ذلك الدواء.

أما في يوليو، فقد تطلب الأمر من بوشارد أن يتصل بنحو 12 صيدلية ليعثر على الدواء. وفي أغسطس اضطر لأكثر من 30 اتصال وفي نهاية المطاف حصل على مزيج من أنواع الأقراص ودفع 270 دولاراً، أي ثلاثة أضعاف السعر المعتاد. قال بوشارد: "تتطلب لعبة المكالمات الهاتفية وقتاً أطول كل شهر، وعليّ أن أقنّن استخدام أدويتي لتكفي لمزيد من الأيام".

كما هو حال بوشارد، يواجه ملايين الأميركيين ممن يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عناءً متزايداً في الحصول على أدويتهم. خلال العام الماضي، بدأت "تيفا فارماسيوتيكال إندستريز"، الرائدة في صناعة عقار "أديرال" (Adderall)، تمر بأزمات نقص عزتها الشركة إلى شح في العاملين بالمصانع. في ضوء بحث المشترين عن بدائل، بدأ الدواء يقل لدى الشركات المنافسة أيضاً.

حثت الحكومة الأميركية شركات صناعة الأدوية في يوليو على زيادة الإنتاج، لكن بعض أكبر المصنّعين يقولون إنهم ليس لديهم خطط لتعزيز الإنتاج. قال ريتشارد فرانسيس، رئيس "تيفا" التنفيذي، إن الشركة "تعمل بكامل طاقتها" بعدما حلّت مشاكل العمالة التي واجهتها العام الماضي. أوضح فرانسيس أن زيادة الإنتاج ستتطلب البحث عن مصانع أو مبان أخرى جديدة، لكن شركته رفضت الإفصاح عمّا إذا كانت تفكر بتنفيذ هذا.

حافز ضعيف للإنتاج

كان نقص الدواء مدفوعاً إلى حد كبير بعوامل اقتصادية. إذ إن أغلب أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليست حصرية، ولا تحقق مكاسب كبيرة لشركات صناعة الأدوية، لذا فإن حافز الإبقاء على فائض في القدرة الإنتاجية ضعيف، وحين تحدث مشكلة في أحد المصانع؛ يصعب على المصانع الأخرى أن تغطي نقص الإمداد.

ما يزيد الأمور تعقيداً هو أن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية تحد من كميات أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه التي يمكن لشركات صناعة الأدوية إنتاجها، لكونها من المواد الخاضعة للرقابة، التي تعتبرها الحكومة خطراً لأنها قد تسبب الإدمان وتكون عرضة لسوء الاستعمال. بيّنت بعض شركات صناعة الأدوية أن القيود تجعلها غير قادرة على التعامل مع أزمات النقص كما ينبغي، لكن إدارة مكافحة المخدرات قالت إن القطاع لا ينتج الدواء بالقدر المسموح به.

طلبت كل من إدارة مكافحة المخدرات وإدارة الغذاء والدواء الأميركية في يوليو من شركات صناعة الأدوية، التي تملك طاقات غير مستغلة، إما أن ترفع إنتاجها من الدواء أو تجيّر حصصها لشركات أخرى بإمكانها أن تزيد الإنتاج. رفضت الإدارتان الإفصاح عن الشركات المتخلفة عن الإنتاج.

قالت "نوفارتس" و"تاكيدا فارماسيوتيكال"، اللتان تحتلان المرتبتين الثانية والرابعة على التوالي في إنتاج "أديرال"، إنهما توفيان بحصص الإنتاج. ولم ترد "لانيت" (Lannett)، التي تحتل المرتبة الثالثة، على طلب بالتعليق. فيما قالت "تيفا" إنها تعتزم إنتاج الحصة المخصصة لها لهذا العام. وقد كان ثلثا مبيعات "أديرال" في الولايات المتحدة خلال العام الماضي من نصيب تلك الشركات الأربع.

تفاقم الأزمة

تفاقمت المشاكل بسبب مخاوف من الإفراط في وصف الدواء. أبلغت إدارة مكافحة المخدرات شركات الأدوية التي تصنع "أديرال" أن الزيادة في وصف الدواء للمرضى من جانب شركات ناشئة تقدم خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، مثل "سيريبرال" (Cerebral) و"دَن" (Done)، قد يكون سببه عدم الالتزام بقواعد وصف الأدوية للمرضى، وفقاً لمسؤول رفيع المستوى في الإدارة طلب عدم ذكر اسمه. قالت "سيريبرال" إنها توقفت عن وصف المواد الخاضعة للرقابة للمرضى الجدد في مايو 2022، ولم ترد "دَن" على طلبات بالتعليق.

في 25 أغسطس، وافقت إدارة الغذاء والدواء على نسخة غير حصرية من "فيفانس"، وبدأت شركات صناعة الأدوية تشحنه بعد بضعة أيام من موافقتها، فكان في ذلك عون لأناس مثل بوشارد. لكن تحول مرضى اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عن دواء إلى آخر ليس سهلاً على الدوام، لأن تلك الأدوية تعمل بشكل متباين بعض الشيء.

في أغسطس 2022، نفدت النسخة غير الحصرية من دواء "كونسرتا" (Concerta)، الذي يتناوله كريستيان نا، من الصيدلية التي يتعامل معها. بدأ نا يتناول الأقراص المتبقية لديه مرة كل يومين، لكنه واجه مشاكل في التركيز وتملّكه القلق من أنه قد يفقد وظيفته الجديدة كمحامٍ لدى إحدى النقابات العمالية.

بعد بضعة أسابيع، اختار له طبيبه النفسي دواءً بديلاً على أمل أن يكون العثور عليه أسهل. لكن نا أمضى الشهر التالي يصرَف أسنانه ويجافيه النوم فيما كان يحاول التكيف مع الدواء الجديد. أما الآن، فهو لا يستطيع أن يطمئن لإمكانية العثور على ذلك الدواء.

في وقت ليس ببعيد أمضى نا ساعة يقود سيارته من منزله في ريفرسايد بولاية كاليفورنيا متجهاً إلى صيدلية ذكرت أن لديها الدواء، لكن حين بلغها كان مخزونها قد نفد. قال نا، 38 عاماً: "يبدو الأمر وكأنهم يدفعونني للمشاركة في لعبة بحث عن الدواء".

سبب استمرار النقص

قال بعض الأطباء إن أحد أسباب نقص الدواء قد طال، وهو أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يُعتبر دوماً حالة طبية خطيرة. قال كريغ سيرمان، مدير برنامج البحث والتجارب السريرية لعلاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عند البالغين في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن: "عادةً ما تصاحب تحديات الصحة النفسية وصمة... قد لا يشعر المشرّعون أن هذا أمر يستحق أن يُدرج في برامجهم السياسية".

يتطلب وصف كثير من أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه اشتراطات تتطلب جهداً في التحقق منها، وذلك لأن تلك الأدوية مصنفة كمواد خاضعة للرقابة. كما يحتاج المرضى عادةً وصفات طبية جديدة شهرياً ولا يمكنهم بناء مخزون منها، كما أن الصيدليات تواجه قيوداً في الكمية التي تستطيع أن تطلبها.

ما زاد الطين بلّة هو أنه حتى فترة قريبة، كان يتحتم على المريض أن يحصل على وصفة طبية لشراء الدواء من صيدلية أخرى، إذا لم تكن الصيدلية التي قصدها لديها مخزون من الدواء. منذ أغسطس، سمحت قواعد جديدة للصيدليات بأن تُحوّل الوصفات الطبية إلى صيدليات أخرى دون إذن طبيب، لكن مرة واحدة فقط.

قيود غير عادلة

قال بعض من يعملون في المجال إن القيود تجمع بشكل غير عادل بين أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وأخرى أكثر عرضة بكثير لإساءة الاستعمال، مثل المواد الأفيونية. وجدت دراسة أجراها علماء يعملون في القطاع الحكومي في 2018، ونُشرت في مجلة "أميركان جورنال أوف سايكياتري" (American Journal of Psychiatry) العلمية، أن 2.7% من الأشخاص الذين تناولوا أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه كانوا يعانون من اضطراب تعاطي المنبهات.

قال جيب أوليفر، وهو أخصائي اجتماعي يعيش في مدينة لا غراندي بولاية أوريغون بلغ من العمر 34 عاماً، إنه في "أزمة مستمرة" منذ المرة الأولى التي نفد فيها مخزون "أديرال" من الصيدلية التي يتعامل معها في ديسمبر. رفع أوليفر كمية الكافيين التي يتناولها، وحاول خلال الربيع أن يتحول إلى دواء "فيفانس"، لكن شركة التأمين رفضت أن تغطي تكلفة الدواء ولم يستطع أوليفر أن يتجشم التكلفة، لذا أمضى أوليفر أسابيع وهو يتناول أنصاف جرعات من "أديرال" أو لا يتناوله أصلاً، ما جعله في بعض الأوقات غير قادر على التركيز بما يكفي لإتمام بعض الأعمال المنزلية.

قال: "ليس الأمر كأننا مدمنون نسعى لجرعة مخدر. نحن أناس يحاولون أن يعيشوا حياتهم".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك