تواجه ولاية أيوا الأميركية ما يعتبره المشرّعون والشركات مشكلة صارخة تتمثل في حاجة الولاية لمزيد من الأيدي العاملة، وذلك في ضوء انخفاض معدل البطالة في أيوا عن متوسطه على مستوى البلاد.
وضعت أزمة نقص العمالة تلك بعض المسؤولين والمشرّعين من الجمهوريين في الولاية في مأزق سياسي، إذ ينادي كُثر بضرورة الإصلاح بهدف تخفيف وطأة أزمة التوظيف في الولاية دون الابتعاد كثيراً عن موقف الحزب الوطني من قضية الهجرة.
يُرجح ازدياد صعوبة خلق هذا التوازن، إذ يكثف مرشحو الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية حملاتهم في الولاية قبل استهلال أول مؤتمر حزبي في البلاد يُعقد في أيوا في يناير المقبل، ويعِدُون الناخبين بإحكام السيطرة على الحدود الجنوبية للبلاد. قد تتسبب الرسالة التي ينشرها المرشحون في تعميق الفجوة بين جموع الناخبين الجمهوريين في أيوا، إذ يبحث بعض الجمهوريين التقليديين من المهتمين بمجال الأعمال عن عاملين جدد لتعزيز النمو الاقتصادي، فيما يتبنى آخرون موقف الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يفضل المواطنين على المهاجرين.
تفاعل مايك باوسلوت السيناتور الجمهوري عن ولاية أيوا في بولك كاونتي مع كلا التوجهين حين سُئل عما إذا كان إصلاح سياسات الهجرة مطلوب للتعامل مع أزمة نقص العمالة. قال: "أولاً وقبل كل شيء، نحن بحاجة لتأمين حدودنا. بعد ذلك علينا التأكد من وجود مسار يتيح للناس الهجرة الشرعية ومن أننا نجلب الكفاءات العالية لشغل الوظائف".
توتر متزايد
يسلط مصير مقترح طُرح حديثاً في مبنى المجلس التشريعي بالولاية الضوء على توتر المشرّعين الجمهوريين في ولاية أضحت بشكل متزايد معقلاً لحزبهم. دعم السيناتور جوليان غاريت، الذي يعيش في وارن كاونتي، مشروع قانون يفرض استخدام "إي-فيريفاي" (E-Verify)، وهي منصة تتيح لأصحاب الأعمال التحقق من الوثائق التي يقدمها الموظفون الجدد للتأكد من أنهم مسموح لهم العمل في الولايات المتحدة. توضح الخطة أولوية الحزب الجمهوري الوطني لشن حملة على الهجرة غير الشرعية، وتعكس كذلك قانوناً مشابهاً دخل حيز التطبيق أخيراً في فلوريدا.
تراجع الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة وسط طلب قوي على العمالة
لكن مجموعات محلية تمثل الشركات في أيوا عارضت مشروع القانون. أحد هؤلاء المعارضين هو جو ميرفي، رئيس مجلس الأعمال في أيوا. قال ميرفي إن المطلوب هو تعديل شامل لقوانين الهجرة على المستوى الاتحادي كبديل لقواعد تتفاوت بين ولاية وأخرى. قال: "الأمر يتعلق بأمن الحدود وكذلك (إي-فيريفاي) وحصص التأشيرات والتوسع في التأشيرات.. كل هذه الأشياء في المجمل".
ساعد العمال المولودون خارج البلاد في تخفيف وطأة بعض أزمات نقص العمالة الناتجة عن الجائحة، إذ كانوا وراء 60% من نمو القوى العاملة في البلاد خلال العام الماضي. يمثل المهاجرون إجمالاً ما يقل قليلاً عن واحد من بين كل خمسة عاملين في الولايات المتحدة. لكن تلك النسبة أقل في وسط غرب البلاد، وهي منطقة تشمل ولاية أيوا، إذ تبلغ واحداً من كل عشرة.
الشركات تتأقلم
دفعت صعوبات التعيين في أيوا الشركات في قطاعات الصناعات التحويلية والتجهيزية كثيفة العمالة للتأقلم مع الوضع. رفعت "دي زي" (Dee Zee)، صانعة قطع غيار وكماليات السيارات، رواتبها الأساسية لتزيد قوة العمل لديها التي يبلغ عديدها ألف عامل، ولدى الشركة الآن ما يقرب من 60 وظيفة شاغرة. قالت كيري ماينور، مديرة قسم الموارد البشرية لدى "دي زي"، التي تملك سبع منشآت تصنيع في أنحاء الولاية: "لدينا بالفعل حملة مركزة للموارد البشرية بسبب النقص الذي نواجهه في الأيدي العاملة".
النساء يقتحمن سوق قطاع البناء بدعم من نقص العمالة
قد يعتمد نجاح "دي زي" على قدرتها على التوصل إلى العمال من المولودين في الخارج. تُعتبر اللغة الإنجليزية لغة ثانية لأغلبية العاملين، ووظفت الشركة مهاجرين ولاجئين من مناطق مثل أفغانستان وفيتنام. قالت أميلا سيسربيغوفيتش، وهي موظفة في "دي زي" انتقلت من البوسنة والهرسك إلى الولايات المتحدة في 2002: "أنت تأتي إلى هنا ولا تملك شيئاً سوى تلك الأمتعة التي تحملها. لذا تكون مستعداً نوعاً ما لتبدأ العمل فوراً وتحقق شيئاً لأبنائك. الحمد لله أن ابن عمي سمع عن هذه الشركة".
النظام القديم
كانت أغلب تعيينات "دي زي" فيما مضى تأتي عبر ترشيحات الأقارب أو تناقل خبر وجود شواغر، وستستمر بذلك. يعكس هذا النهج بالتقريب نظام اتحادي للهجرة يعطي أولوية للأقارب ولم يتغير كثيراً منذ 1990.
قالت تيريزا كاردينال براون، كبيرة المستشارين لشؤون الهجرة وسياسات الحدود في "بايبارتيزان بوليسي سنتر" (Bipartisan Policy Center): "ليس للهيكل الاتحادي للهجرة الشرعية صلة بالطلب على العمالة". جاء حديث براون في سياق الإشارة إلى الحدود القصوى السنوية لأعداد البطاقات الخضراء التي يمكن إصدارها وإلى أن نصيب الأسد يذهب لأقارب أناس من حاملي البطاقات الخضراء وليس للمتقدمين للحصول عليها تحت رعاية صاحب العمل.
شركات أميركية تركز على خفض التكاليف والعمالة لا النمو
كوّنت شركة "تايسون فودز" (Tyson Foods)، التي تملك ثمان منشآت في أيوا ولديها احتياج مستمر للعمالة في قطاع تجهيز اللحوم، قوة عمل في الولايات المتحدة تضم 42 ألف مهاجر ولاجئ من 160 دولة، ويعمل 11 ألفاً منهم في أيوا. قال غاريت دولان، المدير الأول للمسؤولية الاجتماعية للشركات في "تايسون فودز": "نحن نبلغ الحكومة طوال الوقت أننا نحتاج مزيداً من العاملين، نحن في حاجة إليهم في هذا المجال، وهذه هي المهارات التي نبحث عنها".
دعت "تايسون" لجهود تشريعية تتناول الإصلاح الشامل لسياسات الهجرة، كما أنها شريكة مع "إميغرانت كونكشن" (Immigrant Connection)، وهي منظمة غير هادفة للربح تتيح للعاملين إمكانية الحصول على خدمات الهجرة الشرعية. عملت الشركة أيضاً على توفير دروس للعاملين بها في اللغة الإنجليزية ومحو الأمية المالية والتدريب، بل وحتى الدراسة الجامعية مجاناً. قال دولان: "المهاجرون واللاجئون هم أحد المصادر المعدودة المتاحة لزيادة أعداد العاملين على الجبهة الأمامية".
جهود محدودة
بالنسبة لأصحاب العمل، فإنّ الحاجة للتوظيف لا ترتبط بتعيين مزيد من العاملين لزيادة الإنتاج فحسب. تلقت شركة "وايلر برودكتس" (Weiler Products)، المختصة بتصنيع معدات الرصف في نوكسفيل بولاية أيوا، تمويلاً من هيئة التنمية الاقتصادية في الولاية من أجل توسعات جديدة في مصنعها. يتوقف حصول الشركة على إعفاء من سداد القرض على إضافة عدد معين من الوظائف، وهذا ليس سهلاً في ظل أزمة نقص الأيدي العاملة.
هل يوشك الجمهوريون والشركات الكبرى على الانفصال؟
تيفاني أودونيل التي تنتمي للحزب الجمهوري وهي عمدة مدينة سيدار رابيدز، أكبر مركز لتصنيع منتجات الذرة في العالم، تصف نظام الهجرة بأنه "معطوب". قالت: "يمكننا إرسال رجل إلى القمر، لكننا لا نستطيع اكتشاف طريقة لتوصيل شخص في أميركا الوسطى بآلاف الوظائف الموجودة في هذه الولاية".
لكن مجال حركة المسؤولين في هذا الشأن محدود على المستوى الإقليمي، نظراً لأن السلطات الاتحادية هي المعنية بتحديد قواعد الهجرة. قال رجل الأعمال، بوب سكوت، الذي يشغل منصب عمدة سيوكس سيتي منذ فترة طويلة ولا ينتمي لأي من الحزبين، إنه حاول تشجيع اتخاذ خطوات في الكونغرس: "حين تحدث مع أعضاء الكونغرس، أخبرهم أن القوى العاملة تمثل مشكلة وأن الهجرة أحد الحلول التي يحتاجون للعمل عليها".
لكن ثقة سكوت في أن الكونغرس سيسن قوانين بهدف إصلاح نظام الهجرة محدودة، رغم ما يرى أنه سبب وجيه لانخراط الحزبين في العمل معاً. قال سكوت: "يود حزب أن يحصل على الأصوات ويريد الآخر القوى العاملة، ويبدو أنه يمكن التوصل لإجماع على حل وسط لحل تلك المشاكل".
مقاومة متوقعة
دعوات التحرك ستواجه مزيداً من المقاومة مع اقتراب الانتخابات في 2024 والتزام المسؤولين بنقاط الحوار الخاصة بالحزب الوطني. في معرض ولاية أيوا خلال الأسبوع الماضي، حاجج بعض الناخبين الذين قد يدلوا بأصواتهم أن السياسات ينبغي أن تعمل على جذب مزيد من الأميركيين إلى القوى العاملة بدلاً من التوسع في نظام الهجرة.
قالت في سِل، وهي ربة منزل تعيش في سيدار فالز بولاية أيوا وتبلغ من العمر 63 عاماً، إنها قلقة بشأن أزمة نقص العمالة في الولاية، لكن لا ترى أن تبنّي فكرة فتح الحدود هي الحل السليم. أضافت: "الهجرة هي الهجرة، والقوى العاملة هي القوى العاملة. عليك أن تقول لمواطنيك إن عليهم الذهاب للعمل".
قال وايد ستاينليج، وهو مساعد مدير رياضي في كلية من مدينة أوسكلوسا: "ما لدينا ليس نقصاً في العمالة، بل انعدام الرغبة في الحصول على وظيفة".