الاندفاعة نحو المركبات الكهربائية تمهد لتكافؤ الفرص بين الشركات الأجنبية والمحلية في الصين

مصنعو السيارات الكهربائية الصينيون يهددون عرش "فولكس واجن"

سيارات كهربائية داخل مصنع "فولكس واجن" الذي تشغله شريكتها المحلية "إس إيه آي سي موتور" في شنغهاي، في الصيف الماضي - المصدر: بلومبرغ
سيارات كهربائية داخل مصنع "فولكس واجن" الذي تشغله شريكتها المحلية "إس إيه آي سي موتور" في شنغهاي، في الصيف الماضي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حين افتتحت شركة "فولكس واجن" (Volkswagen) مصنعها الأول في الصين قبل أربعة عقود، كانت المنافسة شبه معدومة.

كانت شركة "جيب" (Jeep) قد دخلت السوق الصينية لتوّها، فيما التفت عدد صغير فقط من الشركات المحلية، مثل "فيرست أوتو ووركس" (First Auto Works) و"سكند أوتو ووركس" (Second Auto Works) المتخصصتين في صناعة الشاحنات والحافلات الثقيلة إلى صناعة ناقلات ركاب موجّهة للطبقة الكادحة، مثل مركبات "إيست ويند" (East Wind) و"ريد فلاغ" (Red Flag).

بالتالي؛ أصبحت "سانتانا" (Santana) من "فولكس واجن"، وهي سيارة "سيدان" تصميمها أشبه بصندوق بلا رفاهيات تستند إلى نسخة مبكرة من "باسات" (Passat)، وسيلة النقل المفضلة لرؤساء الشركات الطموحين والقادة السياسيين، ثم بعد ذلك للطبقة الوسطى المتنامية.

سُرعان ما أصبحت الشركة الألمانية العلامة التجارية الرائدة في الصين، فقد أسهمت عملياتها بالبلاد، في بعض السنوات، في تحقيق إيراداتها العالمية.

شأنها شأن العلامات التجارية الأجنبية الأخرى، تعيّن على "فولكس واجن" الدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء محليين، بحيث تكون هذه المشروعات المتحكمة الرسمية في التشغيل، وهي استراتيجية تهدف إلى نقل مهارات التصميم والهندسة والتسويق إلى الشركات المحلية. (لدى "فولكس واجن" اليوم ثلاث مشروعات مشتركة في كلٍ من شنغهاي وجيلين وآنهوي).

أثبت أولئك الشركاء وأيضاً الشركات الجديدة التي أسسها أشخاص عملوا لدى تلك الشركات الشريكة أنَّهم تلامذة نجيبون جداً. اليوم، تستحوذ شركات صناعة السيارات المحلية في الصين على نصف السوق، مقارنة بربعها في 2008.

تراجعت مبيعات "فولكس واجن" بأكثر من 10% هذا العام وحده بعدما كانت قد انخفضت من 4.2 مليون سيارة في 2019 لتصل إلى 3.2 مليون سيارة العام الماضي. قال أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لـ"فولكس واجن"، خلال استعراض أرباح الشركة في مارس: "التقدم التقني الذي أُحرز في ذلك البلد رائع حقاً، وهو ما يشكّل تحدياً كبيراً".

"فولكس واجن" تتوقع تسارع نمو سوق السيارات الصينية بعد ربع عام صعب

منافسة محلية

تتسارع وتيرة هذه الظاهرة في ظل النمو السريع للسيارات العاملة على البطاريات، إذ تتجه المركبات الكهربائية والهجينة العاملة بالكهرباء لتشكّل حوالي 40% من السيارات المصنوعة في الصين خلال 2023.

يمنح هذا الواقع ميزة لشركة "بي واي دي" (BYD)، وهي أكبر شركة تصنّع سيارات كهربائية في الصين، التي تفوقت مبيعاتها من سيارات الركاب خلال الربع الأول من العام على "فولكس واجن".

تضاعفت أرباح "بي واي دي"، المدعومة من وارن بافيت، أكثر من خمس مرات العام الماضي، لتصل إلى 2.4 مليار دولار، وتتجه الشركة لتصبح العلامة التجارية الرائدة للسيارات في الصين بحلول ديسمبر، فتطيح بـعرش الصدارة الذي تربعت عليه "فولكس واجن" طوال عقدين.

زار بلوم معرض شنغهاي للسيارات، الذي افتُتح في 18 أبريل، في رحلته الثالثة إلى الصين منذ توليه دفة القيادة في "فولكس واجن" في سبتمبر. هذه المرة، يصطحب معه مجلس إدارة الشركة ليعرّفه بشكل أفضل على التحديات التي تواجهها "فولكس واجن" في أكبر أسواقها.

تقول شركة صناعة السيارات إنَّها تقدم في المعرض 20 مركبة كهربائية تنتمي إلى علاماتها التجارية المختلفة، وتسلّط الضوء على الشراكات التي تهدف إلى إنتاج سيارات مصمّمة خصيصاً للصين. السيارة "آي دي.7" (ID.7) الكهربائية بالكامل هي نجمة التشكيلة التي تطرحها "فولكس واجن" بالمعرض، وهي سيارة ركاب تهدف لاستقطاب العملاء الصينيين ممن تروق لهم السيارات الفسيحة.

في جناح منفصل، تقدّم "بورشه" المنتمية إلى مجموعة "فولكس واجن" للمرّة الأولى النسخة المطوّرة من سيارتها "كايين" الرياضية متعددة الأغراض العاملة بمحرّك احتراق داخلي، إذ لا يتوقَّع طرح النسخة العاملة كلياً على الكهرباء قبل 2026.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

دفعة حكومية

في حين تخلّف المصنّعون الصينيون إلى حد كبير عن نظرائهم الأجانب من حيث بيع السيارات العاملة بالبنزين؛ فإنَّ الحكومة أعطت دفعة لشركات السيارات الكهربائية المحلية من خلال منح المستهلكين حوافز لشراء هذه السيارات.

استفادت من هذه المبادرة كلٌ من "بي واي دي" و"نيو" (Nio) و"جيلي" (Geely)، بالإضافة إلى شركات مثل "سي إيه تي إل" (CATL)، وهو الاسم المختصر لشركة "كونتمبورري أمبريكس تكنولوجي" Contemporary Amperex Technology)، التي تعدّ أكبر شركة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية على مستوى العالم، فضلاً عن مجموعة "نينغبو توبو" (Ningbo Tuopu Group)، التي صنّعت مكونات لـ"تسلا" (Tesla)، وتقدّم خدماتها حالياً لعشرات العملاء.

قال فيليب هوشوا، المحلل في شركة "جيفريز" (Jefferies): "تهدف الاندفاعة الصينية نحو المركبات الكهربائية إلى التوصّل نحو تكافؤ للفرص بين الشركات التي تهيمن حالياً على القطاع والشركات الصينية".

تتنافس "فولكس واجن" على نحو متزايد مع شركات ترتبط معها بشراكات. فقد تعاونت شركة "إس إيه آي سي موتور" (SAIC Motor)، الشريكة لـ"فولكس واجن" في شنغهاي، مع شركة التجزئة عبر الإنترنت العملاقة "علي بابا" لتأسيس شركة "آي إم موتور" (IM Motor) المتخصصة بالسيارات الكهربائية.

تقول الشركة إنَّها تمكّنت من طرح طرازها الأول "إل 7 إس يو في" (L7 SUV)، في السوق في أقل من عامين، وهو أقل بكثير من نصف الوقت الذي استغرقته "فولكس واجن" لبدء إنتاج سيارتها الكهربائية "آي دي.3" (ID.3). قال رالف براندستاتير، الرئيس التنفيذي لـ"فولكس واجن" في الصين، في فبراير: "علينا أن نصبح أسرع. السوق تتطلب السرعة".

ساعدت الكوادر المتزايدة من مهندسي البرمجيات في الصين المنافسين المحليين على التفوق على "فولكس واجن" في مجال التقنيات الواعدة. إذ تركز شركة "شاوبنغ" (Xpeng) على خصائص القيادة الذاتية التي تقول إنَّها تتفوق على سيارات "تسلا" عند السير على الطرقات في الصين.

تتميز سيارات الكوبيه والسيدان والسيارات الرياضية متعددة الأغراض التي تنتجها شركة "نيو" بأنَّها مزوّدة بروبوت على لوحة القيادة يُدعى "نومي" (Nomi) بصورة وجه رسوم متحركة يمكن برمجته لتوفير سبل الترفيه للأطفال في المقعد الخلفي من خلال تعبيرات التلويح والغمز والضحك. كما يمكن للوالدين استخدام هذا البرنامج من أجل ضبط درجة الحرارة أو فتح النوافذ عبر إعطاء أوامر صوتية.

"فولكس واجن" تتوقع تحديات متزايدة خلال 2023 بسبب التضخم والأزمة

تفوّق تقني

واجهت "فولكس واجن" شكاوى بسبب بعض المشاكل في خاصية الاتصال وأخرى تتعلق بالشاشات التي تصبح داكنة فجأة، وهي مشكلات تقر الشركة بحدوثها، وتوضح أنَّها تعمل على إصلاحها.

قالت جينغ يانغ، مديرة الأبحاث في مؤسسة "فيتش للتصنيف الائتماني" في شنغهاي: "يرى الناس أنَّ العلامات التجارية الصينية تتمتع بالأفضلية التقنية". أضافت يانغ، التي تملك سيارة طراز "مرسيدس-بنز" بمحرك احتراق، أنَّها قد تشتري سيارة كهربائية، وتميل تحديداً إلى علامة تجارية محلية لأنَّها توفر ميزات قيادة ذاتية ممتازة.

حظيت شركات صناعة السيارات المحلية الصاعدة بدعم عمالقة التقنية في الصين، الذين تجاوزت استثماراتهم الإجمالية 19 مليار دولار، من خلال توفير تقنيات مرتبطة بالسيارات منذ 2021.

تعمل شركة "هواوي تكنولوجيز" (Huawei Technologies) لصناعة أجهزة الاتصالات مع محرك البحث الرائد "بايدو" (Baidu) على تطوير أدوات القيادة الذاتية، وما يسمى بميزات المقصورة الذكية التي تركز على سلامة وراحة السائق والركاب. من جهتها، تطوّر شركة "شاومي" (Xiaomi) العملاقة لصناعة الهواتف الذكية سيارتها الخاصة، وتتوقَّع أن تبدأ الإنتاج على نطاق واسع في العام المقبل.

تسعى "فولكس واجن" لمواجهة هذه المنافسة من خلال زيادة قدرتها الإنتاجية من المركبات الكهربائية في الصين بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى مليون سيارة سنوياً بحلول منتصف العقد.

تقول الشركة إنَّها تخطط لإطلاق ستة نماذج لسيارات كهربائية بالكامل في البلاد بحلول 2025، وتتوقَّع أن يكون لديها أكثر من 30 نموذجاً بحلول نهاية العقد. تعكف وحدة البرمجيات "كارياد" (Cariad)، التابعة لها على تأسيس شراكة مع شركة البرمجيات المحلية "ثندرسوفت" (ThunderSoft) لتطوير التجهيزات داخل السيارة، مثل أنظمة الترفيه، كما تعمل على تطوير تقنية القيادة الذاتية مع شركة في بكين اسمها "هورايزون روبوتيكس تكنولوجي آر آند دي" (Horizon Robotics Technology R&D). كانت شركة صناعة السيارات قد أعلنت في أكتوبر أنَّها ستستثمر 2.4 مليار يورو (2.6 مليار دولار) في مشروع مشترك مع "هورايزون" لصناعة أشباه موصلات ستصبح العمود الفقري لمثل هذه الأنظمة.

قال يوخن سيبرت من شركة الاستشارات "جيه إس سي أوتوموتيف" (JSC Automotive) في شنغهاي إنَّ على "فولكس واجن" إعادة توجيه عملياتها في الصين بشكل كبير نحو المركبات الكهربائية من خلال إنتاج نماذج تحظى بشعبية تضاهي شعبية السيارات العاملة على محركات الاحتراق الذاتي.

لم يكن هذا سهلاً فيما مضى، وقد تفاقمت صعوبته مع ازدياد قوة المنافسين المحليين وقدرتهم على تصنيع سيارات أفضل من أي وقت مضى. لكنَّ الأموال الوفيرة التي في متناول "فولكس واجن" وحجمها الهائل يعني أنَّها قادرة على تحقيق هذا التحول، بحسب سيبرت، الذي أضاف: "مرّت (فولكس واجن) بأوقات عصيبة من قبل. ومن وجهة نظر تاريخية؛ هي تعرف كيف تتخطاها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك