كان العام الماضي الأفضل منذ طول أمد على فئة مستثمرين تُسمى "منتقي الأسهم"، فقد تفوق أداء عدد كبير من مديري صناديق الاستثمار المشتركة النشطين على أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" لأنهم انتقوا أسهماً ليستثمروا فيها بدل اعتماد مؤشر ليتتبعوه.
قياس الأداء النسبي لمديري الصناديق أعقد مما يبدو، لذا لم تكتمل البيانات وما يزال يتعين على خبراء الأرقام أن يقرروا كيفية مقارنة كل صندوق بالمؤشر الموازي له بانصاف. لكن الدلائل الأولية تشير بتقدم مجموعة رئيسية من منتقي الأسهم.
تفوق 62% من الصناديق النشطة التي تركز على أسهم شركات كبرى، وهي تضم مزيجاً من أسهم النمو والقيمة، على مؤشرات السوق، وفق تحليل من "ستراتيغاس سيكيوريتيز" لاستشارات الأوراق المالية. كانت تلك أكبر نسبة تقدم لمحافظ نشطة منذ 2005.
كما أظهر تحليل أجرته "إس آند بي داو جونز إنديسز"، التي تقدم سجلاً يجذب اهتماماً واسعاً لأداء صناديق الاستثمار نشطة الإدارة مقارنةً مع تلك الخاملة، أن زهاء نصف النطاق الأوسع الذي يضم الصناديق النشطة ذات رؤوس الأموال الضخمة تفَوّق على مستوياته المرجعية خلال نصف 2022 الأول مقارنة بوسطيه طويل الإمد الذي يبلغ 35% فقط.
ما تزال الأرقام النهائية لعام 2022 قيد الدراسة، لكن كريغ لازارا، مدير إدارة المنتجات الأساسية لدى "إس آند بي داو جونز إندايسز"، قال: "إذا أتت نتائج العام بأكمله على هذا النحو، فلن يكون ذلك مستغرباً".
لقد خسر معظم مديري الصناديق أموالاً، لكن كثيراً منهم وجدوا سبلاً لتخفيف الأضرار على الأقل في ظل تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بما يقرب من 20% خلال العام الماضي.
تفاوت الرسوم
يبدو هذا التطور وكأنما يأتي تأكيداً لجملة التسويق المفضلة لدى شركات الصناديق التي تقول بأن الإدارة النشطة تظهر في عصيب الأوقات. حتى أن بيرتون مالكيل، وهو أستاذ فخري يدرس الاقتصاد بجامعة برينستون، وقد أَلّف كتاب "نزهة عشوائية في وول ستريت" وأيّد الاستثمار في صناديق المؤشرات على مدى 50 عاماً، يقر بأن "الصناديق النشطة يميل أداؤها للضعف في الأسواق الأدنى تراجعاً".
لكن سوق الأسهم شهدت أعوام ازدهار أكثر من سنين الهبوط، لذا كانت فترات تميّز المديرين النشطين معدودة وقصيرة. قال لازارا: "على مدى 21 عاماً لدينا بياناتها، تفوق غالبية مديري صناديق رؤوس الأموال الكبيرة على (ستاندرد آند بورز) في ثلاثة أعوام، أخيرها كان 2009".
لا يعزى ذلك بالضرورة لتقصير من مديري الصناديق النشطة. بل ربما يتعلق أكثر برسوم صناديق الاستثمار، حيث تتقاضى صناديق الأسهم النشطة رسوماً قياسية تبلغ 0.63% من الأصول سنوياً مقارنةً مع 0.08% لصناديق المؤشرات، فيقلل ذلك العوائد. لذا يجب أن يكون أداء الأسهم أعلى من المتوسط قبل اقتطاع الرسوم، ليكون هناك فرصة لتحصيل عائدات متوسطة على الأقل.
مع ذلك يجد المستثمرون المحترفون أنفسهم أحياناً في وضع مواتٍ للاستفادة من توجّه جديد في أوقات الاضطرابات. تمثلت أبسط طريقة لجني الأرباح خلال العقد الصعودي الذي سبق 2022 في مواصلة اقتناء الأسهم الرابحة عينها، وهو ما تفعله صناديق المؤشرات تلقائياً.
لكن العام الماضي شهد تحولاً مفاجئاً من حال إلى نقيضه في اتجاه السوق: من الصعود إلى الهبوط ومن الاستحواذ على أسهم شركات لديها إمكانات نمو وتحظى بتقييم مرتفع، إلى الأسهم منخفضة القيمة.
قال سكوت أوبسال، مدير الأبحاث لدى "ليوثولد غروب" لأبحاث الاستثمار: "بشكل أساسي، تُحابي الفترة المؤدية إلى فقاعات في قيّم الأسهم الاستثمار الخامل، بينما يعزز انهيار تلك الفقاعات الاستثمار النشط".
عوامل مؤسسية
شكلت أكبر خمس شركات من حيث القيمة السوقية 25% تقريباً من مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في أغسطس 2020، وهو أكبر تكتل للشركات الكبرى عند القمة منذ 1980 على الأقل، وفقاً لبيانات "غولدمان ساكس".
استمر ذلك إلى أن عصف بمستثمري صناديق المؤشرات في 2022 حين تراجعت أسهم شركات التقنية الكبرى،، التي غالباً ما تصدرت المؤشرات بقوة خلال العام الماضي ومنها "أمازون" و"مايكروسوفت" و"تسلا".
كانت الصناديق النشطة أقل تعرضاً لهذه الشركات في الغالب. لقد جاء في تقرير "ستراتيغاس سيكيوريتيز" أن :"حقيقة أن عديداً من المديرين لا يُضَمِّنوا محافظهم نفس الوزن النسبي لأسهم أكبر خمس شركات، كما في مؤشر (ستاندرد آند بورز)، حفزت أداء محافظهم الاستثمارية" في 2022.
قد يرجع ذلك إلى حكمة المديرين جزئياً، لكن عوامل مؤسسية ساهمت بذلك أيضاً. على سبيل المثال، يحدد عديد من الصناديق النشطة نسبة الأصول التي يمكن الاحتفاظ بها في سهم أو قطاع واحد، لذا لا يمكنها تقليد تركيبة المؤشر الذي يهيمن عليه عدد قليل من الأسهم حتى لو كانت تشاء ذلك.
حتى الصناديق التي تضم مزيجاً واسعاً من الأسهم، لربما مالت نمطياً للاستثمار في أسهم القيمة، فساعدها ذلك على الازدهار حين هوت أسهم عمالقة التقنية. قال ويليام بيرنستين، الكاتب بمجال الاستثمار والمؤسس المشارك في "إيفيشنت فرونتيير أدفايزرز" لخدمات إدارة الاستثمار: "حين يتحدث معظم الناس عن صناديق المؤشرات، فإنهم يفكرون في (ستاندرد آند بورز 500) أو المؤشر الكلي لسوق الأسهم".
يحظى بعض المديرين النشطين بفرصة أفضل ليتفوق أداؤهم على هذين المؤشرين الرئيسيين في سنوات الأداء الأفضل لأسهم القيمة. لكن يمكن قول ذلك نفسه عن عديد من صناديق المؤشرات التي تتعقب أسهم القيمة.
على سبيل المثال، انخفض صندوق المؤشرات المتداول "فانغارد فاليو" 2% فقط خلال العام الماضي. يتتبع هذا الصندوق مؤشراً يضم نحو 350 سهماً رخيصاً نسبةً لأرباح أو مبيعات أو أصول شركاتها، كما أنه يدرج "بيركشاير هاثاواي" باعتبارها أكبر الشركات القابضة في محفظته الاستثمارية.
سيولة كافية
قال مالكيل إن السبب الآخر وراء تفوق أداء الصناديق النشطة على صناديق المؤشرات الخاملة عند تحول السوق يتعلق بالاحتياطيات النقدية. تحتفظ كل من الصناديق النشطة وصناديق المؤشرات بالسيولة النقدية في متناول اليد لتلبية طلبات العملاء باسترداد قيمة استثماراتهم.
لكن عادةً ما تعوّل صناديق المؤشرات على العقود الآجلة بغية الإبقاء على الصندوق مستثمراً برمته في جميع الأوقات بغرض تتبع مؤشراتها بدقة. بالتالي، تعصف السوق الهابطة بكامل صندوق المؤشر، فيما يتراجع 95% فقط من قيمة المحفظة الاستثمارية للصندوق النشط إذا كان يحتفظ بما نسبته 5% نقداً.
قدم برايان أرمور، رئيس قطاع استراتيجيات الاستثمار الخامل لدى شركة "مورنينغ ستار" بأمريكا الشمالية، مثالاً على كيفية تأثير هذا الفرق النقدي على صندوق نشط للاستثمار في الأسهم تشكل السيولة النقدية 3% من محفظته مقارنةً بصندوق الوسائط المتعددة المُدرج بوصفه صندوقاً خاملاً يحتفظ بسيولة تقدر بـ0.19% من قيمته.
لقد خسر مؤشر "راسل 1000" الذي يضم أسهم أكبر الشركات حوالي 19% في 2022، بينما حصل المديرون النشطون على نصف نقطة مئوية إضافية من الأداء بفضل حيازتهم للنقد. يكاد ذلك يكفي لمحو العبء الناجم عن الرسوم القياسية للصناديق. قال أرمور: "هذه ميزة كبيرة لا يرجح إسنادها لمهارة مدير الصندوق".
ماذا عن العام المقبل؟
حتى إن كنت تعتقد بأرجحية تكرار التميّز الذي حققته الصناديق النشطة كمجموعة خلال العام الماضي، فستواجه سؤالاً آخر: كيف تختار الصندوق الذي يرجح تفوقه؟
قال لازارا من "إس آند بي داو جونز إندايسز": "عندما تجد أداء أحد مديري الصناديق أعلى من المتوسط في عام معين، فإن ذلك لا ينبيء بأن أدائه سيكون أعلى من المتوسط في العام الذي يليه".
يرى مدير إدارة المنتجات الأساسية لدى "إس آند بي داو جونز إندايسز" في البيانات حجةً للتمسك بالمؤشرات، لكن "ستراتيغاس سيكيوريتيز" استخلصت عبرة مختلفة من أرقامها. يشير تقرير شركة أبحاث الاستثمار إلى أن 2022 كان أفضل عام منذ 2010 بالنسبة لمؤشر يستثمر في جميع الأسهم بالتساوي عند مقارنته بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الذي يُصنف ثقل الأسهم استناداً للقيم السوقية.
بعبارة أخرى، كان أداء عدد كبير من الأسهم أفضل من أداء أسهم أكبر الشركات وأكثرها تداولاً. حدث أمر مشابه في أعقاب فقاعة "الدوت كوم"، حيث تحاجج "ستراتيغاس سيكيوريتيز" بأنه مع انحسار الوباء وارتفاع أسعار الفائدة، قد يكون لدى منتقي الأسهم فرصة أفضل للتفوق مع ابتعاد السوق عن الاستراتيجيات التي نجحت في الماضي القريب.
هنالك استخلاص أولي من هذا، وهو أن المؤشر البسيط والمباشر الذي يبدو عادياً مثل "ستاندرد آند بورز 500" ما يزال محفوفاً بالمخاطر، وأن اختيار الاستثمار اعتماداً على المؤشرات لن يكون آخر قراراتك المهمة المتعلقة بمحفظتك.
يمكن للمستثمرين الذين يجدون صندوق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أكثر تقلباً، أو يركز على النمو بأكثر مما يرغبون، البحث عن صناديق خاملة تجنح إلى القيمة، وهي ما تزال تتمتع بميزة انخفاض رسومها مقارنة بنظيرتها النشطة.
كما يمكن الاتجاه لصناديق تستثمر بعدد متساو من الأسهم، أو تعتمد أوزان الأسهم في محفظتها على عوامل مثل السعر، أو توزيعات الأرباح، أو تناسق الأرباح بدلاً من حجم شركاتها الضخم، إلى جانب الصناديق التي تتعقب الأسهم المسعرة على وجه التحديد.
ربما يدرس أيضاً كل من صُدم برؤية صندوق المؤشر الخاص به يخسر 20% تخفيض وزن الأسهم في محفظته بعض الشيء بشكل عام.
لا تتفوق صناديق المؤشرات دائماً، لكنها ببساطة تتمتع بفرص أفضل في معظم الأوقات. قد يكون هذا كافياً حتى في الأسواق المتقلبة إن كان لديك أيضاً خطة مستدامة لتوزيع الاستثمار عبر أنواع الأصول.