بقلم: Max Chafkin
لدى انهيار مجموعة "إف تي إكس" (FTX) في منتصف نوفمبر، وقعت عينا إيلون ماسك على منشور يتناول موضوع العملات المشفرة جاء فيه: "كما قلت من قبل، لا تراهن بمزرعتك على العملات المشفرة!" وحثّ المنشور روّاد الأعمال على خلق "قيمة حقيقية" عبر التركيز على "إخوانهم من البشر". أيّد ماسك المنشور، وغرد معلقاً عليه: "بالضبط".
طريقة التفاعل المفضّلة لدى ماسك، حاله في ذلك حال عديد من مستخدمي "تويتر"، هي التعليق على التغريدات. تحصد ردوده على بعض المتحمسين لـ"تسلا" والمؤمنين بنظريات المؤامرة تفاعلاً كبيراً، نظراً لعدد متابعيه الهائل البالغ أكثر من 118 مليوناً. لكن في تلك التغريدة، كان ماسك في الواقع يعلّق على مقولته. ناشر هذه الحكمة بشأن العملات المشفرة هو حساب يحمل اسم "ماسك يونيفرسيتي" (Musk University)، الذي يعد بـ"نشر نور الوعي وحمايته" عن طريق مشاركة اقتباسات منقولة عن ماسك.
يُبدي ماسك إعجابه بهذا الحساب، وكثيراً ما يغرّد موافقاً على منشوراته ومنشورات حسابات أخرى مشابهة مثل "حكمة ماسك" (Elon’s Wisdom) و"اقتباسات إيلون ماسك" (Elon Musk Quotes).
تقديس مقولاته
اتفق ماسك مع نفسه أكثر من 12 مرة في الأشهر الماضية، فقد أبدى تأييده لأفكاره الخاصة حول موضوعات متنوعة تراوحت بين من روعة قطاع الصناعة إلى فلسفة ماسك في الإدارة، التي يمكن اختصارها باضطراره لأداء المهام الصعبة بنفسه لعدم وجود شخص بمثل كفاءته. يُبدي ماسك أيضاً إعجابه بتغريدات محبيه الذين يتناولون اقتباساته كما لو أنها عبارات مقدسة.
ربما أمكن اعتبار نزعة ماسك للتواصل مع حسابات الاقتباسات على "تويتر"، التي أقرّ بعبثيتها في تغريدة لاحقة، على أنها من باب المزاح لو أن إنشاؤه لغرفة الصدى هذه لم لم يدفع "تويتر" نحو التدمير الذاتي. يبدو ماسك منذ استحوذ على الشركة في 27 أكتوبر أكثر اهتماماً باتباع أهواء متابعيه، وخاصة المؤثرين اليمينيين، أكثر من اهتمامه بإدارة "تويتر" بطريقة مسؤولة.
ظهر ذلك أخيراً حين أحال قرار رفع الحظر عن حساب الرئيس السابق دونالد ترمب ليقرره استطلاع رأي على "تويتر". هذا مستغرب لأن ماسك نفسه تذمّر مراراً من أن قاعدة مستخدمي "تويتر" تضم كماً كبيراً من الروبوتات، وهو ما لم يقدّم عليه دليلاً. كان ماسك قد وعد بإيلاء القرارات المتعلقة بحظر الحسابات لمجلس يشرف على المحتوى.
ماسك يُعيد ترمب للتغريد على "تويتر"
عندما لم يغرد ترمب على الفور، نشر ماسك ميم قارن فيه منصته على وسائل التواصل الاجتماعي بمخدر مسبب للإدمان. حين أدرك أن هذه المقارنة قد تكون مسيئة، أو لأنه حزن حين قاوم ترمب إغراء العودة للتغريد، حذف المنشور واستبدله بآخر مسيء للمرأة.
فوضى الثمانية دولارات
انزعج المعلنون، أو من تبقى منهم، من المنشور على الأرجح، لكنه ربما لم يفاجئهم بشدة بعد مزاح ماسك حول تصرفات جنسية وحديثه عن نظريات المؤامرة في الأسابيع الماضية. يبدو ماسك مستمتعاً بمشهد إنفاق 44 مليار دولار على شراء شركة ثمّ تركها تحترق بينما تفاخر أخيراً قائلاً: "تويتر ماتزال حية".
وسط كل ذلك، كان يسهل نسيان أن استحواذ ماسك على "تويتر" صُوّر في الأصل على أنه يهدف لمكافحة القرارات المتقلبة والمتحيزة المتعلقة بالإشراف على المحتوى. إذ كان ماسك مستاءً بشكل خاص من حظر الموقع الإلكتروني الساخر "بابيلون بي" (Babylon Bee). الغريب أن ماسك المعروف عنه حبه للكوميديا الساخرة، بدا في بعض الأحيان مفتقداً لروح الفكاهة إلى جانب افتقاره للفاعلية.
إنفوغراف: كم سيحصد ماسك من حسابات "تويتر" الموثّقة؟
لعل أكثر الأحداث التي حصلت خلال الفترة الوجيزة التي أمضاها ماسك على رأس "تويتر" تسلية كان لدى إعلانه خطة فرض رسم قدزه 8 دولارات شهرياً على المستخدمين مقابل "توثيق" حساباتهم. تسبب ذلك في انتشار حسابات "موثقة" تنتحل شخصيته هو على سبيل السخرية منه. كان من منتحلي شخصيته الممثلة الكوميدية كاثي غريفين ولاعب كرة القدم الأميركية السابق كريس كلوي، الذي غرد منتحلاً شخصية ماسك ليقول إنه "يستمتع" بشرب كوب ساخن من سائل مقزز.
مسألة شخصية
أزعج ذلك ماسك، فعمد لاختلاق قواعد جديدة وحظر حسابات كلوي وغريفين وغيرهما. أوضح أنه بغض النظر عن السياسة المتبعة، فإن مشاعره حيال هذه المسألة هي ذات طابع شخصي. علّق ماسك ساخراً بأن حساب غريفين حُظر "لأنها انتحلت شخصية كوميدية"، وقد أُعيد حسابها لاحقاً.
"تويتر" تحظر انتحال الهوية غير المصنف بأنه محاكاة ساخرة
كما بدأ ماسك بطرد الموظفين الذين انتقدوه علناً رغم أن عديد منسوبي شركته كان قد تقلّص أصلاً. كما طلب من مساعديه البحث في رسائل "سلاك" (Slack) القديمة للكشف عن أي شخص لم يكن مؤيداً له بشكل كاف في رسائله الخاصة، وصرفهم أيضاً من العمل، وفقاً لنشرة أخبار "بلاتفورمر" وصحيفة "نيويورك تايمز". خضع من استمروا في وظائفهم لاختبار ولاء غريب، حيث أجبروا على الاختيار بين الطرد (والحصول على حزمة إنهاء الخدمة لمدة ثلاثة أشهر) أو الضغط على زرّ للموافقة على أن يكونوا "شديدي التفاني".
نسبة كبيرة من الموظفين المتبقين البالغ عددهم نحو 4000 موظف، وأغلبهم من المهندسين أصحاب المهارات العالية الذين لن يصعب عليهم العثور على وظائف جديدة لا تتطلب تعرضهم لطقوس إذلال مستمرة في شركة لا ينحصر هدفها في مساعدة أغنى رجل في العالم على سداد دين بقيمة 13 مليار دولار ، قرروا أنهم في الواقع ليسوا متفانين للغاية.
ماسك ينُهي العمل عن بُعد في أول بريد إلكتروني لموظفي "تويتر"
رئيس جديد
أدى ذلك إلى فوضى عارمة، حيث توقفت بطاقات مرور الموظفين عن العمل، وخسرت بعض الفرق كافة موظفيها. تعامل ماسك مع المسألة كعادته منذ بدء قيادته المدمرة للشركة، فاعتبرها مزحة مضحكة، مشاركاً تغريدات لميم تصوّر مراسم جنازة وألقى مزيداً من النكات البذيئة.
أشار ماسك إلى احتمال أن يعيّن رئيساً تنفيذياً لقيادة "تويتر" في نهاية المطاف. قد تكون هذه الخطوة تغييراً ضرورياً إذا ما أراد الحفاظ على ما تبقى من استثماره. فربما تساعد على إعادة المعلنين وتحدّ من مخاوف مساهمي "تسلا"، التي انخفض سهمها بنحو 25% منذ إبرام صفقة الاستحواذ على "تويتر".
يمكن لماسك أن يحاول أيضاً ولو بشكل عابر على الأقل الاستماع لأراء خارجية، وإن كان ذلك أقرب إلى فكرة نظرية غير قابلة للتحقق. برغم أن "تويتر" تبدو على شفير الانهيار وعلى أبواب أزمة أعمق، يواصل ماسك الاستماع لنفس ناشري الميم والمؤثرين على الإنترنت، الذين أوقعوه في هذه الفوضى من الأساس.
خلال الأيام القليلة الماضية، تجادل ماسك مع ترينت ريزنور، عضو فرقة "إن آي إن" (NIN) الذي ينتقد "تويتر"، وتحاور مع حساب "كاتورد" (Catturd) اليميني الساخر، كما رحب بعودة نجم غناء شعبي مُعادٍ للسامية، وضغط على الإعجاب باقتباس ربما يتضح أنه تنبؤي منقول عن رائد الأعمال المفضل لديه: إيلون ماسك بالطبع، ومن سواه؟ جاء في الاقتباس": "انسوا الموضوع، لا أحد يهتم". قد يكون هذا أفضل توصيف لحال "تويتر" تحت قيادة ماسك.