الرحلات المستأجرة غير المرخصة تعرض الركاب لخطر الحوادث فيما زاد أمان السفر الجوي

حوادث قاتلة تسلط الضوء على مخاطر رحلات الطائرات المستأجرة

صورة تعبيرية لطائرة خاصة - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية لطائرة خاصة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يخفي بريق سوق الرحلات الجوية المستأجرة جانباً مظلماً، إذ يعمد بعض المشغلين إلى الادخار في الإنفاق على إجراءات السلامة فيعرضون الركاب للخطر ويزيدون تعرض الشركات لمجهر رقابة الهيئات الناظمة الأميركية.

سافر كثير من الركاب البارزين في السنوات الأخيرة في رحلات مستأجرة زُعِمَ أنها خالفت القوانين الناظمة للسفر الجوي على متن طائرات خاصة، بينهم النجم السينمائي جيمي فوكس والمنتج الهوليوودي بيتر غوبر وفرق من دوري البيسبول للمحترفين ودوري الهوكي الوطني، بالإضافة إلى حاكمة إحدى الولايات، حسب ما وجدت "بلومبرغ نيوز" بعد مراجعة آلاف صفحات السجلات الحكومية وبعد مقابلات مع أكثر من عشرين طياراً ومسؤولين في القطاع وأعضاء في الهيئات الناظمة الأميركية. لم يُجِب أي من المسافرين عن أسئلة "بلومبرغ" حول رحلاتهم.

لا غيوم اقتصادية.. مبيعات الطائرات الخاصة تحلق في سماء صافية

تشير حوادث التحطم القاتلة وازدياد قضايا الإنفاذ والتبليغات عبر هاتف للشكاوى في القطاع، وكذلك إفادات المشغلين الشرعيين، إلى تفاقم المشكلة، فيما انخفض عدد حوادث التحطم في الرحلات الشرعية إلى أدنى مستوى له في التاريخ. دفع تعرقل السفر على متن رحلات تشغلها شركات الطيران في ظلّ وباء كورونا بالمسافرين إلى البحث عن بدائل يسهل العثور عليها بفضل تطبيقات الهاتف التي تجعل حجز رحلة على متن طائرة خاصة أمراً في منتهى البساطة. لكن تصعب مراقبة الجانب الخفي لعالم الطائرات الخاصة، حسب السجلات الحكومية والمسؤولين في القطاع. كما بدأ بعض المسافرين أيضاً يدقون ناقوس الخطر.

كانت مارسي ويلهيلم على متن رحلة مستأجرة غير مرخصة تحطمت في 2018 بعد فترة قصيرة من بيعها شركة الرعاية الصحية التي شاركت في تأسيسها مقابل 195 مليون دولار. قالت: "هناك فرص وحوافز كثيرة ليحتال الأشخاص على النظام ويسلكوا الطريق المختصر".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

رخص ناقصة

قالت ويلهيلم في أول مقابلة معها منذ الحادث إنها كانت على متن طائرة مسـتأجرة متجهة إلى نانتوكيت برفقة زوجها السابق ستيف روز، وقد خططا للتوقف في كارولاينا الجنوبية لاصطحاب أصدقائهما. لكن اتضح أن الطائرة الخاصة من نوع "داسو أفيايشن فالكون 50" (Dassault Aviation Falcon 50) التي استقلاها كانت متأخرة عن عشرات إجراءات الصيانة الروتينية ومكابحها معطلة ولا يفترض أن تكون في الخدمة، حسب المحققين وسجلات المحكمة. تحطمت الطائرة قرب مدرج المطار وأصيب كلّ من ويلهيلم وروز بجروح بالغة، فيما تُوفي الطياران اللذان لم يستوفيا الرخص اللازمة.

كان أحد الطيارين مالك الشركة، وقد تنازل أبناؤه عن رخصتها الصادرة عن إدارة الطيران الفيدرالية بعد ذلك بأيام.

سجلت إدارة الطيران الفيدرالية ارتفاعاً كبيراً في الإجراءات القضائية الرامية إلى معاقبة المشغلين على خلفية عدم التزامهم الإجراءات القانونية وإجراءات السلامة الأساسية لحماية الركاب الذين يسافرون مقابل مبالغ مالية، وفق ما ينصّ عليه القانون الفيدرالي. منذ بدأت الإدارة تكثّف تحقيقاتها في 2018 بطلب من قطاع النقل الجوي، وجّهت تهماً فيدرالية بتشغيل طائرات مستأجرة بشكل غير شرعي في 24 قضية، وطالبت بفرض غرامات تبلغ قيمتها أكثر من 21 مليون دولار.

نموّ مبيعات "إيرباص" من طائرات رجال الأعمال رغم الحرب وإغلاقات الصين

سُجلت 15 من هذه القضايا منذ 2021، ما يجعلها واحدة من فئات المخالفات الأكثر شيوعاً في قطاع الطيران في الولايات المتحدة. بالمقارنة، لم تسجّل إلا أربع حالات مماثلة بلغ إجمالي الغرامات المفروضة فيها 427700 دولار بين عامَي 2015 و2017.

أحالت إدارة الطيران الفيدرالية بعض القضايا إلى القضاء الجنائي. على سبيل المثال، أقرّ رجل في فلوريدا في 2018 بأنه مذنب لقيامه بمئات الرحلات غير الشرعية إلى جزر باهاما وغيرها من الوجهات، وحُكِم عليه بالسجن سبع سنوات.

ضبابية الرؤية

بيّن بعض المشغلين الشرعيين أن قضايا الإنفاذ والملاحقات القضائية ما هي إلا غيض من فيض النشاط الخفي لقطاع الرحلات المستأجرة. قال ستيفن نوتو، مدير عام شركة "سكاي واي أفياشن سيرفيسز" (Skyway Aviation Services)، ومقرّها في تامبا بولاية فلوريدا: "هذه الأمور تحصل دائماً". قال نوتو إنه يتحقق من معلومات تسجيل الطائرات ويتحدث مع ركاب يستقلون رحلات غير مرتبطة بشركته، وغالباً ما يرصد أنشطة مشبوهة.

يرى البعض أن عمليات الإنفاذ لا تسهم في إحداث ما يكفي من الفرق، فيما يقرّ كثيرون بأن إدارة الطيران الفيدرالية تواجه عراقيل كبيرة في تحديد المخالفين واتخاذ إجراءات بحقهم.

قال جيم هينسلي، صاحب شركة "أميركا جيت شارتر" (America Jet Charter) في بيثاني في أوكلاهوما، وهو من أشد منتقدي الرحلات المستأجرة التي لا تلتزم المعايير الفيدرالية: "إدارة الطيران الفيدرالية لا تخيف أولئك الأشخاص".

القواعد بسيطة، في حال دفع الراكب أكثر من جزء صغير من تكلفة الرحلة الجوية، يتعين أن يكون المشغل مرخصاً بوصفه ناقلاً جوياً لدى إدارة الطيران الفيدرالية. لكن لا توجد طريقة سهلة لتحديد الطرف الذي يشغل الطائرة الخاصة.

لا يُلزَم الطيارون دائماً إبلاغ إدارة الطيران الفيدرالية عن هدف الرحلة. يمكن لطائرة خاصة تنقل الركاب أن تكون مملوكة ومشغلة من جهة خاصة، أو تكون طائرة مستأجرة أو رحلة مستأجرة، وهي كلها قانونية، إلا أن الرحلات التي تُدفع فيها الأموال دون أن تكون حاصلة على الموافقات من إدارة الطيران الفيدرالية قد تبدو مطابقة للرحلات الشرعية.

قال جي إي موردوك، كبير الاستشاريين السابق لإدارة الطيران الفيدرالية: "لا المراقبون الجويون ولا مفتشو معايير الطيران يعرفون... هذا غير مفهوم بدهياً: يمكنني أن أعير سيارتي من أشاء، فلِمَ لا أستطيع أن أعير طائرتي؟".

تغاضٍ عن المعايير

لسوء الفهم هذا تبعات كبرى، فتشغيل الرحلات المستأجرة غير الشرعية تغاضى عن معايير الصيانة التي تفرضها إدارة الطيران الفيدرالية وعن تدريب الطيارين وفحوصاتهم والقيود المفروضة لضمان عدم إرهاقهم، إضافة إلى اختبارات المخدرات والكحول ومعايير السلامة المتعلقة بطول المدرجات وتقارير الأرصاد الجوية، حسب ما أشار إليه تقرير رفعته الإدارة إلى الكونغرس العام الماضي.

قال جون ماكغراو، مدير الشؤون التنظيمية في الرابطة الوطنية للنقل الجوي، وهي الاتحاد التجاري الممثل لشركات الرحلات الجوية المستأجرة في الولايات المتحدة: "احتمال تعرضها لحادث مرتفع جداً بالمقارنة مع أنواع أخرى من الطيران التجاري".

رغم عدم وجود إحصائيات شاملة حول حوادث السلامة المرتبطة بالرحلات المستأجرة، فإنّ المستندات الفيدرالية التي راجعتها "بلومبرغ" تشير إلى تفاصيل بعض الحوادث المحددة.

أظهرت سجلات المجلس الوطني لسلامة النقل الصادرة في أغسطس أن الطائرة التي كانت تقلّ رجال أعمال من إنديانا إلى ميشيغان وتحطمت في 3 أكتوبر 2019 كانت في رحلة مستأجرة غير مرخصة. لقي خمسة من ستة ركاب كانوا على متنها مصرعهم بعدما ارتكب الطيار أخطاء بدهية، بما فيها تحميل الطائرة فوق طاقتها، حسب ما توصل إليه المحققون.

تطرح الرحلات المستأجرة غير المرخصة بشكل صحيح مشكلة خارج الولايات المتحدة أيضاً، حسب جمعيات ناشطة في القطاع. كانت رابطة الرحلات المستأجرة في المملكة المتحدة قد طالبت بتشديد تنفيذ القوانين. قال 90% من أعضاء رابطة الطيران الآسيوي الخاص في هونغ كونغ في استطلاع صدر العام الماضي إنّ الوكالات الحكومية لا تبذل ما يكفي من الجهد لمكافحة هذه المسألة.

لقي نجم كرة القدم الأرجنتيني إيميليانو سالا الذي يلعب في أوروبا مصرعه في 2019 حين تحطمت طائرة الرحلة المستأجرة غير المرخصة التي كان على متنها في القناة الإنجليزية. كان طيار غير مؤهل للتحليق في الظلام وفي الظروف الجوية السيئة يقود الطائرة، وهي من نوع "ماليبو" متوسطة الحجم مِن صُنع شركة "بايبر إيركرفت"، حسب ما توصل إليه المحققون البريطانيون، وقد حُكم على الشخص الإنجليزي الذي رتب الرحلة بالسجن.

تحليق أكثر أماناً

رغم إزعاجات السفر في رحلات تابعة لشركات الطيران العادية بسبب طوابير التفتيش الأمني الطويلة والطائرات المكتظة، فإنها تخضع لتدقيق عالٍ من إدارة الطيران الفيدرالية للتأكد من التزامها معايير السلامة، ما أسهم بخفض معدل حوادث التحطم بشدة. عالجت شركات الطيران الكبرى أكثر من 90% من المخاطر في العقود الأخيرة.

يمكن للمشغلين أن يقدموا أسعاراً أدنى بكثير من المشغلين الشرعيين من خلال التغاضي عن معايير السلامة الفيدرالية، كما يتجنبون دفع ضريبة الإنتاج الفيدرالية البالغة 7.5% على الرحلات المستأجرة.

قال نوتو من فلوريدا: "يستحيل التنافس على صعيد السعر عندما لا يكون الجميع على قدم المساواة... يمكنهم تقديم منتج منافس أو مشابه بنصف السعر. إذا لم يحصل أي أمر سيئ لن يعرف أحد أن الأمر كان غير شرعي".

يرتبط سعر استئجار طائرة خاصة مرخصة بحجم الطائرة ومسافة الرحلة. تتراوح تكلفة رحلة ذهاباً وإياباً بين نيويورك ولوس أنجلوس مثلاً بين 40 و70 ألف دولار.

ينشط نحو ألفَي شركة مشغلة للرحلات المستأجرة في الولايات المتحدة، تتراوح بين شركات متخصصة بنقل الركاب لمشاهدة المناظر الطبيعية في غراند كانيون، وكبرى شركات تشغيل الطائرات الخاصة، حسب بيانات إدارة الطيران الفيدرالية. نحو 4400 من طائراتها هي طائرات نفاثة أو توربينية قادرة على نقل مجموعات لمسافات طويلة.

لكن ثمة عدد أكبر من الطائرات في الولايات المتحدة تملكها جهات خاصة ويتجاوز عددها 25 ألفاً، حسب إدارة الطيران الفيدرالية، ما يوفر مجموعة جاهزة من الطائرات التي يمكن استخدامها لنقل الركاب بشكل غير شرعي.

قال كبير الاستشاريين في إدارة الطيران الفيدرالية مارك نيكولس، في أغسطس في ندوة عبر الإنترنت، للوسطاء في مجال الرحلات المستأجرة الذي يرتبون الرحلات: "نحتاج إلى مساعدة الجميع في كشف هذا النشاط والإبلاغ عنه والقضاء عليه أينما ومتى نجده أو نشك بوجوده".

طيارون غير مؤهلين

تشير موجة القضايا الأخيرة التي تناولت عديداً من المخالفين الذين سبق تورطهم في قضايا سابقة إلى أن بعض المشغلين على استعداد لدفع الغرامات أو يعتقدون أن لديهم فرصة جيدة بألا يكشفهم المحققون.

قالت إدارة الطيران الفيدرالية إن شركة في بيفرلي هيلز في كاليفورنيا غير مرخصة للقيام برحلات مستأجرة تجارية استخدمت طيارين غير مؤهلين وقامت بعشرات الرحلات في العقد الماضي. لقد نقلت شركة "ستيل أفيايشن" (Steele Aviation) النجم السينمائي فوكس والمنتج الهوليوودي غوبر، وهو المالك الشريك لفريق كرة السلة "غولدن ستايت ووريرز" (Golden State Warriors)، حسب أشخاص مطلعين على الشركة. تصادف عديد من رحلات غوبر مع مباريات فريق "ووريرز" على أرضه في أوكلاند في كاليفورنيا، حسب السجلات.

تلقت "ستيل أفيايشن" ثلاثة إنذارات منفصلة من وكالة الطيران الفيدرالية على خلفية تشغيلها رحلات غير شرعية، ووصل إجمالي الغرامات المفروضة عليها 1.3 مليون دولار. وكان مالك الشركة نيكولاس ستيل قد أقلّ أيضاً مئات المرات شخصاً أُدين في قضية احتيال فيدرالية، وكان غالباً ما يتقاضى منه "الأموال نقداً محزومة برباط مطاطي"، حسب قاضٍ في محكمة مقاطعة أميركية في 2021 أيد نتيجة محاكمة الرجل.

لم يعُد موقع "ستيل أفيايشن" الإلكتروني نشطاً فيما كانت أرقام الهاتف المدرجة للشركة معطلة. قال المحامي الذي سبق أن مثل الشركة، إيريك بينساموشان، إنها لا تريد التعليق.

كما لم يستجب فوكس وغوبر لرسائل عديدة طلباً للتعليق. كذلك لم يُجِب مكتب حاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر عن أسئلة حول الأسباب التي دفعتها إلى استئجار رحلة إلى فلوريدا من مشغل غير مرخص العام الماضي، وما إذا كانت تعرف أنها غير مرخصة.

كانت مجموعة مشار إليها باسم "عائلة دولان/كايبل فيجن" استقلّت رحلة على متن طائرة "بوينغ كو 737-400" إلى غراند كانيون في ديسمبر 2013 وعادوا في يناير 2014، حسب سجلات إدارة الطيران الفيدرالية التي حصلت عليها "بلومبرغ". استُخدمت الطائرة نفسها لاحقاً في 2018 لنقل فريق البيسبول في دوري المحترفين "كليفلاند إنديانز" الذي تغيَّر اسمه اليوم إلى الـ"غارديانز".

تبيّن السجلات أن الشركة التي شغلت الرحلات "براديغم اير أوبيرايتروز" (Paradigm Air Operators) لم تكن مرخصة بشكل صحيح وأُجبرت في 2020 على التوقف عن العمل، إلا أن محامية "براديغم" كاثلين يوديس قالت إنّ الشركة نفت اتهامات إدارة الطيران الفسدرالية وإنها كانت تعمل وفق معايير السلامة.

لم يستجب فريق "غارديانز" الدي يملكه جزئياً فرع من عائلة دولان لطلبات التعليق. كانت شركة "كايبل فيجن سيستمز" (Cablevision Systems) التي أسسها الملياردير شارل ف. دولان قد بيعت إلى "ألتيس" (Altice) في 2016.

قال كاميلو بيلتران، الرئيس التنفيذي لشركة وساطة الرحلات المستأجرة "فيدا جيتس" (Vida Jets) في بوكا راتون في فلوريدا: "الزبون لا يهمه إلا السعر".

أثر بالغ

قالت ويلهيلم التي توصلت إلى اتفاق تسوية عقب حادث التحطم يقيّد قدرتها على الحديث بشأن القضية إنها لم تكن تعرف شيئاً عن الأخطار المحتملة حين بدأت وروز يستأجران رحلات جوية عبر شركة "إير أميريكا فلايت سيرفيسز" (Air America Flight Services).

حين لامست الطائرة المدرج، أدرك الطياران أن ثمة خللاً خطيراً. سأل الطيار الرئيسي جون كاسويل: "أين المكابح؟! أين المكابح؟!"، حسب سجلات الصندوق الأسوَد لقمرة القيادة. انطلقت الطائرة بسرعة على المدرج وانحرفت عن حاجز وتحطمت إلى عدّة أجزاء. فقدت ويلهيلم الوعي وهي لا تزال مربوطة بحزام مقعدها. قالت: "استيقظت وقد كان وجهي إلى الأسفل".

كان للحادث تأثير بالغ على حياتها، فقد خضعت لـ11 عملية جراحية واستقالت من منصبها بوصفها رئيسة للشركة التي كانت باعتها للتوّ إلى "إيه إم إن للخدمات الصحية" (AMN Healthcare Services)، فهي فقذت قدرتها على التعامل مع المصاعب التي تتطلبها قيادة الشركات، كما انفصلت عن روز.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك