أصبحت البكتيريا منيعة باضطراد إزاء المضادات الحيوية فقلّلت الأدوية المناسبة لمواجهة الخارق من أنواعها. هناك بضع عشرات فقط من المرضى يخضعون لتجارب سريرية، فيما تقتل فيه العدوى التي تؤثر بها العلاجات الحالية أكثر من 1.2 مليون شخص سنوياً. تكمن المشكلة في أن تكلفة تطوير مضاد حيوي قد تبلغ 1.5 مليار دولار، ولا يرى صانعو الأدوية عائداً كافياً منها.
تستعد إنجلترا، بعد ثلاث سنوات من إعلانها استراتيجية لتعزيز الاستثمار بالمضادات الحيوية، لتمويل اثنين من الأدوية الجديدة عبر تقديم رسوم سنوية ثابتة للشركات، بغض النظر عن كثرة أو ندرة استخدامها. تخطط هيئة الخدمة الصحية الوطنية لدفع ما يصل إلى 10 ملايين جنيه إسترليني (12.6 مليون دولار) سنوياً، أو 100 مليون جنيه إسترليني على مدى عقد لكل عقار. اختتمت مجموعة استشارية حكومية في أبريل مراجعة تؤكد فوائد اثنين من الأدوية من شركتي "فايزر" (Pfizer) و"شيونوغي آند كو" (Shionogi & Co)، ما يمهد الطريق أمام هيئة الخدمة الصحية الوطنية للتعاقد مع هذه الشركات. قال ديفيد غلوفر، مساعد رئيس تحليل الأدوية في هيئة الخدمة الصحية الوطنية: "هناك نية للمضي قُدماً في أسرع وقت ممكن".
لكن نظراً لأن المملكة المتحدة لا تمثل سوى 3% من السوق العالمية للمضادات الحيوية، ينبغي على مزيد من الحكومات تقديم التزامات مماثلة لمنح الشركات حافزاً كافياً لتطوير دواء جديد. يرجح أن يكلف مثل هذا الجهد عالمياً أزيد من 3 مليارات دولار على مدى عقد، وفقاً لمؤسسة "كارب إكس" (CARB-X) غير الربحية في جامعة "بوسطن" التي تستثمر في مطوري المضادات الحيوية. قال باتريك هولمز، الذي يقود سياسات العلم والابتكار لدى "فايزر": "لا أعتقد أن هذا سيحدث سريعاً".
تحديد القيمة
تظهر العملية التي امتدت لأعوام في إنجلترا أن تحديد قيمة المضادات الحيوية الجديدة أمر معقد. يمكن للمضادات الحيوية الجديدة أن تأتي بفوائد واسعة النطاق، وتقلل من استخدام الأدوية القديمة وتضمن استمرار فعالية هذا النمط من الأدوية خلال عمليات مثل علاجات السرطان وجراحة القلب. يطلب الاتحاد الدولي للمصنعين والجمعيات الصيدلانية من إنجلترا إزالة الحد الأقصى البالغ 10 ملايين جنيه إسترليني وإيضاح خطط الدولة لتوسيع المبادرة كي يوفر الدعم الكافي لأكثر برامج الأدوية ابتكاراً وتكلفة.
يستغرق تطوير المضاد الحيوي عادةً عقداً أو أكثر بتكلفة متوسطة تبلغ حوالي مليار دولار. لكن الأدوية الناجحة عادة ما تُدرُّ 440 مليون دولار فقط من المبيعات على مدى 10 سنوات، وفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية. يعود ذلك جزئياً للاعتدال بوصف المضادات الحيوية الجديدة بغية منع البكتيريا من اكتساب المناعة، وهي عملية طبيعية يسرعها الإفراط باستخدام المضادات الحيوية في البشر والحيوانات. تصبح المضادات الحيوية الأغلى ثمناً رخيصة لدى المقارنة مع أدوية الأمراض المزمنة التي تستخدم لأشهر أو سنوات بدلاً من بضعة أيام أو أسابيع. ركّزت صناعة الأدوية بالنتيجة على مجالات أكثر ربحية مثل السرطان. كان هناك حوالي 1800 دواء للأورام المناعية قيد التجارب السريرية في 2020، مقابل حوالي 40 مضاداً حيوياً، وكان متوقعاً أن يُقدم معظمها مزايا إضافية بسيطة مقارنة بالأدوية الموجودة.
جهود لن تكفي
تحاول الصناعة نفسها معالجة المشكلة. أنشأت أكثر من 20 شركة تصنيع أدوية صندوقاً بقيمة مليار دولار قبل عامين للاستثمار في الشركات الصغيرة التي تطور أدوية لمكافحة الجراثيم المقاومة للبكتيريا. يهدف "صندوق مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات" (AMR Action Fund)، الذي أعلن عن أولى تعاقداته في أبريل، لطرح ما يصل أربع مضادات حيوية في السوق بحلول 2030. لكن الصندوق حذَّر من أن جهوده وحدها لن تكفي، ودعا صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم لتبني نماذج مشابهة للنموذج الإنجليزي.
قال كيفن أوترسون، مدير "كارب إكس" التنفيذي، إن هناك إجماعاً عالمياً على ضرورة معالجة هذه المشكلة، وهناك عدد متزايد من البلدان المستعدة للتحرك. لكن مع استنفاد الميزانيات، لا تستطيع الحكومات الإنفاق على الحملة ضد "كوفيد-19"، ناهيك عن إعطاء أولوية للمضادات الحيوية لتتصدر القائمة. قال كيفن: "إنها مشكلة تنسيق عالمية مثل تغير المناخ، لكنها من الأشياء التي يمكننا حلها بجزء بسيط من تلك التكلفة. الحل هو مساعدة صانعي السياسات للتركيز على شيء واحد يمكننا إصلاحه بالفعل في معترك عديد من التحديات".
يتحول الجهد الآن لأسواق أخرى، يدعو أحد الاقتراحات في أوروبا لمكافأة المطورين الناجحين بقسائم يمكن استخدامها لتوسيع نطاق براءات الاختراع على منتجات مختلفة. كما سيخصص تشريع مشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، على غرار نموذج إنجلترا، نحو 11 مليار دولار لمشتريات المضادات الحيوية على مدى عقد، فيمنح بذلك نحو ستة أدوية ما بين 750 مليون و3 مليارات دولار لكل منها. قال السيناتور مايكل بينيت، وهو ديمقراطي من كولورادو، وأحد داعمي هذا الإجراء: "إن أحد الدروس المؤلمة التي تعلمناها على مدى العامين الماضيين هو أننا لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار الأزمة التالية".
قالت سالي ديفيز، مبعوثة بريطانيا الخاصة بشأن "مقاومة مضادات الميكروبات"، وكبيرة المسؤولين الطبيين السابقة في إنجلترا، إن تكلفة عدم معالجة المشكلة ستكون أكبر بكثير. خلُصَت دراسة حكومية بريطانية ساعدت ديفيز على إطلاقها في 2014 إلى أن التقاعس العالمي في مجال مقاومة المضادات الحيوية قد يتسبب بوفاة ما يصل إلى 10 ملايين شخص سنوياً، وضرراً اقتصادياً تراكمياً يصل إلى 100 تريليون دولار بحلول 2050. تعمل ديفيز كداعية عالمية للتصدي للمشكلة، حيث تلتقي بالمشرعين في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، ومنهم بينيت، حتى فيما تسعى لبناء الزخم محلياً.
تُقرّ ديفيز بأن إنجاح فكرة الاشتراك بشراء الدواء في بريطانيا أسهل لأن نظامها الصحي تموله الحكومة، بخلاف حال أماكن مثل الولايات المتحدة التي يتعدد فيها المشترون وتتباين خططهم وإنفاقهم على الأدوية. قالت ديفيز: "إنه شيء يمكن أن يفعله مشترٍ واحد مثلنا.. لكن السؤال الكبير هو كيف نعدل هذا النهج ليناسب أسواقاً مختلفة".