ما تزال النوبات القلبية سبباً رئيسياً للوفيات حول العالم برغم ظهور عقاقير لدرء وقوعها على مدى عقود عديدة؛ إذ تعمل على خفض مستوى الكوليسترول الذي يسبب احتشاءات الأوعية الدموية فيزيد خطر الإصابة بنوبة قلبية. لكنَّها ليست بمتناول الجميع، كما أنَّ بعض الناس لا يلتزم دائماً بخطة علاج قد تستمر مدى العمر.
تقدّم شركة "فيرف ثيرابيوتيكس" (Verve Therapeutics) حلاً جذرياً يتمثّل في تعديل الجينوم البشري الذي يوجه الجسم لوقف ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار.
قال سيكار كاثيريسان، الرئيس التنفيذي للشركة، ومقرها في كامبريدج بولاية ماساتشوستس: "نوشك على تحويل هذا النموذج إلى علاج فردي".
تستهدف "فيرف" مبدئياً أولئك الذين سبقت إصابتهم بنوبة قلبية بسبب ارتفاع الكوليسترول الشديد الناجم عما يعرف باسم فرط كوليسترول الدم الوراثي، التي يؤثر على 31 مليون شخص حول العالم.
إن كان العلاج فعالاً بتخفض البروتين الدهني منخفض الكثافة أو الكوليسترول "الضار" لدى تلك المجموعة؛ فستسعى الشركة لتوسيع نطاقه، وستوفره بالنهاية للشباب كإجراء وقائي، برغم أنَّ الوقت ما يزال مبكراً لتحديد موعد لذلك.
تتلقى الشركة دعماً من "غوغل فينتشرز" (Google Ventures)، التي تُعرف باسم "جي في" (GV)، وتجمعات مستثمرين بارزين في مجال التقنية الحيوية "آرتش فينتشر بارتنرز" (Arch Venture Partners)، و"إف-برايم كابيتال" (F-Prime Capital).
تركيز على مُورّثين
طُرحت "فيرف" للاكتتاب العام في يونيو لتبلغ قيمتها السوقية 2.89 مليار دولار حينها، ثم انخفضت قيمتها إلى حوالي 700 مليون دولار بعد تراجع قطاع التقنية الحيوية.
شارك كاثيريسان في تأسيس "فيرف" عندما كان طبيب قلب وعالم وراثة بجامعة هارفارد، حيث اكتشف طفرات جينية تتسبّب بانخفاض الكوليسترول في الدم، وهذا ما يقي من الإصابة بنوبات قلبية. يحاول الآن استنساخ هذه الظاهرة عبر إيقاف عمل الجينات المسؤولة عن رفع الكوليسترول.
تعمل "فيرف" على تطوير عقاقير تركز على جينين، الأول؛ يستهدف جين "سبتيليزين/كيكسين كونفيرتاز" (PCSK9)، والثاني؛ يستهدف البروتين الشبيه بـ "الأنجيوبويتين 3" (ANGPTL3). من هذا المنطلق، سيحتاج بعض المرضى لدواء واحد فقط، في حين سيحتاج آخرون للاثنين.
تستخدم الشركة تقنية "كريسبر" (Crispr) التي تتيح تعديل الحمض النووي لتغيير إحدى خصائص جينوم شخص ما فيما تغلف الحمض النووي المُعدل لحمايته أثناء رحلته إلى الكبد الجسيمات متناهية الصغر الدهنية فتوقف عمل الجين المطلوب.
أظهرت القرود استجابة مشجعة للعلاج، فقد خفّض مستويات الكوليسترول السيئ بنسبة 59% بعد أسبوعين، واستمر التأثير لستة أشهر لاحقة. بدأت شركة "فيرف" الاختبارات على البشر في غضون أشهر، لكنَّ الأمر سيستغرق أعواماً قبل أن يكون لديها أدلة كافية على سلامة الدواء وفعاليته للنظر بطلب موافقة الجهات التنظيمية.
عقبات متوقعة
ستواجه "فيرف" عقبات كثيرة أثناء محاولتها علاج العامة. قالت إليزابيث ماكنالي، مديرة مركز الطب الوراثي في كلية الطب بجامعة نورث وسترن في فينبرغ، إنَّ هذه المحاولة تعد أحد الاختبارات الأولى لاستخدام تقنية "كريسبر" لتعديل الحمض النووي داخل جسم الإنسان، كما سيخشى المرضى والأطباء إجراء تغيير دائم دون معرفة الكثير عن سلامته على المدى الطويل. أوضحت أنَّ التردد بتلقي لقاحات كوفيد-19 يشير إلى أنَّ بعض الناس قد يعارضون تغيير أحماضهم النووية.
قال مايكل شيرمان، كبير المسؤولين الطبيين في "بوينت 32 هيلث" (Point32Health)، وهي شركة تأمين صحي، ومقرها كانتون بولاية ماساتشوستس، إنَّه حتى لو أثبتت "فيرف" أنَّ العقار آمن وفعال في خفض مستويات الكوليسترول السيئ لدى البشر؛ فستحتاج بعد ذلك لإقناع شركات التأمين أنَّ الأمر يستحق تغطية تكاليفه، لأنَّه سيكون بالتأكيد أكثر تكلفة من الخيارات الأخرى المتاحة. كما أضاف: "يجب أن يكون هناك سبب للسماح بإجراء علاج جيني بخلاف أنَّه علاج أحدث وأفضل".
تبلغ تكلفة الستاتين، وهي عقاقير موجودة منذ نحو 35 عاماً لتقليل الكوليسترول، أقل من 9 دولارات لقاء ما يكفي مدة شهر. لم تتوفر لكثير من المرضى عقاقير أفضل أداءً في خفض الكوليسترول من الستاتين التي ظهرت منذ أعوام، ومردُّ ذلك جزئياً لأنَّ تكلفتها تبلغ آلاف الدولارات في السنة، وهي مثبّطات "سبتيليزين/كيكسين كونفيرتاز" يحقنها المرضى ذاتياً كل بضعة أسابيع.
مقاومة التأمين
لم تتمكّن شركتا "أمجين" (Amgen) و"ريغينيرون فارماسيوتيكال" (Regeneron Pharmaceuticals)، وهما الشركتان المُصنّعتان لتلك الحقن من التأثير على شركات التأمين حتى حين استهداف الأشخاص المعرضين أكثر لخطر الإصابة بفرط كوليسترول الدم الوراثي، برغم خفض الأسعار بأكثر من النصف إلى ستين ألف دولار سنوياً. كما يخشى بعض الناس فكرة الحقن الذاتي.
يتوقَّع المحللون حتى الآن أن تتراوح تكاليف علاج "فيرف" بين 50 ألف دولار و200 ألف دولار لكل مريض. قلّما تكشف الشركات التفاصيل المتعلقة بالأسعار قبل طرح منتجاتها في السوق، لكنَّ كاثيريسان قال إنَّ النطاق السعري التقديري "نقطة انطلاق معقولة".
قال كاثيريسان، إنَّ ملايين الأشخاص لا يستفيدون من العلاجات الحالية، كما أنَّ العلاج الوريدي الذي يُعطى للشباب قد يغيّر بشكل أساسي المخاطر التي يواجهونها لبقية حياتهم. كان يمكن أن يساعد هذا العلاج شقيقه الذي توفي فجأة بنوبة قلبية بعدما بلغ عمره 42 عاماً. قال كاثيريسان: "ما يحمّسني هو أنَّ هذا هو الأنسب لعلاج النوبة القلبية.. إنْ نجح".