السمنة مرض. هذا ما أعلنته الجمعية الطبية الأمريكية قبل نحو عقد من الزمن، وما أكده الخبراء الذين اجتمعوا تحت مظلة معاهد الصحة الوطنية، حين كان بيل كلينتون، رئيس الولايات المتحدة. مع ذلك، لا بأس في تكرار هذه المعلومة، لأن كثيرين لا يزالون ينظرون إلى السمنة على أنها خيار. فمن حمية "باليو" (paleo) الغذائية إلى تمارين الـ"بيلاتيس" (Pilates)، تركز برامج الرشاقة الفورية على الإرادة وافتراض أن خسارة الوزن مرتبطة بالكامل بالنظام الغذائي والتمارين الرياضية.
اقرأ أيضاً: الوباء يزيد من معاناة السمنة في الولايات المتحدة
صحيح أن جزءاً من فقدان الوزن يرتبط بالسلوكيات، إلا أن الباحثين يرون أن العوامل الوراثية والبيئية قد تجعل من الصعب جداً، لا بل من المستحيل على بعض الأشخاص، أن ينقصوا وزنهم من دون مساعدة خارجية. اليوم، هذه المساعدة الخارجية غالباً ما تعني الخضوع لعملية جراحية. لكن هناك خياراً آخر أقل انتشاراً، لا يسلط عليه ما يكفي من الضوء.
اقرأ المزيد: السكر "حبيب" البشر وعدوهم.. فارق بين الطبيعي والمضاف
خيار مكلف
هذا الخيار يتمثل في الأدوية التي تُعطى بوصفة طبية، بشكل خاص مجموعة من العقاقير التي تعرف بمنبهات المستقبلات (GLP-1) أو (GLP-1s). صُممت هذه العقاقير في البداية لمعالجة مرضى السكري، ولكن ثبت لاحقاً أنها تساعد أيضاً المرضى على إنقاص وزنهم. فهي تحفّز هرمون يعرف باسم الببتيد الشبيه بالغلوكاغون 1 (glucagon-like peptide 1) أو (GLP-1)، وهي المادة الكيميائية التي تمنح الشعور بالشبع بعد تناول الطعام. مثلاً، الكثير من الأشخاص الذين يتلقون دواء (GLP-1) الجديد لإنقاض الوزن المعروف باسم "ساكسيندا" (Saxenda) فقدوا 5% من وزنهم على الأقل، بحسب دراسة أجرتها الشركة المصنّعة. وفيما تكلّف الأدوية المكافئة القديمة المريض حوالي 15 دولاراً في الشهر فقط، فإن أدوية (GLP-1s) ذات العلامات التجارية قد تصل تكلفتها إلى 1400 دولار عن حقن أسبوعية لمدة شهر.
خلال الأشهر الماضية، رفعت شركة الأدوية "نوفو نورديسك" (Novo Nordisk) مرتين تقديراتها المالية السنوية، نتيجة عوامل عدة، من بينها الطلب الأولي المرتفع على عقارها الجديد "ويغوفي" (Wegovy) الذي يعدّ الجيل الجديد من حقن معالجة السمنة الأسبوعية، والذي حصل مؤخراً على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. فقد أظهرت التجارب السريرية أن استخدام هذا الدواء يسهم في خسارة المرضى ما معدله 15% من وزنهم. وتقول الشركة إن الهدف طويل المدى هو صنع دواء يعطي نتائج مشابهة للخيار الجراحي الذي يؤدي في العادة إلى إنقاص حوالي 30% من الوزن.
قلّة تتناول الأدوية
كثير من الأشخاص الذين يعانون من وزن زائد، وكلّ الأشخاص الذين يعانون من السمنة، هم مرشحون للحصول على وصفة لهذه الأدوية. ولكن نسبة الأمريكيين المؤهلين الذين يتناولون أدوية إنقاص الوزن لا تتجاوز 3%، حتى أن الكثيرين منهم لم يسبق لهم أن سمعوا بهذه الأدوية. وكان مجلس طبّ السمنة الأمريكي قد منح رخصاً لإجمالي 5242 طبيباً متخصصاً بمشكلات السمنة، بالمقارنة مع 587 طبيباً في عام 2013. ولكن حتى الآن، يمتنع معظم الأطباء عن وصف الأدوية.
يعزو رئيس رابطة طبّ السمنة، إيثان لازاروس، الذي سبق وعمل مع شركات تبيع هذه الأدوية، السبب إلى كون هذه الحقن والأقراص لا ترقى إلى الحلّ السحري لفقدان الوزن الفوري الذي نحلم به. فحتى لدى استخدام أدوية إنقاص الوزن، يظلّ على المرضى أن يتبعوا نظاماً غذائياً صحياً، وأن يمارسوا التمارين الرياضية، وأن يحدثوا تغييرات في أسلوب حياتهم. كما أن النظام الطبي الأمريكي ليس مهيأً لمثل هذا النوع من الطبّ الشخصي، والأطباء أنفسهم ليسوا محصّنين من التحيّز تجاه السمنة. قال لازاروس: "أعتقد بأننا نواجه مشكلة متعددة المستويات. ففي النهاية، معظم الأطباء والأشخاص المصابين بالسمنة لا يزالون يعتقدون بأن اللوم يقع على الشخص نفسه.. وبأنهم إذا تناولوا كمية أقل من الطعام، فإن ذلك سوف يحلّ مشكلتهم".
تطبيقات ووجلسات تدريب
في ظلّ ضعف الحماسة التي يبديها الأطباء، تقدم بعض الشركات الناشئة خياراً وسيطاً، هو عبارة عن تطبيقات تنسّق زيارات للمرضى عن بعد وجلسات تدريب وأدوية ذات علامة تجارية أو من دون علامة تجارية، يصفها أطباء السمنة بشكل منتظم. والسؤال المطروح هو ما إذا كان مثل هذا النهج قادراً على إحداث تغيير في الحوار الجاري حول إنقاص الوزن.
تقول فاطمة كودي ستانفورد، طبيبة السمنة في كلية هارفرد للطب وفي مستشفى ماساتشوستس العام، والمستشارة لدى الشركة الناشئة "كاليبرايت هيلث" (Calibrate Health) إن النماذج الجديدة قد تساعد على سدّ الفجوة بين الأدوية والأشخاص الذين يرجح أن يستفيدوا منها. وأضافت أنه حالياً "لا يتم حتى إخبار المرضى بأن الأدوية خيار متاح لهم"، مشيرة إلى أنها لو أخفت مثل هذه المعلومات العلاجية عن مرضاها الذين يعانون من السكري أو ضغط الدم مثلاً، "فقد أخسر رخصتي الطبية".
3 من أصل 4 أمريكيين مصابون بالسمنة
تُصنف السمنة بالاعتلال المشترك لسبب محقّ. فهي تسهم في زيادة مخاطر السكري وأمراض القلب والكورونا، وتؤدي إلى زيادة خطر الوفاة لأي سبب. وقد أدى الارتفاع الكبير في الأوزان خلال الأربعين عاماً الماضية، نتيجة المأكولات الصناعية وأسلوب الحياة الخامل، إلى إصابة حوالي 3 من أصل 4 أمريكيين، أي نحو 245 مليون شخص بالسمنة أو الوزن الزائد. وخلال هذه الفترة، اكتشف العلماء الكثير عن أسباب السمنة.
حين أنشأ لويس أرون في عام 1986 مجلس التحكم بالوزن الشامل في كلية ويل كورنيل للطب في نيويورك، كان المعيار الذهبي يقوم على الحميات الغذائية منخفضة السعرات الحرارية وبرامج استبدال الوجبات - مثل برنامج (SlimFast). لكن بشكل عام، بدا أن النجاح على المدى القصير يؤدي إلى خيبات أمل على المدى البعيد، بسبب اكتساب الوزن مجدداً. وقال أرون: "كان العمل يقوم على إبقاء الأشخاص متحمسين ومهتمين" بالمحافظة على الوزن الذي خسروه. وفي الوقت ذاته، سعى العلماء إلى اكتشاف كيف تحفز الهرمونات الشعور بالجوع والشبع في الجسم. خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، أجرى أرون ونظراؤه بحوثاً قادتهم في النهاية إلى هرمون اللبتين، الذي يُبلغ الدماغ بكمية الدهون التي يخزنها الجسم وهرمون الغريلين (ghrelin) الذي يحفّز الجوع وهرمون الأمعاء والشبع (GLP-1).
نقطة التوازن
عند النظر إلى هذه الاكتشافات معاً، يمكن تسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين تناول الطعام واكتساب الوزن، حيث بدا أن هذه المعلومات تدعم فرضية سابقة أنه لكلّ جسم "نقطة محدِدة" للوزن هي أشبه بجهاز ترموستات يحافظ على حرارة الغرفة عند مستوى معيّن. بالتالي، يعمد الجسم إلى المحافظة على هذا التوازن. وقال رودولف ليبيل، الباحث في شؤون السمنة والأستاذ في جامعة كولومبيا الذي شارك في اكتشاف اللبتين: "صحيح أنه عليك أن تحمل الشوكة، ولكن اندفاعك لتناول الطعام يتم التحكم به فيزيولوجياً".
سمّ السحالي
في الأمعاء، يحفز الـ(GLP-1) على إفراز المزيد من الأنسولين بعد الوجبات، وعلى خفض مستوى السكر في الدم. ولكن مشكلة هذا الهرمون من وجهة نظر صيدلانية، تتمثل في عدم بقائه لفترة طويلة في جسم الإنسان. فنسبته تنخفض طبيعياً إلى النصف خلال 90 ثانية فقط. وفي التسعينيات، اكتشف الباحثون في مركز الشؤون الطبية للمحاربين القدامى أن سحالي وحوش جيلا، تحمل الهرمون ذاته في سمّها، ولكنه يبقى لفترة أطول. بدأت بعدها شركات الأدوية بتطوير الـ(GLP-1s) الصناعي. وفي عام 2005 وافقت إدارة الغذاء والدواء على أحد هذه الأدوية للمساعدة في السيطرة على معدلات السكر في الدم لدى المصابين بالسكري من النوع الثاني.
بحلول ذلك الوقت، كانت الدراسات على جرذان المختبر قد أظهرت أن حقن هرمون (GLP-1) في الدماغ يجعل أيضاً الحيوانات تشعر بالشبع، بحسب مادز تانغ – تشريستينسين الذي أجرى دراسات مماثلة حين كان لا يزال طالباً في كلية الطلب، وهو يشغل اليوم منصب نائب الرئيس لشؤون بحوث السمنة الدولية وأمراض الكبد في "نوفو نورديسك". وقال: "أنظروا، الحيوان يتوقف عن الأكل حتى لو كان جائعاً جداً".
منطقتان مستهدفتان في الدماغ
بحسب تانغ – تشريستينسين، توجد منطقتان في الدماغ تعتبران مسؤولتين بشكل خاص عن السبب الذي يجعل أدوية (GLP-1) مثل دواء "ويغوفي" من إنتاج "نوفو"، تساعد على إنقاص الوزن. الأولى هي تحت المهاد، وهي منطقة بحجم حبة اللوز في وسط الدماغ، والثانية هي الدماغ الخلفي، تقع تماماً في المنطقة التي يشير إليها اسمها. يحفز الدماغ الخلفي تحت المهاد حيث تضمّ النواة المقوسة مجموعات من الخلايا العصبية التي تتحكم بتنظيم الطاقة، بما في ذلك تناول الطعام. ينشط هذا الجزء من الدماغ حين تشعر فعلاً بالجوع بفضل الخلايا العصبية التي تزيد الشهية. حين يصل الـ(GLP-1) إلى مستقبلات الخلايا العصبية الأخرى ويلتصق بها، بما فيها الخلايا العصبية التي تثبط الشهية، تفرز مواداً كيميائية توجّه أمراً إلى أجزاء أخرى في الدماغ للتوقف عن تناول الطعام. يمكن للمضاعفات الجانبية لـ(GLP-1) أن تشمل الغثيان، وكما حال أدوية معالجة السمنة الأخرى -وحمية (SlimFast) أيضاً- فإن المرضى الذين توقفوا عن تلقي الحقن اكتسبوا الوزن مجدداً.
كانت "نوفو" قد أعلنت الشهر الماضي عن مواجهة مشكلات مع المتعهد، سوف تؤدي إلى توفير دواء "ويغوفي" بشكل محدود حتى منتصف 2022. وهي تعمل حالياً على إعداد علاج مركب من "ويغوفي" ودواء آخر لا يزال يخضع للاختبارات يحمل اسم "كاغريلينتيد" (cagrilintide) يحاكي هرمون شبع آخر هو الأميلين. وكانت المرحلة الأولى من التجارب قد أظهرت أن أخذ الدوائين معاً قد ساعد المرضى الذي يتلقون الجرعة الأكبر على فقدان ما معدله 17% من وزنهم.
دواء على شكل أقراص
تعمل الشركة حالياً أيضاً على توفير دواء "ويغوفي" على شكل أقراص، فيما تعمل شركة "فايزر" على صنع أقراص (GLP-1) مشابهة. إلى ذلك، تجري "فايزر" بحوثاً حول علاجات السمنة التي يمكن اشتقاقها من البيانات الوراثية، بحسب نائب الرئيس الأعلى للشركة، موريس بيرنبوم. من جهتها، تعمل شركة "إيلي ليلي آند كو" (Eli Lilly & Co)، أحد منافسي "نوفو" في مجال معالجة السكري، على تطوير دواء تجريبي يحمل اسم "تيرزيباتيد" (tirzepatide) ينتمي إلى فئة جديدة من العلاجات يعتقد العلماء في شركة "ليلي" بأنه قادر على استنساخ تأثير الـ(GLP-1) وهرمون آخر هو البيبيتيد المطلق للأنسولين المعتمد على الغلوكوز، المعروف اختصاراً بـ(GIP)، ما يساعد على التخفيف من الغثيان والرواسب الدهنية المؤذية. وكانت تجارب "ليلي" على القوارض قد أظهرت أن الـ(GIP)، "يعمل بشكل أفضل مع الـ(GLP-1) بالمقارنة مع الـ(GLP-1) وحده"، بحسب ناديا أحمد، المديرة الطبية للمرحلة الأخيرة من برنامج السمنة في "ليلي".
قال بيرنبوم من شركة "فايزر"، إنه من بين التحديات التي تواجهها علاجات السمنة في بداية تطويرها هو أن فقدان الوزن، ليس دائماً أمراً جيداً، إذ من الصعب التحديد في المراحل الأولى من الاختبارات ما إذا توقفت فئران المختبر عن الأكل لأنها تشعر بالشبع أو لأنها تشعر بالغثيان أو لأنها تشعر بالسوء بشكل عام (لا تجيد الفئران الإجابة عن أسئلة الاستبيانات).
كيف نُقنع الأطباء؟
على صعيد البشر، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه أدوية إنقاص الوزن يتمثل في إقناع المجتمع الطبي الأوسع بها. فقد انغرست في ذهن العامة سمعة سيئة عن أدوية السمنة منذ التسعينيات على الأقل، بعد سحب تركيبة دوائية من الفينفلورامين/الفينترمين من الأسواق إثر تسجيل حالات ضرر بالقلب لدى بعض المرضى. إلا أن الدراسات على (GLP-1s) لم تظهر أي من هذه المخاوف. مع ذلك لا يغطي التأمين الطبي "ميديكير" حتى الآن أدوية إنقاص الوزن، على الرغم من الضغوط التي تمارسها شركات الأدوية الكبرى. وليس من الواضح مدى تغطية التأمين الطبي الخاص لهذه الادوية. فشركات التأمين تصنّف مثل هذه الأدوية ضمن فئة "أسلوب الحياة" التي تشمل أيضاً أقراص معالجة الانتصاب. وفي حال عدم اتساع التغطية، فإن الموجة المقبلة من الأدوية الأغلى ثمناً، بينها بعض أدوية (GLP-1s) لن تكون في متناول الجميع نظراً لارتفاع أسعارها.
70 مليار دولار لمعالجة السمنة
عند النظر إلى النهج التقليدي، يصبح من السهل أن نرى أين تخفق الأفكار المتعلقة بإنقاص الوزن بتحقيق آمال متبعي الحميات الغذائية ومدى تكلفة ذلك. ينفق الأمريكيون 70 مليار دولار سنوياً على إنقاص الوزن، بما يشمل الاشتراكات بالنوادي الرياضية والتطبيقات التي تحتسب عدد السعرات الحرارية وتتعقب التمارين الرياضية، والوجبات والمشروبات المخفوقة المخصصة للحمية التي غالباً ما تكون ذات نكهات كريهة. مثلاً، تبلغ تكلفة برامج التدريب مثل (WW)، ("وايت واتشرز" - Weight Watchers سابقاً) و"نوم" (Noom) حوالي 20 و60 دولاراً في الشهر على التوالي، حيث يقدمان برامج رقمية لا تشمل وجبات أو تمارين رياضية. وتبلغ تكلفة خطط الوجبات مثل "نوتريسيستم" (Nutrisystem) و"جيني كريغ" (Jenny Craig) مئات الدولارات في الشهر. أمّا البرامج التي يتم تقديمها شخصياً فتكلفتها أكبر بكثير، مثل "هيلتون هيد هيلث" (Hilton Head Health) على جزيرة مترفة قبالة سواحل ساوث كارولاينا، حيث تبدأ الأسعار من آلاف الدولارات في الأسبوع.
كثير من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الوزن، سبق وخضعوا للعديد من هذه البرامج، فدفعوا الأسعار كاملة من دون أن يحصوا على النتيجة المرجوة على المدى الطويل. هذا لأن الجسم يواجه الحميات الغذائية من خلال عملية التكيف الأيضي التي يُعتقد بأنها نشأت خلال التطور البشري من أجل تمكين الجسم من الدفاع عن نفسه ضد المجاعة، ومن خلال إحداث اختلال في التوازن الطبيعي للهرمونات لدى الشخص، ما يجعل إعادة اكتساب الوزن أمراً مرجحاً.
تغيير السلوكيات
لا يزال العلم الكامن خلف اكتساب الوزن والتخلص منه غامضاً نوعاً ما. إذ لم يثبت العلماء بشكل حاسم بعد، أن للجسم نقطة محددة للوزن، ناهيك عن كيفية تعديل هذه النقطة. مع ذلك، هناك اعتقاد شائع بأنه بالإمكان إحداث تغيير في هذه النقطة النظرية من خلال زيادة التمارين الرياضية وتحسين النوم وتخفيف التوتر والخضوع لجراحة السمنة. إلا أن ذلك يتطلب تغييراً في السلوكيات على المدى البعيد. فالنوم جيداً لأسبوع واحد فقط لن يفي بالغرض.
يبدي الخبراء الذي يبحثون عن حلول غير جراحية تعطي نتائج أفضل من الـ"لين كويزين" (Lean Cuisine) و"جيني كريغ" (Jenny Craig) تفاؤلهم تجاه الطبّ الشخصي. في هذه الحالة، يعني ذلك مقابلات مباشرة متكررة مع خبير قادر على أن يعدّ العلاج حسب حاجة المريض، بما فيه التدريب على التغيرات في أسلوب الحياة، وربما أيضاً وصف أدوية للمريض. وقالت كارولين أبوفيان، عضو المجلس العلمي الاستشاري في"نوفو" والمديرة الشريكة لمركز إدارة الوزن والصحة في مستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، إن "السمنة مرض، وبالتالي هي بحاجة إلى علاج".
شركات ناشئة
تحاول الشركات الناشئة حالياً سدّ هذه الفجوة بالنسبة للأشخاص غير القادرين على الوصول إلى طبيب يلبي احتياجاتهم شخصياً. وهي تكلف نفقات شهرية تبلغ نحو 100 دولار للحصول على التدريب عن بعد، بما يشمل استشارة طبيب وأخصائي تغذية من خلال تطبيق ما. في نيويورك، أنشأت إيزابيل كينيون شركة "كاليبرايت" (Calibrate) عام 2019، التي تركز على الـ(GLP-1s)، وتعتبر من الشركات الأولى الرائدة في هذا المجال، إثر تشخيص إصابة والدتها بمقدمات السكري. وقالت كينيون إن والدتها تساءلت في وقتها "كيف أن الأمر مرتبط فقط بالحمية والتمارين؟ أنا أمارس ذلك طوال حياتي". في نهاية المطاف، أخبرها أحد الأطباء أنه بإمكان الدواء أن يساعدها. في البداية، شعرت والدة كينيون بالقلق بما أنها لا تزال تتذكر قضية الفينفلورامين/الفينترمين، ولكنها بدأت بعدها بتناول الـ(GLP-1) من خلال "كاليبرايت".
"فاوند هيلث" (Found Health) واحدة من الشركات الناشئة الأخرى التي تقدم مجموعة أوسع من وصفات الأدوية. وتقول "فورم هيلث" (Form Health) إنها تمنح الأولية للأدوية التي تحظى بموافقة إدارة الغذاء والدواء من أجل إنقاص الوزن. ولم تصدر أي من الشركات الناشئة ما يكفي من البيانات حيال النتائج، بالأخص على المدى الطويل (تقول "كاليبرايت" إن 437 من زبائنها بين يوليو 2020 ونوفمبر 2021 خسروا ما معدله 11% من وزنهم خلال عام واحد). من جهته، شكك لازاروس، رئيس جمعية طبّ السمنة في أن يكون زبائن الشركات الناشئة يحصلون على أفضل علاج ممكن، ومع ذلك أقرّ بأن "أي علاج أفضل من عدم الخضوع للعلاج".
نتيجة تستحق العناء
مع ذلك، يعتبر معظم الزبائن أن الخدمات مكلفة ولكن النتيجة تستحق العناء. فقد تحدث العديدون عن خسارة ما بين 10 أرطال (4.5 كيلوغرام) إلى 55 رطلاً ( 25 كيلوغراماً) من وزنهم بفضل الأدوية. وقالوا جميعاً إن الأطباء ينصحونهم منذ زمن طويل بإنقاص وزنهم بدون أن يقدموا لهم أي مساعدة فعلية لتحقيق ذلك.
تقول فيرونيكا ميلر إيغلسون، إحدى زبونات "كاليبرايت" إنها لم تسمع بأدوية الشبع إلا في العام الماضي، بعد أن كانت قد جربت كل الطرق لتنقص وزنها.
عانت ميلر إيغلسون، الرئيس التنفيذية لشركة "مودينوس ميديا" (Modenus Media) المتخصصة بالتسويق في مدينة لانكاستر في بنسلفانيا من السمنة منذ المدرسة الثانوية. ولا تزال تذكر كيف تم رفضها في وظيفة بمدينة ملاهي في فلوريدا حين كانت في العشرينات من العمر بسبب وزنها. جربت منذ ذلك الوقت برامج متنوعة من (WW) إلى برنامج "جيني كريغ"، ثمّ لجأت إلى أنواع مختلفة من الحميات منخفضة الكاربوهيدرات وتطبيق "نوم"، حتى إنها كادت تخضع لجراحة السمنة ثمّ غيرت رأيها (إذ رفضت شركة التأمين تغطية التكلفة البالغة 20 ألف دولار). وقالت إنها خلال الشهر الأول من تلقي الـ(GLP-1)، خسرت 10 أرطال (4.5 كيلوغرامات) من وزنها وهي تشعر دائماً بالشبع فيما تأكل كميات أقل.
تضيف ميلر إيغلسون، أنه بفضل بعض التمارين الرياضية المعتدلة واتباع حمية غذائية معقولة والإرشادات من تطبيق "كاليبرايت"، مكّنتها الأقراص من تحقيق تقدم في معركتها المستمرة منذ عقود مع الميزان، بعد أن كانت الطرق الأشد تطرفاً قد فشلت في ذلك. وضعها الحالي الجديد يمثّل كيف يجب أن تكون عليه الأمور، وتقول: "لا يجب أن تضطر لأن تكافح من أجل أن تتمتع بصحة جيدة".
المخاطر قائمة
إلا أن هذه العلاجات تأتي مع مخاطر خاصة بها. جيني ويسلي تومسون وهي مديرة مشاريع في شارلوت تبلغ من العمر 42 عاماً، بدأت في خسارة الوزن بفضل برنامج "فاوند" إلى أن تمت زيادة جرعتها وإصابتها بنوبة هلع حادة. تمّ تغيير الدواء الذي تتلقاه، إلا أنها قررت التخلي عن البرنامج في فبراير الماضي. تعليقاً على ذلك، قالت الرئيسة التنفيذية لـ"فاوند" سارة جونز سيمر: "من المؤسف أن نسمع بأن شخصاً ما كانت تجربته سيئة، أتمنى لو حظينا بالفرصة لنعمل أكثر معها".
الزبونة الأخرى ميغان هيلت تناولت لمدة أشهر دواءً مضاداً للصرع كعلاج لإنقاص الوزن من دون علامة تجارية، ولكنها لم تخسر إلا نحو 10 أرطال (4.5 كيلوغرامات). تقول هيلت البالغة من العمر 31 عاماً، والتي تعمل في إدخال البيانات في وسط فلوريدا، إنها وجدت التدريب الصحي مكرراً ومعروفاً لدرجة أنها تساءلت ما إذا كان يصدر عن برمجية "بوت". وأشارت إلى أنه لم يتم إبلاغها بأن الدواء الذي تتناوله "زونيساميد" لا يحظى بموافقة إدارة الغذاء والدواء لاستعماله لإنقاص الوزن. وتثبت صور محادثاتها مع "فاوند" التي اطلعت عليها "بلومبرغ بيزنس ويك" صحة حديثها. من جهتها، ردّت ريخا كومار، المسؤولة الطبية العليا في الشركة إن الأدوية التي تقدمها شركتها "هي ضمن الطيف المقبول في طبّ السمنة". وأكدت جونز سيمر أن "فاوند" توظف مدربين بشريين حقيقيين.
في الوقت الذي تتحسن فيه الأدوية وتكتسب المزيد من الفعالية، سوف نسمع على الأرجح عن المزيد من الحالات المتطرفة والروايات التحذيرية، وسيظهر زبائن غير راضين، ولكن التحدي الأكبر يتمثل في القدرة على الحصول على هذه الأدوية. فوضع وصفات هذه الأدوية في متناول الـ97% إلى 99% المتبقية من السوق، سيتطلب التوصل إلى أساليب تفكير جديدة حيال السمنة وإنقاص الوزن لدى الأطباء وشركات التأمين والأشخاص العاديين.