مع بدء انتشار "كوفيد-19" في أوائل عام 2020، كانت إحدى الأفكار التي تبادرت إلى ذهن عالِم الفيروسات لينفا وانغ، هي اختبار دماء الأشخاص الذين نجوا من تفشٍ سابق لأحد الفيروسات التاجية. ولعقود، عكف وانغ الذي يعمل في كلية "ديوك- نوس" للطب، وهي مشروع تعاون مشترك بين جامعة "ديوك"، وجامعة سنغافورة الوطنية، على دراسة الفيروسات التي تنقلها الخفافيش. كان وانغ قد ساعد في إثبات أنَّ "سارس- كوف-1" (SARS-CoV-1) الذي أودى بحياة ما يقرب من 800 شخص في عام 2003، انتقل على الأرجح إلى البشر من خفافيش حدوة الحصان. وتقول نظرية وانغ الجديدة، إنَّ الأشخاص الذين تعافوا من "سارس" الأصلي قد يحملون أجساماً مضادة من شأنها المساعدة على مقاومة الفيروس الجديد، "سارس- كوف- 2" (SARS-CoV-2).
اقرأ أيضاً: "فايزر" توافق على شراء "إرينا" بعلاوة 100% وقيمة 6.7 مليار دولار
في البداية، فشلت التجربة تماماً. فقد كان لدى المرضى، الذين اختبرهم وانغ، أجسام مضادة فقط للنسخة القديمة من فيروس "سارس" (SARS). ولكن مع بدء انتشار عدد من متغيرات "كوفيد" في وقت مبكر من هذا العام؛ قرر عالم الفيروسات اختبار المرضى مرة أخرى. وقبيل هذه المرحلة، جرى أيضاً تطعيم العديد من الناجين السنغافوريين من فيروس "سارس" ضدّ "كوفيد"، مما وفر مجموعة نادرة من أجهزة المناعة التي تعرضت لبروتينات هذه المجموعة من فيروسات كورونا ذات الصلة.
اقرأ المزيد: بعد أسبوعين من انتشار "أوميكرون": ماذا بعد؟
اكتشاف مشجِّع
ما اكتشفه وانغ، كان مذهلاً بالنسبة إليه. فبعد تلقيهم لقاح "كوفيد"، طوَّر المرضى الذين كانوا قد أصيبوا بفيروس "سارس"، ما يشبه الأجسام المضادة الفائقة، والتي تقيّد فيروسات "سارس"، والعديد من الفيروسات التاجية الأخرى. إنَّ لدى جميع المرضى الثمانية أجساماً مضادّة، وقد تمكّنت في تجارب أنبوب الاختبار من تحييد خمس سلالات مختلفة من الفيروسات التاجية في الخفافيش، وآكل النمل الحرشفي لم تصب البشر أبداً من قبل. ومن ثم، قدّمت النتائج، التي نُشرت في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" (New England Journal of Medicine) في أغسطس، واحدة من أقوى مجموعات الأدلة على أنَّ التوصّل إلى لقاح شامل مضاد لكل الفيروسات التاجية، أمر ممكن.
كما يدرك مسؤولو الصحة العامة جيداً، فقد ظهرت ثلاثة أمراض جديدة تسبِّبها الفيروسات التاجية في غضون 20 عاماً فقط، كان أولها متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "سارس" (SARS)، ثم متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" (MERS) في عام 2012، والآن المرض التنفسي الحاد المرتبط بفيروس كورونا المستجد "كوفيد" (Covid)، الأمر الذي يزيد من الحاجة إلى ابتكار لقاح شامل لمجابهة كل الفيروسات التاجية. يعمل وانغ داخل مختبره القابع في الطابق الثالث عشر، والواقع على بعد بضعة كيلومترات من المنطقة التجارية المركزية في سنغافورة، على تركيب نموذج أولي للقاح يمكن أن يولّد النوع ذاته من الاستجابة المناعية واسعة النطاق التي شهدها في الناجين من "سارس" الذين تم تطعيمهم ضد "كوفيد". ويجمع نظام وانغ بين جرعة أولى تحتوي على بروتين "سبايك" في "كوفيد"، وجرعة ثانية تحتوي على هجين من بروتينات فيروسات "سارس". يقول وانغ، إنَّه إذا ما نجح اللقاح، الذي أظهرت تجاربه على الفئران نتائج واعدة، فإنَّه من الممكن نشره في حالة تفشي فيروس "كوفيد-26" (Covid-26)، أو"سارس- 3" (SARS-3).
مِنح التمويل
تقول ميلاني سافيل، رئيسة قسم أبحاث اللقاحات وتطويرها في تحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPI)، وهي مؤسسة عالمية غير ربحية مقرها أوسلو: " نريد لقاحاً وقائياً يعمل على نطاق واسع، فإذا انتقل الفيروس التالي من الحيوانات إلى البشر، يكون لدينا بالفعل لقاح متاح". ويخطط التحالف لإنفاق 200 مليون دولار على تطوير لقاحات واسعة الفعالية ضد الفيروسات التاجية خلال السنوات الخمس المقبلة. في نوفمبر، ذهبت واحدة من أوليات المنح في إطار برنامج (CEPI) إلى شركة "ميغ فاكس" (.MigVax Ltd) الإسرائيلية، وهي شركة ناشئة بتمويل جماعي تعمل على إنتاج لقاح لـ"كوفيد" يكون "مضاداً للمتغيرات" في صورة أقراص.
يمكن للقاح واسع المفعول أن يوفر سلاحاً جاهزاً للاستخدام ضد تهديدات مثل "أوميكرون"، الذي يحتوي على طفرات أكثر بكثير من أي متغير تم رصده سابقاً، والذي يتدافع الباحثون والحكومات لفهمه، وتطوير معززات لمجابهته. وخلال الأيام التي سبقت تسمية "أوميكرون"؛ أخبرني الباحث في جامعة بنسلفانيا، درو وايزمان بأنَّه "بعد متغير (دلتا)، سيكون هناك متغير آخر، حتى ننفد من الأحرف اليونانية، إذ يجعل تطوير اللقاحات المعززة المتغيرات تسبقنا بخطوة".
القادم قد يكون أسوأ
يعد وايزمان، الذي كان رائداً في مجال التكنولوجيا الرئيسية المستخدمة في لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، أو "الرنا المرسال" (mRNA)، التي يقوم عليها لقاحا "فايزر"، و"موديرنا"، من بين أولئك الذين يعملون على اللقاحات الشاملة المضادة لسائر الفيروسات التاجية. في البداية، من المرجح أن تركز هذه اللقاحات على الفيروسات القريبة من "كوفيد" إلى حدٍّ ما، لكنَّ الهدف الأكثر طموحاً هو الحماية من مجموعة واسعة من الفيروسات التاجية، بما في ذلك العديد من السلالات التي تسبب نزلات البرد. وبالنظر إلى وفرة الفيروسات التاجية التي تحملها الخفافيش التي تتوارى في الطبيعة؛ فإنَّ كل الأسباب تدعو إلى توقُّع المزيد من الأوبئة المشابهة لـ "كوفيد". قال أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، وكبير المستشارين الطبيين للرئيس جو بايدن، إنَّ الفيروسات القادمة قد تكون "سيئة بقدر ما نمرّ به الآن أو أسوأ". وأضاف: "من الأهمية بمكان تطوير لقاح يقي البشرية من كل تكرارات الفيروسات التاجية، بدلاً من الاستجابة لموجة التفشّي التالية".
في سبتمبر، أعلن المعهد الذي يترأسه فاوتشي عن تمويل بقيمة 36.3 مليون دولار للأبحاث التي يقوم بها العلماء في جامعات "هارفارد"، و"ديوك"، و"ويسكونسن" للوصول إلى لقاح مضاد لسائر الفيروسات التاجية. وفي هذا الإطار، يعمل أكثر من اثني عشر فريقاً أكاديمياً، جنباً إلى جنب، مع عدد قليل من شركات التكنولوجيا الحيوية، على حل هذه المشكلة. قامت المعامل في جامعة "ديوك"، فضلاً عن عدد قليل من الجامعات الأمريكية الأخرى، بالفعل، بتركيب نماذج أولية توضح الاستجابات المناعية القوية للفيروسات في الحيوانات، بما في ذلك ضد فيروسات "سارس-كوف-1"، و"سارس-كوف-2"، وبعض الفيروسات التاجية ذات الصلة في الخفافيش. أيضاً، لدى مؤسسة "والتر ريد" العسكرية للبحوث لقاح واعد ضدّ الفيروسات التاجية المتعددة، والذي ما تزال تركيبته في المرحلة الأولى من التجارب البشرية، وهو أحد أول اللقاحات التي تصل إلى هذه المرحلة.
أسئلة بلا إجابات
لكن تظل الأسئلة المهمة مثل أي أجزاء من الفيروس يجب استهدافها؟ وأي التقنيات تعمل بشكل أفضل؟ وإلى أي مدى ينبغي أن تكون اللقاحات واسعة النطاق؟ من دون إجابات. من جهة أخرى، لا تقوم شركتا "فايزر"، و"موديرنا"، وكذلك العديد من الشركات الكبرى الأخرى المنتجة للقاحات المضادة لـ"كوفيد"، بالاستثمار بشكل كبير في أبحاث اللقاحات الشاملة حتى الآن، بل بدلاً من ذلك تنتظر ما ستتمخض عنه الأبحاث الأكاديمية. يقول ميكائيل دولستن، كبير المسؤولين العلميين في شركة "فايزر" -التي تركز أبحاثها على التوصل إلى لقاح معزز ضد "أوميكرون"، وتقوم بتطوير لقاحات مضادة للمتغيّرين "بيتا"، و"دلتا" بالتعاون مع شريكتها في إنتاج اللقاحات القائمة على تقنية "الرنا المرسال"، "بيونتك" (BioNTech SE)- إنَّه بالنظر إلى أنَّ اللقاحات الحالية تعمل، وهناك إمكانية لتحديثها بسرعة؛ فإنَّ تغير مسار أبحاثها للتوصل إلى لقاح مضاد لجميع الفيروسات التاجية قد يكون بمثابة "مغامرة خطيرة". يقول دولستن: "نحن نتابع تلك الأبحاث، لكنَّها أقرب إلى نهج أكاديمي في الوقت الحالي. وباعتقادي؛ فإنَّه من الأفضل التمسك باللقاحات التي تعمل بالفعل". كما يفترض دولستن، أيضاً، أنَّ تضاؤل فعالية اللقاحات بمرور الوقت قد يتحول إلى مشكلة أكبر من المتغيرات ذاتها، وهي معضلة لن تحلها اللقاحات الشاملة بالضرورة.
الأمر قد يحتاج إلى سنوات
أما ستيفان بانسل، الرئيس التنفيذي لشركة "موديرنا"، التي تطور، هي الأخرى، لقاحات تعزيزية بتقنية "الرنا المرسال" ضد متغيرات "بيتا"، و"دلتا"، و"أوميكرون"، فيصف اللقاحات الشاملة بأنَّها "فكرة جيدة"، ويقول إنَّه سيكون سعيداً بإقامة شراكات لتطويرها عندما تظهر خيارات قابلة للتطبيق. لكنَّه حذّر من أنَّ الباحثين كانوا يعملون على لقاحات الإنفلونزا الشاملة لسنوات دون تحقيق أي إنجاز يذكر.
صحيح أنَّ العلماء طالما حلموا بتطوير لقاح من شأنه أن يلغي الحاجة إلى لقاح سنوي للإنفلونزا، غير أنَّهم لم يحرزوا أي تقدّم على هذا الصعيد، وذلك على الرغم من التجارب العديدة التي يجري القيام بها حالياً. كانت الصعوبة تتمثل في تسارع وتيرة إنتاج الطفرات، إذ تتطور الإنفلونزا بسرعة. وفي السياق ذاته، يحيط الجدل بالسرعة التي تتطور بها الفيروسات التاجية بشكل مكثف، ولكنَّ قضية اللقاحات واسعة المفعول تبدو مقنعة بالنظر إلى النتائج الواعدة من التجارب المبكرة، والتكرار المتزايد الذي تنتقل به الفيروسات التاجية من الأجناس الأخرى، والتكاليف البشرية والمالية المذهلة التي انطوى عليها تفشي "كوفيد". تقول باميلا بيوركمان، عالمة الأحياء البنيوية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والتي تعمل على إنتاج لقاح شامل أيضاً: "سيكون من الجنون عدم القيام بشيء ما. وإذا تصرّف العالم وكأنَّه قد توصّل إلى حل للمشكلة، سيكون ذلك قصر نظر حقاً".
دروس من التاريخ
في هذا الإطار، يشكل تاريخ لقاحات الإنفلونزا درساً عملياً. كان توماس فرانسيس، عالم الفيروسات بجامعة ميشيغان، رائد إطلاق اللقاحات المبكرة في الأربعينيات من القرن الماضي بمساعدة من الجيش الأمريكي الذي كان قلقاً من انتشار وباء يدمّر القوات في الثكنات المزدحمة. قام فرانسيس وتلميذه، جوناس سالك، بزراعة اللقاح في بيض الدجاج المخصب، وهي طريقة ما تزال مستخدمة على نطاق واسع حتى يومنا هذا. أظهرت اللقاحات الأولى فاعلية قوية في العديد من الدراسات. وأثبت لقاح مضاد لفيروس الإنفلونزا "ب" تم إعطاؤه للقوات التي تتلقى تدريباً متخصصاً في الجامعة، في عام 1945، فعاليته بنسبة 88%، وهي نسبة ليست ببعيدة عن الفاعلية التي جرى الإبلاغ عنها في لقاحات "كوفيد" القائمة على تقنية "الرنا المرسال" بما يزيد على 90%. وسرعان ما أدرك الباحثون أنَّ السلالات يمكن أن تتطور من عام إلى آخر، مما يؤدي إلى عدم التوافق بين اللقاح والفيروس. لكنَّهم كانوا متفائلين بأنَّه سيكون من الممكن السيطرة عليها. واختتم فرانسيس مقالاً نشره عام 1953 قائلاً: "إنَّ التوقُّعات الخاصة بالتطعيم الوقائي الواسع والفعّال بشكل متزايد ضد مجموعة فيروسات الإنفلونزا، واعدة للغاية".
لقاحات الإنفلونزا
احتوت اللقاحات المبكرة للإنفلونزا على اثنتين من السلالات الفيروسية، ثم ثلاث سلالات في السبعينيات، وأخيراً أربع سلالات في العقد الماضي. وقد ركزت الأبحاث بشدة على مهاجمة البروتين الأكثر وفرة الموجود على سطح الفيروس، وهو "الهيماغلوتينين" (الراصة الدموية)، مع اختيار لقاحات الإنفلونزا كل عام بناءً على قدرتها على إنتاج أجسام مضادة ضده. ولكن في معظم تاريخ اللقاحات؛ لم يتمكن الأطباء من قياس أدائها بدقة في الواقع. وقد مكن بدء استخدام اختبارات الحمل الفيروسي الحديثة في التسعينيات -والتي تنتمي إلى النوعية ذاتها من اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) المستخدمة في التشخيص النهائي لفيروس "كوفيد" اليوم- الباحثين من دراسة أداء لقاح الإنفلونزا على أرض الواقع بدقة أكبر، واتضح ببطء أنَّ النتائج تباينت بشكل كبير، وتجاوزت المتوسط. وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ فإنَّه منذ عام 2004، حتى مع تلقي المزيد من سكان الولايات المتحدة للتطعيم سنوياً وفقاً للتوصيات الحكومية الموسعة، فقد تراوحت فاعلية اللقاحات فعلياً بين 10% و60% فقط. في حين تراوحت النسبة ذاتها في معظم السنوات بين 40% و50%.
بطء عمليات التطوير
على مر السنين، توصل الباحثون إلى لقاحات الإنفلونزا باستخدام طرق إنتاج أسرع وأكثر حداثة، بما في ذلك لقاح الإنفلونزا المعدل وراثياً الذي تمت زراعته في خلايا الحشرات، ولكنَّها لم تحقق تقدماً على صعيد الفاعلية. كما لم تتسارع وتيرة الجهود المبذولة لتطوير لقاح شامل من شأنه مجابهة كل السلالات، بصورة كبيرة، إلا بعد أن اجتاحت نسخة (H1N1) من الإنفلونزا العالم في عام 2009. و ماتزال أمام الباحثين سنوات قبل أن تؤتي تلك الجهود ثمارها. يقول ماثيو ميمولي، باحث أمراض الجهاز التنفسي في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH): "هذا ما أسميه خطأ الماضي، فنحن لم نبذل حقاً أي مجهود. لقد شعرنا بالطمأنينة، وقلنا إنَّ لدينا لقاحاً، وهو يعمل بشكل جيد". في مايو 2020، كتب ميمولي واثنان من زملائه مقالاً في دورية "إن بي جيه فاكسينز" (NPJ Vaccines)، داعين إلى إجراء بحث فوري يستهدف إنتاج لقاحات شاملة ضد كل الفيروسات التاجية. يقول ميمولي: "لا أريد أن يستغرق الأمر 50 عاماً لاتخاذ القرار ذاته".
سرعة التحديث
تستخدم لقاحات "كوفيد" تقنية أكثر تقدماً من معظم لقاحات الإنفلونزا، ولكنَّها مثلها؛ فقد ركزت حتى الآن بشكل كبير على الهدف الأكثر وضوحاً - في حالة اللقاحات المضادة لـ"كوفيد"، يجرى استخدام بروتين "سبايك" في فيروس "سارس- كوف- 2" للوصول إلى الخلايا. تتسبب لقاحات "الرنا المرسال" في إنتاج الجسم لملايين النسخ من بروتين "سبايك"، مما يحفّز استجابة مناعية قوية. من الواضح أنَّ تلك كانت استراتيجية ذكية، نظراً للفاعلية المذهلة التي أظهرتها لقاحات "موديرنا"، و"فايزر- بيونتك" على هذا الصعيد. (يذكر أنَّ اللقاحات، التي تستخدم طرقاً أكثر رسوخاً، من إنتاج شركات "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson)، و"أسترازينيكا" (AstraZeneca)، وشركات أخرى، أظهرت نتائج قوية أيضاً). من جانبهما، تختبر شركتا "فايزر"، و"موديرنا" لقاحات معززة مصممة خصيصاً ضد سلالات بعينها، والتي يمكن طرحها بشكل دوري، تماماً كما يتم تحديث لقاح الإنفلونزا كل عام، إذ تسمح تقنية "الرنا المرسال" للباحثين بدمج اللقاحات في لقاح واحد بسهولة لمجابهة متغيرات متعددة، فضلاً عن إمكانية تحديث اللقاحات القائمة على تلك التقنية بشكل أسرع من التقنيات المستخدمة في صنع لقاحات الأنفلونزا. ويحدو الباحثين تفاؤل حذر بشأن مساعدة المعززات في توفير حماية أكثر دواماً ضد أعراض أي من متغيرات "كوفيد".
على المدى الطويل، ما يزال هناك خطر يتمثل في كون الاعتماد على تحديثات اللقاحات الحالية قد يعرّض الأشخاص للخطر، إذ يبدو أنَّ متغيرات الفيروسات التاجية، التي تجوب العالم حالياً، أكثر قدرة، إلى حد ما، على الإفلات من الأجسام المضادة التي ينتجها اللقاح مقارنة بالسلالة الأولية، حتى في ظل بقاء الحماية الشاملة قوية. من الناحية النظرية، يمكن لعدد قليل من الطفرات في أجزاء رئيسية من الفيروس أن تعرقل عمل اللقاحات، ما يجبرنا على بذل مزيد من الجهد للحاق بالركب، ناهيك عن احتمال ظهور فيروس تاجي جديد تنقله الخفافيش في أي وقت.
غياب الاستثمارات
أمضت بيوركمان، عالمة الأحياء البنيوية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، معظم حياتها المهنية وهي تحاول عبثاً تطوير لقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية، والذي يعد أحد أسرع الفيروسات قدرةً على التحور على الإطلاق. عندما ظهر "كوفيد"، بدأت في قراءة دراسات قديمة كان قد أجراها عدد قليل من العلماء حول الفيروسات التاجية قبل 2020. وتتذكر بيوركمان: "جميع الدراسات التي قرأتها للباحثين في مجال الفيروسات التاجية تقول، إنَّها مسألة وقت فقط قبل أن يكون لدينا جائحة ضخمة ناجمة عن أحد الفيروسات التاجية". ومع ذلك؛ فإنَّه بحسب معلوماتها، لم تقم أي وكالة تمويل باستثمار مستدام للتوصل إلى لقاح واسع المفعول.
حالياً، حوّلت عالمة الأحياء البنيوية جهودها إلى مهمة التوصّل إلى لقاح شامل. ومن خلال عملها مع باحثين في جامعة أكسفورد، عكفت بيوركمان على اختبار جسيمات نانوية -وهي بنية بروتينية غير ضارة تشبه القفص بحجم الفيروس- تضم أجزاء رئيسية من بروتينات "سبايك" لما يصل إلى ثمانية فيروسات تاجية. عندما جرّبت اللقاح على الفئران، حدث أمر رائع. فقد أنتجت الفئران أجساماً مضادة يمكنها تحييد فيروسات تاجية غير مدرجة في اللقاح. لم ينتبه أحد إلى النتائج التي نشرت في يناير، على أنَّ بعضهم سأل عن سبب الحاجة إلى اتباع هذا النهج. لكن بمجرد انتشار "دلتا" في الصيف؛ بدأت الاتصالات من المتعاونين المحتملين تنهال عليها.
يعتبر فريق بيوركمان واحداً من 4 أفرقة، على الأقل، تعمل على لقاحات مضادة لعموم الفيروسات التاجية باستخدام الجسيمات النانوية، والتي يمكن تزيينها بعشرات الشظايا من الفيروسات المختلفة. تتجمع البروتينات في كرات متناظرة لها 24 جانباً أو أكثر، والتي تلتصق بها شظايا محفزة للمناعة من فيروس واحد أو أكثر. تعتمد بعض اللقاحات الحالية، بما في ذلك اللقاح الذي توصلت إليه شركة "ميرك آند كو" (Merck & Co) لفيروسات الأورام الحليمية البشرية، على جزيئات الفيروس الفارغة، وهي شكل من أشكال الجسيمات النانوية. لكنَّ لقاحات الجسيمات النانوية النموذجية الأحدث جرى تركيبها من مجموعة متنوعة من البروتينات غير الفيروسية. فجسيمات "بيوركمان" النانوية المتوافقة تشكل قفصاً له 60 جانباً اعتماداً على تصميم تركيبي جرى تطويره في أكسفورد.
الجسيمات النانوية
تكمن عبقرية الجسيمات النانوية في كون الجهاز المناعي يتعرّف عليها كفيروس، مما يضع الأساس لاستجابة مناعية بعيدة المدى للقاحات القائمة على الجسيمات النانوية أكثر من نظيراتها التي تستند إلى نهج البروتين الواحد. ولأنَّ تلك التقنية تسمح بوضع بروتينات "سبايك" من فيروسات تاجية متعددة على جسيم واحد، فيمكنها، من الناحية النظرية، تحفيز الخلايا المناعية لإنتاج أجسام مضادة متداخلة قادرة على تحييد العديد من الفيروسات المماثلة. قال كايفون مودجاراد، الباحث في مجال اللقاحات بمؤسسة "والتر ريد" العسكرية للأبحاث، إنَّه باستخدام الجسيمات النانوية؛ يمكن للخلية المنتجة للأجسام المضادة: "رؤية بروتينات "سبايك" متعددة في مساحة صغيرة جداً في الوقت ذاته. نعتقد أنَّه المحتمل أن تقوم تلك الخلايا بضخ الكثير من الأجسام المضادة على نطاق أوسع ضد جميع أجزاء بروتينات "سبايك". ومن ثم، ستقوم بإنتاج الكثير من الأجسام المضادة لكل نوع من هذه الفيروسات". وبحسب مودجاراد؛ فإنَّ الباحثين قد لا يحتاجون إلى وضع كل الفيروسات التاجية المعروفة على جسيمات نانوية لحث الخلايا على توليد حماية واسعة النطاق، بل مجرد عينة تمثل تلك الفيروسات.
كان مودجاراد قد طوّر بالتعاون مع زملائه، لقاحاً قائماً على الجسيمات النانوية باستخدام بروتين الفيريتين لاختزان الحديد، والذي ترتبط به ثمانية بروتينات "سبايك" مختلفة لسلالات الفيروسات التاجية المسببة لـ"كوفيد". خلال التجارب التي أجريت على حيوانات المختبر؛ أنتجت الحيوانات أجساماً مضادة لفيروسات "سارس" والمسببة لـ"كوفيد". ومن المقرر، الإعلان عن نتائج تجارب المرحلة الأولى التي تحظى برعاية حكومة الولايات المتحدة في وقت قريب. أيضاً، كشفت الاختبارات المعملية عن قدرة لقاح ثالث قائم على الجسيمات النانوية، من إنتاج شركة "فارييشن بيوتكنولوجيز" (VBI Vaccines)، ومقرها كامبريدج، ماساتشوستس، على توليد أجسام مضادة قوية ضد العديد من متغيرات "كوفيد"، وأحد الفيروسات التاجية التي تصيب البشر ويسبب البرد، ويعرف باسم (OC43). في حين أظهر لقاحان آخران قائمان أيضاً على الجزيئات النانوية، جرى تركيب أحدهما بجامعة "ديوك"، والآخر بجامعة واشنطن، نتائج واعدة في مرحلة التجارب على الحيوانات، والتي نُشرت نتائجها هذا العام في أهم المجلات العلمية. وقد حصل فريق جامعة "ديوك" والمتعاونون معه على تمويل بقيمة 17.5 مليون دولار من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) في سبتمبر، وهو ما يعدّ الجزء الأكبر من تمويل المؤسسة المخصص للتوصل إلى فيروس شامل لمجابهة سائر الفيروسات التاجية حتى الآن. يأتي ذلك بعد رفض المراجعين الخارجيين اقتراحاً بتمويل منحة حكومية في عام 2020، لأنَّهم لم يروا الحاجة إلى ذلك، وفقاً لبارتون هاينز، مدير معهد "ديوك" للقاحات البشرية.
تقنية أسهل
أيضاً، هناك تقنية واعدة رئيسية أخرى للقاحات الشاملة المضادة لجميع الفيروسات التاجية تقوم على الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، التي من شأنها التأكد من قيام خلايا الجسم بالعمل اللازم لإنتاج اللقاح، كما تفعل في لقاحات "كوفيد" المتاحة الآن. لكن على عكس معظم الخيارات الأخرى؛ لا يتضمّن تصنيع لقاحات "الرنا المرسال" زراعة البروتينات أو الفيروسات في الخلايا الحية، مما يجعلها خياراً يسهل تطبيقه على نطاق واسع. وفي وقت سابق من هذا العام؛ حقق عالم الفيروسات بجامعة ولاية نورث كارولينا، ديفيد مارتينيز، وزملاؤه، تقدماً كبيراً فيما يتعلق بإنتاج لقاح شامل لمكافحة الفيروسات التاجية المتعددة، استناداً إلى تقنية "الرنا المرسال"، وذلك من خلال تصميم نموذج أولي للقاح يقوم بتوجيه الخلايا لإنتاج هجين من بروتينات "سبايك". تقوم هذه البروتينات بدمج الشفرة الجينية لأجزاء متعددة من الفيروسات التاجية في البشر والخفافيش، مما ينتج عنه استجابة مناعية طويلة المدى. ويوضح مارتينيز: "يمكنك وضع أجزاء من فيروس تاجي شبيه لتلك الفيروسات في اللقاح. وبذلك، تجعل لقاح بروتينات "سبايك" أكثر شمولاً".
يقوم أحد اللقاحات، التي اختبرها باحثو جامعة ولاية نورث كارولينا، بتوجيه الخلايا لإنتاج بروتين "سبايك" هجين من ثلاثة فيروسات مقسمة بالتساوي: ثلث الشفرة الجينية لفيروس "سارس"، وثلث من "كوفيد-19" الأصلي، وثلث آخر من أحد الفيروسات التاجية في الخفافيش يعرف بـ(HKU3-1). ووفقاً للنتائج التي نشرها الباحثون في مجلة "ساينس" (Science)، في يونيو؛ فقد تمتعت فئران المختبر التي تلقت اللقاح بالحماية من فيروسات "سارس"، و"سارس- كوف- 2"، وسلالة أخرى من الفيروسات التاجية في الخفافيش لم يجرِ تضمينها في اللقاح.
الاستجابة المناعية
تستهدف العديد من الأجسام المضادة التي يتم تصنيعها استجابةً للعدوى ولقاحات "الرنا المرسال" الطرف الفاعل في بروتين "سبايك" بالفيروسات التاجية، وهو الجزء الموجود على السطح العلوي، والذي يرتبط بالمستقبلات الموجودة على سطح الخلايا البشرية. لكن هذا الجزء يتحور بسرعة، لذلك؛ يحاول العديد من العلماء توجيه الاستجابة المناعية تجاه أجزاء من البروتين يقل احتمال اختلافها بين الفيروسات التاجية ذات الصلة. ويعكف دوين ويسمان، عالم الأحياء في كلية الطب بجامعة هارفارد، على مقارنة عينات الدم من الأشخاص الذين تم تطعيمهم، أو عانوا من أعراض "كوفيد" الخفيفة لمحاولة تحديد أفضل استراتيجية لتصميم لقاحات شاملة. وقد وجد ويسمان أنَّ مرضى "كوفيد" السابقين يميلون إلى إنتاج أجسام مضادة أقل نسبياً في البداية، ولكن متنوعة، وأنَّ الأجسام المضادة التي تكافح العديد من الفيروسات التاجية تميل إلى استهداف الجذع السفلي من بروتين "سبايك" في تلك الفيروسات، وتكون أقل شيوعاً. و مما يدعم النظرية سالفة الذكر؛ رصد الباحثون في جامعة واشنطن، الذين يعملون مع شركة "فير بايوتكنولوجي" (Vir Biotechnology)، ومقرها سان فرانسيسكو، بالفعل، بعض الأجسام المضادة النادرة التي تستهدف الجذع السفلي لبروتين "سبايك" في "كوفيد"، ويمكنها تحييد العديد من الفيروسات التاجية الأخرى، بما في ذلك "سارس1"، والفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي تعرف اختصاراً بـ"ميرس"، وحتى بعض فيروسات البرد الشائعة، وفقاً للنتائج المنشورة في مجلة "ساينس"، في أغسطس. بالإضافة إلى تقديم أدلة حول كيفية تصميم لقاحات مضادة لسائر الفيروسات التاجية؛ فإنَّه من الممكن أن تتمخض هذه الدراسات أيضاً عن علاجات بالأضداد وحيدة النسيلة لأولئك الذين تم تشخيص إصابتهم بـ "كوفيد".
تجارب قريبة على البشر
أخيراً، لا يحاول بعض الباحثين مهاجمة بروتين "سبايك" فحسب؛ ولكنَّهم أيضاً يسعون إلى تحفيز جوانب أخرى من الاستجابة المناعية. وفي هذا الإطار، تركز "غريتستون" (Gritstone Bio)، وهي شركة تكنولوجيا حيوية يقع مقرها بالقرب من سان فرانسيسكو، على اللقاحات التي تعزز، أيضاً، خط الدفاع الرئيسي الآخر للجهاز المناعي ضد الفيروسات المتمثل في الخلايا التائية القاتلة (T-cells)، والتي يمكنها التعرف على الخلايا المصابة بالفيروسات والقضاء عليها. ونظراً لأنَّ الخلايا التائية تتجه إلى البروتينات الفيروسية الداخلية التي تقل احتمالية تحورها؛ فقد تكون الحماية التي توفرها أقل عرضة للمتغيرات الفيروسية من اللقاحات التي تعتمد كلياً على بروتينات "سبايك". وتعكف "غريتستون" على اختبار العديد من اللقاحات التي تستخدم تقنية "الرنا المرسال" لتوجيه الخلايا لإنتاج بروتين "سبايك" في الفيروس المسبب لـ"كوفيد"، تماماً كما تفعل اللقاحات الحالية. ولكنَّها تقوم كذلك بإضافة بروتين آخر يوجد في الفيروسات التاجية، وهو بروتين "نوكليوكابسيد" بحيث تستهدفه الخلايا التائية. الهدف من تلك الخطوة هو التوصل إلى لقاح يحفز انتشار الخلايا التائية ضد المناطق التي تحتوي على بروتين "نوكليوكابسيد"، والتي لا تختلف اختلافاً كبيراً عن الفيروسات ذات الصلة. وفي هذا السياق، تقوم إحدى التجارب في المملكة المتحدة باستخدام تلك الاستراتيجية للتوصل إلى لقاح معزز، في حين من المقرر أن تبدأ تجربة بشرية أخرى في جنوب أفريقيا في أواخر عام 2021.
التمويل.. يبقى الأهم
على المدى الطويل، قد يتضح أنَّ الجزء الأصعب في تطوير لقاح شامل ضد جميع الفيروسات التاجية هو التمويل وليس العلم. بحسب الوضع الحالي؛ فإنَّ أكثر الحوافز التجارية وضوحاً تتعارض مع ابتكار وتصنيع لقاحات شاملة للوقاية من جميع الفيروسات التاجية، إذ من المتوقَّع أن تجني الشركات الكبرى مثل "موديرنا"، و"فايزر" عشرات المليارات من الدولارات خلال العامين، الجاري والمقبل، من بيع لقاحات "كوفيد" والجرعات المعززة. وإذا استمرت المتغيرات مثل "دلتا" و"أوميكرون" في الظهور؛ فستستمر الشركات في تحقيق الربح من خلال تعديل منتجاتها الحالية بجرعات تعزيزية رابعة وخامسة وسادسة. الأمر الذي من شأنه أن يقدم لتلك الشركات حافزاً أقل لإعطاء الأولوية لإنتاج اللقاحات المضادة لسائر المتغيرات، والتي قد تحل المشكلة إلى الأبد.
يقول كوري كاسبر، الذي يرأس معهد أبحاث الأمراض المعدية في سياتل، الذي يعمل أيضاً على التوصل إلى لقاح شامل ضد الفيروسات التاجية: "لن تموّل شركتا (فايزر) و(موديرنا) تلك اللقاحات". ورداً على طلب للتعليق على هذا التأكيد من جانب كاسبر؛ قالت "فايزر"، إنَّ المعززات تظل "أفضل استراتيجية متاحة حالياً للحماية من المتغيرات المنتشرة والمثيرة للقلق". في حين نفت "موديرنا" أنَّها ستؤخر المضي قدماً في تطوير لقاح شامل لحماية أعمالها الحالية. ويقدّر كاسبر أنَّ تكلفة إجراء التجارب واسعة النطاق للتوصل إلى اللقاح الشامل وتصنيعه ستبلغ 600 مليون دولار، واصفاً ذلك "باستثمار صغير مقارنةً بما يمكن أن يسفر عنه من عوائد ضخمة مستقبلاً".
مع ذلك؛ كما هو الحال في كل مرة تتعارض الحاجة العامة مع الواقع التجاري؛ فإنَّه من المرجح أن يتطلب الأمر ضخ مبالغ كبيرة من التمويل الحكومي وغير الربحي. غير أنَّه لم يتضح بعد من أين ستأتي كل الأموال، أو ما هي الدول التي ستوفرها، على الرغم من أنَّ تحالف ابتكارات التأهب الوبائي يقول، إنَّه ملتزم بتقديم لقاح مضاد لسائر الفيروسات التاجية. في نهاية المطاف، تعتبر الدول أيضاً أكثر المشترين احتمالية، وقد لا تمضي الشركات قدماً إذا لم يكن هناك ما يضمن شراء اللقاحات وتخزينها. يقول كاسبر، إنَّه منذ ظهور "أوميكرون"، تلقي العديد من الاتصالات من المسؤولين الحكوميين الذين يبدون مدركين تماماً لضرورة التوصل إلى مثل هذا اللقاح. ومع ذلك؛ فإنَّه لا يسمع، في الغالب، سوى "عبارات جوفاء"، عندما يتعلق الأمر بالتمويل.
تعويل على وعي الحكومات
يقول جيسون ماكليلان، عالم الأحياء البنيوية بجامعة تكساس في أوستن، والذي يعمل أيضاً على اللقاحات الشاملة: "لو كانت الحكومات تمتلك مخزونات من تلك اللقاحات، كانت ستتمكن من إعطائها للفئات الأضعف من السكان بسرعة، وتوفير الوقت حتى يمكن تطوير تدخلات طبية مصمّمة لمكافحة كل فيروس على حدة". ويوضح ماكليلان: "يمكنك الحصول على لقاح مضاد للعديد من الفيروسات التاجية الحالية أو الفيروسات المستقبلية، والذي ربما تتراوح فاعليته بين 60% إلى 70%، ويمكن استخدامه مبكراً في الجائحة لتخفيف حدة الموجة الأولى. تخيّل لو كان لدينا، في فبراير أو مارس 2020، لقاح فعال بنسبة 60% إلى 70%، فكيف كان سيساعد ذلك في تقليل حالات الإدخال إلى المستشفيات".
ما يزال وانغ، عالم الفيروسات بكلية الطب "ديوك- نوس"، متفائلاً بأنَّ الحكومات والشركات ستدرك حكمة الاستثمار في هذا المجال، وهو يخطط لقضاء شهور أو سنوات داخل معمله بإحدى البنايات الشاهقة في سنغافورة، لإتقان تركيب لقاحه المرشح لمكافحة سائر الفيروسات التاجية. وإذا بدا اللقاح واعداً خلال مرحلة التجارب على الحيوانات؛ فإنَّه يأمل في أن يجتذب المزيد من الأموال ليجتاز مرحلة التجارب البشرية وتصنيع اللقاح. يقول وانغ: "قبل "كوفيد"، لم يكن من الممكن تصور ذلك. لكن العالم تغيّر، وهذا ما يسمى بالتطوير الوقائي للقاحات".