كيف سيكون شكل الحياة الحضرية للبشر على كوكب المريخ؟

الحياة الحضرية على المريخ - المصدر: بلومبرغ
الحياة الحضرية على المريخ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان انضمام مجموعة دولية من المفكرين في أكتوبر الماضي إلى المؤتمر الافتراضي لعام 2021 لجمعية المريخ، التي دعت إلى استيطان الكوكب الأحمر منذ عام 1998، دليلاً على إمكانية الصعود إلى هذا الكوكب فجأة في عصر شهد إطلاق صواريخ منخفض التكلفة ورحلات الفضاء أو رحلات ويليام شاتنر الفضائية. ويبدو أن المناقشات التي دارت في الغالب داخل هذا المؤتمر كانت تتعلق بالخدمات اللوجستية العادية، إلى جانب مناقشات أخرى، مثل كيف يمكن سجن المجرمين؟ ماذا يعني الجنس الآمن في بيئة منخفضة الجاذبية ومنخفضة الأوكسجين؟ وهل يجب أن يحتوي المريخ على أبرشية كاثوليكية؟

اقرأ أيضاً: "ناسا" تستعين بخبرات "بيزوس" وجنرال إليكتريك ولوكهيد لإطلاق رحلات إلي المريخ

بدء الرحلات قريباً

بالنسبة إلى الكثيرين، فإن سير الأحذية على تربة المريخ المغبرة أو الثرى، يبدو أقرب من ذي قبل، أو على الأقل قريباً مثل رحلة طيران مدتها ستة أشهر ومسافتها تبلغ 140 مليون ميل. وتستهدف إدارة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" وشركة "سبيس إكس" (SpaceX) التابعة للملياردير إيلون ماسك، هبوط البشر على سطح المريخ في غضون العقدين المقبلين. وبالتالي بدأت مجموعة متزايدة من المخططين الحضريين والمهندسين المعماريين والمصممين وعلماء الفيزياء الفلكية ورجال الأعمال والفلاسفة، في وضع تصوّرات لشكل مدن ومنازل المريخ المستقبلية.

اقرأ المزيد: طموح "ماسك" إلى المريخ قد يكون أكثر المهمات البشرية خطورة على الإطلاق

علماء كثيرون يعتقدون بأن كوكب المريخ مرشح أفضل من سطح القمر للاستيطان طويل الأمد، مهما كان مقدار الماء الذي يُعتقد بأنه مجمد في البحيرات الجوفية. وحتى في ظل ثاني أكسيد الكربون الذي يشكل 95% من غلاف المريخ الجوي الذي يُعد رقيقاً للغاية، والتعرض الأكثر كثافة للإشعاع الشمسي. مع ذلك، فإن ثرى الكوكب الأحمر مليئ بالمغذيات، وإن كان متوسط السُمية، كما تكثر رواسب الخام التي تحتوي على الحديد والألمنيوم والمعادن الأخرى. كذلك، تمثل جاذبية المريخ 38% فقط من مستوى جاذبية الأرض، وبالتالي فإن رفع الأشياء الثقيلة على الكوكب الأحمر سيكون أسهل.

اقرأ أيضاً: تاكسي الفضاء.. رحلات سياحية إلى خارج كوكب الأرض

يقول بيارك إنجلز، المؤسس المشارك والمدير الإبداعي لشركة الهندسة المعمارية "بجارك إنغلز غروب" (Bjarke Ingels Group - BIG): "إنه حلم من أحلام المهندس المعماري".

تصاميم للمستعمرات المستقبلية

إنغلز يأتي ضمن عدد من المهندسين المعماريين والمصممين الذين يعملون على تصميم الرسوم التخطيطية والحلول الخاصة بالمستعمرات المستقبلية، والذين يستلهمون تصاميمهم من المستكشفين الأوائل مثل زوار الجزر البولينيزية والبحارة الأوروبيين.

يقول جيسون بالارد، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا البناء "أيكون" (Icon): "بالنسبة لهؤلاء المستوطنين، كان تعلم العيش على الأرض يشكل دائماً نوعاً من الشروط الأساسية للنجاح". جدير بالذكر أن شركة "أيكون" عقدت شراكة مع "بجارك إنجلز غروب" لإنشاء نموذج أولي لمستوطنة مساحتها 1700 قدم مربع تحت اسم "مارس دون ألفا" (Mars Dune Alpha).

بالطبع، يجب إتمام أمور كثيرة قبل بدء تشييد أي مدينة على سطح المريخ، حتى بعد المهمة الكبيرة التي تتمثل في الهبوط البشري بأمان على سطحه.

من جانبها، تعتقد لوسي برثود، بروفيسور هندسة النظم الفضائية في جامعة بريستول، أن الإنسان سيحتاج على الأرجح إلى بناء قاعدة خارج مدار محطة الفضاء الدولية للمساعدة في ضبط العمليات اللازمة لاستكمال رحلة آمنة مدتها ستة أشهر إلى المريخ.

يتعين على العلماء أيضاً إتقان التكنولوجيا اللازمة لإنتاج الأوكسجين والماء من ثاني أكسيد الكربون على سطح المريخ، كجزء من نهج متبع للاستيلاء على المواد المتاحة، والذي يُعرف باسم "استخدام الموارد في الموقع". عن ذلك، تقول برثود: "هذا هو التمكين الأكبر عندما يتعلق الأمر بالتنفس في المقام الأول، بل وأيضاً في ما يتعلق بالوقود من أجل العودة إلى أرض الوطن".

طباعة ثلاثية الأبعاد

هناك عمل يتوجب إنجازه أيضاً على صعيد تحسين أسلوب الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصبح قادرة على بناء بيئات كبيرة من الثرى. ويوضح برثود: "إذا قال لي أحدهم، هل يمكننا فعل ذلك غداً؟ سأقول نعم.. طالما أنك تسخر الموارد -ليس الموارد البشرية فقط بل وأيضاً الموارد المالية- في ذلك".

يقول المشككون إن هذه هي المشكلة بالضبط. فمن السخرية في أحسن الأحوال ومن المخزي في أسوأ الأحوال إنفاق مليارات من الدولارات للفرار من الكوكب بدلاً من مواجهة تحدي الحدّ من الانبعاثات الكربونية أو عرقلة النمو للمحافظة على الأرض. لكن أكثر المدافعين المتحمسين لفكرة الاستيطان يجادلون بأن الكوكب الأحمر قد يكون أرضية اختبار لأساليب العيش المستدامة، فضلاً عن اعتقادهم بأن الأنظمة الاقتصادية والتقنيات الصديقة للبيئة وفن العمارة المطورة هناك، من شأنها جعل مدن الأرض أقوى. وأكثرهم تفاؤلاً يعتقد بأن مستوطني المريخ سيحظون بفرصة فريدة لخلق مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً وثراء. وفي النهاية، ستكون هناك قرون من التجربة والخطأ للاستفادة منها.

من جانبه، يعتقد غويليم أنغلادا-إسكوديه، عالم الفيزياء الفلكية وأحد العقول العلمية الرئيسية وراء مشروع "نوا" (Nüwa)، بأن الاستيطان جهد جماعي مدفوع من قبل مستوطنين على استعداد "للإسهام قدر المستطاع". ويُعرف مشروع "نوا" (Nüwa) بأنه مشروع استيطاني على كوكب المريخ، تم ابتكاره من قبل مركز الأبحاث "سونت" (SONet) وإستوديو الهندسة المعمارية والتصميم "أبيبو" (Abiboo).

يقول روبرت زوبرين، مؤسس جمعية المريخ: "مثلما قال توماس مع اندلاع الثورة الأمريكية، نحن نحتفظ بها في قوتنا لبدء العالم من جديد. "نريد أن نحاول تقديم أفضل ما في وسعنا وترك الأسوأ وراء ظهورنا".

مع ذلك، لم يُذكر أن الثورة الأمريكية تسببت أيضاً في التهجير والاستعباد والتدهور البيئي.

يقول فريد شارمن، مؤلف الكتاب القادم "قوى الفضاء: أساطير تحيط بالحياة في الفضاء الخارجي": "هناك مفارقة تكمن في أنه مع كل 10 أو 15 عاماً تمرّ، نشهد ظهور مثل هذه الفكرة في ثقافة تفيد بأن هذه التكنولوجيا الجديدة التي أصبحت على وشك الظهور ستنهي الندرة والنقص والظلم". هذه التكنولوجيا كانت ستكون سيارة أو ناطحة سحاب أو حاسوباً شخصياً.

يتساءل شارمن، وهو أيضاً معلم هندسة معمارية وتصميم حضري في جامعة مورغان في بالتيمور: "كم مرة سنستمر في الوقوع في هذا الأمر؟".

نظام لتوفير الغذاء

مع ذلك، بعض هذه التقنيات تبعث على الأمل في جعل الأمور أفضل على كوكب الأرض. فعلى سبيل المثال، تعمل شركة "إنترستيلر لاب" (Interstellar Lab)، المتخصصة في تكنولوجيا النظم الحيوية، على بناء نظام نموذجي مكوّن من قباب مغلقة قابلة للنفخ ومصممة بنظام حاضنة للزهور والخضروات والحشرات التي تعيش في البيئات القاحلة. وهذه القباب يمكن استخدامها يوماً ما للمساعدة في إطعام مستوطني المريخ، وحالياً تتلقى شركة "إنترستيلر" طلبات مسبقة من الشركات التي تأمل في استخدام هذا النظام على الأرض.

مما لا شك فيه أن احتياجات المستوطنات القائمة على المريخ -المتمثلة في الوحدات السكنية الكثيرة، وبناء بنية تحتية دون الاعتماد على الوقود الأحفوري، وإنشاء أنظمة مكتفية ذاتياً تعتمد على الموارد المحلية- تتشابه جميعها مع احتياجات الكرة الأرضية أيضاً. وبالتالي، يقول برثود: "لا فائدة من الذهاب إلى المريخ إذا لم نعتنِ بما نحتاجه. لن يكون لدينا مكان يمكننا العودة إليه".

مشروع "نوا"

هذه المدينة المقترحة، التي سميت على اسم آلهة الأساطير الصينية التي خلقت البشر من الطين الأصفر وعملت على حماية الكون، تقع في تيمبي مينسا، وهي منطقة مترامية الأطراف مكونة من المنحدرات والأخاديد المريخية.

يتصور علماء الفيزياء الفلكية والعلماء من "سونت" والمهندسون المعماريون من "أبيبو" أنها عاصمة مزدهرة وبمنأى عن الإشعاع، نظراً للبيئة الصخرية المحيطة بها، لكن الضوء الطبيعي لا يزال قادراً على شق طريقه إليها.

من المنتظر تقديم "نوا" في تيمبي مينسا. فقد حدد ألفريدو مونوز، مؤسس شركة "أبيبو"، عامي 2035 و2065 باعتبارهما فترة جيدة بشكل خاص لبعثات الاستيطان، حيث ستكون مدارات الأرض والمريخ قريبة نسبياً في هذا الوقت. ربما تستهدف الرحلة الأولى إنشاء مستعمرة تضم 400 عالم، بينما الرحلة التالية قد تستهدف تكوين مدينة يزيد عدد قاطنيها على 150 ألف شخص.

الجدير بالذكر أن "القبة الخضراء" تُعرف بأنها حديقة صناعية واسعة مصممة لاستحضار المساحات الطبيعية على الأرض.

يقول مونوز، إن "المدينة لا يتم إنشاؤها من قبل المخطط الحضري، بل إنها من صنع الناس الذين يعيشون في المدينة". وأضاف: "أولاً، يجب أن يكون هناك بعض الأساسيات، أليس كذلك؟ فأنت بحاجة إلى بعض المنازل ونهر وبعض الموارد. ومن هذه النقطة تبدأ المدينة في النمو".

المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"
المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"

المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"
المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"

المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"
المصدر: ستوديو "أبيبو وأونتيكو"

مارس دون ألفا

الإقامة

تعمل وكالة ناسا على تمويل مشروع المستوطنة، المنشأة بالشراكة بين "أيكون" و"بجارك إنغلز غروب". وقد أُنشأ النموذج الأولي للمستوطنة في مركز جونسون للفضاء (Johnson Space Center) في هيوستن، من خلال طابعة ثلاثية الأبعاد تستخدم "لافاكريت"، الذي يُعرف بأنه مزيج إسمنتي من نسيج ولون الثرى المريخي. وثمة متاهة مكونة من غرف صغيرة لتناول الطعام والمتعة والنوم تحت السقف المضلع الشكل للمستوطنة.

ابتداء من الخريف المقبل، سيمكث أربعة أشخاص داخل المستوطنة لإجراء أول محاكاة للحياة على المريخ لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام. والجدير بالذكر أن الأهداف المباشرة للمشروع تتكون من شقين، أحدهما يتمثل في تعلم كيفية بناء منزل على الكوكب الأحمر، والآخر في تعلم كيفية العيش داخل منزل. على المدى الطويل، نأمل في أن يتم إرسال طابعة ثلاثية الأبعاد إلى المريخ لتشييد البنية التحتية بشكل مستقل.

يقول بالارد، من "أيكون": "بالتأكيد، يعد بناء أول منزل بشري في عالم آخر هو النهاية العميقة لحمام السباحة. إنها مثل الماس الأسود المزدوج لمشاريع البناء".

يمكن أن يكون هناك تصور تقريبي لموائل المريخ، حيث تشهد الموائل ثلاثية الأبعاد تحسناً مقارنة بالموائل المعدنية أو القابلة للنفخ نظراً لأنها تسمح للبناة بتعديل الأبعاد أثناء الطيران وتشييد مستوى حماية أقوى من الإشعاع وتقلبات درجات الحرارة والنيازك الدقيقة.

يقول بالارد إن التمويل الوفير الذي تقدمه "ناسا" وتركيزها على جعل العمليات مستقلة، يدفعان بمجال الطباعة ثلاثية الأبعاد بالكامل، ما يعزز الأهداف الدنيوية المتمثلة في تصنيع منازل منخفضة التكلفة ومنخفضة النفايات بشكل سريع.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

المصدر: "أيكون" و"بجارك إنغلز غروب"
المصدر: "أيكون" و"بجارك إنغلز غروب"

المصدر: "أيكون" و"بجارك إنغلز غروب"
المصدر: "أيكون" و"بجارك إنغلز غروب"

بيوبودز

تم تصميم القباب القابلة للنفخ التابعة لشركة "إنترستيلر لاب" لتعتبر بمثابة أغلفة بيئية خالية من الأمور المسببة للأمراض، فهي عبارة عن صوبات زراعية قائمة بذاتها ومعزولة عن الغلاف الجوي ومجهزة بأجهزة استشعار لتنظيم درجة الحرارة والضغط والرطوبة. لقد فازت الشركة في مسابقة "ديب سبيس فود" (Deep Space Food Challenge) التابعة لـ"ناسا" في أكتوبر، وهي الآن تضع نصب أعينها شحن حجرات سبات صغيرة إلى مدار أرضي منخفض في الأشهر الـ12 المقبلة، ومن ثم تخطط لنقلها إلى مدار القمر، وفي النهاية إلى المريخ.

تتشكل محطة المريخ التجريبية البيولوجية (EBIOS) من حجرتين صغيرتين لزراعة النباتات، إحداهما لمعالجة المياه والنفايات والآخرى للموئل، كما يتكون الغلاف الجوي للمريخ من ثاني أكسيد الكربون، الذي يُمكن للقباب تصفيته وإدخاله إلى داخل الحجرة الصغيرة لتحفيز المحاصيل.

تقول باربرا بيلفييي، المؤسسة والمديرة التنفيذية لشركة "إنترستيلر": "عندما يتعلق الأمر بالنباتات التي يمكن أن تنمو، ليست هناك معرفة تقنية حقيقية لدى أي شخص، نظراً لعدم وجود نباتات على سطح المريخ"، لكنها تؤكد أن النباتات بإمكانها النمو هناك، وبالتالي فإن التحدي يتمثل في العثور على المزيج الصحيح من الغطاء النباتي لتلبية كافة الاحتياجات الغذائية للإنسان.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

تشير بلفيسي إلى أن زراعة الفانيليا والزهور أثبتت نجاحها على سطح المريخ. كانت الشركة، ومقرها باريس ولوس أنجلوس، التي جمعت ما يزيد قليلاً على 3 ملايين دولار من أجل تمويل المشاريع، تبيع تلك الزهور مقابل 200 ألف دولار للعملاء العاملين في مجال مستحضرات التجميل والصناعات الزراعية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك