تعاني الولايات المتحدة من الطريقة التي ستمارس بها ضغطاً مالياً على طالبان لكي لاتعود أفغانستان ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية الدولية. وتزداد جهودها تعقيداً بسبب ندرة القنوات المصرفية الرسمية.
تطلَّعت طالبان منذ فترة طويلة إلى الاعتراف الدولي، وبعد استعادتها السيطرة على أفغانستان مؤخَّراً؛ ستُصبح مكانتها على المسرح العالمي عاملاً أساسياً لبقاء الوضع الاقتصادي للبلاد على قيد الحياة.
تستطيع الولايات المتحدة جلب طالبان إلى طاولة المفاوضات كي تعرض عليها تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل حماية حقوق الأقليات والنساء، ومنع الجماعات الإرهابية- مثل تنظيم القاعدة- من إعادة بناء قاعدتها في أفغانستان، أو تجديد جهود تمويل الإرهاب. لكنَّ وزارة الخزانة الأمريكية تتّبع النظام المالي العالمي كمنهج رئيسي في تطبيق هذه القيود. و ماتزال أفغانستان غالباً خارج هذا النظام، وتعتمد بدلاً منه على الدولار الورقي، والنظام القائم على الثقة المعروف بالحوالة.
في هذا الشأن، يقول أليكس زيردن، ملحق وزارة الخزانة السابق في كابول في عامي 2018 و2019: "إنَّ النظام المصرفي ضعيف، ويُمثِّل النظام المالي الرسمي جزءاً صغيراً للغاية من الاقتصاد"، مضيفاً أنَّ صناعة الحوالة مهمة لأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية، لكنَّ تأثير العقوبات يُمكن أن يكون محدوداً.
يعمل زيردن مديراً للشركة الاستشارية المتخصصة في التكنولوجيا المالية والأصول الرقمية بواشنطن" "كابيتول بيك ستراتيجيز"، ويشعر بالقلق إزاء تراجع المكاسب التي حقَّقتها الولايات المتحدة في العشرين عاماً الماضية في تنظيم صناعة الحوّالة، قائلاً، إنَّه "قد تكون لذلك عواقب وخيمة على تمويل الإرهاب وغسيل الأموال في البلاد والمنطقة بأكملها".
في شهر يناير، قال تقرير لوزارة الخزانة، إنَّ طالبان "حافظت على علاقة قوية" مع تنظيم القاعدة، وتجتمع معها بشكل منتظم، مشيراً إلى أنَّ "القاعدة تكتسب قوة في أفغانستان، في حين تواصل العمل مع طالبان تحت حماية طالبان".
ورفضت متحدِّثة باسم وزارة الخزانة الكشف عمَّا إذا كانت الوكالة ماتزال تتمسَّك برأيها السابق.
أصول مجمَّدة
تبذل إدارة الرئيس جو بايدن حالياً جهوداً لإيقاف تدفُّق الأموال إلى أيدي طالبان، من خلال تجميد الولايات المتحدة نحو 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي للبلاد، "دا دي أفغان بنك"، المعروف بـ"داب" DAB. ويُشير محافظه أجمل أحمدي إلى أنَّ 7 مليارات دولار من ذلك المبلغ توجد مع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
كما أوقفت إدارة بايدن الشحنات النقدية، وأبقت وزارة الخزانة على إدراج طالبان في قائمة العقوبات.
وبالرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لتعزيز الاقتصاد والقطاع المصرفي الأفغاني لمدة 20 عاماً؛ إلا أنَّ حالة البلاد بدائية إلى حد كبير، إذ يعيش نحو 74% من السكان في المناطق الريفية، في حين تتخذ أغلب مصارفها من المدن الثلاث الكبرى مقرّاً لها، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ونظراً لعدم قبول العملة الأفغانية في التجارة العابرة للحدود؛ يعتمد الاقتصاد على الدولار الأمريكي والحوّالات، وهو نظام قائم على الثقة منذ عقود في نقل النقد للتجارة الدولية في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا بأكمله، قبل ظهور الخدمات المصرفية الحديثة. و ماتزال الحوّالة جوهرية في الأنظمة المالية بالعديد من تلك الدول، وخصوصاً أفغانستان.
من هذا المنطلق، استهدفت السلطات الأمريكية بعض شبكات الحوّالة التي تساعد الإرهابيين في نقل الأموال.
في غضون ذلك، تسأل طالبان موظفي "داب" عن أصول البلاد، وفقاً لأحمدي خريج جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي لفترة وجيزة بوزارة الخزانة الأمريكية، قائلاً في تغريدة له في وقت مُبكِّر من يوم الأربعاء، إنَّ الأموال محفوظة في "أصول آمنة وسائلة، مثل سندات الخزانة والذهب. لم تتعرَّض الاحتياطيات الأفغانية العالمية للخطر بأيِّ حالٍ من الأحوال."
تغريدة أجمل أحمدي
وفي مقابلة هاتفية يوم الأربعاء، قال أحمدي، إنَّ طالبان "ستواجه مشكلات مستقبلية تتعلَّق بكيفية تخفيف تأثير التحرُّكات الأمريكية الأخيرة لوقف التدفُّق النقدي على الاقتصاد الأفغاني".
وتعهدت الجماعة بتأسيس حكومة جامعة للأطراف كافةً، وحماية حقوق المرأة "في حدود الشريعة الإسلامية"، ومنع استخدام الأراضي الأفغانية لاستهداف أي دولة أخرى، بعد أنْ نحَّت الحكومة المدعومة من الغرب جانباً، لكي تُنهي عقدين من الحرب. .
إلا أنَّ الكثيرين يُشكِّكون بشدَّة في أنَّ جاذبية طالبان الحالية تُمثِّل تحوُّلاً في حكمها الأصولي، وظهرت تقارير حول حالات الزواج القسري، والتمييز ضد الموظفات، وإصدار أوامر للرجال بإطلاق اللحى، في الوقت الذي فرَّ الآلاف من السكان إلى البلدان المجاورة خوفاً من الحياة تحت حكم المتمرِّدين.
ويعدُّ إقناع المجتمع الدولي بالتزام الجماعة بكلمتها أمراً جوهرياً في حال رغبت قيادتها في الحصول على اعتراف ضمني على الأقل من الولايات المتحدة وحلفائها كحكام جدد لأفغانستان.
ربما بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين فعلياً بالضغط على الدول الأخرى لعدم الاعتراف بالحركة، فقد تحدَّث مع نظرائه في كلٍّ من الصين وروسيا يوم الإثنين بعد تقارير حول انفتاح البلدين على العمل مع طالبان. ففي الشهر الماضي، وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي طالبان بأنَّها "قوة عسكرية وسياسية محورية"، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".
وقال مسؤول بوزارة الخزانة، إنَّ الولايات المتحدة تتخذ خطوات لمنع طالبان من الوصول إلى حقوق السحب الخاصة.
طريقة ضغط واحدة
وبين العقوبات والفشل في الحصول على اعتراف دولي، تتضاءل خيارات المجموعة للحصول على النقد، وربما يُمهد ذلك الطريق إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة ودول أخرى حول كيفية تشكيل حكومة جديدة.
بدورها، أشارت بيانات البنك الدولي إلى أنَّ نحو 75% من الإنفاق العام يتمُّ من خلال المساعدات الدولية، في حين يتكوَّن الجزء الرئيسي من الاقتصاد غير المشروع إلى إنتاج الأفيون والباقي من التهريب. ويستطيع المجتمع الدولي الضغط على طالبان من خلال طريقة واحدة تتعلَّق بإبطاء أو منع أموال المانحين من الوصول إلى النظام.
في الوقت نفسه، تدرس وزارة الخزانة الأمريكية التدخل في صندوق النقد الدولي لكي تمنع أفغانستان بقيادة طالبان من استخدام حوالي 450 مليون دولار من الاحتياطيات، وفقاً لمصدر مُطَّلع على الأمر، في حين توقَّع "داب" الحصول على نحو 340 مليون دولار من ذلك المبلغ خلال أسبوع، وفقاً لقول أحمدي.
يتطلَّب استخدام هذه الأموال اعترافَ صندوق النقد الدولي بحركة طالبان، وفي حين تعدُّ الولايات المتحدة المساهم الأكبر في صندوق النقد الدولي، يحتاج المجتمع الدولي إلى الإجماع لاتخاذ مثل هذه القرارات. ورفض كلٌّ من وزارة الخزانة، وصندوق النقد الدولي التعليق على الأمر.
ويرى جوش ليبسكي، مدير مركز "جيو إيكونوميكس" التابع للمجلس الأطلسي، أنَّ "الشعب الأفغاني حالياً يتعرَّض إلى خطر هائل" بسبب نضوب المساعدات الدولية، قائلاً، إنَّه من المرجَّح أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تعزيز أسعار المواد الغذائية، وزيادة الضغط على الدولة الفقيرة.