مع انتهاء الربع الأول وقرب الإعلان عن النتائج المالية، ستكون المؤشرات الخاصة بفجوة السيولة (نسبة القروض إلى الودائع) لدى البنوك السعودية مرة أخرى تحت الأنظار. فقد أظهرت نتائج 2023 استمرار تفوّق نمو القروض على الودائع وارتفاعه إلى نحو 99.2% وفقاً للبيانات الصادرة عن المصارف وجمعتها "الشرق". وهو عامل يحد من القدرة على الإقراض.
وذهبت "بلومبرغ إنتيلجنس" أبعد من ذلك عبر إشارتها، في تقرير أعده كبير المحللين، إدموند كريستو، إلى التمويل طويل الأجل لدى البنوك والممول من خلال ودائع قصيرة الأجل، ارتفع بنحو 204 مليارات دولار منذ عام 2018. مما رفع فجوة السيولة لديها إلى 11% من الميزانيات العمومية، أي ما يعادل فجوة بقيمة 111 مليار دولار في التدفقات النقدية في عام 2023، بزيادة 65.7% مقارنة بعام 2022.
يرتب استمرار ارتفاع فجوة السيولة مزيداً من الارتفاع في تكلفة التمويل لدى المصارف، كما ينعكس على مستويات النقد لديها. ومن شأن ذلك، أن يؤثر على صافي هامش الفائدة. فتكلفة الأموال الداخلة إلى المصارف تكون أعلى في حال الإقراض بالمقارنة مع سعر "السايبر" (تكلفة الإقراض بين البنوك لمدة ليلة واحدة).
بين الميزانيات وحسبة المركزي
بحسب الميزانيات المجمعة للبنوك السعودية عن 2023، سجلت نسبة القروض إلى الودائع ارتفاعاً إلى نحو 99.2% بزيادة نحو 2.5% مقارنة بنهاية 2022. فيما تظهر بيانات الإحصائية الشهرية للبنك المركزي السعودي (فبراير 2024) أنها تتراوح عند مستويات 79.64%. والتباين مرده، إلى اعتماد "ساما" مبدأ متوسط معدل القروض إلى الودائع.
على المستوى الفردي، واستناداً إلى نتائج 2023، يأتي "بنك الرياض" في المرتبة الأولى من حيث نسبة القروض إلى الودائع عند 107.6%، وذلك دون احتساب أي بنود أخرى في الميزانية قد تؤثر في هذه النسبة. في حين يعد "بنك الجزيرة" صاحب النسبة الأقل عند 85.9%.
فما هي خيارات البنوك لدعم مستويات السيولة لديها مستقبلاً؟
إقبال على أدوات التمويل
في ظل انخراط المصارف في تمويل مشروعات التحول المنبثقة من رؤية 2030، من المتوقع أن تتسارع وتيرة الإقبال المصرفي على طرح أدوات مالية. وتبقى تكلفة الاقتراض عبر الأدوات المالية (مثل السندات) أقل مقارنة بجذب مزيد من الودائع ودفع عوائد أعلى للمودعين؛ ما يمكّن البنوك من تحقيق هامش ربح أفضل. تبلغ تكلفة الإقراض لدى البنوك نحو 5.9 في المئة، ومن المرجح ارتفاعها مع استمرار الحاجة إلى مزيد من الودائع.
في تقرير "بلومبرغ إنتيلجنس" توقع كريستو أن يصل الإنفاق على المشاريع في المملكة العربية السعودية إلى نحو 660 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، استناداً إلى المشاريع التي جرى ترسيتها وفق بيانات "ميد" لشهر فبراير. ما يعني أن البنوك قد تحتاج إلى 396 مليار دولار خلال تلك الفترة، في حال مولت 60% من المشاريع المخطط لها عبر استخدام مزيج من الودائع والمزيد من الديون. وفي هذا السياق، طرح كريستو فرضية قيام صندوق الاستثمارات العامة برفع نسبة مساهمته في بعض المصارف، في إطار تركيزه على دعم النمو وارتفاع تكاليف الإقراض.
وأصبحت معالم خيار اللجوء إلى طرح أدوات أكثر وضوحاً منذ بداية العام الحالي، بعدما أصدرت 4 بنوك على الأقل أدوات وصكوك بقيمة نحو 3.7 مليار دولار. ومن شأن التوجه المرجح للفدرالي الأميركي للتخفيف من التشدد في السياسة النقدية، وما يفترضه من مواكبة المصارف المركزية له خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، أن تحفز مزيداً من البنوك السعودية لإصدار مزيد من الأدوات المالية، مستفيدة من انخفاض تكلفة التمويل بعد انخفاض أسعار الفائدة العالمية. وكانت "بلومبرغ إنتيلجنس"، قدرت وصول إصدارات البنوك السعودية إلى مستوى قياسي هذا العام عند 11.5 مليار دولار من السندات بالعملاء المحلية والأجنبية لدعم السيولة لديها.
يبدو أن الحد من التشدد في السياسة النقدية سيضفي مزيداً من المرونة على توجهات البنوك السعودية للاقتراض عبر أدوات الدين. ذلك عند الأخذ بعين الاعتبار أن هذه البنوك قد تكون بحاجة إلى الاستمرار في المحافظة على زخم الإصدارات بما يتراوح بين 10 إلى 15 مليار دولار حتى العام 2028 وفق تقديرات كريستو، لمواكبة التحولات الحاصلة في المملكة.
سيولة من المركزي
من الحلول الأخرى لردم الفجوة أو التخفيف منها، هو أن يتوجه البنك المركزي السعودي (ساما) لتوفير سيولة للقطاع، وهو إجراء جرى اعتماده خلال السنوات الماضية. ويعتبر ثامر السعيد رئيس الأصول في رصانة المالية في اتصال مع "الشرق بيزنس" أن هذا الخيار "مرجح وقريب"، نظراً لتوفير مستويات نقدية مرتفعة مع إمكانية إعادة توظيفها، معتبراً أنه ينطبق عليه المثل القائل "آخر العلاج الكي". ويعتقد أن البنك المركزي قد يوفر السيولة في هذه الحالة ككتلة (Bulk) ويزود كل مصرف وفق احتياجاته الخاصة المحتملة.