أزمات القطاع المصرفي ستستمر بغض النظر عن القوانين أو اللوائح التنظيمية المتبعة

القواعد التنظيمية لن تحول دون وقوع الأزمة المالية المقبلة

شعار بنك "كريدي سويس" في المقر الرئيسي خلف ساعة في زيوريخ، سويسرا  - المصدر: بلومبرغ
شعار بنك "كريدي سويس" في المقر الرئيسي خلف ساعة في زيوريخ، سويسرا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لكل من يتابع أخبار أزمات القطاع المصرفي في الولايات المتحدة وأوروبا ويتساءل عن أسباب حدوث ذلك كله مرة أخرى، أحمل لكم أخباراً سيئة. بغض النظر عن القوانين التي تحظى بالموافقة أو اللوائح التنظيمية التي تصدر، ستستمر أزمات القطاع– وسوف تتكرر.

من المنطقي محاولة الحد من هذه الأزمات أو الحيلولة دون وقوعها، كما أن الإصلاحات المنهجية التي أقرّتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد كانت ملائمة.

لكن الخطوات التي يمكن اتخاذها محدودة، وينبع ذلك جزئياً من طبيعة القواعد التنظيمية ذاتها، وأيضاً بسبب أن زيادة القيود المفروضة على البنوك ستؤدي حتماً إلى زيادة أنشطة الوساطة المالية خارج نطاق النظام المصرفي.

النموذج الكلاسيكي للعمل المصرفي

فكِّر في النموذج الكلاسيكي للعمل المصرفي، حيث تُستغل الالتزامات السائلة في تمويل أصول يصعب تقييمها ويتسم تسييلها بصعوبة نسبية، مثل القروض المقدّمة للشركات.

وهذا التفاوت بين خصائص الأصول والالتزامات هو سبب الحاجة للبنوك في الأساس، وهو أيضاً ما يجعل من الصعب فرض قواعد تنظيمية على البنوك. ذلك أنه إذا لم تتضح قيمة أصول البنك بالكامل للسوق، فلن تصبح واضحة للجهات التنظيمية هي الأخرى، ولا حتى للمودعين.

أحد سبل التعامل مع هذا التحدي هو تقييد عمل البنوك بحيث تقتصر على الأصول "الأكثر أماناً" وفرض متطلبات رأس المال. كل هذه الأفكار جيدة، لكنها ليست حلاً للمشكلة. فمثلاً، إذا اقتصر عمل البنوك على الأصول الأكثر أماناً، سيؤدي ذلك إلى انخفاض ربحيتها في الأوقات العادية ويدفع بها قرب الإعسار في الأوقات العصيبة.

المخاطر قد تنتقل لقطاعات أخرى

من ناحية أخرى، فإن جهود زيادة الأمان في نشاط البنوك قد تنقل المخاطر فعلياً إلى قطاعات مالية أخرى. فقد تتجه المخاطر نحو الصناديق النقدية ومؤسسات التسليف التجارية وقطاع التكنولوجيا المالية وشركات التأمين وشراء السلع أو الخدمات بالأجل وغيرها.

تخضع هذه المؤسسات لقواعد تنظيمية أقل مقارنة بالبنوك ولا تملك نفس إمكانية الاقتراض مباشرةً من نافذة الخصم التي يقدمها الاحتياطي الفيدرالي.

ليست هذه مجرد فرضية، إذ واجهت كل من الصناديق النقدية وشركات التأمين مشكلات كبيرة خلال الأزمة المالية التي حدثت في 2008.

في ضوء الأحداث الأخيرة، هناك ما يغري في فكرة تشديد متطلبات رأس المال بشكل كبير– برفع معيار كفاية رأس المال مثلاً إلى 40%. سيرفع ذلك من عنصر الأمان في البنوك مثلما ذكرتُ سابقاً، لكنه لن يرفع بالضرورة درجة الأمان في النظام المالي برمته.

هل يعني ذلك إلغاء القواعد التنظيمية؟

لذلك، يسمح صُناع السياسات للبنوك بأن تستمر في مسارها الذي يُحتمل أن تحيط به المخاطر. أياً كانت أسبابهم، فالحقيقة ما تزال أن اللوائح التنظيمية للبنوك لا يمكن أن تصبح شديدة الصرامة قبل أن تمتد المخاطر المالية إلى زوايا أخرى من النظام يُحتمل أن تنطوي على مخاطر أعلى.

وللتوضيح، فأنا لا أدافع عن إلغاء اللوائح التنظيمية. وما أقوله هو أن أي نظام للقواعد هو علاج مؤقت وليس حلاً نهائياً. إنها لعبة مستمرة تنطوي على التصدي للمشكلات كلما طرأت.

وهذا هو أحد العيوب الجوهرية في كل اللوائح التنظيمية، إذ تميل كل من الجهات التنظيمية وتلك التي تخضع لقواعد تنظيمية إلى اللجوء لاستخدام تعريف بأثر رجعي لأصل يتسم بارتفاع المخاطرة أو وضع استثمارات المحفظة.

أزمة مصرف "سيليكون فالي بنك"

خلال الأزمة المالية في 2008، كان نشاط شركة "إيه آي جي" (AIG) يتركز بدرجة عالية في نشاط المشتقات على سبيل المثال، وهو ما جعلها تحتاج إلى عملية إنقاذ لاحقاً. وأصبحت سمعة المشتقات المالية سيئة في العديد من القطاعات، كما اعتُبرت الأوراق المالية الحكومية ملاذاً آمناً.

في حالة مصرف "سيليكون فالي بنك"، كانت المشكلة هي العكس، إذ لم تكن محفظة البنك تتحوط بما يكفي من المشتقات وعقود مقايضة سعر الفائدة، ما جعلها عرضة لتقلبات كبيرة في أسعار الفائدة. كان لزاماً على البنك استخدام مزيد من المشتقات.

من السهل أن نقول: "بإمكاننا وضع قواعد تنظيمية لتجنب حدوث ذلك مجدداً". لكن تلك القواعد لن تحول دون وقوع أنواع جديدة من الأخطاء.

ثم هناك فكرة تكثيف الخطر المعنوي ببطء. عادةً ما ينتج عن الأزمات نوع من عمليات الإنقاذ، التي تخفض بدورها بعض إجراءات الوقاية من المخاطر على الأقل عندما يحدث ذلك مجدداً.

كبرى المشكلات

ربما تتمثل كبرى المشكلات في أن قطاع المال يميل إلى النمو من حيث الحجم في حالة الاقتصاد القوي. فنشاط الوساطة المالية يتركز عادة في الثروة وليس الدخل. ومع مرور الوقت، تميل نسبة الثروة إلى الدخل نحو الارتفاع.

يزداد إنتاج الاقتصاد وتصبح الهيئات والكيانات معمرة، وتتراكم عوائد الاستثمار لتفوق نسبة الإهلاك. لذا يصبح حجم القطاع المالي ضخماً بشكل متزايد مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي، حتى لو كان نسبة ثابتة تقريباً من الثروة.

مع نمو حجم القطاع المالي، هل يمكن إنقاذه بأكمله في ظل محدودية الموارد بالضرورة؟ هل يمكن الإشراف عليه بأكمله إشرافاً دقيقاً، سواء من خلال الحكومة أو حوافز السوق؟

هل هناك معروض كبير بدرجة كافية من الأصول الآمنة حقاً، مثل سندات الخزانة قصيرة الأجل، لتغطية المخاطر؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة، عاجلاً أم آجلاً، هي لا. لذلك السبب، إن سألتني عن توقيت الاستعداد للأزمة المالية التالية، فإجابتي دوماً هي: الآن.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة