أحد أسباب التفاؤل النسبي السائد هو أن العالم وصُنّاع القرار كانوا يستعدّون لمثل هذا السيناريو منذ زمن

هل تدمّر الأزمة المصرفية الراهنة الاقتصاد؟

حارس أمن خارج مصرف "سيليكون فالي بنك" يراقب طابوراً من الأشخاص خارج فرع البنك في سانتا كلارا، كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
حارس أمن خارج مصرف "سيليكون فالي بنك" يراقب طابوراً من الأشخاص خارج فرع البنك في سانتا كلارا، كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في ظل الإجراءات التنظيمية الاستثنائية بشأن مصرف "سيليكون فالي بنك"، والبيع القسري لبنك "كريدي سويس"، وصدور التقارير عن مشكلات أخرى في بنوك إقليمية أميركية، يُطرح سؤال عما إذا كانت ستشهد أميركا، أو ربما العالم كله، أزمة مالية كبرى أخرى، و"ركوداً كبيراً". لحسن الحظ؛ يبدو أنَّ الإجابة حتى الآن، هي "لا".

يتمثل أحد أسباب التفاؤل (النسبي) ببساطة في أنَّ العالم وصنّاع القرار كانوا يستعدون لهذا السيناريو منذ فترة. لا تظل ذكريات 2008-2009 حيّة فحسب؛ بل إنَّنا نخرج من جائحة تسببت، من منظور الاقتصاد الكلي، في ردود فعل في السياسة غير مسبوقة في معظم البلدان. قبل عام 2008، وعلى النقيض من ذلك، سادت حالة من السلام الاقتصاد الكلي، وكان الحديث الشائع يدور حول "الاعتدال الكبير"، مما يعني أنَّ الدورة الاقتصادية قد تكون شيئاً من الماضي. لكنَّنا نعلم الآن أنَّ هذا الرأي خاطئ إلى درجة كبيرة.

بعد مرور عام.. سياسة "الفيدرالي" لرفع الفائدة "مكلفة"

مع حلول عام 2023 تقريباً، بات بإمكاننا أن نتوقَّع بشكل معقول المزيد من الاضطرابات ومشكلات الاقتصاد الكلي. لكن في هذه المرة، سيكون عنصر المفاجأة مفقوداً، وهذا من شأنه أن يحدّ من احتمال حدوث انفجار حقيقي في القطاع المالي.

مشكلات لها حلول

تتناسب أنواع المشكلات المالية التي نواجهها في البنوك أيضاً، مع حلول مباشرة نسبياً. إذ تعني أسعار الفائدة المرتفعة أنَّ السندات والأصول الأخرى التي يمتلكها العديد من البنوك، لها قيم أقل، وهذا بدوره قد ينطوي على مشكلات في السيولة والملاءة المالية. لكن تلك الأصول المالية الأساسية عادة ما تكون مُعدّة لتسديد قيمها الاسمية بحسب ما هو متوقَّع، كما هو الحال مع الأوراق المالية الحكومية التي بحوزة مصرف "سيليكون فالي بنك".

هذا يُسهّل على بنك الاحتياطي الفيدرالي أو الحكومة الأميركية ترتيب مشتريات مؤسسة فاشلة، أو تقديم إقراض "نافذة الخصم". تعتبر الخسائر واضحة نسبياً وسهلة الإدارة، على الأقل مقارنةً بفترة 2008-2009، وفي معظم الحالات يكون السداد مضموناً، حتى لو كانت تلك التدفقات النقدية ذات قيم متوقَّعة أقل اليوم، بسبب ارتفاع معدلات الخصم.

"الفيدرالي" قادر على محاربة التضخم.. ووقف عدوى البنوك أيضاً

في حال بدأ الاقتصاد يتباطأ، ستنخفض أسعار الفائدة مرة أخرى، مما سيعزز بدوره قيم تلك الأوراق المالية الأساسية، ويخفف من حدة المشكلة. وعلى العكس من ذلك؛ أدى الركود الكبير السابق إلى انخفاض أسعار المساكن بشكل أكبر، وأدى ذلك بدوره إلى تزايد عدد حالات البيع لاسترداد الرهن (الحجز على العقارات)، الأمر الذي ضغط أكثر على أسعار وقيم الوحدات في سوق العقارات، لتتضرر بنتيجة ذلك كله الدورة الاقتصادية.

أزمة محصورة في المؤسسات المالية

عامل وقائي آخر، يتمثل في أنَّ ميزانيات الأسر هذه المرة في حالة جيدة. لقد تجاوزنا الآن فترة الزيادة الحادة في المدخرات التي شهدتها فترة الجائحة، وتدهورت الميزانيات لعدة أرباع، إذ أنفق المستهلكون فائض السيولة الذي كان بحوزتهم. لكن برغم ذلك؛ ما يزال الوضع العام مقبولاً، وهذا يحد من مخاطر حدوث تراجع في الاستهلاك على مستوى الاقتصاد ككل. من المرجح أن تظل المشكلات اليوم محصورة في البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، مقارنةً، على سبيل المثال، بفترة 2008-2009.

هل تعرض البنوك للعقارات التجارية المتعثرة يمثل أزمة جديدة؟

يرى بعض المتشائمين حالياً أنَّ المزيد من عمليات الإنقاذ للبنوك المعسّرة ستؤدي إلى معدلات تضخم عالية جداً بسبب الحاجة إلى توليد الأموال المطلوبة لتنفيذ عمليات الإنقاذ هذه. مع ذلك؛ فإنَّ الضغوط الصافية للبنوك المتعثرة انكماشية، إذ إنَّ الانهيار الفعلي سيؤدي إلى اختفاء العديد من الودائع المصرفية. إنَّ إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ هذه المؤسسات المالية في الواقع، تؤجل الانخفاضات المحتملة في نمو المعروض النقدي. كان الاحتياطي الفيدرالي نشطاً للغاية في أنشطة "نافذة الخصم" الخاصة به مؤخراً، لكن برغم ذلك، لا ينبغي أن نتوقَّع أي نوع من التضخم المفرط.

نزيف الأموال وتشديد الائتمان

إنَّ عمليات الإنقاذ المختلفة التي شهدناها، ليست بلا تكلفة. على سبيل المثال، قد تتسبب في حدوث مشكلات أكبر مرتبطة بالمخاطر الأخلاقية في المرة القادمة. لكن هذا لا يعني أنَّنا يجب أن نتوقَّع انهياراً مالياً هائلاً في الوقت الحالي. على الأرجح، سنرى زيادات في أقساط التأمين على الودائع، وكذلك متطلبات رأسمال أعلى للمؤسسات المالية.

موازنة بايدن ترفض الاعتراف بالواقع وتفشل في اختبار الديون

سيتم تمويل عمليات الإنقاذ الحالية من الزيادات في أقساط التأمين، فيما سيهدف رفع متطلبات رأس المال إلى الحد من عمليات الإنقاذ هذه في المستقبل. ستكون العواقب الفعلية نزيفاً للأموال من النظام المصرفي، وتشديداً للائتمان للمقرضين الإقليميين والمحليين، ومعدلات أبطأ للنمو الاقتصادي، خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. هذه أسباب تدعو إلى القلق، لكنَّها لا تنذر بمشكلات قابلة للانفجار في الوقت الحالي.

إصلاح الحاضر على حساب المستقبل

باختصار، التوقُّع العقلاني هو أنَّ الولايات المتحدة ستتعامل مع مشكلاتها الحالية، وتصلح الحاضر على حساب المستقبل. سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ؛ فإنَّ هذه هي الطريقة التي نتعامل بها مع معظم أزماتنا، إذ نأمل أن يؤدي الابتكار الأميركي وقاعدة المواهب القوية في أميركا إلى جعل تلك المشكلات المستقبلية قابلة للإدارة.

السوق الأهم في العالم بحاجة إلى الإصلاح قبل فوات الأوان

جزء من الفوضى الحالية التي نعيشها، يتمثل في ارتفاع مخاطر التضخم المصحوب بركود اقتصادي. قد تُثني المشكلات في النظام المالي الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة بالوتيرة التي خطط لها سابقاً، وهذا يزيد من خطر استمرار تضخم الأسعار بمعدل بين 4% إلى 5%، وقد ينتهي الأمر بأميركا بتضخم مصحوب بركود، على الأقل إذا كان القطاع المالي يعاني من مشكلات انخفاض التوظيف والنمو الاقتصادي.

في سنوات ما بعد الركود في الثمانينيات، واجهنا مشكلات كبيرة في القطاع المالي، من أزمة المدخرات، والقروض، وما كان يسمى حينها ديون العالم الثالث"، ولكن لم تكن هناك انهيارات مصرفية. تبدو التفاصيل مختلفة اليوم، لكن مع ذلك؛ يظهر التاريخ أنَّ مشكلات القطاع المالي، ليست بالضرورة مشكلات خارجة عن السيطرة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة