موجة التحفيز الحكومية تفشل في إنعاش قطاع الإسكان

الفقاعة العقارية تُطِلُّ برأسها في الصين ومخاوف من أزمة تمتد لأعوام

رجلان ينظران إلى بحيرة ومباني سكنية في الصين - المصدر: بلومبرغ
رجلان ينظران إلى بحيرة ومباني سكنية في الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لم تسهم موجة التحفيز الهادفة لإنعاش سوق الإسكان في الصين، والتي تقتصر على مليارات من القروض المصرفية وخفض أسعار الفائدة ودعم المطورين، بشئ يذكر لمساعدة "إيكو" على بيع منزلها بالقرب من شنغهاي.

تلقت الموظفة العاملة في مجال الإعلام أربعة عروض فقط من مشترين محتملين في ستة أشهر، وتفكر في خفض السعر المطلوب البالغ 3.3 مليون يوان (460 ألف دولار) بنسبة 10%، وتعتقد أن سوق الإسكان الراكدة، التي تعد الأسوأ في تاريخ الصين الحديث، ستدوم لأعوام.

قالت "إيكو"، التي طلبت إعلان اسمها الأول فقط خشية التعرض للانتقام بسبب نظرتها السلبية، إن "الجميع ينتظرون انخفاض أسعار المنازل بحدة قبل اتخاذ قرار الشراء، بالتالي ستظهر حلقة مفرغة".

يعد الواقع الميداني بالنسبة للبائعين مثل "إيكو" أكثر كآبة، رغم أن العديد من الاقتصاديين يقولون إن تباطؤ قطاع الإسكان في الصين لن يزداد سوءاً، وإن التحفيز سيبدأ هذا العام أو العام المقبل.

ما زالت مبيعات المنازل وأسعارها بطيئة، وسط التباطؤ الاقتصادي وقيود "صفر كوفيد". وتقترب ثقة المستهلك من مستوى قياسي منخفض، وأظهر مسح حديث للبنك المركزي الصيني أن 73% من الأسر تتوقع أن تظل أسعار العقارات دون تغيير أو تنخفض في المدى القريب. حتى عطلة الأسبوع الذهبي، التي عادة ما تكون وقتاً جيداً بالنسبة للعقارات، أصبحت غير قادرة على لعب دور الشرارة بعد انخفاض المبيعات بنسبة 38%.

الرخاء المشترك

بينما يجتمع الرئيس شي جين بينغ وقادة الحزب الشيوعي الآخرون، اليوم الأحد، لحضور مؤتمرهم الذي ينعقد مرتين كل عقد، فإن قلة من القضايا تعد أكثر أهمية من سوق الإسكان المتعثرة بسبب سياسات بكين الخاصة الهادفة للحد من مخاطر الائتمان مع جعل أسعار المنازل في متناول الجميع وفقاً لسياسة "الرخاء المشترك".

في ظل التقديرات التي تتراوح من 2.4 تريليون دولار لسوق المنازل الجديدة إلى 52 تريليون دولار لأعداد المنازل الحالية، فإن التوسع الهائل لقطاع العقارات السكنية في الصين يعني أن هناك الكثير على المحك.

تمثل العقارات نحو ربع الناتج المحلي ونحو 40% من أصول الأسرة. لا شك أن انفجار فقاعة بهذا الحجم دون إثارة أزمة مالية أمر صعب بالنسبة لأي حكومة، وأثبتت المحاولات السابقة في اليابان منذ عام 1989 والولايات المتحدة في 2007-2008 أنها كانت كارثية.

تداعيات الأزمة

يُظهر صُناع السياسة رغبة شديدة في التصدي للتداعيات من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات. جاء سماح الحكومة المركزية لنحو عشرين مدينة بخفض معدلات الرهن العقاري ضمن التحركات التي جرت مؤخراً. كذلك، طلبت الجهات التنظيمية المالية من أكبر البنوك الحكومية تقديم تمويلٍ لا يقل عن 600 مليار يوان للقطاع، بل وقدمت بكين أيضاً إعفاءً ضريبيا نادراً للأشخاص الذين يشترون منزل جديد في غضون عام من عملية البيع.

حتى الآن، لم تسهم أي من هذه التحركات كثيراً في استعادة الثقة في قطاع عانى من آلام لا حصر لها في الأشهر الـ18 الماضية. أضرت الحملة التي شنتها الحكومة الصينية على الاقتراض بمطورين مثل "تشاينا إيفرغراند غروب"، ما أدى إلى موجة من التعثر في سداد أكثر من 50 مليار دولار في سوق السندات الدولارية.

أظهر تحليل أجراه صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن 45% من المطورين ربما لا يتمكنوا من تغطية التزامات ديونهم من خلال الأرباح، ويمكن أن يتعثر 20% منهم إذا حُددت قيمة مخزونهم بأسعار العقارات الحالية.

ما زال مقياس الديون ذات العائد المرتفع يقع بالقرب من أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد، بينما انخفض مؤشر أسهم العقارات الرئيسي بنسبة 39% هذا العام. ولن ترتفع الأسهم والسندات العقارية على الأرجح إلا بعد انتعاش مبيعات المنازل.

يشعر المستهلكون بالضغط أيضاً، حيث أثارت الاضطرابات احتجاجات غير مسبوقة بعد أن أدت أزمة السيولة التي عانى منها المطورون إلى تأخير أعمال البناء في جميع أنحاء الصين، ما دفع مئات الآلاف من مُلاك المنازل إلى مقاطعة مدفوعات الرهن العقاري لحين بناء منازلهم.

تعتبر التداعيات غير المباشرة المحتملة على الاقتصاد هائلة. وترى ملايين الأسر أن أصولها تفقد قيمتها سريعاً، بينما أدت عمليات الإغلاق المفروضة للتصدي لوباء كوفيد إلى تراجع ثقة المستهلك. يترجم هذا إلى زيادة قياسية في المدخرات وتراجع الطلب على القروض إلى أدنى مستوى له منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية. في العام حتى سبتمبر، مددت البنوك أقل قدر من الرهون العقارية في أي عام منذ عام 2015.

يحطم الانكماش الحالي، الذي دخل الآن عامه الثاني، بالفعل الأرقام القياسية، مما يجعله أشد وأطول ركود منذ بدء ملكية المنازل الخاصة في التسعينيات. بينما شهدت المبيعات في المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشنتزن ارتفاعاً طفيفاً في الأسابيع الأولى من سبتمبر، وظلت السوق الإجمالية المقومة بالدولار لأكبر 100 مطور منخفضة بنسبة 25٪ الشهر الماضي عن العام السابق.

أبرم "لينغمو"، وهو وكيل عقارات في شنغهاي، صفقتين فقط منذ أن رفعت المدينة عمليات الإغلاق في يونيو. وأوضح أن متوسط عدد المنازل المستخدمة المباعة في مبنى واحد انخفض إلى أقل من 10 خلال الأشهر الستة الماضية، مقارنة بحوالي 30 إلى 50 في العام الجيد، حيث غادر العملاء المدينة أو ينتظرون توقف الأسعار عن الانخفاض.

قال "لينغمو"، الذي أراد استخدام اسمه الأول فقط وعمل في العقارات لأربعة أعوام: "من الصعب حقاً لعب دور الوسيط في صفقة هذه الأيام"، معرباً عن أمله في تحسن السوق بعد تخفيضات أسعار الفائدة. وتابع: "إذا لم تتمكن من تأمين أي صفقة، فلن تحصل على أجر أكثر من أجرك الأساسي. أشعر بالضغط".

ثبات السوق

يقول بعض الاقتصاديين إن تحركات السياسة النقدية، بجانب التخفيف التدريجي لقيود "كوفيد"، قد تساعد السوق في إيجاد أرضية هذا العام والاستقرار حتى عام 2023، علماً بأن عدد قليل فقط هم الذين يعتقدون في إمكانية تسجيل انتعاش حاد.

كتب محللو "مورغان ستانلي"، بمن فيهم ستيفن تشيونغ وكلوي ليو، في مذكرة بتاريخ 9 أكتوبر: "تهدف إجراءات الحكومة إلى منع الصعوبات في سوق العقارات من الامتداد إلى الاقتصاد الأوسع بدلاً من تحفيز سوق الإسكان". ولا يعتقد المحللون في إمكانية تسجيل انتعاش في السوق حتى الربع الثاني من العام المقبل، كما يقول "دويتشه بنك" إن السوق ربما تكون قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في أغسطس.

يسلط المتفائلون الضوء على الطبقة الوسطى المزدهرة في الصين التي من شأنها تعزيز مستويات جديدة من الإنفاق. وتفوقت الصين على اليابان باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2010، وهذا بفضل أكبر توسع حضري في التاريخ.

مع ذلك، تقول "بلومبرغ إيكونوميكس" إن هذا الاتجاه آخذ في التباطؤ، حيث يعيش حوالي 65% من سكان الصين الآن في المدن. تعليقاً على ذلك، قال تشانغ تشو، كبير الاقتصاديين الآسيويين في "بلومبرغ إيكونوميكس"، إن المعروض من المنازل بحاجة للانخفاض بنحو 25% ليتماشى مع الطلب الأساسي المتوقع في عام 2031. ويستبعد الطلب الأساسي المشترين المضاربين.

هناك معروض كثير بالفعل بعد أن بدأ مطورون مثل "إيفرغراند" في جنون الاقتراض خلال العقد الماضي لبناء المزيد من الشقق. وتقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن هناك نحو 2.8 مليار متر مربع من العقارات شاغرة حالياً، وهي مساحة تبلغ 47 ضعف مساحة مانهاتن.

حتى مع اتخاذ بكين خطوات لدعم السوق، تمسكت الحكومة بشعارها القائل بأن "المنازل مخصصة للعيش فيها، وليس للمضاربة"، ما يشير إلى عدم وجود مصلحة في العودة إلى حقبة الانطلاق في العقد الماضي. كذلك، يتعلق إنهاء أعمال بناء المنازل غير المكتملة بالحد من الاضطرابات الاجتماعية وحماية الاستقرار المالي.

قال آدم وولف، الخبير الاقتصادي في شؤون الأسواق الناشئة لدى شركة "أبسولوت استراتيجي ريسيرش" (Absolute Strategy Research) بلندن: "السلطات المركزية ستتعهد على الأرجح بنوع من الالتزام العام والموثوق لضمان اكتمال بناء المنازل حتى النهاية". وتابع: "ألقى شي جين بينغ بضع كلمات مفادها أن هذه أولوية سياسية قد تفي بالغرض".

يغذي هذا الاتزان الرهانات بأن "شي" سيفعل المزيد خلال فترة ولايته الثالثة لضمان اجتياز الصين للأزمة. ولم يدعُ أي من الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع "بلومبرغ" إلى حدوث ركود في أي وقت قريب، بل إن متوسط التقديرات يشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1% في عام 2023، ارتفاعاً من 3.4% هذا العام.

قالت آن ستيفنسون-يانغ، المؤسسة المشاركة لشركة الأبحاث "جيه كابيتال ريسيرتش" (J. Capital Research)، والتي لم تبدِ سوى توقعات سلبية بشأن سوق العقارات الصينية، إن "الصين كدولة ستجتاز الانكماش العقاري، فهي تفعل ذلك دائماً، لكن الناس سيتكبدون خسائر وسيُطلب من البنوك الموافقة على قبول أموال أقل".

حاول خبراء الاقتصاد في بنك "مورغان ستانلي" مؤخراً توقع ما سيحدث إذا عانت بكين من تباطؤ، وهو ما يحاكي اختبار إجهاد من شأنه أن يؤدي إلى نمو بنسبة 1% فقط في النصف الأول من العام المقبل وخسارة 11 مليون وظيفة. ورسم صندوق النقد الدولي صورته القاتمة عن كيفية تحول ركود الإسكان إلى أزمة مصرفية. في أحد السيناريوهات، قد تتعرض 15% من البنوك الصغيرة للانهيار المالي.

قال لاري هو، الاقتصادي في "ماكواري غروب" (Macquarie Group)، الذي توقع خلال العام الماضي استمرار سياسات بكين المشددة حتى عام 2022: "كل ما يمكنك فعله هو إلقاء نظرة على التاريخ وتقديم تخمين مدروس". وتابع: "ماذا لو تمكنت السلطات من تحمل 12 شهراً أخرى من دورة التباطؤ؟ هذا هو السيناريو المروع الجديد الخاص بك".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك