يخلق قدوم متحوِّر "أوميكرون" من سلالة فيروس كورونا تهديداً يتمثل في جعل رؤساء البنوك المركزية عرضة لمواجهة تحديات جديدة عبر تهديد النمو الاقتصادي في ظل تصاعد ضغوطات التضخم.
يعتبر ذلك بمثابة التحليل المبدئي بالنسبة للاقتصاديين، الذين أصدروا تحذيراً من أنَّ القيود الحديثة المحتملة التي قد يجري فرضها على النشاط التجاري ستؤدي إلى ظهور خطر سيفسد خطط إلغاء برامج التحفيز النقدي مع اتساع الاختلالات نفسها التي عزَّزت الموجة الراهنة من الصعود في أسعار المستهلكين.
تعرف على سيناريوهات تأثير "أوميكرون" على الاقتصاد العالمي
وجَّه فيروس "أوميكرون" ضربته للعالم قبيل أسابيع فقط من قرارات جوهرية للبنوك المركزية على مستوى العالم، إذ من الممكن أن يُسرِّع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من عملية خفض برامج التحفيز المالي، وتوجد احتمالية قيام بنك إنجلترا بزيادة أسعار الفائدة الأساسية، ويضع البنك المركزي الأوروبي خطة لسبل تقليص منطقة اليورو لعمليات الشراء الطارئة للسندات.
"أوميكرون" يطيح بمكاسب أسهم كوريا الجنوبية المحققة في 2021
تهديد النمو والتوظيف
وأشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول إلى ديناميكيات مزدوجة ناجمة عن فيروس "أوميكرون" يقدِّمها للاقتصاد خلال تصريحات معدة سلفاً يوم الإثنين قبيل موعد انعقاد جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي.
قال باول، إنَّ "أوميكرون" يعرِّض التوظيف والنمو لـ "مخاطر هبوطية"، بيد أنَّه يخلق حالة من "عدم اليقين متنامية" بالنسبة للتضخم.
من جانبه، قال أليكس برازير، وهو محلل استراتيجي في معهد "بلاك روك إنفستمنت" الذي كان مسؤولاً رفيع المستوى لدى بنك إنجلترا سابقاً: "ربما يدفع ذلك البنوك المركزية للتساؤل عن التوقيت والمدى الزمني الخاص بعمليات رفع أسعار الفائدة الأساسية، التي كانت الأسواق تقوم بتسعيرها على مدى العام القادم".
أضاف: " يتعلق السؤال بمدى التأخير الناجم عن ذلك بالنسبة لاستئناف النشاط الاقتصادي". تابع: "يعني ذلك وجود تأخير حدوث نمو أكثر ضعفاً في المدى القصير، بيد أنَّ النمو سيكون أقوى في وقت لاحق".
"جيه بي مورغان": أوميكرون لن يوقف صعود الأسهم عالمياً
سلاسل التوريد
تواجه عملية اتخاذ القرار من قبل صانعي السياسات صعوبات في ظل وجود مخاطر تتعلق بأن يسفر "أميكرون" عن فرض قيود جديدة على مراكز الصناعة في دول مثل الصين، مما سيسفر عنه تدهور المشكلات ذات الصلة بسلاسل التوريد، خاصة في ظل تفاقم العجز في العمالة لدى أماكن أخرى، في حين يمتنع الناس عن العودة إلى العمل جراء المخاوف الصحية.
مثل تلك القوى في إمكانها أن تسهم في ارتفاع معدلات تضخم الأسعار، التي تتعرَّض فعلياً لتهديد باحتمال حدوث تصاعد جراء قوة الطلب الاستهلاكي المتجه لموسم الأعياد، بدعم من المدخرات الحبيسة.
في الجهة المقابلة، من الممكن أن تتضمن العوامل الأخرى المناهضة لارتفاع التضخم عمليات بيع أكبر في أسواق المال على غرار حدوث تراجع في أسعار الطاقة مع نهاية الأسبوع الماضي.
قال جوردان روتشستر، ويعمل خبيراً استراتيجياً في شركة "نومورا إنترناشيونال": "سيصبح الموقف سيئاً بالنسبة للنمو الاقتصادي في حال عودة الإغلاق مجدداً، بيد أنَّ الأمر ليس بالوضوح نفسه على صعيد معدلات التضخم".
وأضاف: "في المدى المتوسط، من غير الواضح أنَّ ذلك بمثابة أحد العوامل المضادة لارتفاع معدل التضخم، ويرجع ذلك إلى أنَّ سلاسل التوريد ستواجه صعوبات لمدة زمنية أطول، وستستمر قوة الطلب موجودة لدى المستهلكين، بالإضافة إلى أنَّ ميزانيات الأسر تتمتع بقوة أكبر بالمقارنة مع سنة 2019".
تفاقم التضخم
بات وضع معدلات التضخم أشد قتامة أمس الإثنين، في الوقت الذي أعلنت فيه ألمانيا عن أنَّ صعود الأسعار جاء أكثر مما كان متوقَّعاً خلال شهر نوفمبر الجاري، وحققت إسبانيا معدل الصعود الأعلى على صعيد تكلفة المعيشة منذ ثلاثة عقود تقريباً. من المنتظر صدور بيانات منطقة اليورو اليوم الثلاثاء.
حتى قبيل وصول الفيروس المتحوِّر الجديد، ألمح رئيس البنك الوطني الهولندي كلاس نوت إلى خطر تزايد ضغوطات الأسعار، في حين يدرس التأثير المحتمل جراء الإغلاق الجديد الذي يرمي إلى السيطرة على حالات الإصابات المتنامية.
أوضح نوت الذي يعد واحداً من أكثر المسؤولين تشدداً في البنك المركزي الأوروبي، في تصريحات لتلفزيون بلومبرغ خلال الأسبوع الماضي، أنَّه "سيكون لهذه التدابير تأثير محدود على نشاط الاقتصاد، إلا أنَّ التأثير على معدلات التضخم فعلياً سيكون غامضاً أكثر، لأنَّه ربما يعزز أيضاً وجود بعض المخاوف لدينا، والمتعلقة بحدوث اختناقات في جانب العرض".
برغم ذلك، ظهر بعض رؤساء البنوك المركزية مرتاحين أمس الإثنين في ظل تقييمهم للتوقُّعات منذ وقت اكتشاف فيروس "أوميكرون". قال رئيس بنك اليابان هاروهيكو كورودا، إنَّ الفيروس المتحوِّر الجديد لم يسفر عن تغيير توقُّعاته الخاصة بعودة الاقتصاد الياباني إلى تحقيق معدلات نمو في وقت قريب، في حين قال رئيس بنك فرنسا فرانسوا فيليروي دي غالو، إنَّه "لا يجب أن يجري الكثير من التعديل على توقُّعات الاقتصاد لديه".
بالنسبة إلى نيل شيرينغ، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "كابيتال إيكونوميكس"؛ فإنَّ "فيروس أوميكرون على ما يبدو يظهر بطريقة متنامية، وكأنَّه بمثابة صدمة مختلفة ناجمة عن الوباء بالمقارنة مع الصدمة المعتادة لرؤساء البنوك المركزية".
قال: "في ظل المقارنة مع موجات سابقة من تفشي فيروس كورونا، والتي جاءت بشكلٍ متوازن بالنسبة للتضخم؛ فإنَّه من الممكن حدوث موجة جديدة تضخمية هائلة في الوقت الحالي".