قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنَّ روسيا تهدف إلى مواصلة إمداد العملاء الأوروبيين بالغاز، حتى مع مطالبتهم بالتحول إلى الدفع بالروبل، مما يخفف من المخاوف من أن يؤدي التحول إلى اضطرابات من أكبر مورّد في القارة.
وأوضح بوتين للمسؤولين في تعليقات متلفزة توضّح الآلية الجديدة للمدفوعات بالروبل: "تقدّر روسيا سمعتها التجارية، لقد امتثلنا وسنمتثل في المستقبل للالتزامات بموجب جميع العقود، بما في ذلك عقود الغاز". وأضاف: "سنواصل توريد الغاز بالكميات والأسعار المحددة في الاتفاقيات طويلة الأجل الحالية"، محذّراً من أنَّ الشحنات ستتوقف للعملاء الذين لا يقبلون بالشروط الجديدة ابتداءً من يوم الجمعة.
بوتين يطالب "الدول غير الصديقة" بدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل
استبعد مسؤولون أوروبيون أن يؤثر التغيير على الإمدادات، إذ قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابك: "بالنسبة لنا، فيما يتعلّق بتهديد بوتين أو إعلانه أو خطته – لم يعد يعرف المرء حقاً ما يمكن تسميته - للحصول على المدفوعات بالروبل، النقطة الأساسية هي أن يتم الحفاظ على العقود".
شروط العقود
عندما أعلن بوتين لأول مرة عن طلب الدفع بالروبل الأسبوع الماضي؛ رفض المسؤولون الأوروبيون ذلك، قائلين إنَّ هذه الخطوة تنتهك شروط العقد. لكنَّ الكرملين نشر الخميس مرسوماً رئاسياً يحدد آلية السماح للمشترين الأجانب بتحويل أموالهم من الدولار واليورو إلى العملة الروسية عبر بنك تسيطر عليه الدولة.
قفز سعر الغاز القياسي الأوروبي بعد نشر الأمر، لكنَّه قلّص المكاسب في وقت لاحق. أدى الخوف من احتمال قطع الغاز الروسي - الذي تفاقم بسبب تهديدات الدفع بالروبل- إلى ارتفاع الأسعار في الأيام الأخيرة.
قال مسؤول في الرئاسة الفرنسية، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنَّ الآلية الجديدة لا تغير المدفوعات المنصوص عليها في العقود، التي ستستمر كما كانت من قبل. لكنَّ المسؤول قال، إنَّ فرنسا تعد خطة طوارئ للغاز، في ضوء كل الشكوك.
تفعيل خطة الطاقة الطارئة الألمانية يرفع أسعار الغاز في أوروبا
صوّر بوتين في البداية الخطوة ضد "الدول غير الصديقة" على أنَّها انتقام من العقوبات الغربية الشاملة المفروضة على غزوه لأوكرانيا. ولمّح الكرملين، الذي يسعى لاستخدام نفوذه كأكبر مورّد للغاز في أوروبا، إلى أنَّه قد يقطع الغاز عن الدول التي ترفض الدفع بالروبل. لكنَّ مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى رفضت الطلب رفضاً قاطعاً، قائلة إنَّه ينتهك الشروط التعاقدية.
مجموعة السبع ترفض طلب بوتين الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي
حذّرت السلطات في ألمانيا والنمسا من أنَّ الخلاف قد يؤدي إلى انقطاع الإمدادات الحيوية.
قال المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي ناقش القضية في اتصال هاتفي مع بوتين، يوم الخميس: "في كل الأحوال، يبقى الحال أنَّ الشركات تريد، وتستطيع، وستواصل الدفع باليورو".
صرّح شولتس للصحفيين في برلين يوم الخميس قائلاً: "نظرنا في عقود توريد الغاز المكتوب فيها أنَّ الدفع يجب أن يتم باليورو وأحيانا بالدولار، ولكن في أغلب الأحيان باليورو... وقد أوضحت في حديثي مع الرئيس الروسي أنَّ الأمر سيبقى على هذا النحو... وما هي أفكاره لتحقيق ذلك - هذا شيء سننظر إليه الآن".
مرسوم الكرملين
ينص مرسوم الكرملين على دفع تكاليف عمليات تسليم الغاز اعتباراً من 1 أبريل بالروبل. سيتعيّن على المشترين الأجانب فتح حسابات خاصة بالروبل والعملات الأجنبية في "غازبروم بنك" (Gazprombank) ليعالج المدفوعات، الأمر الذي يمكن القيام به عن بُعد. يقوم المشترون بتحويل العملات الأجنبية لدفع ثمن الغاز إلى حساباتهم، ويُحّول "غازبروم بنك" الأموال إلى روبل في بورصة موسكو، على أن يرسل البنك العملة المحلية إلى حساب المشتري بالروبل ليتم الدفع لشركة "غازبروم". يعتبر الدفع مكتملاً عندما يصل الروبل إلى حساب شركة "غازبروم".
أعلن بوتين أنَّ الهدف من الآلية الجديدة هو منع الحكومات الغربية من محاولة مصادرة المدفوعات بالعملة الأجنبية أو الحسابات التي تمر من خلالها. إذ قال "إذا تم توفير الغاز ودفع ثمنه بموجب المخطط التقليدي؛ فيمكن تجميد المدفوعات الجديدة بالدولار واليورو".
إرسال رسالة
تقول كاتيا يافيمافا، زميلة باحثة أولى في "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة": "أعتقد أنَّ روسيا أرادت في النهاية إرسال رسالة مفادها أنَّه طالما يتم دفع ثمن الغاز في الوقت المناسب وبالكامل - بغضِّ النظر عن العملة المستخدمة - فإنَّ الغاز سيستمر في التدفق.. إذا فقدت أوروبا إمدادات الغاز الروسي، فلن يكون ذلك بسبب قطعه من قبل روسيا، ولكن بسبب عدم دفع أوروبا المقابل".
اقتصاديون ألمان يحذّرون من الركود حال توقف إمدادات الغاز الروسي
وترى يافيمافا أنَّ الدافع الآخر ربما كان حماية "غازبروم بنك" - أحد البنوك الروسية الكبرى القليلة التي تجنّبت استهدافه أشد العقوبات الغربية صرامة حتى الآن- من القيود المستقبلية.
تحصل أوروبا على حوالي 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وهي تكافح بالفعل من تداعيات الأسعار القياسية لهذا الشتاء.
قال اقتصاديون، إنَّ التأثير على الروبل سيكون على الأرجح محدوداً لأنَّ شركة "غازبروم" مطالبة بالفعل بتحويل 80% من أرباحها من العملات الأجنبية إلى الروبل في ظل ضوابط رأس المال التي فرضت بعد العقوبات الأخيرة. سيرفع هذا التحول فعلياً ذلك إلى 100%، وهو ليس تغييراً ضخماً بما يكفي ليكون له التأثير الكبير على العملة، وفقاً لخبراء اقتصاديين.