المسيّرات هل هي فقاعة أم أنها مستقبل الحروب؟

الحديث عن سوق مبهمة للمسيّرات يضع شركات تصنيع الأسلحة الناشئة في مواجهة الشركات القائمة

time reading iconدقائق القراءة - 8
نيران مشتعلة في أعقاب هجوم طائرة بدون طيار روسية من طراز \"كاميكازي\" في كييف 17 أكتوبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
نيران مشتعلة في أعقاب هجوم طائرة بدون طيار روسية من طراز "كاميكازي" في كييف 17 أكتوبر 2022 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

حتى مع تسبب المسيّرات بسقوط معظم ضحايا جبهات القتال في أوكرانيا، ومع ولوج المسيّرات الروسية المجال الجوي الأوروبي، يُحذّر رئيس أكبر شركة دفاعية في ألمانيا من أن هذه التقنية الثورية "قد تكون فقاعة كبيرة".

قد يكون الرئيس التنفيذي لشركة ”راينميتال“ أرمين بابرغر محقاً بشأن الجوانب الاقتصادية المعقدة لبناء مسيرات بتكلفة منخفضة جداً على نطاق واسع، وإمكانية أن تُخفّف تقنيات مكافحة الطائرات المسيرة من تأثيرها. لكن شركات المقاولات العسكرية الرائدة، مثل ”راينميتال“، تواجه منافسة شرسة من شركات ناشئة لتحصيل عقود دفاعية مربحة. هناك كثير من الأمور معلقة على ما إذا كانت المسيّرات أساسية في حروب المستقبل، أم أنها مبالغ فيها.

أوكرانيا تنفذ هجمات بطائرات مسيرة على مصفاتي نفط روسيتين

لقد كانت قدرة أوكرانيا على إنتاج ملايين الطائرات المسيرة بتكلفة زهيدة واستخدامها لتدمير الدبابات الروسية، موقعة خسائر بأضعاف التكاليف، أساسيةً في إبعاد المعتدي عنها. مع ذلك، لقد طورت موسكو قدراتها في مجال المسيرات، ما جعل منظمة حلف شمال الأطلسي تبدو معرضة للخطر.

أميركا تريد مسيّرات استهلاكية

وصف وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث المسيّرات بأنها "أكبر ابتكار في ساحة المعركة منذ جيل"، وتعهد في يوليو بتسريع عملية شراء المسيّرات والموافقة على شراء مئات النماذج الأميركية من قبل الجيش الأميركي. وقال في مذكرة: "يجب أن تكون رخيصة، وقابلة للاستبدال بسرعة، ومصنفة على أنها مستهلكات".

"الناتو" يعزز الحدود الشرقية بعد اختراق طائرات مسيرة روسية

في الشهر السابق، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن تمويل يزيد عن 4 مليارات جنيه إسترليني (5.4 مليار دولار) لأنظمة المسيّرات والأنظمة ذاتية التشغيل لتمكين نهج أكثر تركيزاً على المسيّرات في الحروب المستقبلية.

فيما تهيمن شركات الدفاع الكبرى على سوق الطائرات المسيرة الكبيرة، فإن معظمها ليس متأهباً لتصنيع مسيّرات منخفضة السعر، ما يترك باب مكتب المشتريات العسكرية مفتوحاً للشركات الناشئة التي تعد بابتكار أسرع بتكلفة منخفضة.

تضاعف تمويل رأس المال الاستثماري أكثر من الضعف مقارنةً بعام 2021. تتصدر شركة ”أندوريل إندستريز“ الأميركية للمسيّرات المُسلّحة، التي شارك في تأسيسها المخترع بالمر لوكي عام 2017، هذه القائمة بعد أن قُدّرت قيمتها بأكثر من 30 مليار دولار في جولة تمويل خاصة حديثة بقيمة 2.5 مليار دولار- أي ما يعادل مضاعفاً قوياً يبلغ حوالي 30 ضعف إيرادات العام الماضي.

رئيس "راينميتال" غير مقتنع

يوجد في أوروبا الآن ما لا يقل عن ثلاث شركات ناشئة في مجال المسيّرات العسكرية: شركة ”تيكيفير“ البرتغالية، وشركة ”كوانتوم سيستمز“ وشركة ”هيلسينغ“ الألمانيتين. تأسست ”هيلسينغ“ عام 2021، وتُقدّر قيمتها بنحو 12 مليار يورو (14.2 مليار دولار).

على الرغم من أنها بدأت كشركة ذكاء اصطناعي ميداني، إلا أن هيلسينغ تحولت منذئذ إلى بناء مسيرات؛ وقد ألمح استحواذها على شركة ”غروب إيركرافت“، التي تصنع طائرات خفيفة الوزن، في يونيو، إلى طموحاتها في مجال الأجهزة، التي يُقال إنها تشمل القدرة على توجيه ضربات عميقة. في حين انهارت شراكة ناشئة بين ”هيلسينغ“ و“راينميتال“ العام الماضي، تواصل الأخيرة العمل مع ”أندوريل“.

الطائرات المسيرة تخلق جيلاً جديداً من صُنّاع السلاح

ملفت إذاً أن رئيس راينميتال التنفيذي، وهو أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في جهود إعادة التسليح الأوروبية، صرّح لصحيفة ”وول ستريت جورنال“ خلال المعرض الدولي لمعدات الدفاع والأمن في لندن هذا الشهر بأنه "غير مقتنع شخصياً بأن قطاع المسيّرات ضخم كما يعتقد كثيرون".

وقال إن الحكومات لا تحتاج إلى مئات آلاف المسيرات، وأن أسعارها تنخفض بسرعة، في إشارة إلى المسيّرات قصيرة وطويلة المدى، منخفضة التقنية نسبياً، والمُصنّعة تجارياً، التي تُباع الآن بحوالي 1000 و2500 يورو على التوالي- وهو النوع الذي تتفوق أوكرانيا في صنعه. تكلف مسيّرات ”أندوريل“ وهيلسينغ المسيرة عالية الجودة أضعاف هذا المبلغ.

هل هي مشكلة عرض أم طلب؟

تحتاج الشركات الناشئة إلى طلبات ضخمة لتوسيع مصانعها، وتحقيق عائد مناسب، وتبرير تقييماتها المرتفعة؛ لكن في حين تزيد برلين إنفاقها الدفاعي بشدة، إلا أنها لم تشترِ بعدُ كميات كبيرة من الطائرات المسيرة. ورغم قدرتها على تحديث برمجياتها، فإن تكديس الطائرات المسيرة الرخيصة قد يؤدي إلى تقادمها، وهو أمرٌ يُقال إن مسؤولي الدفاع الألمان قلقون منه.

لا تُمثل هذه مشكلة كبيرة لشركة راينميتال، التي زادت قيمتها السوقية بنحو 20 ضعفاً منذ بداية حرب أوكرانيا لتصل إلى 88 مليار يورو، نظراً للتوقعات بإمكانية استحواذها على حوالي ربع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بحلول نهاية العقد.

هل سعت روسيا لاغتيال صانع أسلحة أوكرانيا الأول.. الألماني؟

برغم أنها تُورّد أجزاء هياكل طائرات (إف-35) المقاتلة، وقيل إنها تُنافس على بناء طائرة برلين المسيرة ذات الضربات العميقة، إلا أن خبرتها تتركز بشكل أساسي في الأنظمة الأرضية مثل المركبات المدرعة وقذائف المدفعية. قد يُصبح هذا التركيز التقليدي على المنتجات عائقاً في يوم من الأيام إذا بدأ مستثمرو الدفاع في تفضيل مزيد من المبرمجات.

لكن راهناً، تتمتع ”راينميتال“ بمكانة قوية، وتتوقع طلبات بمليارات اليوروهات لنظام متحرك مضاد للطائرات بدون طيار يُسمى "سكاي رينجر"، الذي تنفجر ذخيرته في الهواء أمام الهدف. وهو واحد من مجموعة من تقنيات مكافحة الطائرات بدون طيار، بما في ذلك الليزر وأجهزة التشويش الإلكترونية، التي يروج لها المقاولون لحل مشكلة الاضطرار لإسقاط المسيّرات الرخيصة باستخدام أسلحة بعيدة المدى مكلفة تحملها طائرات مقاتلة، كما فعلت بولندا في وقت سابق من هذا الشهر.

ورغم عدم توفر هذه التقنيات بكميات كافية حتى الآن، إلا أنها قد تكون أقل عرضة للتقادم، وقد أثارت جدلاً حول "نهاية تفوق الطائرات المسيرة" الوشيكة- وهي وجهة نظر يبدو أن ”راينميتال“ تتفق معها. وقد صرّح ممثل عن ”راينميتال“ للمستثمرين في وقت سابق من هذا الشهر بأنه مع وجود نظام دفاع جوي جيد، "لن تُشكّل الطائرات المسيرة تهديداً حقيقياً في ساحة المعركة لأنها تُحلّق بطيئة وعلى ارتفاع منخفض".

مستقبل مهم للمسيّرات

ما أزال أعتقد أن للمركبات الجوية غير المأهولة مستقبلاً مبهراً: إحدى الطرق الواعدة لإحباط غارات الطائرات المسيرة هي استخدام طائرات أسرع، تُعرف باسم الطائرات الاعتراضية، للاصطدام بها أو باستخدام رأس حربي. بالتالي، يبدو أن المسيّرات في ساحة المعركة ستجلب مزيداً من المسيّرات لصدّها، ناهيك عن التطبيقات العسكرية الأكثر تطوراً مثل الطائرات المقاتلة غير المأهولة التي تُقدّر بملايين الدولارات.

إن توفير البرمجيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُمكّن ما يُسمى بأسراب المسيّرات والقتال الجوي المستقل يُمثل فرصاً مربحةً محتملةً قد تُعزز التقييمات العالية.

ومع ذلك، تضطر الشركات الناشئة إلى إبراز مهاراتها البرمجية من خلال تصنيع الأجهزة أيضاً، وهو أمرٌ أقل ربحية وأعلى مخاطراً بطبيعته. إن توسيع نطاق التصنيع وإنشاء سلاسل توريد تتخلى عن المكونات الصينية الشائعة أصعب بكثير من إنتاج أسطح لامعة؛ وبمجرد انتهاء حرب أوكرانيا، يُرجح أن تواجه هذه الشركات منافسة شرسة من المنافسات الأوكرانيات التي صقلت مهاراتها في الحرب.

إن القدرة على اختبار المسيّرات في ساحة المعركة الأوكرانية وحل أي مشكلات تُقدم بعض الضمانات بأن الغرب سيحصل في النهاية على معدات جيدة. ونظراً لتعدد التهديدات الناشئة، والشعور السائد بأن الغرب قد تخلف في مجال المسيّرات، والاتجاه السائد لاستبدال المقاتلين البشر بمعدات غير مأهولة، فقد يكون المستثمرون مُحقين في أن الحكومات لم تبدأ بعد في زيادة الإنفاق.

إذا كانت المسيّرات فقاعة، فما يزال أمامها متسعٌ من الوقت لتتضخم أكثر.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

logo

برلين

5°C
مطر متوسط الغزارة
العظمى / الصغرى /
14.8 كم/س
95%